بدء التقدم البري: اختراق الدفاعات الحدودي
كانت المهمة الاولى للجيش الامريكي وقت بدء المعركة هي اختراق الحواجز الدفاعية التي اقامها الامريكان لحماية الكويت في التسعينات من اي اجتياح بري عراقي اخر و بعدها اختراق الحاجز الحدودي العراقي. هذان الحاجزان يمثلان نظام اعاقة بري بعمق 10 كم و على طول الحدود. و كان الحاجز يشمل سواتر ترابية، اسلاك شائكة مكهربة، و خنادق لصيد الدبابات.
عملية الاختراق هذه تقسم الى 4 مراحل:
1- تسوية الساتر الرملي و العوائق الاخرى
2- تدمير القوات العراقية المجاورة (اغلبها على شكل نقاط مراقبة)
3- عمل طرق نقل امنة من خلال الحواجر المعادية
4- تأمين قوات الهجوم اثناء مرورها داخل العراق
تم تخطيط فتح 8 ممرات امنة عبر الحدود بالتنسيق مع الكويتيين. و رغم ان الجيش الامريكي تدرب بشكل جيد على كيفية انجاز المهمة على نموذج طبق الاصل، لكن تقديم موعد الهجوم ادى لبعض الارباك. فقد كان مخططا ان يكون امام القوات الهندسية بين يوم او اثنين قبل فتح الممرات، تم تغيير الامر بمجرد وصول القوات الهندسية بأن تبدأ عملية الفتح. كان دور الطرف الامريكي هو تزويد الكويتيين - الذين طلبوا القيام بالعمل قبل بدء الحرب تحت غطاء الصيانة - بالحماية و التوجيه فيما يقوم الكويتيون بفتح الساتر الترابي و ردم خندق الدبابات بالتراب. تم اقرار ان تسير الاليات المجنزرة على هذا الطريق بينما تسير الاليات المدولبة على الجسر المتحرك الذي تم اقامته بجانبه. و كانت مع السلاح الهندسي قوات شرطة عسكرية لتوجيه الاليات من الفرقة القتالية و ترتيب دخولها من اجل حصر تركيز قيادة اركان الفرقة على التخطيط للمواجهة العسكرية. و كانت الخطة ان يتم ابقاء ممرين فقط من اصل 8 بعد مرور الفرقة.
كان من ضمن خطة العبور ان يتم الاشتباك و ضرب كل ابراج المراقبة العراقية و القوات الجوالة على الحدود لحرمان الجيش من الانذار المبكر و الكشف. و هو ما تم بضرب جميع المواقع في نفس الوقت.
رسم يوضح تفاصيل تركيبة الخط الدفاعي بين العراق و الكويت
رافع عملية التوغل خلال الدفاعات الكويتية قصف مدفعي من 5 كتائب مدفعية. اطلقت 458 طلقة على 11 موقع عراقي. و تم معاونة المدفعية بطائرات الهيليكوبتر و راجمات الصواريخ. و تم القاء المنشورات على القوات العراقية في تلك المنطقة لكن بتأثير ضعيف. فعكس حرب الخليج لم يكن هناك حملة قصف مطول على الجيش العراقي. و من سخرية القدر ان احد صناديق المنشورات انزلق من طائرة امريكية و نزل بكامل حمولته على رأس جندي عراقي و قتله، و بالتالي قد تكون اول خسائر الطرف العراقي هو من هذا العمل الغير قتالي! عموما كان عد الجنود الذين استسلموا للفرقة الثالثة مشاة 2600 شخص. اما اغلب من تركوا الجبهة فقد عادوا لبيوتهم.
تشكيل ساحة المعركة المتصلة بالخرق الحدودي
اضافة الى استخدام المدفعية في استهدام مراكز و دوريات الحدود العراقية اثناء الاختراق، كان اهتمام قيادة اركان الجيش الامريكي بالفرقة 11 مشاة العراقية القريبة من قاعدة الطليل الجوية. حيث كانت هذه الفرقة هي اقرب الفرق العراقية لنقاط خرق الحدود المحددة. و لمواجهة هذا التهديد طلب الجنرال والاس من كتيبة المروحيات الهجومية تدمير مدفعية الفرقة و دباباتها قرب الطليل و الناصرية.
كانت هذه الكتيبة تكون من 42 مروحية اباتشي AH-64 (نفس العدد من طراز A و D) و تم تعزيزها ب 18 مروحية اخرى من نفس الطراز من كتيبة جوية رقم 1-227 التابعة للفرقة الاولى دروع. و كانت هذه الكتيبة من المروحيات هي ذراع الفيلق الخامس الضاربة خلف خطوط العدو و اسلوبه في تدمير دروع الجيش العراقي قبل ان تدخل في مواجهة مع القطعات الارضية. و كان تدمير دروع الفرقة 11 مشاة العراقية كفيلا بتوفير مجال واسع للمناورة للفرقة الثالثة مشاة الامريكية و يؤمن جناحها الشرقي.
خرجت الكتيبة الجوية في الموعد المحدد للهجوم، يرافقها مروحيتان من طراز بلاك هوك UH-60 L لتأمين السيطرة و القيادة الجوية و اي عمليات انقاذ. و كان يرافق الكتيبة ايضا طائرتا تزويد بالوقود. و بمجرد الدخول في المجال الجوي العراقي، اعلنت طائرات البلاك هوك و الارضاع الجوي عن مدى رؤيا معدوم بسبب الغبار. و لم تفلح حتى المناظير الليلية في حل هذه المشكلة. و رغم ان طائرات الاباتشي كانت قادرة على التحليق باستخدام المناظير الحرارية الا ان المهمة تم الغاؤها بسبب مشاكل الرؤيا لطائرات القيادة والسيطرة و التزويد بالوقود. و بالتالي صار لزاما على الفرقة الثالثة مشاة التقدم بدون دعم جوي.
تأمين الخطوط:
بموازاة الاعمال التحضيرية المذكورة اعلاه، بدأت اعمال فتح خطوط الحركة الثمانية بشكل متوازي لضمان ايصال اكبر قوة نارية ممكنة للعدو بسرعة. و الجدير بالذكر ان الكتائب الهندسية تدربت على مهمتها 19 يوما متواصلة قبل الحرب. و اثناء الاعمال الهندسية كانت قوات الفرقة كلها في وضع القتال. و كان هناك تركيز على الحذر من اي هجوم كيماوي عراقي. فبمجرد صدور انذار باطلاق الجيش العراقي لصواريخه (و قد حصل هذا 5 مرات في اليوم الاول) كان الجنود يسرعون في ارتداء اقنعة الوقاية و الذهاب للخنادق. و كانت الوحدات الكيميائية تحصل على تقارير عن مكان ضرب انفجار الصاروخ في الهواء (بفعال الباتريوت) و من ثم يتم حساب سرعة الرياح لتقدير خطر التعرض ﻷي عامل كيماوي.
في الساعة التاسعة مساءا قامت كتائب مدفعية عيار 155 مم بقصف مراكز المراقبة الحدودية العراقية لمدة 20 دقيقة. و بعدها تقدمت القوات للاشتباك مع اي قوات عراقية موجودة. و قتل 7 جنود عراقيين في هذه المعركة. وكانت محصلة عمليات اختراق الحدود تدمير 3 مراكز رصد، 4 دبابات، 3 مدرعات و 5 شاحنات نقل. و تم عمل حزام بعمق 10كم لتأمين نقاط العبور و التحضير لتقدم مراكز اعادة التزويد بالوقود و القوات الثقيلة. نفس الحال تكرر مع فريق العمل الثاني الذي فتح الممرات الاربعة الاخرى.
مرور القوات بعد فتح الممرات
واجهت قوات الفيلق الخامس مشاكل تكتيكية اثناء المرور بالمعابر الثمانية. فلتم تكن تلك المعابر كلها بمواصفات تجعل المرور من خلالها سهلا. فتمرير 10000 مركبة هي عماد الفيلق طرح مشاكل في الترتيب. اضافة الى طول طابور المرور جعل بعض العربات خارج نطاق موجات FM للاتصال. و استغرق الامر يومان حتى تمر هذه العربات كلها. و لكن الاهم هو ان فرقة المشاة الثالثة تكاملت و وصلت مرحلة العمل القتالي عند قاعدة الطليل على بعد 100 كم خلال 24 ساعة. و كان غريبا ان 3 عربات نقل ثقيل سارت مع احدى الفرق. وغرزت هذه العربات عشرات المرات اثناء المرور في الصحراء.
الفرقة المجوقلة تعزز مدى عملياتها
بموازاة عبور الفرقة الثالثة مشاة، بدأت الفرقة 101 المجوقلة تنفيذ اعمال التحضير لدورها في الهجوم. و هذا التشكيل الجوي يعتمد على التقدم العميق داخل مناطق العدو بمئات الحوامات المعملة بالجنود و العتاد المدرع بما يشكل ذراعا ضاربا للجيش الامريكي يمكنه من انزال فرقة مشاة داخل العمق المعادي. و كان هدف هذه الفرقة هو الوصول لجنوب بغداد و مدينة كربلاء و بالتالي تحتاج تحضير منطقتين لتعبئة الوقود حتى تصل المروحيات لذلك المدى.
كما يوضح الشكل المجاور، يتم تحقيق هذا المدى العملياتي الكبير عن طريق انشاء 3 محطات توقف و تزويد:
1- مركز تموين سريع RPR (و يطلق عليه كوديا اسم اكسون EXXON)
2- منطقة تموين و تذخير متقدمة FARP (و يطلق عليه كوديا اسم شيل SHELL)
3- منطقة عمليات متقدمة FOB الخامسة
تأسيس منطقتي اكسون و شيل سوف يمكن مروحيات الفرقة من الوصول الى كربلاء و ضواحي بغداد الجنوبية كما اسلفنا. و تم تحضير 4 طائرات شينوك لتعمل كمراكز وقود متنقلة - كل بسعة 800 جالون - لتزويد المروحيات OH-58D ذات المدى القصير بواسطة الارضاع الجوي حتى تصل لنقطة شيل و تقوم بتأمينها من الجو قبل بدء انشاء الخزانات و المستودعات.
بعد التأمين الجوي اندفع الطاقم الارضي الخاص بمحطة EXXON عبر الحدود يوم 20 مارس. و استغرق الفريق 16 ساعة لقطع مسافة 200 كم داخل العراق. و تم تأسيس 12 نقطة تزويد وقود في الموقع و نصب المحطات خلال 3 ساعات و نصف. و خلال العملية العسكرية تم انشاء العديد من هذه المراكز بحيث تغطي المروحيات الامريكية جميع انحاء العراق. انظر الشكل.
و لتأمين الطائرات، تم احضار 136 جندي مشاة و تدريبهم ليعملوا على المدفع الرشاش الملحق بالطائرة. و كل جندي تم دريبه 40 ساعة ليصبح قادرا على القيام بهذه المهمة.