مقارنة بكثافة الهجمات الجوية للطيران الايراني على مصافي النفط العراقية بداية الحرب خصوصا، فأنه وبالمقابل لم يتعرض مصفى طهران النفطي الى الهجمات الجوية العراقية سوى مرة واحدة وذلك بحكم عمق المسافة، الا انه ومع تزايد قدرات قوتنا الجوية وبسبب الضرر الكبير الذي اصاب معظم مصافي ايران الاقرب مسافة حيث نفذت قوتنا الجوية سلسلة ضربات جوية مؤثرة جدا خاصة في المراحل الاخيرة من الحرب على اهم المصافي العاملة في انحاء ايران منها التعرض على مصفى : (کرمانشاه بتاريخ 15 نوفمبر 1987 واعيد ضربه يوم 5 مارس 1988 ) والتعرض على (مصفى تبريز بتاريخ 8 يناير 1988واعيد ضربه بتاريخ 3 ابريل 1988) وكذلك تم التعرض على : ( مصفى شيراز في الجنوب الايراني بتاريخ 28 نوفمبر 1987 ) وعلى : ( مصفى النفط في جزيرة شعيب في عمق الخليج ) ولحرمان العدو من المشتقات النفطية المستوردة لإدامة الته الحربية تم ( بتاريخ 11 مارس 1988 استهداف مستودعات هذه المشتقات بضمنها معمل انتاج ومستودعات الغاز السائل الكائنة جنوب ميناء بوشهر على الساحل الايرني شمال الخليج وتم تكرار ضربتين جويتين على نفس الاهداف بتاريخ 16مارس 1988 و 4 ابريل 1988 ).
وكرد فعل لتأثير ضربات قواتنا الجوية المشار اليها ولتعويض النقص الحاد الحاصل في المشتقات النفطية نتيجة لذلك بادر الايرانيون وكما بدا لنا بتوسيع مرافق مصفى طهران لنصب معدات اخرى خاصة بالعزل والتقطير لمضاعفة انتاجية المصفى من المشتقات، فصار هناك قلبان لهذا المصفى، عازلان، ومكرران، القديم والحديث،
والاستفادة من شبكة دفاع جوي فعالة جدا محيطة بالعاصمة طهران للحماية ضد الجو بضمنها طائرات الفانتوم F-4 و F-14 المتمركزة في قاعدتي (شاهروخي) والقاعدة الجوية (مهراباد) قرب طهران.
وجرى التخطيط لتنفيذ مهمة ضرب المصفى من ألقاعدة الجوية في القيارة البعيدة عن الحدود وبطائرات الميراج F1 بدلا من استخدام قاعدة ابي عبيدة القريبة من الحدود الإيرانية لاعتبارات تتعلق بأمن العملية، اضافة الى ذلك ومن خلال تقدير الموقف تبين ان العمود الفقري لنجاح الضربة هو اجرأت التمويه والمخادعة في مرحلة اختراق الحدود الدولية من خلال استغلال فعالياتنا الجوية التي كانت نشطة في تلك الفترة على حدود الجبهة الشمالية والتي تعودت عليها مراصد ورادارات العدو لتمرير طائرات الضربة من خلالها باتجاه مصفي طهران وبهذا نكون قد حققنا مبدأ المباغتة،
ومع ذلك فكان الواجب ليس من السهولة بمكان، سيما ان قطع هذه المسافة الطويلة والذي يربو على 1900كم ذهابا وايابا، وبالطيران الواطئ مع اجراء عملية التزود بالوقود جوا بعمق 150 كم داخل الأجواء الايرانية وعلى مسافة غير بعيدة عن قاعدة الجوية الايرانية في (شاهروخي) التي تتمركز فيها طائرات الفانتوم F-4 تتطلب من الطيارين المنفذين للعملية جهدا وتركيزا استثنائيين مع الاخذ بنظر الاعتبار عامل المجازفة المحسوبة لتأمين شل جزء فعال من منظومة تكرير النفط الايراني التي اضحت تعاني من انخفاض قدرتها على تلبية متطلبات الجهد الحربي الايراني ناهيك عن متطلبات ادامة تشغيل المرافق الحيوية الاخرى في ايران والتي لا تستغنى عن المشتقات النفطية في اية حال، وجرى القرار على تخصيص جهد جوي مؤلف من أربعة طائرات ميراج F-1 للمهمة المرتقبة، (طائرتان لضرب قسم العزل والأخيرتان لضرب الجزء الخاص بالتكرير) تسندها اربعة طائرات للإرضاع الجوي.
كنا نخمن بأن الإيرانيون يتوقعون ان أي ضربة جوية عراقية في العمق بضمنها مصفى طهران الحيوي يمكن ان تتم من قاعدة أبى عبيدة الجوية! في الكوت بحكم تمركز جهد ضارب من طائرات الميراج F-1 فيها، وبذلك كان بإمكانهم رصدها عبر نقاط رصدهم المتقدمة على الحدود المشتركة، ولذلك كان اختيار(ألقاعدة ألجوية في القيارة) موقفاً سليماً لا سيما وان خط الرحلة فوق الاراضي العراقية والايرانية يمر عبر سلاسل جبلية التي تتخللها الوديان والتي يمكن ان تؤمن مع الجبال سترا لإخفاء طائرات الضربة من الكشف الراداري المعادي الذي يغطي المنطقة ولكن المشكلة الان تتمثل بتنفيذ عملية الإرضاع الجوي في المناطق الجبلية..
وبعد دراسة الخريطة وطبغرافية الارض في طريق الرحلة وجدنا ان هناك وادي فسيح جدا بين السلاسل الجبلية يمكن ان يؤمن الإخفاء عن الكشف الراداري المعادي وذلك بعد اجتياز السلاسل الجبلية العراقية والإيرانية تشكل مجالا مريحا يمكن ان تنفذ عملية الإرضاع فيها، ولقد تم تحميل طائرات الضربة بـ4 قنابر زنة 400 كغم (برشوتيه) لكل طائرة مصممة للرمي الأمين من الارتفاعات الواطئة جداً مع خزانات وقود احتياطية، كما تم تخصيص طائرتان بالاحتياط يتم إقلاعها مع التشكيل.
تنفيذ الواجب:
اقلعت عشر طائرات من قاعدة صدام الجوية بضمنها طائرتين احتياط بالساعة 1000 من يوم 27 فبراير عام 1988 باتجاه الهدف (مصفى طهران) بأسلوب الطيران الواطئ ، وكانت الجبال ذات القمم البيضاء الشاهقة تواجه تشكيل الضربة كحارس أمين من الكشف الراداري المعادي، وبدت بحيرة دوكان الى يمين التشكيل، بأمواجها الزرقاء، وهي تودع هذا التشكيل الذي سيجتاز تواً الحدود العراقية الإيرانية، وبدت قمم الجبال الإيرانية هي الأخرى، ولا يبدو إنها كانت تضمر للتشكيل سوءاً، والتشكيل يكاد يلاصقها، وبعد هذه السلسلة بدا واد فسيح جدا بين الجبال، وعندها قام التشكيل بالإرضاع المطلوب بنجاح !
وهكذا استمر أربعة صقور عراقيين في صولتهم الجوية الجسورة نحو مصفى طهران المحصن بشكل جيد، وجميع القلوب في القيادة كانت متوجهة صوب هذا التشكيل، وكانت الضربة الناجحة هي كل ما تحتاج أليه في ذلك اليوم…
كان المصفى يقع بالقرب من مطار طهران الدولي وعلى مسافة جوية تعبوية تربو على ال( 950 كم) من قاعدة الانطلاق في القيارة، وعندما اقترب تشكيل الضربة من طهران ظهرت المدينة الكبيرة التي كان يكللها الدخان من المعامل المحيطة بها، وبدا المصفى بابراجه اكبر مما كان التشكيل يتوقع منشئات تمتد، وتجثم في سهل داكن،
وبعد استمكان الهدف توزع التشكيل على العوازل والمكررات، وهكذا و بلمح البصر انقض كل من:
.قائد التشكيل الرائد الطيار “حذف الاسم للخصوصية”.
.النقيب الطيار. “حذف الاسم للخصوصية”.
.النقيب الطيار. “حذف الاسم للخصوصية”.
.النقيب الطيار. “حذف الاسم للخصوصية”.
عند انقضاض التشكيل على الهدف بداية لم تكن المقاومة كثيفة حيث حققت طائرات الضربة المباغتة الكاملة، لذلك تم تحقيق اصابات مباشرة بالهدف وقد شاهد طيارونا التشكيل الجنود الايرانيون وهم يهرعون مذعورين الى مدافعهم، ولكن التشكيل كان قد تجاوز الطائرات الهدف، اتجهت جنوباً، لإيهام ألعدو ان هذا التشكيل سوف يذهب الى قاعدة ابي عبيدة في الكوت، وذلك كأجراء تمويهي، حيث سرعان ما بدل التشكيل اتجاهه الى الشمال، وقد شاهد الطيارون بعد ان اتجهوا شمالاً النيران وهي تلتهم مصفى طهران،
وهكذا عاد التشكيل وباشر بالتسلق للاقتصاد بصرفيات الوقود بعد اجتياز الحدود وكانت في انتظارها في الجو طائراتنا المتصدية لتأمين الحماية الجوية لها كما كانت هناك خمس طائرات ميراج من اجل اعادة ارضاع طائرات الضربة اثناء العودة فوق الاراضي العراقية وهكذا هبطت جميع طائرات الواجب مع صقورها الابطال بسلام.
لقد كانت القوة الجوية فخوره بنجاح هذه المهمة الحساسة تللك المهمة التي أشرت الكفاءة العالية التي وصلت اليها منتسبوها بكافة اختصاصاتهم وفي مقدمتهم صقورها الطيارون الابطال، وهكذا كان حال القوة الجوية زهرة تتفتح يوماً بعد اخر لتشكل مع اخواتها الزهرات الاخريات بعد حين قريب أكليل غارالنصر المؤزر للعراق العظيم.
تعليق حول قصف مصفى طهران
لو لم يعد الكثير من اسرانا وخصوصاً الطيارين منهم، لما كان هذا التعليق في الاصل موجوداً ، ولكن من حسن الصدف ان نستمع من احد الاسرى الطيارين لوصف كامل عن قصف مصفى طهران حيث يقول الاسير العميد الطيار “حذف الاسم للخصوصية” العائد مـن سجون العدو الايراني الآتي:
كنا خلف الأسلاك الشائكة في باحة سجن الأسر البغيض واذا بنا نسمع أزيز قوي لطائرات بارتفاع واطئ جداً تمر بسرعة فائقة من فوق السجن سرعان ما استطعنا من تمييزها وكانت عبارة عن أربعة طائرات ميراج أدركنا خلالها بأنها طائرات ضربة عراقية واستمرينا في متابعتها واذا بها تنقض انقضاض الصقور الكواسر على مصفى طهران وتحيله هشيماً بل جحيماً اثلج صدورنا ياللمفارقة ( الجحيم يثلج الصدور) كيف لا وهاهم صقور العراق يصولون فوق طهران على مشهد من الأسرى العراقيون الصامدون وبدأت النشوة والفخر يغمران نفوسنا لم نستطع من إخفائها أمام جلاوزة الأسر الإيرانيون وهم يصرخون لإجبارنا على ترك الباحة الى غرف الأسر وبربرية لا مثيل لها تختلط بأصوات المدافع المضادة للجو مع صفارات الانذار التي لا تنقطع والدخان الكثيف الذي غطى مصفى طهران وما حوله، وخلال ذلك الوقت الذي لم يستغرق سوى دقائق جاءنا الجلادون الإيرانيون لينتقموا منا ضرباً وركلاً بسياط لا تعرف الرحمة أو الشفقة لأنهم يعرفون إننا لا حول و لا قوة لدينا ، وكان هذا هو الثمن لتلك الغارة الجوية العملاقة على مصفى نفط طهران الحيوي.