بعد طول حيرة للامريكان من سبب تقييد العراق لطلعاته الجوية في الاسبوع الاول من الحرب، قفز الى ذهن مركز العمليات استنتاج - تبين في ما بعد عدم صوابه - من ان العراق قد يكون يحضر لعمل جوي كبير - انتحاري بطبعه - باستخدام السلاح الجوي لضرب معنويات حلف حفر الباطن. و انتقل التركيز على المستوى الاستراتيجي يوم 21 يناير 1991 الى ضرب الطيران الجوي العراقي في المرابض المحصنة. و انعكس هذا التوجه لخطط عملية - كما هي العادة - خلال 48 ساعة.
و كان سلاح الجو قام بعمل دراسات في صحراء نيوميكسيكو على الكيفية التي يجب عليها التعامل مع الدشم الحصينة. و خلال اول الغارات تعلم الطيارون ايضا ان قنابل ال 2000 رطل تستطيع ان تعمل دمارا جزئيا في التحصينات بشرط ان تضرب المربض بشكل عمودي دقيق. و الا فسوف تنزلق عن السطح بدون اي دمار حقيقي. اما ضرب الابواب فكان يحتاج مهارات تصويب عالية جدا. و بالتالي تم الاتفاق على ان يتم ضرب الملجأ بقنبلتين بينهما ثانية واحدة فقط. الأولى تشق الخرسانة و الثانية تدخل في نفس النقطة لتدمر الطائرة.
و قد فشل طياروا سلاح البحرية في تدمير المرابض العراقية بقنابلهم المضادة للتحصينات. و بالتالي طلبوا اعفائهم من هذا القصف و التركيز على قصف الطائرات العراقية المكشوفة.
و كان هناك اخفاق اخر بداية هذا النوع من الغارات بالنسبة لطائرات الشبح. حيث اوصت الاستخبارات العسكرية باستخدام القنابل من نوع GBU-10 بدلا من GBU-27. حيث تميزت الاولى بامكان اطلاقها من علو كبير بينما كانت قدرتها على الاختراق اقل. و قصفت 12 طائرة - كل واحدة بقنبلتين. مرابض قاعدة بلد. و عند دراسة الغارة لم يشاهد اي دخان بل فقط وميض الانفجار. مما دل على ان القنابل لم تخترق التحصينات.
غضبت القيادة من هذا الاخفاق و تم تعديل القنابل لغارة قادمة على بلد خلال ايام. و على ما يبدو فقد استنتج العراقيون من الغارة الاولى ان تحصينات القاعدة اقوى من غيرها فدفعوا كمية كبيرة من الطائرات داخل كل المرابض. و حصلت الكارثة بتدمير اكثر من 375 مربض في تلك الليلة!
و خلال يومين من بدء حملة الاسبوع الثاني ارسل العراقيون 20 مقاتلة الى ايران. و ارسلت ايران رسالة للتحالف ان هذه الطائرات لن تطير قبل نهاية الحرب. بل وصلت تقارير للأمريكان ان الايرانيين بدأو يطلون الطائرات على لون طيران الجمهورية الاسلامية!
معلومة: اول اسبوع من الحرب كانت نسبة اصابة طائرات 117 (التي تحمل ادق ذخيرة بين القوات الجوية) 100 اصابة من167 و كانت الاخطاء تتباين بين ميكانيكية، اخطاء طيار، او الجو السيء.
و في نهاية الاسبوع الاول من الحرب لم يفقد العراق اكثر من 2-3% من اليات الحرس الجمهوري، و كان التموين يسير على ما يرام للكويت. و بالتالي حذر باول من ان الحرب قد تستمر شهورا طويلة و ان العراق يراهن على صلابة الجبهة الداخلية الامريكية (كانت استطلاعات الرأي تشير الى شعبية 84% للرئيس بوش، و لكن بدأ الامريكان يشعرون بالملل من الحرب و ينتظرون النصر السريع).و بالتالي تم حسم الحرب الجوية، و بقي الان اسابيع من القصف على الاهداف العراقية الارضية و معركة الكف مقابل المخرز. و كم كان حكيما لو ان العراق خرج من الحرب في هذه اللحظة. حيث ان النتيجة كانت محسومة سلف لكنه سوف يوفر على الجيش و الشعب اسابيع المعاناة و يحافظ على مقدرات الدولة.
لكن العراق اراد استغلال النجاح التكتيكي لصواريخ سكود و ضاعف من حجم عملياته الصاروخية:
يوم 25 يناير 10 صواريخ
يوم 26 يناير 6 صواريخ
يوم 28 يناير ارسلت القيادة الاسرائيلية فريقا من 3 قادة (من بينهم باراك) للبنتاغون ليعرضوا - ﻷول مرة - تفاصيل خطط تدخلهم في العراق. حيث تجمع الخطة بين القصف الجوي و العمليات الخاصة. و مرة اخرى رفض تشيني تدخل الاسرائيليين لكنه اعجب بالخطة و نقلها للجيش لدراسة عمل مماثل. فردت القوات الخاصة انها بدأت بالفعل بعمل خطط كهذه (راجع الحلقات السابقة) و طلبوا من تشيني ان يحميهم من غضب شوارتزكوف لو لم يعجبه الامر. وازن تشيني و باول الأمر قبل الموافقة. فلم يريدوا ان يفرضوا على شواتزكوف قوات لا يريدها و لكنهم ارادوا افهامه انه ليس اللاعب الوحيد. و تمت الموافقة و سألوا قائد العمليات الخاصة (متى يمكنك التحرك) و كان الرد: فورا!
تأمل عزيزي القارئ سلاح المبادرة. حيث قامت القوات الخاصة بتحضير خططها لوحدها و عرضها على صاحب القرار بمجرد ان فتح الموضوع و كانوا جاهزين للتحرك فورا! اتصور ان هذه الثقافة غائبة تماما في البيئة العربية (بيئة انتظار الاوامر).
و على صعيد العمليات الجوية كان التحالف يقصف غرب العراق بحوالي 1200 غارة مخصصة فقط للسكود! و كان هناك 10 طائرات A-10 بشكل مستمر تراقب غرب العراق بالمناظير على امل التقاط اي اشارة. و لكن العراق ابدى كفائة تقنية عالية جدا في هذا الموضوع. و تفنن المهندسون في عمل صواريخ وهمية و وضعها وسط انابيب وقود لتشبة انفجار الصاروخ لو قصفت! و حتى تم توليد الحرارة بشكل صناعي لعمل اثر على اللواقط الحرارية.
و قد كشف السعوديون انهم مولوا دراسة مسحية قام بها العراق في نهاية الثمانينات على طول البلاد و عرضها. و تم البحث في كل ارشيف الجيش السعودي بحثا عن نسخ الخرائط بدون فائدة. فلم يجدوا اكثر من 4 خرائط تفصيلية لغرب العراق, و وجد الامريكان ان العراقيين يستخدمون يعض المناطق المرمزة في هذه الخارطة (كونها درست تفصيليا) في بعض الاطلاقات، و تم بالتالي التركيز عليها.
و درس الامريكان النشاط العراقي الراداري قبل اطلاق الصواريخ. حيث يحتاج العراقيون لبيانات الرياح لتعديل مسار الصواريخ و كذلك يجب التأكد من عدم وجود نشاط جوي معاد عند موقع الاطلاق. و رغم وجود رابط بين تشغيل الرادارات و الاطلاق، فقد كان من الصعب استخدام ذلك لتحديد موقع الهجوم. و فشلت محاولات الامريكان في التنصت على اللاسلكي العراقي، فقد كان في العراق شبكة اتصال ارضي متميزة و كان من الصعب قطع الخطوط و التنصت عليها (معلومة: قامت شركة اريكسون بتمديد الكوابل المحورية للشبكة العراقية في السبعينات و الثمانينات) مما مكن العراقيين من ابقاء الاتصال اللاسلكي ضمن الحدود الدنيا.
وصل قائد قوات الدلتا لمقابلة شوارتزكوف الذي قال له:
1- تذكر انك تعمل تحت امرتي هنا.
2- لو سمعت انك دخلت حدود العراق بنفسك فسوف تعفى من مهماتك فورا. لا نريد احراجا سياسيا او اعطاء العراقيين قائدا يعرف الكثير من المعلومات.
و ذهب القائد لعرعر للاشراف على عمليات البحث عن السكود على الأرض.
R. Atkinson, Crusade