موضوع: معركة المرقب : اكتوبر 1911 الثلاثاء فبراير 09 2016, 09:16
منطقة المرقب هي عبارة عن مرتفع صخري يبلغ ارتفاعه حوالي 176م ويشرف علي مدينة الخمس من جهة الجنوب الغربي ويبعد عنها مسافة 4 كيلومتر تقريباً وتحيط به سلسلة من الجبال والهضاب والسهول والوديان وقد شهد هذا الموقع عدة معارك عنيـفة خـلال المراحـل الأولى من الغزو الإيطالي لمدينة الخمس التي تبعد حوالي 100 كم شرق مدينة طرابلس .
في السابع عشر من شهر أكتوبر من عام 1911م كانت السفن الحربيـة في مقابلة شاطئ مدينة الخمس وتطلب استسلام الحامية التركية بها، وأمهلتها إلى منتصف النهار ومن ثم أخذت السفينة (فاريسي) في قصف المدينة وظلت تقصف الساحل والمدينة إلى غاية العشرين من شهر أكتوبر من عام 1911م على فترات متقـطعة مـما أضـطر المجاهديـن إلى الخروج من المدينة واخذ أماكنهم على هضبة المرقب، وقد كانت المبادرة في أيدي المجاهدون فقد بادروا بالهجوم الخاطف على القوات الإيطالية وهم في طريقهم إلى منطقة المرقب.
لم يتمكن الطليان من الصمود في وجه هجوم المجاهدون الكاسح الذي أستخدموا فيه الخيل بكل براعة مكبدين العدو الإيطالي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات مما حدا بالإيطاليين بإرسال برقية للقيادة الايطالية في طرابلس طلبا للمساعدة والتي كانت تتعرض في نفس الوقت للهجوم في مدينة طرابلس من خلال معركة الهاني وكان رد القيادة الايطالية الطلب من حامية الخمس الدفاع عن المدينة بما لها من امكانات او الانسحاب الى سفن الاسطول في حالة عـدم القـدرة على الدفاع والتصدي للمجاهدين. استمرت المعركة أكثر 5 ساعات متواصلة وانسحب على أثرها الطليان الى مدينة الخمس وتبعهم المجاهدين ولكن عندما وصل الطليان الى تحصيناتهم في المدينة بدات البوارج الحربية بقصف المجاهيدين الذين انسحبوا أمام نيران الأسطول الإيطالي وبعد ساعات قليلة قام المجاهديين بهجوم اخرعلى المدينة لغرض تحريرها لكن مدافع الاسطول افشلت محاولاتهم مرة اخرى ونتج عن هذه المعركة هزيمة الطليان هزيمة قاسيـة تمثلـت نتائجـها فـي (400 قتيل و710 جريح)
بعد هذه المواجهة تأكد للايطاليين ان قواتهم عاجزة عن التقدم اكثر من المدى الذي تصل إليه مدافع الاسطول وقد كان هذا الموقف شاهداً على قدرة المجاهدين على وضع الخطط الحربية والتنسيق بين المناطق البعيدة حيث وقعت المعركتين الهاني والمرقب في نفس التوقيت تماما ولقد هزمت عنجهية العسكرية الايطالية فـي المعركتيـن وفقد المجاهدين في هذه المعركة 200 شهيـد و500 جريـح ولـم يتمكـن المجاهدين من تحرير مدينة الخمس. موقع المرقب الذي يسيطر على كامل المدينة وعلى مفترق الطرق بين مدن مسلاتـة وترهونـة والخمـس من أهم المواقع التي يمكن أن يتخذها المدافعون عن المدينة وهو موقع مهم لرصد التحركات القادمة من أي منطقة، وقد نظم به المجاهدون حركة دفاع لكل المنطقة المحيطة ونجحوا من خلال خطة الدفاع التي وضعوها في إعاقة زحف القوات الإيطالية ومنعهم من تنفيذ مخططاتها الرامية للتوسع في المناطق المجاورة وأستمرت مواقع المجاهدين في المرقب في مضايقة القوات الإيطالية بصورة مستمرة وهكذا أصبح هذا الموقع يشكل تهديداً قوياً ومباشراً ليس للوجود الإيطالي في مدينة الخمس فقط بل في كامل المناطق المجاورة ولاحظ الإيطاليون التأثير السلبي عليهم من جراء صمود المجاهدين وهجومهم الخاطف من حين لأخر وهكذا صدرت الأوامر من القيادة الإيطالية بضرورة تأمين السيطرة الكاملة على المواقع الساحلية وخاصة هضبة المرقب بأي ثمن. عند الساعة السابعة من صباح يوم 23 / 10 / 1911 م اندفعت القوات الإيطالية في عنف ووحشيه إتجاه المجاهدين المعتصمين في المرقب والذين لا يزيد عددهم في ذلك اليوم عن 500 مجاهد ونشبت معركة حامية الوطيس برز فيها دور المجاهدين في قتال رهيب سجل ملحمة رائعة من الشجاعة والفداء حيث كانوا يخترقون صفوف الأعداء وحناجرهم تعلوا بنداء الله أكبر يبثون الرعب في قلوب أعدائهم، ولكن تفوق جيش العدو في العدد والعدة مكنه من السيطرة على هضبة المرقب مما أدى إلى إنسحاب المجاهدين لكي ينظموا صفوفهم استعدادا لزحف جديد...
وهكذا كان فلم يهدأ للمجاهدين بال ولم يستقر لهم قرار منذ أن استولى العدو على المرقب ، ولذلك استمروا في مهاجمة الموقع كما توافد أبناء الوطن من كل حدب وصوب للدفاع عن ترابه الطاهر ووصل دعماً للمجاهدين بما يزيد عن 1000 رجل من خيرة المجاهدين من مختلف المناطق فعجّل ذلك بوضع الخطط والاستعداد لأخذ الثأر . في يوم 27/ 2 / 1912م وصلت إلى مدينة الخمس تعزيزات إيطالية كبيرة لدعم الحامية وعقب وصول تلك الإمدادات عن طريق البحر لجأت القيادة الإيطالية إلى أساليب الخديعة والمباغتة فوجهوا بعض سفنهم إلى سواحل زليتن ومصراته لإيهام المجاهدين بإحتلالهما حتى تتوزع بذلك جهود قيادة المجاهدين ويخف الضغط على جبهة الخمس على أثر ذلك حاول العدو الزحف ليـلاً بجيشـهم عـلى دفاعات المجاهدين غير أن استطلاع المجاهدين فوتوا الفرصة عليهم واندلعت معركة ضارية استمرت حتى غروب الشمس ودفع الجيش الإيطالي في هذه المعركة بكل ما لديه من قوات وأمام هذه الأهوال انسحب المجاهدون الذين كتبت لهم النجاة وسط هذه النيران المتأججة وتخلوا عن المواقع وبذلك تمكنت القوات الإيطالية من تعزيز أحتلالها للهضبة بعد أن دفعت الثمن باهظا في الأرواح والمعدات.
سيطر الطليان على المرقب وما حولها في 28/ 2 / 1912م ومن خلال محاولات المجاهدون في إسترداد الموقع قاموا بعدة هجمات ولكن العدو حصّن مواقعه بشكل ملفت للنظر فقد أنشاء على القلعة حصنان قويان وأحاطهم بثمان أطواق من الأسلاك الشائكة وجهز ما يكفي للدفاع عنها، ومع ذلك لم يتوقف المجاهدون عن شن الغارات الخاطفة من حين لآخر، وأستمر الحال على ما هو عليه إلى ليلة 12/ 6 / 1912 م حينما بـدأ تمكنت قوة من المجاهدين من فتح ثغرات في تحصيـنات العـدو تدفق منها المجاهدين واقتحموا خطوط الدفاع الإيطالية، ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليه. ولقد ورد في الوثائق الرسمية الإيطالية أن هذه المعركة أستشهد فيـها نحـو مائـة مجاهـد وجـرح حوالي مائتين وفي المقابل تكبدت القوات الإيطالية مقتل سبعة عشر ضابـطاً والمـئات مـن الجنـود وأستمر المجاهدون في شن الهجمات المتوالية على القوات الإيطالية، كما قام المجاهدون بهجوم كبير يهدف إلى استرداد موقع المرقب مرة أخرى، واستمر القتال طوال الليل ولم يتوقف إلاَّ في الصبـاح. ومع أن الفارق في العتاد الذي لايقـارن ظل المجاهدون يواصلون الهجمة تتبعها الأخرى على المرقب، والخمس، وكل المناطق المواجهة لمدينة لبدة الأثرية التي أتخذ المجاهدون موقعهم الدفاعية بالقرب منها وقد دارت بقربـها عـدة معـارك منها معركة لبدة التي أبلى فيها الأجداد البلاء الحسن، فقد شهدت منطقة لبدة العديد من المناوشات ، منذ أن وطئت القوات الإيطالية شواطئ الخمس وأستخدم الجيش الإيطالي كل ما توفر عنده من أسلحة في محاولة لإسكات مقاومة المجاهدين التي ظلت تضع في طريقه العراقيل حتى لا يستطيع الوصول لهدفه ، كما لجأ العدو الإيطالي إلى استعمال المدفعية الثقيلة والاستعانة بمدفعية الأسطول المرابض على الشاطئ في محاولة لإضعاف الروح المعنوية للمجاهدين، ولكن المجاهدين نجحوا في استغلال الكثبان الرملية التي حمتهم من القصف المدفعي.
وكما ذكرنا بأن دفاعات المجاهدين تركزت حول مدينة لبدة الأثرية وكانت القوات الإيطالية تتحين الفرص للسيطرة على مدينة لبدة وما حولها حتى تتمكن من تأمين مواقعها الدفاعية التي سيطرت عليها في المعارك السابقة، وأيضاً لجعل هذه المنطقة منطلقاً للتوسع إلى مناطق أخـرى ، وخاصـة أن مقاومـة المجاهدين حصرت الجيش الإيطالي في مساحة محدودة . كان للأسطول ومدفعيته الجبارة مقارنة بما هو معروف من أسلحة أثر كبير في سيطرة الإيطاليين على الموقف والتفوق كان واضحاً لصالح قوات العدو الإيطالي نظراً للفارق الكبير في ميزان القوة . وكانت المعركة حينما تحركت قوة إيطالية كبيرة يزيد عددهاعن أربعة ألاف مقاتل مدججين بأحدث الأسلحة موزعين في ثلاث تشكيلات يقودهم كبار جنرالات الجيش الإيطالي وقامت هذه القوة بالهجوم على مواقع المجاهدين بالقرب من مدينة لبدة الأثرية وأتجه تشكيل آخر إلى منطقة رأس الحمام في محاولة للسيطرة على الموقع وأيضاً في محاولة للالتفاف على المجاهدين لكي يتمكنوا من محاصرة المجاهدين وإجبارهم للتوجه نحو الساحل، حتى يتم محاصرتهم وتطويقهم من قبل كل التشكيلات المتقدمة.
وقامـت قـطع الأسـطول بقصـف مواقـع المجاهديـن، هذه القوة الكبيرة للعدو التي يصل عددها كما ذكرنا إلى أكثر من أربعة ألاف مقاتل مدججين بأحدث الأسلحة وموزعين على عدة تشكيلات كانت القـوة التـي أمامـها والتـي يمثلـها المجاهدين لا يزيد عددهم عن 1300 مجاهد يفتقرون للأسلحة والذخيرة بحسب مصادر المخابرات العسكرية الإيطالية، في هذا الوضع غير المتكافئ دارت معركة لبدة وهي معركة عنيفة أستمرت من حوالي الساعة الخامسة صباحاً إلى الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم ونظراً للقوة الكبيرة للعدو ، أضطر المجاهـدون لتغيـير مواقعـهم والانسحاب من منطقة رأس الحمام ولبدة ، وبذلك فوتوا الفرصة على العدو لاستكمال خطتهم التي ترمي لمحاصرة المجاهدين سعياً لإبادتهم . في الليلة التالية قام المجاهدون وفي خطوة جريئة لم يستعد لها العدو خاصة وأنه ظن أنه قد قضى على المقاومة ولو إلى حين ، صحيح الهجوم كان محدوداً ولكنه أثبت أن المجاهدين لن يستكينوا ولن يهادنوا العدو . ومعركة لبدة أو معركة هضبة لبدة تعتبر من المعارك الهامة التي دارت في منطقة المرقب والخمس والتي سجل فيها المجاهدون صوراً رائعة من البطولة والفداء والمقاومة التي يضرب بها المثل. وهكذا قدم شعبنا العربي الليبي العظيم من خلال معارك الجهاد درساً في التلاحم والتآزر أرهبت العدو الغازي فكما كان في معركة الهاني كان في معركة المرقب وفي كل معارك الجهاد التي خاضعها أجدادنا كان المجاهدون يشاركوا في كل المعارك هدفهم دحر العدوان ونصرة الوطن .والذي يتمكن من السيطرة على هذا الموقع يكون قد سيطر على مدينة الخمـس بأكملـها وبسيطرة المجاهدين عليـه فـقد الإيطاليـون حـرية الحركة ولم يستطيعوا التحرك قيد أنملة لأنهم كانـوا هدفـاً سهـلاً للمجاهدين المتمركزيـن فـي هضبة المرقب .
ولأجل ذلك، قام العدو بعدة عمليات في محاولة للسيطرة عليه ولكنهم دائماً كانوا يواجهوا بمقاومة المجاهدين الذين قدموا حياتهم رخصية في سبيل الله والوطن.