من بلدة الخضر ننتقل الى مدينة الخبر في السعودية. فبعد 6 اسابيع من الحرب، تحول موضوع صواريخ السكود من مصدر للقلق و الاستنفار الى امر اقرب للازعاج فقط. و صار معدل اطلاق الصواريخ العراقية حوالي صاروخ في اليوم. و انتاب الجميع شعور بالأمن من هذا الخطر. و بدل الهروب الى الملاجئ صار الجنود يصعدون الى الاسطح على امل مشاهدة المعركة بين السكود و الباتريوت.
تغير هذا الكلام يوم 25 فبراير. ففي الساعة 8:32 صباحا التقط القمر الصناعي الاشعاع الحراري المرافق لاطلاق صاروخ سكود من منطقة القرنة (جنوب البصرة). و خلال 3 دقائق وصل الانذار الى بطارية الدفاع الجوي في الكتيبة الثانية اللواء السابع دفاع جوي في الظهران. و بعدها بدقيقة رصدت البطارية الصاروخ العراقي و هو يصعد فوق الكويت على مسافة 100 كم.
بسبب كون مدى الصاروخ هو خارج مدى عمليات تلك الوحدة، فقد اكتفوا بمراقبة الصاروخ طوال نصف دقيقة. و نفس الحال تكرر مع الوحدتين دلتا و ايكو اللتان رصدتا الصاروخ و لكنه كان خارج مدى عملهم. و كان الصاروخ يتجه نحو منطقة مغطاة بوحدتين الفا و برافو المتموضعتين في قاعدة الظهران الجوية و التي تعد اهم هدف عسكري امريكي في شرق المملكة العربية السعودية. الوحدة برافو كانت مطفأة منذ 4 ساعات ﻷعمال صيانة على الرادار. و جلس طاقمي الوحدة الفا على اهبة الاستعداد يستمعون لتقارير الوحدتين دلتا و ايكو حول تقدم الصاروخ. و كانت كل المؤشرات تشير الى ان الوحدة جاهزة 100% للاعتراض بمجرد بروز الهدف.
و لكن كل المؤشرات كانت خادعة. فقد تسبب خلل في برمجيات الباتريوت في اعماء رادار النظام عن الصاروخ العراقي. فقد تبين ان حسابات الباتريوت المستمرة تعطي خطأ حوالي واحد من المليون من الثانية لكل ثانية. يعني يجب ان يعمل النظام حوالي 11.5 يوم ليصير فيه خطأ ثانية واحدة. و كان نظام العمل حين تحارب عدوا كفؤا (مثل السوفيت مثلا) ان تطفئ الرادار و تغير موضع العمليات كل عدة ايام. لكن العراقيين لم يكونوا سوفيت. و اهمل الطاقم الامريكي هذا الاجراء الروتيني و لم يتم اطفاء الرادار افترة طويلة. و في يوم الحادث كان النظام يعمل بشكل مستمر لليوم الرابع على التوالي، مما شكل خطأ حسابي حوالي ثلث ثانية. و بسبب سرعة صاروخ السكود، فان هذا الخطأ البسيط في التوقيت يتحول لخطأ بحوالي 500 متر في توقع مسار الصاروخ. و بالتالي بحث حاسوب التتبع في السماء الفارغة و لم يجد الصاروخ!
و الحقيقة فقد كاشف الاسرائيليون الامريكان بهذا الموضوع في فبراير 11 بسبب استخدامهم تقنيات لدراسة مدى فعالية الباتريوت في المواجهة مع السكود (و قد رفض الامريكان استخدامها بسبب خوفهم من تأثيرها على الباتريوت نفسه). و قد حذر الاسرائيليون من ان النظام يفقد الفعالية بدءا من الساعة الثامنة من التشغيل المتواصل. و اعتبر المصنعون ان المشغلين لابد و انهم يطفئون النظام الصاروخي كل بضع ساعات (تماما كما تفعل مع حاسوبك) و اعتبر التحديث ثانويا.
ارسلت النسخة المحدثة من البرنامج (كان الهدف الاساسي هو تحسين فعالية رصد السكود من بين شظاياه). و قد وصلت الاشرطة الى نيوجيرسي يوم 22 فبراير. و وصلت الرياض يوم 24 فبراير. و كان من المقرر ان يصل الى البطارية المنكوبة يوم 26 فبراير. اي خلال اقل من يوم على الكارثة التي حصلت.
نعود لطاقمي الباتريوت المساكين. فقد استمرا يحدقان في الشاشة 90 ثانية دون رؤية اي شيء. و تحققا من عمل النظام و كان يشير الى انه يعمل بكفاءة. و ضربت صفارات الانذار في مدينة الخبر على بعد 5 كم من النظام الدفاعي. و كان هناك مستودع ضخم للجيش الامريكي و خيمت على اطرافه وحدة من 127 جندي من الاحتياط (يقومون باعمال غير قتالية). و لسبب ما تأخر اطلاق الصفارات في الخبر لما قبل السقوط بثلاثين ثانية فقط. و لم تكن في تلك المنطقة اية ملاجئ تحت الارض. و كانت تعليمات الجنود "ابق في الداخل عند سماع الانذار". و كان ان نزل الصاروخ العراقي (لعله الوحيد الذي لم يتفكك في السماء) على المستودع و على من فيه.
كان عدد القتلى 28 و الجرحى 98 اكثر من نصفهم من تلك الوحدة الغير قتالية المنكوبة التي كان معدل خسائرها في تلك الحرب اكثر من 75%!
سوء التوفيق العجيب في قصف الخبر ذكر الجميع بالتوفيق العجيب الذي صاحب الحلفاء اثناء الحرب. فلا احد يستطيع تخيل تأثير مثل هذه الضربة لو حصلت في اسرائيل اول الحرب مثلا.
ٌ
R. Atkinson - Crusade