كان لزاما على الحكومة الجزائرية المؤقتة التي تم إنشاؤها سنة 1958 برئاسة فرحات عباس، بعد أربع سنوات من انطلاق ثورة التحرير، استحداث جهاز مخابرات يكلف بمهمة الاستطلاع العسكري والتسليح والتنسيق بين قادة الولايات التاريخية العسكريين، فتم إنشاء وزارة التسليح والاتصالات العامة وتعرف أيضا باسم "المالغ" ترأسها عبد الحفيظ بوالصوف، وأسندت لها مهمة تسليح الثوار الجزائريين لمحاربة الاستعمارالفرنسي، حيث كلف جماعة من الضباط الشباب بمهمة تشكيل جهاز للاستعلامات الذي بقي ملحقا وتابعا تنظيميا للوزارة المذكورة حتى استقلال الجزائر.
وامتد هذا الدور إلى مهام كثيرة ومتنوعة من بينها تأسيس نظام التسليح والاتصالات العامة وإنشاء الإعلام الثوري ونظام الشيفرة والتصنت على العدو والمخابرات المضادة التي كانت تعد العين الساهرة على سلامة الثورة واستمرارها، كما كان لها نشاط في الخارج خاصة في الدول الاشتراكية كالاتحاد السوفياتي والصين وفيتنام وكوبا للمساعدة والتسليح والدعم المالي.
كان يرأسها عبد الحفيظ بوالصوف وتعتبر أول جهاز مخابرات جزائري كلف بمهمة الاستطلاع العسكري والتسليح والتنسيق بين قادة الولايات التاريخية العسكريين، كان لها عدة فروع داخل وخارج الوطن بالمغرب (وجدة) وليبيا أهمها مركز ديدوش بطرابلس في ليبيا من بين الضباط الذين كانوا في وزارة التسليح والاتصالات العامة: دفعة العربي بن مهيدي التي كانت تضم: حجاج مليكة - ميري رشيدة - حميد غزالي - عبد السلام شلالي - بري مصطفى - محمد سماش - خرزابي إسماعيل - عبد الله خالف (قاصدي مرباح) - عبد القادر خالف (كمال) - علي تونسي (الغوثي) - نور الدين زرهوني (يزيد) - أحمد زرهوني (فرحات) - حاج غزوت (ناصر) - محمد لعلى (قدور) - عبد العزيز بوتفليقة (عبد القادر) - عبد الحميد تمار (عبد النور) - حسان بلجلطي (عبد الرزاق) - محمد بروان - بوعلام بسايح (لمين) -دحو ولد قابلية - بلمهمل حاج سليمان - محمد لمقامي.
بوالصوف مهندس اتفاقيات إيفيان
ويعتبر العقيد عبد الحفيظ بوالصوف (1926 / 1980)، بمثابة "العلبة السوداء" للثورة، وهو الذي لعب دورا بارزا في إنجاح مفاوضات إيفيان التي أفضت إلى حصول الجزائر على استقلالها، كما أنه اعتمد سياسة تسليح بلغت حد تصنيع قطع السلاح وتكوين طيارين وإيصال 6 طائرات هيليكوبتر إلى المغرب في شكل قطع وتحت تسمية بضائع مختلفة عشية الاستقلال.
ويوصف بوالصوف بأب جهاز المخابرات في الجزائر الذي أسسه إبان الثورة التحريرية، حيث لعب دورا كبيرا أثناء الثورة وبعد الاستقلال وقام في تلك الفترة رغم قلة الإمكانيات حسب شهادات تاريخية ومؤرخين بزرع جواسيس فيالخارج وتجنيد جواسيس لها في الجزائر.
ويعد بوالصوف الأب الروحي لجهاز المخابرات الجزائرية، حيث تداول على قيادة هذا الجهاز منذ تأسيسه خلال الثورة التحريرية، عدة قادة بداية بالراحل بوالصوف، حيث لعب دورا كبيرا أثناء الثورة وبعد الاستقلال وقام في تلك الفترة رغم قلة الإمكانيات حسب شهادات تاريخية ومؤرخين بزرع جواسيس في الخارج وتجنيد جواسيس لها في الجزائر."المالغ" مدرسة حقيقية بهياكل ومديرياتتم تأسيس مدرسة لتدريب الإطارات (مدرسة الإطارات) l'école des cadres، كان دور هذه المدرسة هو تدريب الضباط وأول مركز لتدريب الإطارات كان بوجدة (المغرب)، حيث تبرعت عائلتان ثريتان بمنازل وهما بوعبد الله وبن يخلف.وكان لوزارة التسليح والاتصالات العامة (MALG ) عدة فروع هي: مركز ديدوش بطرابلس كان يضم عددا كبيرا من الضباط ويحتوي على عدة فروع (فرع للاستخبارات والتحليل - فرع للأرشيف - الإذاعة)، حيث كانت تطبخ فيه كل الأمور المتعلقة بالتحرك السياسي لجبهة التحرير الوطني، كما كان يقوم الفرع بتحليل تقارير العملاء من داخل وخارج الوطن ومن بين أهم فروع مركز ديدوش هو فرع اليقظة (la vigilance) الذي كانت مهمته هي حماية الثورة.- مديرية الإشارة والشيفرة DTN بالفرنسية direction du transmission et du chiffre كان مركزها بوجدة (المغرب) قرب الحدود وكانت مهمة هذا المركز هو التنصت والإرسال اللاسلكي عن طريق المورس (باستعمال الشيفرة) بالاتصال بوحدات جيش التحرير الوطني في الولايات التاريخية.- مديرية اليقظة ومكافحة التجسس (la vigilance et le contrerenseignement (DVCR): مهمة هذا الفرع هو الاستخبارات وزرع العملاء في صفوف العدو والاستطلاع السياسي والعسكري.- مديرية التوثيق والاستعلامات الخاصة بالمعلومات العسكرية: la direction de la documentation et de la recherche d'information militaire مهمة هذا الفرع هي الاستخبارات العسكرية ودعم جيش التحرير الوطني بالمعلومات.- مديرية الاتصالات العامة المختصة مع الخلايا العسكرية la direction des liaisons générales وكانت مهمة هذا الفرع هو التنسيق مع الخلايا العسكرية لجيش التحرير الوطني عبر الولايات التاريخية.- مديرية الدعم اللوجستي والتجهيز: كان دور هذه المديرية هو تمويل الولايات التاريخية وتسليح جيش التحرير والإشراف على الجانب اللوجستي والمالي.
ولد قابلية... شاهد على نشاط حافل لـ "المالغ"
يقول رئيس جمعية قدماء "المالغ"، دحو ولد قابلية، التي تضم ما يقارب 800 منخرط وهو عدد المنتسبين إلى الوزارة سابقا والذين ما زالوا على قيد الحياة، إن وزارة التسليح والاتصالات العامة، جمعت في الوزارة ما لم تجمعه وزارات أخرى، حيث كانت تضم بين 2000 إلى 2500 عنصر كلهم كانوا مجاهدين في المناطق الداخلية تمت رسكلتهم، بالإضافة إلى الطلبة الذين جاءوا من الخارج وتم تكوينهم قبل الدخول ضمن وزارة التسليح، تم تقسيمهم إلى خمس مديريات.
ويضيف بأن أول مدرسة كانت مدرسة الضباط، تمدرس فيها كل من شريف بلقاسم، قاصدي مرباح، نور الدين يزيد زرهوني وعبد الحميد طمار، وكان مسؤول المدرسة آنذاك لعروسي خليفة، في وقت تكفل بالتدريس كل من بلعيد عبد السلام وعدد من المسؤولين الجزائريين، في جميع التخصصات، كما يخضع الضباط لتكوين عسكري يشرف عليه عبد الله عرباوي، وهو من كوّن النواة الأولى للإطارات التي حركت نشاط المخابرات أثناء الثورة التحريرية، هذه الفئة من المجاهدين كانت مكلفة بالميدان العسكري لمعرفة النظام العسكري الفرنسي واستراتيجيته، وكيفية تطوره ونقاط القوة والضعف لديه، في وقت كانت هيئة المخابرات المضادة تهتم بكل من يسعى للتدخل في شؤون البلاد أو المساس برجال الثورة.
وعن التسليح، يضيف ولد قابلية، أنّ بوالصوف يعتبر مدرسة علّمت عناصره كل الفنون، وسّع إطار العمل وبدأ يستعمل مهربي السلاح وتجار الأسلحة المغاربة والأجانب في الحصول على الأسلحة واعتمد كثيرا على الأجانب، بينهم بوخار الألماني الذي كان يعتبر نفسه جزائريا تجب عليه محاربة الفرنسيين، وآخرين على غرار محمود الأرجنتيني الذي اختص في تصنيع الأسلحة ورومان الذي تكفل بتهريب اللفيف الأجنبي، بالإضافة إلى استغلال التقنيين الألمان في تكوين الإشارة، هذه الفئة يقول ولد قابلية كان التنظيم يثق فيها ولا يتخوف منها، حيث بقوا معهم إلى غاية العام 1962، فضلا عن كثير من الفرنسيين الذين كانوا يدعمون الثورة من أجل بلادهم، لأنّهم كانوا يعتبرون أنّ الاحتلال الفرنسي للجزائر خطأ وجب التخلص منه.