كثرت التقارير الإعلامية التي تناولت مؤخراً الدعم الروسي العسكري لسوريا وذهبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى حد القول إن الروس باتوا في سماء سوريا في إشارة إلى وصول طيارين حربيين روس إلى دمشق في الأيام المقبلة. وعلى الرغم من النفي الروسي للتقرير الإسرائيلي فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو كان صحيحاً؟؟؟
هل تسلمت دمشق طائرات ميغ من روسيا؟؟
باللغة الدبلوماسية والسياسية الروسية "بشار الأسد رئيس شرعي". الكلام لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحفي الأخير الذي ذهب فيه إلى حد اعتبار "الجيش السوري القوة الفاعلة الوحيدة على الأرض لمحاربة داعش" مشككاً بفعالية التحالف الدولي دون مشاركة دمشق واصفاً إياها بـ"غير الشرعي".
باللغة العسكرية لا تقول موسكو الكثير عن حجم وحدود الدعم لسوريا لكن التقارير الإعلامية بدأت تتحدث مؤخراً عما يمكن له في حال حصوله أن يقلب المشهد على المستوى السياسي والاستراتيجي.
الدعم وفق تقارير نشرتها صحف عربية تمثل بإنشاء لجنة عسكرية روسية-سورية مشتركة، ثم في وصول العديد من المستشارين العسكريين الروس إلى دمشق والذين طرحوا احتمال إنشاء قاعدة عسكرية روسية أخرى في جبلة بين طرطوس واللاذقية وتسليم دمشق ست مقاتلات ميغ -31 التي تعتبر من أفضل الطائرات الاعتراضية عالمياً.
بيد أن التقارير الإسرائيلية تذهب أبعد من ذلك بكثير إلى حدود السماء السورية التي بات الروس موجودين فيها وفق ما عنونت صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وزارة الدفاع الروسية اعتبرت أن الخبر لا يستحق التعليق، فيما وصف إيغور كوروتشينكو عضو المجلس الاجتماعي لدى وزير الدفاع الروسي ورئيس تحرير مجلة "السلاح الروسي"، في حديثه للميادين، ما نشره الإعلام الإسرائيلي بـ"الهراء والتخريف" مع تأكيده في الوقت نفسه على أن "سوريا شريكنا والرئيس بشار الأسد حليفنا وتوجد بين بلدينا اتفاقيات حكومية حول تقديم الدعم العسكري لدمشق في حربها على الإرهاب وداعش".
من جهته اعتبر رئيس الأكاديمية الجيوسياسية، قسطنطين سيفكوف تعليقاً على تسليم سوريا مقاتلات "ميغ ٣١" "أن دمشق ليست بحاجة لهذا النوع من الطائرات حالياً" مضيفاً "أن التعاون العسكري مع سوريا ليس سراً ولا اعتقد أن هذا التعاون سيتوقف. كذلك لا أعتقد أن سوريا بحاجة لأن يقاتل عسكريون روس نيابة عن الجيش السوري".
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت "إن طيارين حربيين روس سيصلون في الأيام المقبلة إلى سوريا وسيستخدمون مروحيات قتالية وطائرات قتالية تابعة لسلاح الجو الروسي ضد أهداف داعش والميليشيات المتطرفة التي تعمل على إسقاط نظام الأسد. كما سيصل إلى سوريا آلاف من رجال الجيش الروسي: مستشارون، مرشدون، رجال الجهاز اللوجستي والفني، مقاتلون من منظومة الدفاع الجوي وطيارون سيستخدمون الطائرات التي ستصل من روسيا".
ونقلت الصحيفة عن محافل دبلوماسية غربية أن روسيا وإيران تجريان مفاوضات حثيثة في مسألة تهديد داعش لنظام الأسد وأنه في إطار هذه الاتصالات زار موسكو قبل نحو شهر الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري.
بعيداً عن النفي الروسي فإن ما جاء في تقرير المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان تحت عنوان "الروس في سماء سوريا" يثير التساؤلات حول مسار الأحداث وشكل المشهد في حال صحت المعلومات التي يرى مراقبون أن فيها شيئاً من الواقعية وبعضاً من المبالغة.
فماذا لو كان صحيحاً أن طائرات ميغ وصلت دمشق فعلياً في الآونة الأخيرة بكل ما تحتاجه هذه المقاتلات من متطلبات تقنية وخبرات بشرية روسية؟ وماذا لو ثبت أن الجنرال قاسم سليماني زار موسكو فعلاً واجتمع ببوتين وكان اجتماعهما ناجحاً على الصعد الشخصية والعسكرية والاستراتيجية؟ وماذا عن قلق إسرائيل من أن هذا التطور العسكري قد يجعل تل أبيب تحسب حساباً لهذا الأمر وهي التي تخطط باستمرار للاعتداء على أهداف داخل سوريا؟
"هذا يعني أن الصراع لا يزال طويلاً وأن الروس متمسكون بالرئيس الأسد وماضون في مواجهة محاولات القفز عبر سوريا نحو الهجوم على روسيا والصين وإيران" يجيب الكاتب والاستاذ الجامعي د. جمال واكيم، معتبراً "أن "الدعم الروسي المطلق لسوريا يرقى إلى الدفاع عن موسكو التي لن تقبل بالتخلي مجدداً عن نفوذها في الشرق الأوسط".
يؤكد واكيم أن الدعم الروسي للنظام السوري ينطلق من منظور استراتيجي يتخطى الحدود السورية ليصل إلى أوكرانيا، على قاعدة أن ما يجري في سوريا، ومحاولة إدخال تركيا في التحالف الدولي ضد داعش، والحديث عن منطقة آمنة، وصولاً إلى المحاولات الأميركية لإقامة جبهة اقتصادية موحدة في شرق آسيا في مواجهة الصين، كلها تصب في سياق هدف واحد وهو قطع الطريق على هذه القوة الصاعدة المتمثلة بروسيا والصين وإيران للوصول إلى الملاحة البحرية.
إنطلاقاً من هذا الفهم لا يستبعد واكيم وصول طيارين روس إلى دمشق وتزويدها بأسلحة متطورة أو حتى زيارة سليماني إلى موسكو ولقاءه بوتين في ظل التوافق الإيراني الروسي المطلق وغير القابل للنقاش على دعم بقاء الرئيس السوري.
يوم زار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الاتحاد السوفياتي برفقة وزير دفاعه مصطفى طلاس وفي صلب مهمة الأخير الحصول على المنظومات الروسية الحديثة، قال وزير الدفاع السوفياتي ديمتري اوستينوف لنظيره السوري "لا يوجد لدينا الآن هذا الكم من الأسلحة للتصدير" فما كان من السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفيتي يوري أندروبوف، الذي كان تسلم الحكم حديثاً بعد وفاة بريجنيف، إلا أن تدخل موجهاً تعليماته لوزير الدفاع "خذ كل ما يحتاجون من سلاح من الاحتياط الاستراتيجي للجيش الأحمر وستعوض الصناعة العسكرية ما سنقدمه الآن لسوريا".
يقال إن الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين ينحدر من المنظومة العسكرية والأمنية الروسية نفسها التي انحدر منها أندروبوف، منظومة تجعل من سوريا خطاً أحمر، وتجعل من كل حديث عن دعم عسكري روسي مهما بلغ حجمه أمراً قابلاً للتصديق.
المصدر