مايكل فايس * - (ديلي بيست) 18/11/2015
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
دراجات نارية وحافلات صغيرة، بطاقات هوية مزورة ونداءات استغاثة ومكالمات محمومة. هكذا يغادر جاسوس وقائد ميداني سابق أراضي "الدولة الإسلامية".
مع كل الانتباه الذي يتجه إلى تنظيم "داعش" الآن، ثمة القليل نسبياً مما هو معروف عن أعماله الداخلية. لكن رجلاً يزعم أنه كان عضواً في أجهزة أمن ما تدعى "الدولة الإسلامية"، تقدم ليعرض هذه الرؤية الداخلية. وترتكز هذه السلسلة على أيام من المقابلات التي أجريتها مع جاسوس "داعش".
* * *
إسطنبول، تركيا - نظر إليّ أبو خالد عبر الطاولة خارج مقهى الشيشة في ضاحية لاليلي السياحية في إسطنبول. عبر الشارع، كادت السيارات تصطدم ببعضها بعضا تقريباً عند كل ثانية في حمأة تفاعل محموم. وعرضت واجهات المحلات التجارية التحت-أرضية تقريباً -نوافذها نصف مدفونة تحت الرصيف- كل شيء من الهواتف المحمولة إلى معاجين الأسنان إلى آخر تقليعات الأزياء النسائية -أو، الأصناف المقلدة الرخيصة منها لأولئك الذين لا يعرفون الفرق أو يهتمون به كثيراً. ووسط ضجيج المدينة العالمية في ساعة الذورة، جاءت دعوة المؤذن داعية إلى الصلاة، وتدفق سيل متواصل من موسيقى بوب أوروبية لحوحة فظيعة من مكبرات الصوت في المقهى، والتي طالبنا بخفض صوتها عبثاً.
على الرغم من أن إرهاب "داعش" كان قد ضرب في داخل تركيا في الأسبوع السابق فقط، بدت المنظمة التي تطلق على نفسها اسم "الدولة الإسلامية" بعيدة جداً من هنا. في الحقيقة، قال لي أبوخالد، يريد الناس الذين يديرونها أن يشعر مواطنوهم كما لو أنهم يعيشون في عالم خاص بهم، عقولاً أسيرة في مجتمع مغلق. لكن العالم الحقيقي مكان صغير، وقال هذا المنشق من مخابرات "داعش" إنه لم يكن الوحيد الذي أصبح يشعر بعدم الراحة هناك.
"بدأت تنتاب الناس مشاعر سيئة إزاء كل ذلك الكذب"، قال أبو خالد. "إنك إذا قرأت الأخبار... ليس هناك تلفاز، وإنما صحيفة داعش فقط، فإنها تقول إننا ما نزال في كوباني"، المدينة الكردية التي استعيدت من "داعش" بمساعدة غارات القصف الجوي التي قادتها الولايات المتحدة في العام الماضي.
يتنافس الكذب الغامر في الخلافة مع مناخ من تبادل الاتهامات والإدانة المتواصلَين: كان طقس "دقيقتان من الكراهية" (إحالة إلى رواية جورج أورويل: 1984) يُوجه في كل يوم، وإلى كل شخص. وفي العادة لا يكون الذين يوجهون الاتهامات من السوريين، وإنما من المهاجرين، المقاتلين الأجانب الذين لم يقضوا 1 في المائة من الوقت الذي قضاه معظم سكان بلدة الباب في سورية. إنهم عصابة متغطرسة وجامحة، والتي يُنظر إليها بشكل متزايد كمحتلين استعماريين، وفقاً لأبو خالد.
إنهم يعتبرون أنفسهم فائقين -أكثر قداسة منك بشكل من الأشكال. "أولاً وقبل كل شيء، بالنسبة لمعظم مقاتلي داعش، وخصوصاً الأجانب، يُعد كل أحد في الباب، كل شخص في سورية، كافراً. وهم يعاملون الناس على هذا النحو، وذلك خطأ. حتى بمعايير داعش نفسه، هذا خطأ بكل وضوح. إنهم مسلمون، ويجب أن يعامَلوا كمسلمين".
"الأجانب يقولون للسوريين كيف يلبسون، كيف يعيشون، كيف يأكلون، كيف يعملون، وكيف يقصون شعرهم. ربما يكون المكان الوحيد في العالم الذي ليس فيه صالون للحلاقة، هو بلدة الباب. كلها أغلقت، لأنه لا يمكنك أن تقص شعرك. يجب إما أن يكون لك شعر طويل، أو أن عليك أن تقصه بالطول المحدد نفسه. لأنه حتى أنت" -ويشير أبو خالد إلى كاتب هذا التحقيق- "بمثل لحيتك هذه، سوف تقضي 30 يوماً في السجن. إنها قصيرة جداً. لا يمكنك أن تحلق لحيتك، ولا يمكنك أن تشذبها. يجب عليك أن تتركها تنمو".
تماماً كما هو الحال تحت حكم الدكتاتور السوري بشار الأسد، يترأس "داعش" فوق مناخ من الشك المتبادل؛ حيث النكتة الخاطئة أو الملاحظة النقدية يمكن أن تنتهي بك إلى القفص، أو أسوأ من ذلك. وأبو خالد ثرثار بطبعه، ولذلك يعجب من كونه لم يُقتل قبل أن يتمكن من الهرب. "ذات مرة، قال لي أحد الأشخاص: أترى هذا الانتصار على الجيش السوري الحر؟... إنه تحقق لأن الله يقاتل معنا! وعندئذ قلت له: وإذن، لماذا لم يقاتل الله والملائكة معنا عندما قاتلنا الأكراد في كوباني؟".
قيل لأبو خالد إنه إذا استمر في الحديث على هذا النحو، فإنه سيفقد رأسه.
***
كما أن حس السخرية المرة لديه لم يتوجه فقط إلى تبجح المهاجرين. كان أبو خالد حاضراً في معركة كوباني؛ البلدة الكردية الحدودية في شمال سورية التي حاصرها "داعش" شهوراً ثم تحررت منه أخيراً، بفضل القوة الجوية الأميركية إلى حد كبير. وقد شاهد أبو خالد عن كثب تلك الطريقة البائسة التي قاتل بها جنود "داعش" هناك: أقرب إلى قتال الجندي في مسلسل "قوات ف" الأميركي الهزلي منه إلى قوات "دلتا" الأميركية المحترفة.
"كانت المرة الأولى التي أدركت فيها أن مقاتلي داعش ليسوا جيدي التدريب في اليوم الأخير من شهر رمضان هذا العام". كان أبو خالد يقود هجوماً ضد كوباني، وعسكر هو وجنوده مؤقتاً في صرين؛ إحدى البلدات القريبة التي يسيطر عليها "داعش" في ريف حلب. وقرر أن يهاجم سلسلة من القرى التي تسيطر عليها القوات الكردية في الجوار.
كان أبو خالد يقود ثلاثا من وحدات "داعش". وتم إرسال واحدة إلى قرية قلعة حديد؛ وأخرى إلى قرية نور العلي؛ والثالثة إلى قرية راس العين الصغيرة. وبدأ الهجوم عند الساعة الواحدة صباحاً واشتمل على استخدام الصواريخ ومدافع المورتر والدبابات.
"استولينا على قلعة حديد في 45 دقيقة"، قال أبو خالد. "ثم هرب رجالي". هربوا؟ نعم هربوا. ""إنها حرة"، قالوا لي"، لقد تحررت. ويبدو أنهم خلطوا بين مجرد سقوط قرية وبين الاستيلاء عليها بشكل دائم. وفي الأثناء، رفضت الوحدتان الأخريان الدخول إلى القرى الموكلة إليهما. "قالوا: آه، الوقت متأخر جداً، وأشياء من هذا القبيل"، كما يتذكر أبو خالد باشمئزاز. وهكذا عادوا إلى صرين، بحس من الهزيمة بقدر ما هو من اللامبالاة. ثم شرع التحالف في ضرب مواقع "داعش" عند الساعة الرابعة صباحاً. وقتلت الطائرات 23 من رجال أبو خالد في غضون بضع دقائق.
استجوب أبو خالد جنوده ليعرف السبب في أنه لم يقاتلوا في تلك الليلة. "لماذا لم تذهبوا؟"، سأل بعضاً من أولئك الذين غادروا بدون إذن. "أعني، لقد كنا ثلاث مجموعات. واحدة منكم هاجمت، والأخريان لم تفعلا".
وكان جوابهم: لقد سئموا من إرسالهم إلى الموت المحقق.
"كانت لدينا شاحنات صغيرة، ومدافع رشاشة. وكان الأميركيون يطيرون فوقنا. وعندما غادرنا البلدة تعرضنا للقصف. لكننا عندما عدنا إلى البلدة، أصبحنا بخير. لم يتم قصف البلدة مطلقاً. ثم حاصرها الأكراد. وهكذا هربنا، ودمرنا كل سياراتا وعرباتنا وأسلحتنا. وأنا دمرت سيارتي الخاصة".
يقدر أبو خالد إن "داعش" فقد ما يصل إلى 5.000 رجل في المحاولة العبثية للاستيلاء على كوباني. كانوا أشبه بالقوارض على حافة الهاوية، من دون أي تدبر استراتيجي بشأن أفضل طريقة لمقاتلة كل من أقوى قوة جوية في العالم، وواحدة من أكثر الميليشيات في سورية براعة.
"كل شخص عرفته في ذلك الوقت مات"، قال أبو خالد. "لقد دربت كتيبة تركية، نحو 100 شخص. وترتب علينا إيقاف التدريب بعد أسبوعين لأن عليهم الذهاب إلى كوباني. كلهم قتلوا ما عدا ثلاثة. ولم يعد هؤلاء الثلاثة يقاتلون بعد الآن. رأيت أحدهم قبل بضعة أيام من انشقاقي. وقال لي: أنا لن أعود".
شرح لي أبو خالد كم وجد مشاة "داعش" غير أكفياء. واستخدم الفضيات في التوضيح. "هذه هي كوباني"، قال، واضعاً شوكة على طاولة المقهى. "وهنا أرض مفتوحة، خمسة كيلومترات منها حتى أول مواقع داعش" -ملعقة. "عندما أرسلنا المقاتلين إلى كوباني، أرسلناهم واحداً في إثر الآخر. مشياً. واللوجستيات الخاصة بهم -الأسلحة، والطعام- جاءت على دراجة. معظم الوقت، لم تستطع الدراجات الوصول. كانت تصاب في غارة جوية. وهكذا كان الذين يتمكنون من الوصول يدخلون البيوت".
تلقوا تعليمات بالبقاء داخل المنزل وعدم القيام بشيء. وظلوا هناك ليوم أو يومين. ثم، وبشكل حتمي، أخرج أحدهم رأسه من النافذة. وضرب أبو خالد الطاولة بيده. "وعندئذٍ يُقصف المنزل ويقتلون جميعاً!" وأطلق أبو خالد ضحكة قاتمة صغيرة. "بدأ الناس يعتقدون أن هناك مؤامرة من داعش نفسه لقتل الجميع".
وجد أبو خالد من اللافت أيضاً أن مقاتلي داعش، بعد كل الأشهر الطويلة من حصار كوباني، كانوا يأتون ويذهبون بحرية وكما يشاؤون عبر الحدود السورية-التركية. كان ثاني أكبر جيش في الناتو قد حشد الجنود والدبابات وناقلات الأفراد المدرعة على بعد بصقة من أكثر مناطق الحرب كثافة وحيث القتال على أشده في الصراع السوري، ولم يفعل شيئاً تقريباً، باستثناء إطلاق مدافع الماء في بعض الأحيان على الأكراد الذين يحاولون الفرار إلى تركيا.
"لا أعرف ما هي العلاقة بين داعش وتركيا"، قال أبو خالد. "خلال حرب كوباني، كانت شحنات الأسلحة تصل إلى داعش من تركيا. وحتى الآن، ما يزال المصابون بجروح بليغة يذهبون إلى تركيا، يحلقون لحاهم، ويقصون شعرهم، ويذهبون إلى المستشفى. وقد أطلعني شخص على صور في كوباناني. إنك ترى رجال داعش هناك يأكلون البطاطا الفرنسية المقلية وهمبرغر ماكدونالدز. من أين حصلوا عليه؟ من تركيا".
أمضى أبو خالد الكثير من الوقت في جنوب تركيا، ويقول إن المتعاطفين مع "داعش" لا يحاولون حتى إخفاء جهودهم التبشيرية هناك. في كيليس، البلدة الحدودية، هناك مسجدان مهمان، كما قال. "هذا المسجد للدولة الإسلامية. إنك تذهب إلى هناك، ويقول لك الجميع: أتريد أن تذهب إلى سورية؟، ويرتبون لك الرحلة ذهاباً وإياباً. والمسجد الآخر لجبهة النصرة"، فرع تنظيم القاعدة في سورية.
خلال غزو الموصل في حزيران (يونيو) 2014، أخذ "داعش" 49 رهينة، بمن فيهم دبلوماسيون وجنود وأطفال، عن طريق الإغارة على القنصلية التركية هناك. ثم جاء الإفراج عنهم، بعد ثلاثة أشهر، من دون تفسير من كلا الطرفين، وهو ما أثار الشكوك بأن أنقرة إما دفعت فدية أو أجرت عملية تبادل للأسرى مع "داعش". وقال أبو خالد إنه يعرف على وجه اليقين أن ذلك التبادل قد حصل لأنه التقى باثنين من الجهاديين الذين تمت مبادلتهم مقابل الأسرى التسعة والأربعين.
"كانوا سجناء لدى الجيش السوري الحر"، قال أبو خالد، "محتجزين منذ سبعة أو ثمانية أشهر. ومباشرة بعد أن أسر داعش الأتراك، وخلال 24 ساعة، كما قال لي هؤلاء الرجال... تم نقلنا إلى الحجز لدى المخابرات التركية التي أخذتنا في طائرة إلى إسطنبول". ولم يتم الاحتفاظ بمعتقلي "داعش" في سجن، كما قال لأبو خالد مخبروه، وإنما في "مبنى جميل" مع حراسة مشددة على مدار الساعة. "تمت العناية بهم بشكل جيد. ثم تمت مبادلتهم".
* * *
في نهاية المطاف، أصبحت الوحشية وعدم الكفاءة والأكاذيب أكثر بكثير مما يستطيع أبو خالد تحمله. لكنه كان عميلاً لجهاز "أمن الدولة"، أمن دولة الخلافة. ولذلك لم يكن يستطيع الهرب ببساطة من "داعش"؛ كان عليه وضع خطة والتحضير لهربه، والأمل بأن لا يلقى القبض عليه أو أن يخفق في التخطيط أو التجهيز.
"عندما تكون في الأجهزة السرية"، قال أبو خالد، "كل شيء يكون تحت السيطرة. لا يمكنك أن تغادر مناطق الدولة الإسلامية ببساطة. وكان ذلك صعباً عليّ بشكل خاص لأن كل الحدود تسيطر عليها مخابرات داعش". "أنا دربت هؤلاء الأشخاص! معظمهم يعرفونني. كنت معروفاً تماماً في الباب. وكانت تلك أيضاً هي الطريقة التي خرجت بها".
كان انشقاق أبو خالد في الحقيقة شيئاً سهلاً وقريباً جداً. بدأ مع صديق له في الباب، والذي كان يدير عملاً غير مشروع لطباعة بطاقات الهوية المزورة، من نفس نوع الهويات التي ما يزال يصدرها نظام الأسد. الطريقة التي تعمل بها سيطرة "داعش" الحدودية هي أنك إذا كنت مجرد مدني، فإنه يمكنك بشكل أو بآخر أن تذهب وتأتي كما يحلو لك، شريطة أن يكون لديك تعريف بالهوية. كان جواز سفر أبو خالد ما يزال لدى "الموارد البشرية" في الرقة. ولذلك احتاج إلى أوراق، والتي يجب أن تكون مطابقة للوثائق الحقيقية. وجعلني أبو خالد أرى بطاقة الهوية التي صنعها مقابل 20 دولاراً. كانت عليها صورة له تبدو قريبة جداً منه وهو يجلس أمامي في إسطنبول: حليق اللحية. وكانت تلك الصورة قد التقطت، كما قال، في وقت ما قبل انضمامه إلى "داعش". وأكد أن هذه الصورة لا تحمل حتى أدنى شبه بالمظهر الذي كان له طوال السنة التي قضاها كجهادي تقريباً.
قرر أن يقوم بخطوته في أوائل شهر أيلول (سبتمبر). بدأ وحيداً، في البداية على الأقل. "عندما غادرت، لم أخبر زوجتي. قلت لها فقط إنني أريد الذهاب إلى الرقة. "لدي شيء لأفعله في الرقة". تركت بندقيتي في المنزل -رشاشي الكلاشنكوف. وحملت معي مسدساً فقط. إذا كنت تنتمي إلى داعش، يجب أن يكون معك سلاح ظاهر عندما تكون في الشارع. كان لدي زيي العسكري. غادرت المنزل عند السابعة صباحاً. ذهبت إلى منزل صديقي، الشخص نفسه الذي يصنع بطاقات الهوية المزورة. غيرت ملابسي، وتركت مسدسي في منزله. أعطاني بطاقة الهوية الجديدة. حلقت ذقني، وإنما ليس تماماً، لأنني لم أرد أن يتم اعتقالي لأنها ليست لي لحية. لكنني بدوت أقرب إلى الصورة في بطاقة الهوية".
قفز أبو خالد على ظهر دراجة نارية وقادها من بلدة الباب إلى منبج. ومن هناك، استقل حافلة صغيرة أخذته إلى حلب. ويقول إنه كان يستطيع في الحقيقة أن يستقل حافلة في الباب، لكنه لم يفعل لأن "داعش" وضع "أمنيين" في كل طريق، يقفون في الحراسة ويتفقدون جوازات سفر العابرين. كان متأكداً أنهم سيتعرفون عليه في الباب. لكن العملاء في منبج لم تكن لديهم فكرة عمن يكون. "أعطيتهم الهوية المزورة". وسمحوا له بركوب الحافلة.
عندما وصل أبو خالد إلى حلب -إلى منطقة يسيطر عليها الثوار، وليس "داعش"، اتصل بزوجته على الفور. "قلت لها: خلال ساعة واحدة، عليك أن تغادري. قلت لها أن تجمع أغراضها، بعض الملابس في حقيبة صغيرة، وأن تأخذ سيارة أجرة. وخلال 45 دقيقة، كانت في طريقها إليّ، هي وأمها وأخوها وأختها. وبعد ساعة أو ساعتين، كانوا كلهم هناك".
اليوم، بنى أبو خالد بنفسه قوة قتالية جديدة -هذه المرة لمحاربة "داعش"، ونظام الأسد أيضاً. ومن المؤكد أن كتيبة "أحرار الشام" الإسلامية قد ساعدته في تمويل جيشه الوليد، مع أنه يقول إن كتيبته ما تزال مستقلة. "أعطونا 10.000 ليرة. شيئاً مثل 20 دولاراً لكل جندي". وهذا هو الراتب الشهري الأدنى للاحتفاظ بميليشيا صغيرة في سورية.
"هناك كتيبتان لداعش في شمال حلب تقاتلان ضدنا"، قال أبو خالد، "وأنا أعرف أمير كل منهما. واحد من المغرب، والآخر من ليبيا. أعرف كيف يفكران وكيف يقاتلان".
سألت أبا خالد مرة أخرى عن السبب في أنه ما يزال في سورية، بالنظر إلى علامة الهدف المرسومة على ظهره -وعلى زوجته وأفراد عائلتها أيضاً.
إذا استطاع تدبر أمر الوصول إلى إسطنبول بدون مضايقة، كما قال، فإن زوجته يمكن أن تفعل ذلك أيضاً. سألته مرة أخرى: ألا يريد شيئاً من الراحة، بعد كل شيء مر به؟ فهز رأسه رافضاً، وقال "لست خائفاً من الموت".
مشينا، أبو خالد وأنا، من ضاحية لاليلي إلى ضاحية السلطان أحمد في إسطنبول. طلب أن يرى "المسجد الأزرق"؛ المجمع السياحي العثماني الشهير. ربما تكون هذه آخر مرة يراه فيها، هكذا تعهدت من طرفي على الأقل. من المفترض أن تضع الزائرات الإناث هناك، كما تقول الشاخصات في كل مكان، أغطية للرأس بداعي الاحترام. لكننا مررنا عبر فناء السلطان أحمد، ورأينا امرأة في العشرينات من العمر. كانت تسير صاعدة الأدراج بلا غطاء ولم يوقفها أحد. نظر أبو خالد إليها، وقال كما لو أنه يدلي بكشف مهم. "سوف تكون سورية هكذا ذات يوم".
تجولنا حول فناء المسجد الأزرق لبرهة قبل الخروج إلى هيبودروم. عندئذٍ توقف أبو خالد لحظة ونظر إلى أعلى. قبل أقل من أسبوع، كما شرح لي، قصفت طائرة روسية مكاناً ليس بعيداً عن بيته الجديد في حلب. اهتزت جدران منزله. "لقد علّم بشار كل سوري أن يحدق في السماء"، قال أبو خالد. "ليس ثمة طائرات هنا". (انتهى)
http://alghad.com/articles/905462