الخريطة العسكرية للفصائل المسلحة في ريف اللاذقية:
أجانب وتركمان في القيادة.. وكثافة العنصر الشيشاني
يعتمد النشاط العسكري الموجّه ضد الجيش السوري في ريف اللاذقية، والذي يواجه حالياً الحملة الجوية الروسية، على عنصرين اثنين: العنصر الأول هو التركمان، المدعومون بشكل مباشر وقوي من طرف تركيا، لأسباب عرقية وسياسية وأمنية باتت واضحة. والثاني هو المقاتلون الأجانب من جنسيات عديدة، كالشيشان والسعودية وليبيا ومصر والمغرب والصين.
التركمان
وليس التركمان عنصراً طارئاً على الفصائل المسلحة في ريف اللاذقية، بل هم الركن الأساسي الذي تقوم عليه. فبالإضافة إلى كونهم أول من أسس فصيلاً مسلحاً في المنطقة، مثل «كتيبة أكرم حولجة»، فإنهم يمثلون بوابة الدعم الرئيسية التي تحرص أنقرة على أن تكون صلة الوصل بينها وبين باقي الفصائل، فلا تدخل الأسلحة والإمدادات ولا التعليمات والخطط، إلا عبر الوسطاء التركمان الذين ينسقون مباشرة مع ضباط الاستخبارات التركية الموكلة إليهم هذه المهام.
وكان ريف اللاذقية قد شهد منذ بداية الأزمة السورية، ولادة العشرات من الكتائب التركمانية المقاتلة، كان من أبرزها «كتيبة جبل التركمان» و«أحرار التركمان» و«كتيبة السلطان سليم» و«كتيبة رياض عابدين» و«كتيبة محمد الفاتح» و«كتيبة نور الدين الزنكي» وغيرها الكثير. وغالبية هذه الكتائب التي كانت تعمل تحت راية «الجيش الحر» ستتحالف مع بعضها لاحقاً، لتتكون منها تشكيلات أكبر مثل لواء أو فرقة. ويقدر عدد مسلحي كتائب التركمان بحوالي عشرة آلاف، وفي حين بقي بعضهم ضمن فصائل مختلطة، آثرت غالبيتهم تشكيل فصائل تركمانية صافية.
وترتبط الفصائل التركمانية في ريف اللاذقية سياسياً مع الكتلة الوطنية التركمانية، التي استُحدثت في العام 2012 بدعم مباشر من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، ويرأسها يوسف منلا. وأكثر الفصائل دعماً من قبلها هو «لواء جبل التركمان» بقيادة العقيد المنشق محمد عباس عواد الذي كان يرأس أيضاً «المجلس العسكري في الساحل» التابع لقيادة «الجيش الحر». بينما ترتبط الفصائل التركمانية في حلب مع الحركة التركمانية الديموقراطية برئاسة عبد الكريم آغا.
ريف اللاذقية نقطة جذب للمقاتلين الأجانب
كذلك، كان ريف اللاذقية في البدايات نقطة العبور المفضلة لدى «المقاتلين الأجانب»، ومن ممراته الضيقة ومعابره المخفية كانت طلائع هؤلاء تصل تباعاً إلى الأراضي السورية منذ الأشهر الأولى من العام 2012، ومن أشهر هؤلاء الشيخ عثمان النازح سعودي الجنسية الذي انضم في البداية إلى «أحرار الشام» قبل أن ينتقل إلى «جبهة النصرة»، ومنها أخيراً إلى تنظيم «داعش»، حيث تولى رئاسة «ديوان التعليم»، وكان من أبرز «الشرعيين» فيه، وقتل في معركة عين العرب.
وشكلت بعض القرى القريبة من الحدود التركية في ريف اللاذقية معقلاً لفصائل «جهادية» تتكون في معظمها من مقاتلين أجانب، مثل «كتيبة المهاجرين»، وغالبية عناصرها من الليبيين، ويقودها أبو صهيب الليبي، و«كتيبة صقور العز» السعودية، بقيادة السعودي صقر الجهاد، اللتين بايعتا «جبهة النصرة» لاحقاً، و «كتيبة جند الشام» المكونة من مقاتلين شيشان، بقيادة مسلم الشيشاني (أبو الوليد) التي كانت من أوائل الكتائب التي استقرت في ريف اللاذقية، وبقيت مستقلة من دون أن تبايع أي جهة، و«كتيبة جند الخلافة» وغالبية عناصرها من الجنسية المصرية، وإليها انضم المرشح السابق لعضوية مجلس الشعب المصري أحمد الدروي (أبو معاذ المصري) الذي فجّر نفسه لاحقاً في العراق. وقد بايعت هذه الكتيبة تنظيم «الدولة الإسلامية» أواخر العام 2013. كما أنشأت في ريف اللاذقية كتيبة «شام الإسلام»، والتي تمتعت بميزتين مهمتين، الأولى أن غالبية عناصرها من الجنسية المغربية، والثانية أن عدداً من قادتها كانوا من متخرجي معتقل غوانتانامو.
«النصرة» تحكم ريف اللاذقية
وكشفت تطورات الأحداث في ريف اللاذقية عن غلبة الفصائل الإسلامية المتشددة على «الجيش الحر» الذي كان يتكون بمعظمه من فصائل تركمانية.
وكانت «معركة كسب» مؤشراً حاسماً على هذا الصعيد، حيث اقتصرت «غرفة العمليات» التي قادت الهجوم على مدينة كسب في آذار العام 2014 على الفصائل الإسلامية المتشددة، وهي «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «أنصار الشام» و «شام الإسلام»، فيما استُبعدت فصائل «الجيش الحر» التي حاولت تشكيل «غرفة عمليات»، برئاسة العقيد المنشق مالك الكردي، وإطلاق معركة باتجاه بعض المراصد في المنطقة، إلا أن المعركة فشلت فشلاً ذريعاً برغم أن عدد الفصائل التي شاركت فيها يفوق العشرين فصيلاً.
بعد ذلك، عملت «جبهة النصرة» على تأسيس «دار القضاء» في ريف اللاذقية، ليكون امتداداً لـ «دار القضاء في ريف إدلب» باعتبارهما خطوة على طريق إنشاء «إمارة» خاصة بها. وعلى الرغم أن 20 فصيلاً أصدروا بياناً يعلنون فيه رفضهم إنشاء دار القضاء في الساحل، إلا أن «جبهة النصرة» تجاهلت البيان، واستمرت في مدّ ذراع سلطتها القضائية فوق رقاب الجميع. وكان من أبرز من اعتقلتهم «دار القضاء» سعيد طربوش، قائد «صقور الساحل»، ومرعي شحيدة أحد «أمراء أحرار الشام» بذريعة عدم ارتداء زوجته النقاب.
هدوء القتال وإعادة هيكلة الفصائل
شكّلت «معركة كسب» آخر المعارك الكبيرة التي شهدتها منطقة ريف اللاذقية، وساد هدوء على جبهات القتال منذ استعادة الجيش السوري مدينة كسب منتصف العام 2014 وحتى وقت قصير قبل بدء «عاصفة السوخوي» الروسية في نهاية أيلول الماضي. والاستثناء الوحيد على هذا الهدوء كان بإطلاق «جبهة النصرة» معركة «لبيك يا ألله» في آذار الماضي، رداً على قيام الجيش السوري باقتحام قرية دورين آنذاك، لكنها كانت معركة محدودة وقصيرة الأمد.
في غضون ذلك، طرأت تغييرات كبيرة على التشكيلات المسلحة في ريف اللاذقية، وبدأت تظهر تجمعات مكونة من تحالف الكتائب الصغيرة مع بعضها بعضاً.
وأهم هذه التجمعات:
ـ ١ «الفرقة الساحلية الأولى»: تأسست في تشرين الأول العام 2014 إثر اندماج أربعة ألوية، وهي «العاديات» و «العاصفة و «الأول» و «النصر»، لتضم في صفوفها حوالي ألفي مقاتل مدرب. ويقود الفرقة النقيب محمد حاج علي الذي هو قائد «لواء العاديات»، وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال في شباط الماضي. ورئيس أركان الفرقة هو النقيب باسل زمو قائد «لواء العاصفة» قبل مقتله في غارة روسية الشهر الماضي.
ـ ٢ «الفرقة الثانية الساحلية»: يقودها بشار منلا، وعددها ألف مسلح. وتتألف من التشكيلات التالية: «لواء مراد الرابع»، و «لواء مراد الأول»، و «يلدرم بيازيد». ومن ضمنها الكتائب التالية: «المدفعية»، و «محمد الفاتح»، و «نور الدين الزنكي». كذلك تعرض قائد الفرقة لمحاولة اغتيال بعبوة لاصقة في آب الماضي. ومن قادتها البارزين أيضاً فايز قباقجي ويوسف بوز أوغلان.
ـ ٣ «اللواء العاشر»: تأسس هذا اللواء بتمويل من رجل الأعمال وعضو «الائتلاف» السوري المعارض مصطفى الصباغ. ويتكون من مسلحين تركمان، بالإضافة إلى مسلحي حمص الذين خرجوا من أحياء حمص القديمة بموجب التسوية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، العام الماضي. وأهم الفصائل التي دخلت في تشكيله: «سيوف القادسية»، و «كتيبة سجيل»، و «كتيبة عاصفة الساحل»، و «كتيبة أبي بكر الصديق»، و «كتيبة جنود في سبيل الله».
التركمان يقودون الإسلاميين أيضاً
لم يقتصر نفوذ التركمان على الاستحواذ على أهم المناصب القيادية في «الجيش الحر»، أو على الاستئثار بفصائل خاصة بهم، بل وصل نفوذهم لدرجة تولي مناصب قيادية كبيرة في أهم التنظيمات الإسلامية في المنطقة. فالقائد العسكري في «جبهة النصرة في الساحل» هو أبو أحمد التركماني، الذي كانت إحدى أهم مهامه هي قيادة العمليات العسكرية في معركة كسب، باعتباره ممثل الجبهة في غرفة العمليات المشتركة. وقد قُتل شقيقه أبو عمر التركماني في المعركة التي كان يقودها.
وكذلك كان يقود «أحرار الشام الإسلامية» أبو علي الزيبق، وهو تركماني اسمه الحقيقي تركي حجوك، قُتل في نيسان من العام الماضي أثناء الاشتباكات على قمة تشالما. كما يشار إلى أن «كتيبة عمر المختار» التابعة إلى الحركة تتكون من المسلحين التركمان.
التركستانيون والقوقاز يحتشدون
وقامت بعض الفصائل «الأجنبية» بإعادة انتشار منذ بدء الغارات الروسية نهاية أيلول الماضي. فقد أرسل «الحزب الإسلامي التركستاني» المئات من عناصره من ريف إدلب إلى ريف اللاذقية لتدعيم جبهتي القتال في غمام وفي جب الأحمر وعدد من النقاط الأخرى. علماً أن التركستانيين كان لهم تواجد في ريف اللاذقية من قبل، حيث كانوا يتمركزون في قرية الغسانية. كذلك توجه عبد الحكيم الشيشاني قائد «أجناد القوقاز» إلى ريف اللاذقية لملاقاة «أعدائه الروس» و «تحرير سوريا منهم» قبل الانتقال إلى غروزني. وذلك بالإضافة إلى مقاتلي مسلم الشيشاني الذين استنفروا قواهم في ريف اللاذقية، واستعادوا قسماً من مقاتليهم الذين كانوا يرابطون في حلب.
«جيش محمد» يظهر .. و«جبهة النصرة» تعزز
وبعد غياب طويل، عاد «جيش محمد» للظهور من جديد، ولكن هذه المرة ليس في ريف حلب الشمالي حيث كان يتمركز بالقرب من مدينة إعزاز، وإنما في ريف اللاذقية. و «جيش محمد» هو فصيل يتكون من عناصر مصرية وفلسطينية وتعداده بالمئات، ويقوده أبو عبيد المصري. وحسب آخر المعلومات، كان مسلحو «جيش محمد» يقاتلون ضد الجيش السوري على محور جب الأحمر، لكنهم انتقلوا جميعاً بعديدهم وعتادهم إلى محور برج زاهية حيث استقروا في محيطه.
كذلك، أعلنت «جبهة النصرة» إرسال مزيد من التعزيزات إلى «جبهة ريف اللاذقية» قادمة من «قاطع الحدود» في إدلب، ما يشير إلى أهمية هذه الجبهة وخصوصيتها.
هل لـ«داعش» تواجد في ريف اللاذقية
أخلى تنظيم «داعش» مقاره في ريف اللاذقية قبل معركة كسب بثلاثة أيام فقط. وانتقل «واليه» آنذاك أبو أيمن العراقي على رأس رتل ضخم يضم معظم العناصر التابعين له إلى دير الزور. ويفترض أن التنظيم لم يعد له تواجد في ريف اللاذقية منذ ذلك الوقت، إلا أن بعض التقارير الإعلامية تحدثت خلال الأشهر الماضية عن بقاء المئات من المسلحين الموالين له في المنطقة حيث يعملون بالسر. وأكد موقع إلكتروني معروف بقربه من جماعة «الإخوان المسلمين» ومناهضته للنظام في سوريا، نقلاً عن أحد المسلحين «أن هناك بضع مئات من المقاتلين بانتظار عودة التنظيم إلى الساحل»، مشيراً إلى أنهم «يتلقون الآن الدعم والأوامر من قادة التنظيم في الرقة».
http://assafir.com/Article/458910