محمد شوربة الروايه الكامله
ضجّت الأوساط الإعلامية اللبنانية والعالمية بخبر إعتقال قيادي في موقع حسّاس في حزب الله بتهمة التعامل مع جهاز المخابرات الاسرائيلية “الموساد”.
القيادي الذي يُنقل أنه زوّد كيان العدو بمعلوماتٍ وافرة عن نشاط الحزب الخارجي، كان إعتقاله بمثابة الصدمة، حيث يُعرف عن الحزب إنضباطه داخلياً وصعوبة إختراقه في مثل هكذا أمور.
حرباً أخرى يخوضها حزب الله والعدو الاسرائيلي مسرحها العقول الأمنية، الحزب الذي إمتهن طوال سنوات الصراع أسلوب العمل الأمني والتأمين الداخلي لجسمه، لم يبعده ذلك عن شبح الإختراق عبر ثغراتٍ بشرية وهو ما لا يُمكن ضبطه ولا يمكن ضبط تغير مزاجية الفرد وإنجرافه نحو الاموال والطمع. كشفت المعلومات في الايام الماضية عن إلقاء جهاز أمن المقاومة القبض على القيادي الأمني المدعو “محمد شوربة” من بلدة مركبا الجنوبية، حصل ذلك قبل أكثر من شهر من الان وضجّت صفوف الحزب بالخبر الذي لم يتم ضبطه حتى تسرّب إلى الخارج.
هو رجل أربعيني معروفٌ عنه الإلتزام والإيمان الديني، رجل غير معروف بالاسم داخل جسم الحزب، لكنه يُعرف من قبل بعض الامنيين بـ “هيثم”.
هيثم إستلم مهامه وفق المعطيات على رأس الوحدة “910” المولجة مهام الأمن الخارجي بكل ما يتعلق هذا الأمن من حماية كادر وجسم الحزب من أي إختراق يأتي من الخارج، كما تأمين المجموعات الخارجية والتنسيق فيما بينها وربطها بهذه الوحدة التي تتحصل على تقاريرٍ عبر أساليبٍ أمنية يتم إيصالها إلى شورى حزب الله عبر “معاون” مسؤول عن هذا الملف، هذا في الأمور الهامة، فيما يتكلف رئيس الفرع وأحد المعاونين متابعة الأمور الأمنية الهامة والمتعلقة.
شكلت الوحدة 910 هاجساً لدى العدو الاسرائيلي الذي عمل للتحرّي عنها بشتى السبل، خصوصاً بعد ان حصل على معلوماتٍ تتعلق بمحور نشاطها ضد المصالح الاسرائيلية الأمنية والسياسية في دولٍ عدّة، كما قوتها في حماية جسم الحزب من الاختراق الخارجي. ولهذا الغرض، نشّط العدو مهامه وجنّد من جند لتعقّب هذه الوحدة ونشاطها وعناصرها داخل لبنان وخارجه، وبعد ان جمع ما جمع من معلومات، قام بنشرها على موقع إلكتروني قبل 3 أعوام يُدعى stop910.com .
بالعودة إلى “شوربة”، فالمذكور قد عيّن على رأس الوحدة الأمنية الحساسة في الحزب عام 2008 عقب إغتيال المسؤول العسكري للمقاومة الحاج عماد مغنية. لا معلوماتٍ كثيرة عن شوربة، لكن ما يُعرف عنه أن رجلٌ أمني متّزن، سرّي الحركة، كتوم، لا يُحب الإعلام كما سائر رجالات الأمن، علاقته محصورة في قيادة الحزب عبر معاونٍ مولج متابعة الملفات التي تعمل عليها “الوحدة” ويُعتبر “شوربه” يده اليمنى.
لا تاريخ معروف عن توقيت تجنيد “الموساد” لـ “هيثم”، لكن التقديرات بحسب معلومات “الحدث نيوز” تُشير إلى إمكانية حصول ذلك عام 2007، أو عام 1998، حيث ترقى بالعمل مع المخابرات الاسرائيلية حتى وصل إلى مركزه الحساس دون ان يشعر به أحد. الوحدة 910 التي عيّن “شوربة” على رأسها واجهت فشلاً مُتكرّراً في السنوات الاخيرة في عدة عمليات خارجية وملفاتٍ كان يُعمل عليها ضد أمورٍ متعلقة بنشاط العدو الاسرائيلي، كما واجهت موجة تسريب معلومات حساسة نُشرت على الموقع المذكور، كما ان إختراقات ظهرت في خط عملها، كان ذلك يتجلى من سياق كشف شبكاتٍ للحزب تعمل بالخارج ما كان يُشير دوماً إلى قطبة مخفية فيما يجري، الفشل هذا المضاف إليه كشف بعضاً من المعلومات السرية عنها من قبل العدو ونشرها على موقعٍ إلكتروني، وعمله الدؤوب على متابعتها، أوصلت في نهاية المطاف إلى أن تتخذ قيادة الحزب قراراً بالتخفيف من عملها وصلاحياتها دون أن تتوقف كلياً عن العمل، فبدأ الحزب عبر أمنيين بتقليص عديد وملفات ونشاطات “الوحدة” تحت ذريعة “التتبع الاسرائيلي”.
تفيد المعلومات ان الهدف من عملية التقليص هذه كان كشف القطبة المخفية التي كانت تُسرّب المعلومات للعدو الاسرائيلي.
كان هناك شكُ من المتابع لملف “الوحدة” ان يكون هناك خرقاً داخلياً فيها، لكن هذا الخرق كان صعب الكشف عنه، فقرّر الحزب العمل على اسلوبٍ ذكي لكشف من يُسرّب المعلومات عبر عملية التقليص المذكورة. في المعلومات الخاصة، وضعت عدّة أفخاخ على مدى سنواتٍ من عملية تقليص دور الوحدة لكشف تلك القطبة، إلى ان وصلت تلك الافخاخ إلى مرادها عبر عمليةً حصلت وكشفت أمر “محمد شوربة”، ذلك الفخ كان نتاج سنواتٍ من العمل والاستراتيجيات والاساليب لكشف الخرق، وسنواتٍ من تقليص عمل الوحدة.
الامن الخارجي ككل وفي ظل عملية تقليص الـ 910 لم يتوقف بل كان نَشطاً بشكلٍ عادي، لكن دائرة الثقة بدأت تتقلص وبدأت الملفات الحساسة ممسوكة من اشخاصٍ مُحدّدون، وهو ما سهل عملية الإيقاع بالعميل “شوربة”.
“شوربة” هذا لم يكن ودياً في عمله منذ عام 2008 في الوحدة، أسّس وأوجد عدواتٍ كثيرة مع قياداتٍ ومسؤولين في الحزب. كان الرجل مزاجي الطبع في التعامل، أوقع بالعديد من رجالات الأمن في الوحدة عبر أعمالٍ لفقها لهم بهدف طردهم من “الشغل” الذي يقومون به. شوّه سمعة آخرين للهدف نفسه، حاول إبعاد من يريد ومن يرى فيه رجلاً قوياً عن الساحة ليتفرّد هو بقيادة ومتابعة الملف الأمني دون عوائق، ذلك لم يكن سببه منافسات داخلية شرعية، بل نوايا خبيثة تثبت علاقته بالموساد محاولاً تفتيت بنية الوحدة من الداخل وزعزعتها عبر خلق مثل هذه العدوات. مصادر تكشف عن كثرٍ ظلموا طوال فترة وجود “هيثم” على رأس الـ “910”، منهم من هو مستعد لتقديم الدماء، اخرجوا من المشهد لأن قيادة الحزب كان تثق به وبعمله وولائه، لكن خدع الجميع في لحظةٍ مصيرية.
لا تتوقف المصائب هنا، بل تتعداها إلى إفشال ملفات وكشف خلايا للحزب في الخارج، كان آخرها وبحسب المعلومات التي تبقى معلومات، الشاب محمد همدر الذي اوقف في دولة “البيرو” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي عام 2012 توقيف الشاب “حسين عتريس” وزميله “جيمس سامي بابلو” (40 عاماً) في تايلاند التي وجّهت السلطات هناك إتهاماتٍ له بإرتباطه بمجموعة لحزب الله كانت تُخطّط لعملية أمنية ضد مصالح “إسرائيلية”.
وفي العام الجاري وفي نفس البلد، اوقف الشاب اللبناني الاخر “يوسف عَياد” مع لبنانيان هما داود فرحات وبلال بحسون بتهمة الانتماء إلى حزب الله، وهي تهمة نشرها موقع “ستوب910″ الذي قال انهم اعضاء في وحدة الـ “910” عمليات خارجية كانوا يُخطّطون لعملٍ ما هناك.
الاعتقالات وعمليات الفشل هذه حمّلت لـ “شوربة” الذي، ووفق للمعلومات ، إعترف أنه كشف، أفشل، فضح، وأحبط عملياتٍ لـ “الأمن الخارجي” في حزب الله وسلّم أسماءً أوصلت إلى تفكيك شبكاتٍ وجزّ من فيها في السجون!.
وفي أسباب ما فعله شوربة، فإن المعلومات المتقاطعة تشير إلى حصوله على مبالغ مالية ضخمة لقاء “الخدمات” التي قدمها للعدو الاسرائيلي، لكن طريقة تجنيده تبقى غامضة على الرغم من تسريب معلومات حول طلبه الشخصي من الموساد تجنيده، لكن هذه الفرضية تبقى غير قابلة للتأكيد في ظل أجهزة أمن لا تُجنّد دون تأكد، ولا تُجنّد بشكلٍ مباشر أبداً بل بعد عملية متابعة تستمر لسنوات. في النهاية، فإن حزب الله وبلعبةٍ ذكية إستمرت فترة طويلة إستطاع الايقاع بالعميل الأخطر الذي مرّ على صفوف الحزب المُعرّض لمثل هكذا عمليات إختراق بشكلٍ طبيعي كونه يخوض حرب أدمغة مع العدو الاسرائيلي.