الامير الاحمر
يحكى أنّ ياسر عرفات كان يرى دائمًا علي حسن سلامة كابنه. وقد قُتل أبو سلامة الحقيقي، حسن سلامة، والذي كان أحد قادة النضال الفلسطيني المسلّح، عام 1948. وأصبح ابنه علي بمثابة الابن لدى المفتي، وعضوًا بارزًا في فتح. وقد ارتقى بسرعة إلى قمّة منظمة "أيلول الأسود"، التي نفّذت مذبحة الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ عام 1972. حيث قُتل أحد عشر عضوًا من الوفد الإسرائيلي على يد رجال سلامة.
وفي أعقاب ذلك، أطلقت إسرائيل عملية "غضب الله"، لملاحقة مخطّطي العملية وقتلهم. وقد كان علي حسن سلامة الأكثر ذكاءً ومراوغة من بين الأهداف المزعوم اغتيالها. وقد استطاع الموساد أن يغتال قادة التنظيم واحدًا تلوَ الآخر، بوسائل مختلفة كتفجير هاتف، تفجير سريري في فندق أو إطلاق نار من مسافة قريبة، ولكن سلامة نجح مرة تلوَ الأخرى في التملّص من رجال الموساد. في تموز عام 1973 قتَل الموساد أحمد بوشيكي عن طريق الخطأ، وهو مواطن نرويجي من أصول مغربية اشتبه عن طريق الخطأ بأنه سلامة، في المدينة النرويجية ليلهامر. وقد قدّمت إسرائيل تعويضًا بمئات آلاف الشواقل لزوجة بوشيكي.وفقط في عام 1979 وصلت ملاحقة "الأمير الأحمر" إلى نهاية الطريق. فقد انفجرت سيارة ملغومة بالقرب من سيارة سلامة في بيروت، حين كان في طريقه إلى مناسبة عائلية. وفقًا للشائعات، فقد تمّ تجنيد مواطنة بريطانية تدعى أريكا تشايمبرس من قبل الموساد واستأجرت منزلا مقابلا لمنزل سلامة، وهي التي قامت بتفجير القنبلة بواسطة جهاز التحكم عن بُعد.ربيع الشبابربما تكون عملية "ربيع الشباب" عام 1973 هي العملية الأكثر إثارة من بين عمليات الموساد، والتي نُفّذت بالاشتراك مع وحدة الأركان العامة والسريّة 13. وصلت القوات الإسرائيلية إلى شواطئ بيروت بواسطة قوارب، وهناك انتظرهم رجال الموساد الذين أقلّوهم بسيارات مستأجرة في يوم سابق. والذي جعل هذه العملية مشهورة في إسرائيل هو حقيقة أنّ نحو نصف المقاتلين كانوا متنكّرين بزيّ نساء، ومشوا معانقين بأذرع سائر المقاتلين، كمجموعة من الأزواج العشاق. وقد قال إيهود باراك، الذي كان رئيس سرية هيئة الأركان العامة في تلك الفترة، إنّه كان متنكّرًا بزيّ امرأة سمراء. كما اشترك في العملية يوناتان نتنياهو، أخو رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. وقد قتل يوناتان بعد مرور ثلاث سنوات في عملية تهريب الرهائن الإسرائيليين في عنتيبي. أحد المشاركين الآخرين كان أمنون ليبكين شاحاك، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش.وقد جرت العملية في عدّة مواقع مختلفة من المدينة. وقد اغتيل فيها نحو مئة رجل من رجال حركة فتح والجبهة الشعبية، إضافة إلى ثلاثة من كبار مسؤولي فتح وهم: يوسف النجار، كمال ناصر وكمال عدوان، قُتلوا جميعًا بمداهمة جريئة. قال رافي إيال، وهو أحد المقاتلين في العملية، موضحًا كيف تم الانسحاب من هدف الهجمة: "دخلنا إلى السيارة. سألتُ أمنون (ليفكين شاحاك): ماذا بالنسبة للمبنى؟ نظر بكلّ برودة المعتاد إلى الساعة، وقال: "لم تحن اللحظة بعد". مرّت نحو عشر ثوانٍ، وسمعنا انفجارًا ضخمًا، وعندها انقسم المبنى إلى قسمين".العقل المدبّر لحزب الله
لم تعترف إسرائيل إطلاقًا بأنها هي التي كانت تقف وراء اغتيال عماد مغنية. مغنية، الذي بدأ طريقه كناشط في حركة فتح، بدأ بالتعاون مع حزب الله بعد أن تركت حركة فتح لبنان، وصعد ببطء إلى قمّة التنظيم. كان مغنية مسؤولا عن العلاقة مع إيران، عن ترسيخ التنظيم في جنوب لبنان وعن خطف الجنود الإسرائيليين.ومن بين العديد من الأعمال المنسوبة إليه، يمكننا أن نجد الهجوم الإرهابي على السفارة الأمريكية ومقر المارينز في بيروت والذي قُتل فيه أكثر من 300 أمريكي، وكذلك تفجيرات السفارة الإسرائيلية ومبنى الجالية اليهودية في بوينس آيرس والتي قُتل فيها أكثر من 100 شخص (وفي أعقابها أصبح مغنية مطلوبًا في الأرجنتين)، خطف الجنود في الجيش الإسرائيلي على الحدود الإسرائيلية اللبنانية والتخطيط لاغتيال رفيق الحريري.وقد اغتيل أخو مغنية في تفجير سيارته في بيروت عام 1994. وبعد مرور 14 عامًا، واجه مغنية نفس المصير حين دخل إلى سيارته لدى مغادرته مدرسة إيرانيّة في حيّ كفر سوسة في مدينة دمشق. ووفقا لصحيفة "ساندي تايمز"، فقد تم تثبيت دعامة فيها مواد متفجّرة في سيارته. ولم تعلن إسرائيل أبدًا عن مسؤوليتها عن وفاة مغنية."إن الانتقام على اغتياله لن يكون باغتيال مواطنين بسطاء أو دبلوماسيين ليسوا مهمّين"، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ردًا على الاغتيال. "سننتقم على اغتيال مغنية في اللحظة والتوقيت المناسبين. سيكون ذلك هو الانتقام الذي يليق بمقامه".ليس اغتيال فقط: خطف المجرم النازي
بعد الحرب العالمية الثانية وجد عشرات المجرمين النازيين ملاذهم في أمريكا الجنوبية. وفي مقدمتهم كان أدولف إيخمان، الذي كان مسؤولا عن الإبادة المنظمة بالغاز ليهود أوروبا. هرب إيخمان، الذي تم القبض عليه عام 1945 من قبل الجيش الأمريكي، واختبأ في ألمانيا، ثم في نهاية المطاف، تم تهريبه إلى الأرجنتين بمساعدة رجال دين.ولدى وصوله إلى بوينس آيرس غيّر إيخمان اسمه إلى ريكاردو كليمنت. جاءت معلومة استخباراتية إلى إسرائيل وساعدتها على أن تفهم بأن كليمنت هو في الواقع المسؤول النازي. في عام 1960 تم إرسال متجوّلين ومراقبين إسرائيليين إلى بوينس آيرس، حيث تمكّنوا من التأكد من أن الحديث يجري عن أدولف إيخمان. وحينئذ بدأ تشكيل خطة لعملية القبض عليه.بعد أن تتبّعوا مسار عودة إيخمان اليومي من العمل، قرّروا نصب كمين له على الطريق بين محطة الحافلات قريبًا من منزله. ولكن في ذلك اليوم الذي تم فيه التخطيط للخطف، لم ينزل إيخمان من الحافلة في الوقت المحدّد. وخلال دقائق طويلة، انتظر رجال فرقة الخطف، وحينها ظهرت فجأة الشخصية المشبوه بها في منعطف الطريق.
انتظرته سيّارتان. وقفت إحداهما قبالته، وسلطت الضور على عينيه. واقتربت الثانية من الجهة الأخرى، وقفز من داخلها ثلاثة رجال موساد أوقعوه أرضًا وألقوا به داخل السيارة. تم ربط إيخمان وألقيَ على أرضية السيارة التي كانت مغطاه ببطانية. التفت إليه أحد الخاطفين قائلا بالألمانية: "إذا لم تجلس بهدوء، فسنقتلك"! وفي هذه المرحلة، لم يكن واضحًا بعد إنْ كان هذا هو إيخمان حقًا، أو أنه قد حدث خطأ في التشخيص. بعد ذلك تمتم الرجل بالألمانية: "لا بدّ لي من مواجهة مصيري". فهم الخاطفون أنهم أمسكوا بالرجل المطلوب.
تم نقل إيخمان إلى إسرائيل، سُجن وتمت إدانته. وقد أدين بموجب قانون النازيين والمتعاونين لصالحهم، وحكم عليه بالإعدام. بعد سنتين من خطفه، تم تنفيذ الإعدام من قبل دولة اليهود، دولة الشعب الذي سعى لإبادته.
الفشل في عمّان
إلى جانب النجاحات الكثيرة، ربما كان ذلك الفشل الأكبر للموساد. في 30 تموز عام 1997، فجّر انتحاريّان نفسيهما في سوق محانية يهودا في القدس. وقد قُتل في العملية 16 إسرائيليًّا وجرح المئات. وقد تمّ التعرّف على الإرهابيين باعتبارهم نشطاء في الجناح العسكري لحركة حماس. قرّر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنّه يجب الإضرار بقادة حماس. ورغم اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، كان هدف التصفية المختار هو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي كان يسكن في عمّان.
وكانت الخطّة تهدف إلى رشّ غاز سامّ من نوع فنتانيل على مشعل، والذي كان من المفترض أن يقتله في غضون ساعات. كان على العميلَيْن الاقتراب منه، ورشّه بالغاز من مسافة قريبة جدًّا، والهروب دون أن يلاحظهم أحد. ولكن العملية التي أجريت في 25 أيلول عام 1997 تورطت، فقد تم القبض على القاتلَيْن بواسطة الشرطة الأردنية، وغضب الملك حسين من نتنياهو الذي وافق على إجراء العملية في أراضي المملكة الأردنية الهاشمية. بدأ مشعل المصاب يشعر بالقشعريرة، وأدخل إلى المستشفى في حالة حرجة. بقيت لديه ساعات معدودة للبقاء حيّا.
للمزيد من السخرية، قرّر نتنياهو من كثرة الضغط أنّه من أجل تهدئة الملك، يجب "التنازل عن كلّ شيء" لإنقاذ نفس الرجل الذي حاول اغتياله للتوّ. هدّد الملك بأنّه لو مات مشعل، فلن يكون لديه خيار إلا بإعدام العملاء الذين تم القبض عليهم. تم نقل المادّة المضادّة التي أنقذت حياة مشعل سريعًا إلى المستشفى الذي كان يمكث فيه. وأخيرًا، من أجل تحرير العملاء، قرّرت إسرائيل أن تطلق سراح زعيم حماس، الشيخ أحمد ياسين. هكذا أدّى التورّط على الأرض إلى حادثة دبلوماسيّة خطرة، وإلى دفع ثمن سياسي باهظ. تحمل نتنياهو مسؤولية الفشل، ولكنه لم يستقل.