الحلقه الخامسه
ميتة جماعية أرادها الأمير
في أحدى سفراتي مع العائلة في شهر رمضان إلى سرسنك في شمال العراق وكان الكل صائما، وبعد الإفطار يجتمع الأمير عبد الإله ومن معه للسمر وتناول الأحاديث ولعب المحيبس. فكان المجتمعون.
1. الأمير عبد الإله.
2. تحسين قدري رئيس الديوان.
3. جسام الشاهري طيار العائلة.
4. محمد المرهون آمر قوة الحماية.
5. هادي خماس آمر فصيل الحماية
6. فاضل مهدي البياتي.
ولقد تطرق الحديث فيما تطرق المتحدثون موضوعاً أثاره المقدم جسام الشاهري طيار العائلة عن حوادث الطيران وأثناء الحديث اقترح الشاهري على الأمير عبد الإله إلا تكون العائلة عند تنقلها في الطائرات مجتمعة لتجنب ما يحدث عند سقوط الطائرة التي يستقلونها.. ولا أدري ما دعاه طيار العائلة المالكة إلى التحدث في مثل هذه الأمور. فأجابه الأمير عبد الإله إني مقرر أن تجتمع العائلة ككل إذا تم لها التنقل في الطائرات لتموت سوية..
سبحان الله لقد تمنى فشاء الله تنفيذ ما تمناه! فقتلت العائلة في 14 تموز 1958 مجتمعة فكانوا شهداء اختارهم الله إلى جواره فرحمهم الله حين استشهدوا في ذلك اليوم الحزين. وهو صفحة سوداء في ثورة 14 تموز 1958 كانت تستوجب محاكمة الفاعلين بتنفيذها بعد أن تركت الألم والحسرة في نفوس الشعب العراقي مؤيداً ومعارضاً
14 رمضان وسنوات النار
كان العراق قبل 14 تموز 1958 يرسف بقيود ثقيلة في جميع مجالات حياته ومفرداتها وكان الاستعمار يعمل جاهداً لمنع العراق من النهوض اقتصادياً وإن سمح بذلك فبقدر بسيط وفي المجالات العلمية والفكرية كانت برامج التعليم تمنع انفجار أي أبداع وفي المجال العسكري تعرضت القوات المسلحة وخصوصاً بعد انتفاضة عام 1941 إلى ألوان من التنكيل والاضطهاد وامتص الاستعمار عوائد العراق النفطية ولم تستثمر لبناء اقتصاد وطني متين لخدمة الشعب ومصالح الأمة وقد تحول العراق إلى قلعة من قلاع الرجعية لضرب كل حركة تحررية في الوطن العربي وقد وسع العراق هذه القلعة وربطها بأحلاف لا ناقة له فيها ولا جمل وقُيّد بحلف بغداد البغيض.
هكذا صار العراق قبل 14 تموز الذي لم يرض به المناضلون المخلصون من أبناء الشعب العراقي الغيور، فكانت ثورة تموز والتي كانت حلقة من حلقات طويلة من نضال شعبنا ضد التخلف والرجعية والاستعمار، وأن أحداث 14 تموز لم تكن إلا تعبيراً ثورياً عن آمال الشعب الذي كابر وعانى من آفات اجتماعية قاتلة مثقلة بالفقر والجهل والمرض. وقد أذهلت ثورة تموز الاستعمار وأعوانه وأفسدت كل مخططاتهم للهيمنة على هذا الشعب الصامد الصابر ، ورغم انحراف الثورة عن الخط القومي كانت لها انجازات عظيمة وكبيرة في القضاء على حلف بغداد والخروج من النظام الإسترليني والقضاء على الإقطاع وإصدار قانون الإصلاح الزراعي والاهم من كل ذلك شرعت قانون رقم 80 إذ أعادت بموجبه 90% من الأراضي العراقية الغنية بالنفط وشجعت الصناعات وأسست عدة معامل إنتاجية ضمن الخطة الخمسية بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتي.
لقد كانت ثورة تموز نقلة كبيرة من الاستعمار إلى التحرر ومن الملكية إلى الجمهورية، ألا أن هذه النقلة تعرضت إلى مطبات كبيرة غيرت فرحة الناس من قيامها وتبدلت بسمات غالبية الشعب إلى عبوس يوم سيطر الشيوعيون على مقاليد الحكم وتسلطت دكتاتورية الغوغاء على مقاليد الأمور وانحرف عبد الكريم قاسم عن الخط القومي ومبادئ الثورة وحدثت مجازر دموية كبيرة في كركوك والموصل وسيطرت سياسة الحبال على المنطق والعقل وسجن من سجن وعذب من عذب وحاول الجيش تصليح ما أفسده النظام لم يفلح وقد قدم الألوف من الضحايا سجناء معذبين وآخرين ينتظرون ساعة الخلاص..
وكان إعدام الشهيد ناظم الطبقجلي ورفاقه من الشهداء في 20 أيلول 1959 في أم الطبول نقلة أخيرة في حياة عبد الكريم قاسم ونظامه. إذن كان لابد والحالة هذه من تفكير جدي لأزاحته والقضاء على نظامه الفردي فكانت ثورة 14 رمضان.
الضباط القوميون
ولثورة 14 رمضان قصة طويلة، فقد كان على الساحة العراقية في حينه فئتان قوميتان متفقتان في المبادئ والأهداف ألا أنهما مختلفتان في التنظيم والالتزام، كان حزب البعث حزب له ميثاق وله قاعدة وكان القوميون أشتاتا متفرقة منهم من انضم إلى أحزاب لها مواثيق وليس لها قاعدة ومنهم من بقى مستقلاً لا ينتمي إلى أي من تلك وهؤلاء هم الضباط الذين انضموا إلى تنظيم الضباط الأحرار وساهموا مساهمة فاعلة ومؤثرة في ثورة 14 تموز وما تلاها من حركات ثورية تصحيحية. لقد حدث تعاون بين هؤلاء الضباط الذي أشرت إليهم وحزب البعث العربي الاشتراكي لتشابه الأهداف والمبادئ وفي أيلول 1960 اجتمع الضباط القوميون للعمل بالإطاحة بنظام قاسم. وهم:
صبحي عبد الحميد وإبراهيم جاسم وخالد حسن فريد وخالد مكي الهاشمي وصالح مهدي عماش وبدأوا بتكوين تنظيم عسكري للإطاحة بالحكم..
ثم انضم إلى التنظيم كل من احمد حسن البكر وعبد الكريم فرحان وحردان التكريتي، ولم يكن في هذه المجموعة بعثيون إلا صالح عماش واحمد حسن البكر، وبدأ الكثير من ذوي الرتب الصغيرة لينضمون إلى هذا التنظيم والذي كان أكثرهم غير حزبين كما رجح قوة الضباط غير الحزبين ومن كانت لهم قوات كبيرة في بغداد يقودها ضباط غير بعثين وكان من أبرزهم المقدم الركن هادي خماس آمر فوج الإذاعة والمسؤول عن مرسلات أبي غريب الإذاعية وعن مطار المثنى الدولي وقاطع الكرخ قاطبة بما في ذلك مرافق ومنشآت أهمها دار الإذاعة والتلفزيون ومرسلات أبو غريب اللتين هما عماد كل ثورة ولسانها الناطق.
وفي مطلع عام 1961 اجتمعت القيادة واستقر الرأي بعد نقاش طويل على الإبقاء مع مجلس السيادة بينما برز الاختلاف على من يشغل منصب رئيس الوزراء وأصر الضباط القوميون على ترشيح اللواء الركن ناجي طالب لأشغال هذا المنصب ولما لم يصلوا إلى أي اتفاق بدأ نشاط صالح عماش المعروف بطموحه وانتهازيته الاتصال بالضباط وتأليبهم على الضباط القوميين ، وأخذ الحزب يهاجم الفئات القومية ويهاجم سياسة الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر.
وركز عماش جل هجومه على اللواء الركن ناجي طالب ووصفه بالانتهازية لوجوده في فينا هروبا من بطش قاسم ونظامه ، وللحقيقة أن اللواء ناجي طالب كان كفءاً ونزيها مخلصاً وملتزماً مما لا يمكن المقارنة بينه وبين أحمد حسن البكر المعروف بضعف الشخصية وعدم الكفاءة.
وفي أيلول 1961 انسحب الضباط القوميون من التنظيم وتشكلت قيادة جديدة تألفت من عارف عبد الرزاق ومحمد مجيد وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد وهادي خماس وإبراهيم جاسم وخالد حسن فريد وعرفان عبد القادر وجدي وعدنان أيوب صبري وجاسم العزاوي ويلاحظ على هذه القيادة أن جميع أعضائها من الضباط الأحرار وليس لهم أي ارتباط حزبي وعرفوا بالنزاهة والالتزام.
لقد فكرت القيادة الجديدة بالقيام بحركة للإطاحة بنظام الحكم وكانت لهم قوة كبيرة وضاربة من الجيش في بغداد متمثلة ثلاث كتائب دبابات آمروها كل من:
1. خالد حسن فريد- قومي.
2. إبراهيم جاسم - قومي.
3. خالد مكي الهاشمي- بعثي.
والأهم من كل ذلك كان هناك فوج مشاة كامل الملاك بإمرة المقدم الركن هادي خماس مقره مع سرية مشاة في دار الإذاعة وسرية إسناد في المطار المدني وسرية إسناد معسكره في أم العظام وسرية معسكره في مرسلات آبي غريب.
إن هذه القوة الضاربة المجهزة بسلاحين سلام الإعلام وسلاح الجيش مضمون لها النجاح إذا ما أقدمت هذه القيادة على القيام بأي حركة لتغيير نظام الحكم ، ولكن ماذا حدث في نيسان عام 1962؟ اجتمعنا في دار السيد صبحي عبد الحميد في الوزيرية وحضر هذا الاجتماع:
العميد الركن محمد مجيد
المقدم الركن هادي خماس
المقدم الركن خالد حسن فريد
المقدم الركن إبراهيم جاسم التكريتي
المقدم الركن خالد مكي الهاشمي
وتباحثنا في امكانية الإطاحة بنظام قاسم، وتكلمت وقلت للمجتمعين لا يمكن أن تتهيأ فرصة تواجد ثلاث كتائب دبابات وفوج مشاة في بغداد كما هي متهيأه الآن فلا تضيعوها وأحملكم مسؤولية معاناة وآلام هذا البلد إن لم تتفقوا على التنفيذ، وطلب كل من خالد حسن فريد وإبراهيم جاسم وخالد مكي الهاشمي أسبوعاً للتفكير وإعطاء القرار الأكيد في الاشتراك أو عدمه وبعد أسبوع اجتمعنا في دار صبحي عبد الحميد وكان أول المتكلمين المقدم الركن خالد مكي الهاشمي وقال: "أنا حزبي بعثي مرتبط بقيادة ولا استطيع المساهمة في هذا العمل".
أعقبه المقدم الركن إبراهيم جاسم بالكلام فقال: "أنا لا استطيع إنزال كتيبتي من الدبابات وإشراكها بتنفيذ الثورة إلا بعد مقتل عبد الكريم قاسم."
قلت له: "هذا أمر غاية في البساطة وبعد إذاعة البيان الأول وأنا المسؤول عن الإذاعة، أُذيع بيانا إلى الشعب العراقي بان اللواء عبد الكريم قاسم قد قتل".
وكان آخر المتكلمين خالد حسن فريد الذي قال:أنا مرشح مع الأخ إبراهيم جاسم لدورة لأمريكا وأطلب أن يكون التنفيذ بعد عودتنا.
وعند ذاك انفجرت غاضباً قلت لهم يا أخوان هل تريدون أن أقدم لكم الثورة بطبق من ذهب هذه فرصة لا تضيعوها وأني أحملكم مسؤولية ما يحدث بعد رفضكم هذا".
ورغم هذا الألم الذي انتابني من الحدث، قررت الاستمرار مع هذا التنظيم الذي قرر تنفيذ عملية اغتيال عبد الكريم قاسم في أيام عيد الفطر حيث اعتاد عبد الكريم قاسم الالتقاء بمثل هذه المناسبة بالضباط إلا أن حزب البعث علم بذلك واتفق على تنفيذ الثورة في رمضان الذي يسبق عيد الفطر المبارك.
تنفيذ الثورة
الساعة التاسعة من يوم الجمعة 8 شباط 1963 الموافق 14 رمضان انطلق المذيع من مرسلات "أبو غريب" معلنا قيام ثورة أطاحت بنظام عبد الكريم، وكان البث وراء إشعال فتيل الثورة وتحمل مسؤولية نجاحها القوميون حيث أن هناك حقيقتين آمن بهما حزب البعث لتأمين نجاح الثورة بعد تفجيرها وكان ذكيا غاية الذكاء في ذلك.
الحقيقة الأولى: أن القوميين حزبيين وغير حزبيين إذا ما اندلعت الثورة سيكونون مجبرين للمساهمة فيها لأن مصيرهم والبعثيين واحد ومسؤولياتهم واحدة إذا ما فشلت الثورة وسيكون المصير واحداً هو الإعدام رمياً بالرصاص في ميدان أم الطبول.
الحقيقة الثانية: تؤكد عدم قدرة حزب البعث على الانفراد بالثورة فأعلنها مستنداً على الحقيقة الأولى، وسنرى صحة ذلك بعد ذكر تفاصيل معركة وزارة الدفاع حيث كانت الثورة حتى الساعة 1200 من يوم 8 شباط فاشلة، ولولا تدخل القوميين وتحريك قطعاتهم من معسكر الحبانية واشتراكهم في معركة وزارة الدفاع ما نجحت ثورة 14 رمضان.
معركة وزارة الدفاع
1- موقف عبد الكريم قاسم :
يقول المقدم الركن جاسم العزاوي:
"ذكر لي قاسم الجنابي مرافق الزعيم عبد الكريم قاسم إنه كان نائماً عندما اندلعت الثورة وجاء الجنود الحرس وطرقوا باب غرفته وابلغوه بإذاعة بيانات ثورية من دار الإذاعة، ذهب قاسم على الفور إلى عبد الكريم قاسم فوجده استيقظ وأنهى حلاقة ذقنه وهو مرتدي ملابسه العسكرية لقد علم بخبر الثورة فأخذ يتصل ببعض الضباط وصفي طاهر فاضل المهداوي طه الشيخ احمد صالح العبيدي وبعد حضور هؤلاء داره عقد اجتماعا للتداول في الموقف وظهر أنه لم يقدر خطورة الموقف وكان يردد بسيطة بسيطة هؤلاء ضباط صغار وأنا أعرف العملية منذ مدة وأردت أن يشرعوا بالعملية حتى ينالوا جزاءهم العادل. اقترح عليه الحاضرون أن يذهبوا إلى معسكر الرشيد حيث مقر لوائه ومنه يتخذ الإجراءات المطلوبة في حين اقترح عليه وصفي طاهر الذهاب إلى كتيبة الدبابات بالقرب من ساحة السباق القديمة في بغداد الجديدة لأن آمرها المقدم صفاء محمود أخ اللواء الركن علاء محمود مدير الطيران المدني والموالين لعبد الكريم قاسم وبين وصفي طاهر أن الدبابات أكثر أهمية من المشاة واقترح أن ينقسموا إلى عدة جماعات تكون في أماكن متفرقة. أما طه الشيخ احمد وهو ضابط ركن جيد فقد اقترح الذهاب إلى وزارة الدفاع لعدة عوامل منها إن وجوده في وزارة الدفاع يعطي أنصاره قوة في العمود لأن الوزارة محصنة وفيها قوات جيدة ولوجود هواتف مباشرة ووسائل اتصالات مع قادة الفرق والقوات الفعالة. واستقر الرأي الأخير على ذلك فغادر عبد الكريم قاسم داره متوجهاً إلى وزارة الدفاع".
ويستطرد جاسم العزاوي:
"أما أنا فقد كنت نائماً في بيتي المجاور لدار الإذاعة استيقظت على صوت زوجتي بحدوث ثورة وسمعت البيان ولم أكن أعرف من يقف وراء تلك الثورة، اتصلت هاتفياً بصبحي عبد الحميد رد علي أهله بعدم وجوده واعدت الاتصال به أكثر من مرة إلى أن قال لي ابنه أنه كان وجماعته مجتمعين في غرفة الاستقبال وقد ذهبوا للإذاعة لتأييد الثورة وفعلا أرسلوا برقية تأييد دون ذكر اسمي أظن أن ذلك له علاقة بالمشادة الكلامية التي حدثت بيني وبين صالح مهدي عماش".
ويستطرد العزاوي قائلاً:
"اتصل بين الزعيم عبد الكريم قاسم هاتفياً في البيت مستفسراً عما يجري في الإذاعة وكان في نبرات صوته استجداءً للنجدة وبانفعال البدوي الفطري ومع صراخ زوجتي لمنعي من الخروج ذهبت للإذاعة والتلفزيون من خلال الفتحة التي تربط بيتي بها ودخلت أستوديو التلفزيون وأنا لا أدري ماذا افعل ولماذا ذهبت إلى هناك وبعد قليل جاءني سائق سيارتي واخبرني إن الدبابات قد وصلت إلى دار الإذاعة وفعلا سمعت أصوات الرمي وعدت إلى بيتي دون أي عمل بعد أن بقيت هناك بعض الدقائق".
ويقول قاسم الجنابي:
"اتصل عبد الكريم قاسم بآمر اللواء التاسع عشر لكنه لم يكن موجوداً فطلب مقدم اللواء ولم يكن موجوداً وأخيراً رفع السماعة طه الشكرجي فطلب منه عبد الكريم تحريك بعض قطعات اللواء لمقاومة الثورة فأجاب الشكرجي بكلمات خشنة وشتمه وأغلق الهاتف بوجهه.
"في هذا الوقت أخذت الطائرات تقصف وزارة الدفاع لتثبط عزيمة الموجودين فيها ومع ذلك فقد واصل عبد الكريم اتصالاته فقد اتصل بقائد الفرقة الثانية العميد عبد الرزاق محمد وطلب منه تحريك قطعاته لنجدته فاستجاب ووعد بتحريكها كما اتصل بالمقدم عبد الستار الجنابي مرافق رئيس أركان الجيش وكان في بيته وطلب منه جلب قوة الحرس الموجودة بحراسة بيت احمد صالح العبيدي رئيس أركان الجيش، ويذكر عبد الستار أنه تباطأ في جمع القوة وجاء بها إلى باب المعظم وبلغ بناية الإصلاح الزراعي المجاورة لمصلحة نقل الركاب المقابلة لقاعة الشعب ثم صعد إلى سطح البناية فشاهد الدبابات تطوق وزارة الدفاع المخترقة فقرر الالتحاق بقوات الثورة والذهاب إلى الإذاعة.
"سجل عبد الكريم شريطاً بصوته وأرسله بيد مرافقه حافظ علوان لإيصاله للإذاعة لأذاعته ولكن ألقى القبض على حافظ علوان في باب وزارة الدفاع ومعه النقيب نوري ناصر وبعد أن تأخر حافظ في إذاعة الشريط دون أن يعرف عبد الكريم قاسم ما حل بحافظ سجل شريطاً ثانياً حمله الرائد سعيد الدوري السكرتير الصحفي لإيصاله للإذاعة لكن سعيد سلم الشريط بواسطة زوج أخته إلى طاهر يحي والتحق بالثائرين فكوفئ على ذلك".
التوقيع الأخير لعبد الكريم قاسم
ويذكر قاسم الجنابي أن تصرفات عبد الكريم خلال حصاره دلت على عدم تقديره لعواقب الأمور فقد طلب مسودة قانون شركة النفط الوطنية قانون رقم 80 وراح يعدل في نصوصها ثم وقع عليه وكان هذا أخر توقيع له في حياته وفي اللحظات الأخيرة من حياته حلق ذقنه وغير ملابسه قبيل انتقاله إلى بناية قاعة الشعب.
حدثت مقاومة في وزارة الدفاع كان يقودها عبد الكريم الجده آمر الانضباط العسكري الذي استمر يقاوم حتى قضي عليه وخلال الليل انتقل عبد الكريم قاسم إلى قاعة الشعب بعد أن استبد به اليأس وعندئذ أدرك خطورة الوضع وقال لمن كان حوله إن من يريد الذهاب فليذهب فهرب احمد صالح العبيدي ماشياً بمحاذاة نهر دجلة في الظلام ولكن ألقى القبض عليه ووضع رهن الاعتقال أما عبد الكريم قاسم فقد اتصل بعبد السلام محمد عارف يذكره بأيام الصداقة ويطلب منه التدخل لدى زملائه واتفق على أن يقوم يونس الطائي صاحب جريدة الثورة بالمفاوضة وبالفعل قد دخل يونس وزارة الدفاع ووصول إلى عبد الكريم قاسم لم تؤدِّ جهوده إلى نتيجة.
تفاصيل معركة وزارة الدفاع
الآن وبعد أن أوضحت موقف عبد الكريم قاسم وزملائه وكيف تصرفوا في إدارة المعركة دفاعاً عن النظام لابد لي من ذكر تفاصيل المعركة التي كنت أحد أركانها.
أولاً: بعد أن أذيع البيان الأول للثورة وعرفنا هويتها بأنها بعثية استبشرنا خيراً بذلك وقرر تنظيمنا العسكري الاجتماع في دار المقدم الركن صبحي عبد الحميد في الوزيرية وحضر هذا الاجتماع كل من:
1. العميد الركن عبد الكريم فرحان.
2. العقيد الركن محمد مجيد.
3. المقدم الركن صبحي عبد الحميد.
4. المقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي.
5. المقدم الركن هادي خماس.
6. الرائد الركن فاروق صبري.
بعد التداول والمناقشة قررنا تأييد الثورة تأييداً مطلقاً ببرقية رفعناها إلى قيادة الثورة والتحقنا مباشرة إلى مركز القيادة لنتلقي الواجبات التي تعهد ألينا.
ثانياً: لقد أناط عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية الواجبات التالية لنا:
أ. يقوم العميد الركن عبد الكريم فرحان بواجبات آمر موقع بغداد ومقره في الثكنة الشمالية "الكرنيته" ثم صدر أمر بتعينه في الموقع المذكور.
ب. يبقى في دار الاذاعة كل من:
المقدم الركن صبحي عبد الحميد
المقدم الركن عرفان عبد القادر
الرائد الركن فاروق صبري
وذلك ليكونوا حلقة وصل بين قيادة المعركة في وزارة الدفاع وبين المجلس الوطني لقيادة الثورة.
ج. العقيد الركن محمد مجيد والمقدم الركن هادي خماس: يتوجهان إلى وزارة الدفاع لإدارة المعركة وقيادتها بعد أن فشلت الثورة في القضاء على المقاومة حيث لاقت الدبابات مقاومة عنيفة أدت إلى تحطم بعضها ورابط البعض الآخر في ساحة الميدان حيث بدأت مشاغلة وزارة الدفاع بالنار.
ثالثاً: وفي الساعة 1400 من يوم الجمعة وصلت مع العقيد الركن محمد مجيد إلى وزارة الدفاع وحال وصولنا بدأنا مع الرائد الركن داود عبد الجبار بترتيب وتوزيع الدبابات على جميع مداخل الوزارة ووضعنا خطة تعاون الدبابات مع فوج المشاة الذي يقوده المقدم الركن محمد يوسف. والمعروف أن الدبابات لا تكون سلاحاً فاعلاً ما لم يسندها المشاة الذي وحده يستطيع الحفاظ على الأماكن التي يحررها فأصبحت الحاجة ملحة لوفر قوة من المشاة تستطيع اقتحام وزارة الدفاع وتطهيرها من المقاومة.
رابعاً: لم يكن صبيحة 8 شباط أي قطعة عسكرية من المشاة تسند الثورة حتى تحرك اللواء الثامن من الحبانية بأفواجه الثلاث، وللحقيقة والإنصاف نقول كان آمرو أفواج هذا اللواء ضباطاً قوميين لم ينتموا إلى حزب البعث، ولن نكون مجافين للحقيقة إذا ثبت هنا أن 95% من منتسبي هذا اللواء ضباطاً ومراتب لم يكونوا من الحزبين.