«بيننا ملفات تعاون واسعة، لكنها بعيدة كل البعد عن هذه السيناريوهات، ولا فى الأحلام يحدث ذلك» ملخص يصل إليه دائمًا كل من يتحدث فى ملف الدور المصرى الذى تطلبه روسيا فى الصراع الملتهب حاليا على سوريا ومواجهة الإرهاب تحت مسميات مختلفة فى سيناء أو خارج حدود مصر.
روسيا تبتز مصر بالتلويح بالمادة «٥١» من ميثاق الأمم المتحدة عقب حادث الطائرة الروسية فى سيناء، وبوتين طلب قاعدة عسكرية فى مصر ليحارب منها داعش والناتو، ثم إن روسيا تريد من مصر إظهار تحالفها وموقفها من الأزمة الإقليمية بإرسال قوات إلى سوريا، كما فعلت روسيا، كلها سيناريوهات حاولت تطويق العلاقات المصرية الروسية بإطار يبدو بعيدًا كل البعد عما يراه العسكريون المصريون، الذين رفعوا لاءات ثلاث قالوا إن القيادة السياسية رفضتها عبر سنوات وعقود، ولا مجال للحديث اليوم، ولا غدا عنها.
بعيدًا عن البيانات.. أسئلة تبحث عن إجابات
ما لم تتحدث عنه البيانات الرسمية، لكن طرحتها التسريبات والتسريبات المضادة هو: هل طلب بوتين تسهيلات عسكرية لروسيا فى قواعد حربية أو بحرية فى مصر؟ وما الدور المصرى المقترح فى مسرح المواجهات فى المنطقة المفتوح حاليا؟ هل طلب بوتين إرسال قوات برية أو بحرية كما فعلت مصر فى التحالف العربى فى اليمن؟ هل طرح وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو إرسال قوات روسية للعمل فى سيناء ضد الجماعات التى أعلنت ولاءها لداعش؟
السادات يرفض.. ومبارك أيضًا
فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، وبعدما ذاب الزبد المصرى فى العسل الأمريكى، طلبت الولايات المتحدة من مصر الحصول على قاعدة بحرية فى «رأس بيناس» بالبحر الأحمر، لكن الرئيس السادات رفض تمامًا، رغم ما كان يعلن تسليمه به بأن مفاتيح الحل مع الأمريكان، وبعدها حاولوا مع الرئيس الأسبق مبارك، ورفض أيضًا رغم ما منحهم من تسهيلات فى قاعدة غرب الجوية لخدمة طائرات «F -16».
موقف ثابت
«قاعدة عسكرية أجنبية على أرض مصر واحدة من المحرمات لا يجرؤ أحد على التفكير فيها ولا يحلم بذلك»، يؤكد اللواء محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية والمحلل الاستراتيجى، الذى استبعد أن تلجأ روسيا للبحث عن قاعدة عسكرية لها فى شمال إفريقيا، «روسيا لديها قاعدتان: قاعدة بحرية فى طرطوس وقاعدة جوية فى اللاذقيه، وتسيطر عليهما بارتياح رغم مسرح العمليات المفتوح حول سوريا، فهى لا تحتاج إلى قواعد إضافية فى هذه المنطقة»،
ويضيف خلف: «مصر موقفها ثابت، لا قواعد لأى دولة على أراضيها، ومهما كان التقارب السياسى والعسكرى، فالبلدان لديهما ملفات تعاون تشمل التسلح والتدريب، وهما على أهمية للجيشين، كما أن التعاون المخابراتى لمواجهة الإرهاب يتصدر الصيغة المثلى التى سيعمل الطرفان على الوصول لمقاربة حولها».
تحالف عسكرى.. وكفى
هل تشارك مصر عسكريا فى سوريا؟.. وهل يطلب بوتين ذلك؟ لكن السؤال يجب أن يكون: هل لمصر مصلحة فى هذا التصعيد؟ مع رفض مصر لأى عمل عسكرى ضد سوريا، باستثناء إعلان الجهاد الذى ألقاه الرئيس المخلوع محمد مرسى، فإن هذا الطرح لا محال له كما يوضح خلف: «إحنا آخرنا التحالف العسكرى، ولا مجال لإرسال قوات برية فى أى مكان»، ويبقى السيناريو الوحيد على غرار مشاركة مصر فى تحالف تحرير الكويت تحت مظلة الأمم المتحدة أو التحالف العربى لإعادة الشرعية فى اليمن تحت مظلة جامعة الدول العربية، وبقوات بحرية أو طلعات جوية.
شريك استراتيجى
ويضيف الخبير العسكرى: «سوريا أمن قومى لمصر، والروس والأمريكان يعلمان ذلك، وموقف مصر من العمل العسكرى محسوب بميزان دقيق».
أما سيناء التى شهدت عملية إرهابية أمس بتفجير فندق يقيم بة القضاة وأعضاء لجنة الانتخابات، ورغم ما حاول مغرضون الترويج لتهديدات الرئيس الروسى بوتين باستخدام المادة «51» من ميثاق الأمم المتحدة لتعقب الإرهابيين بأنه وضع قدم للدب الروسى فى سيناء، فإن حديث وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو عن دعم مصر ضد الإرهاب فى سيناء يطرح تساؤلات مشروعة مثل: هل ترغب روسيا فى خوض مواجهة جديدة ضد الإرهاب على مسرح قريب من المسرح الحالى الذى تدير فيه أحدث وأشرس مواجهاتها للإرهاب المدعوم بحكومات ودول؟ ورغم أن الإجابة تستبعد ذلك لما لتكلفة الحرب على الميزانية الروسية من جهة وتكلفتها السياسية الأشد وطأة، فإن وصف مصر بالشريك الاستراتيجى لروسيا يجعل مصر تتمتع بمميزات ودعم نوعى أوسع فى حربها فى سيناء، خاصة أن تعاون روسيا أبعد من التسليح والتدريب وتبادل قواعد المعلومات بين أجهزة مخابرات البلدين، هذا التعاون الأبعد لن يكون مقبولا سياسيا ولا عسكريا فى مصر، خاصة أن مصر رفضت مسبقا إرسال وحدات خاصة أمريكية لتأمين قوات حفظ السلام فى فترة سابقة شهدت عمليات إرهابية متكررة ضد مقار هذه القوات فى شمال وجنوب سيناء.
كما أن الجيش المصرى يراهن على ما يحققه من تقدم فى ملف استئصال الإرهاب وحماية حدود البلاد من جهة، وبالتوازى حمل عبء تأمين الجبهة الداخلية، وأصبح وجوده فى أكثر ملفات التنمية الشاملة برهانا على صحة الخطوات التى التزمها على مدى أربع سنوات من الاضطرابات السياسية والأمنية.