مع استمرار صافرات الانذار تدوي في تل ابيب كل يوم، سواء كانت الانذارات حقيقية او وهمية، تزايد الضغط السياسي على الادارة الاسرائيلية، و بدوره ازداد الضغط السياسي الاسرائيلي على الادارة الامريكي، حتى صار ديك تشيني ينام في مقر العمليات، و ازداد الضغط السياسي على العسكريين الامريكيين، حتى صار كولن باول ينام في البينتاغون. و كان السؤال: كيف يستطيع العراقيون ادامة القصف الصاروخي و ما الحل؟
وزاد الطين بلة ضعف اللباقة السياسية للجنرال شوارتزكوف، حيث وصف الضربات العراقية بانها "عديمة الاهمية" و انه كان "سعيدا لرؤية العراقيين يقومون بالضربات حسب ما توقع بالضبط" وهو ما اثار المسؤليين السياسيين في امريكا و اسرائيل، حيث تسائل احدهم ان كان شواتزكوف سمع بكتابات كلاوزفيتز -المقررة على اي ضابط- الذي وصف الحرب بانها امتداد للسياسة. و صار هناك نقاش حاد بين باول و شوارتزكوف حول اهمية ايلاء الموضوع اهمية اكبر بسبب محتواه السياسي و ليس لاي اثر عسكري ( فاول قنبلة ضربت بغداد كانت قدرتها التدميرية مساوية لعشرة صواريخ سكود). و رفض شوارتزكوف بشكل قطعية ادخال اي ضابط عمليات اسرائيلي لغرفة العمليات للمشاورة حول الاهداف التي يمكن ضربها من الجو.
و شكل التغيير في سلم الاولويات اثناء بداية العمليات الجوية عامل توتر للمخطط و المنفذ. و كان من المتوقع ان تزيد الاخطاء نتيجة لذلك. و قد شاهدنا قرصة قوية لطيران التحالف عندما حصل تساهل في موضوع الطيران على ارتفاع منخفض. و سوف نسرد تاليا عملية جوية اخرى لم تسر بالشكل المطلوب اول اسابيع الحرب.
في قاعدة الخرج الجوية في المملكة العربية السعودية كان سرب F-15 يحضر لعملية قصف مستودع ذخيرة داخل العراق. و عند الثانية ظهرا بتوقيت الرياض، و قبل موعد الغارة بست ساعات، تم تغيير اهداف العملية الجوية. فقد اكتشفت المخابرات وجود اكبر مجمع عراقي لتحضير الصواريخ غرب العراق في مدينة القائم و كانت هناك احتمالات قوية بوجود تحضيرات عراقية لقصف اسرائيل الليلة.
من طلعاتهم السابقة اطلق الطيارون الامريكيون على مدينة القائم اسم "SAM's town" بسبب كثرة بطاريات السام في المدينة. و كانت الخطة ان يضرب السرب الاول المدينة الساعة العاشرة و بعدها يقصف السرب الثاني نفس المدينة بعدها بنصف ساعة.
كان الطيارون الأمريكيون في غاية الضيق من هذا التغيير المفاجئ في العملية. و رغم تفهم الدافع السياسي للعملية لكن هذا القرار لم يتح لهم اي مجال للتحضير الدقيق للعملية:
1- لم تتوافر معلومات كافية عن تفاصيل الدفاع الجوي حول مدينة القائم
2- لم يتم ارسال قائمة الاهداف و احداثياتها الا عندنا كان الطيارون على وشك صعود طائراتهم!
3- تم تغيير التوقيتات مرتين!
و كان اكثر الناس غضبا - بطبيعة الحال - هو قائد العملية (المقدم سكوت). و الذي فقد طيارين قبلها بيومين في البصرة (راجع الحلقة السابقة) و قال لقائد العمليات انه هذه الظروف هي بالضبط ما يخلق الفشل و المشاكل.
و بدأت المتاعب مع اول الطلعة الجوية، فقد كان الجو شمال السعودية سيئا جدا مما جعل التزود بالوقود جويا فوق منطقة عرعر تحديا كبيرا، و تبين ان طائرات F-4 التي طلبت من البحرين للاسناد لم تعلم بالمواقيت الجديدة و بدون هذه الطائرات المعدة لضرب رادارت العدو لم يكن مع طائرات الغارة اي حماية من الرادارات العراقية، و كان القرار ان تستمر الغارة بدون هذه الحماية.
و تستمر الأخبار السيئة بالورود، فقد ارسلت طائراتا التشويش على الرادار من طراز EF-111 و تحمل كل منها تجهيزات تشويش تزن 3 طن و بقدرات بث تصل الوف الواطات. و هذه العملية تتطلب مهارات من ضابط التشويش و تكون فعالة اكثر كلما كانت الطائرة اقرب للرادار. و بمجرد ان اتمت طائرات التشويش الدورة الثانية حول المدينة، خرجت لهم طائرة ميغ-25 و بدأت تقترب منهم بسرعة كبيرة. و اطلقت الميغ صاروخا على كل طائرة و لم يصب اي منهما. لكن الطائرتين انسحبتا من المنطقة و لم يكن سرب القصف يعلم انه ذاهب لقصف مدينة السام بدون اي تشويش!
اقترب تشكيل من 6 طائرات ف-15 من المدينة، و كانت التعليمات ان يكون القصف من فوق 6 كم على الأقل كارتفاع. و بدأت الدفاعات الجوية العراقية (مدافع م.ط) الضرب قبل وصول الطائرات ب 50 كم! و قبل الوصول لمسافة 10كم من المدينة بدأت أول بطاريات السام في الاطلاق. مرت اول 3 طائرات بسرعة و القت القنابل و اسرعت بالهرب، و لكن الطائرة الرابعة اصيبت بصاروخ و اسقطت و اسر الطياران و احدهم برتبة عقيد و اسمه ايبرلي بعد يومين من التخفي عن العراقيين.
على مل يبدو نجحت الضربة الجوية في ايقاف القصف العراقي في تلك الليلة، و ساعدت حقيقة سقوط الطائرة في اقناع الاسرائيليين ان الأمريكان جاديين فعلا في هذا الملف، و مع تكامل استعدادات الباتريوت الأمريكي الذي وصلت 6 بطاريات منه الى اسرائيل. افادت استطلاعات الرأي ان 80% من الاسرائيليين يؤيدون سياسة الحكومة في عدم الرد بشكل مباشر. و في نفس الوقت، سمح الامريكان لتل ابيب باختبار صاروخ اريحا في البحر المتوسط كنوع من الرسالة لصدام حسين.
مع بدأ التركيز على موضوع الصواريخ فيما يخص الحملة الجوية و اكتمال شبكة الدفاع الجوي الامريكي حول اسرائيل كان هناك فريق من الجنرالات الامريكيين غير راض عن النتائج حتى الان. فالقصف الجوي عن ارتفاع كبير لا يسمح بدراسة تفاصيل العمليات العراقية و مدى تأثرها بالضربات الجوي. و شكل نجاح العراق في اتمام الاطلاق و المغادرة خلال 6 دقائق معضلة كبيرة لسلاح الجو للتحالف. فكان الحل هو ارسال قوات على الأرض. و تم عمل الدراسات الأولية في واشنطن - بدون علم هيئة الأركان - و بدأ رسم الخطوط العريضة ( القاعدة الرئيسية ستكون في عرعر) و ان الهدف الاساسي سيكون ضرب مناطق الاطلاق العراقية الثلاث في الغرب. أولها سيكون على طريق عمان بغداد و الثاني بجانب مدينة القائم و الثالث عند بلدة شاب الحيري(؟) قرب عكاشات. و ستكون اهداف القوات هي ضرب منصات الاطلاق و قواعد الدعم و الاسناد. يتبع
R. Atkinson, Crusade