الحلقه 15
صفحة المقاومة
مع أوائل حزيران/يونيو 2003 ،تصاعدت وتائر الهجمات على الأميركان بسرعة . وكمعدل ، كان هناك هجوم واحد على الأقل يومياً ويتسبب بخسائر بشرية للولايات المتحدة ، أما الهجمات والكمائن والاشتباكات وهجمات الرمانات والمقذوفات اليدوية التي فشلت في ايقاع خسائر بشرية بالاميركان فأكثر من أن تعد . بعض تلك الهجمات التي تجوهلت أهمية وأبعاداً استراتيجية. وعلى سبيل المثال ،كانت طائرات ومروحيات الولايات المتحدة تتعرض وبانتظام لضربات نارية إبان محاولاتها الاقلاع أو الهبوط في كل الأجواء العراقية – وعلى الأخص في بغداد والموصل وتكريت .
واعترف بعض مسؤولي الولايات المتحدة بأن "مطار بغداد الدولي سيظل مغلقاً بوجه الطيران التجاري (المدني) طالما تواصل أطلاق النار على الطائرات" . تحاصر قطعات أميركية يومياً وتقذف بالحجارة وترفع ازاءها القبضات وتشتم وتهان، كما تحرق اطارات عجلات تلك القطعات بانتظام .
بدأت الشعارات تظهر على الجدران في بغداد وفي كل مكان آخر وتتراوح ما بين الدعايات المباشرة مثل "يعيش الرئيس صدام حسين !"، الى شعارات أكثر تحديدا مثل "نقسم بالله بأننا سنقطع كل الأيدي التي تلوًح للجنود الأميركان الملطخين بدماء شهدائنا الأبطال" .
عكست تلك الأنشطة المعادية روح العداء والكراهية المتزايدة بين الشعب العراقي . وأكثر من ذلك فقد تطورت حرفية ومهارات المقاومة المسلحة ، وفي أكثر المرات إن لم يكن في جميعها كانوا ينجحون بالهرب بعد كمين ناجح . وبنفس القدر من الازعاج تزايد انحشار أناس أبرياء وسط تبادل أطلاق النار وعلى الأخص حين يردٌ الجنود الأميركان على النيران .
ورغم كل المقاصد والتوجهات كان العراق ينزلق نحو الصفحات التمهيدية لمقاومة مسلحة شاملة، وحملة حرب عصابات تشمل أقساماً كبيرة من أبناء الشعب العراقي . وأعلن أحد قادة المصلين الشباب "نحن جميعاً مع مقاومة المحتلين"، ومضيفاً "الأميركان محتلون . والمحتلون لا يمكن أن يمنحوا الشعب لا السعادة ولا الحرية". وأعلن التعليق الأولي عن موجة جديدة من الهجمات المعادية للأميركان تشير الى أن صفحة جديدة في "الجهاد لأجل التحرير" قد بدأت وتتضمن تعاوناً وثيقاً بين جميع العناصر[العراقية ]وبغض النظر عن الخلافات العقيدية والخصومات القديمة.
في أواخر مايس/أيار ،على سبيل المثال ،أعلنت مجموعة تسمي نفسها "القيادة العامة للقوات المسلحة للمقاومة والتحرير في العراق" أن "نخبة من قطعات القوات المسلحة والفدائيين ولواء الفاروق – الجناح العسكري للمقاومة الإسلامية في العراق ومجاميع الحسين ،وأعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي قد نجحوا بإسقاط مروحية أميركية في محافظة الأنبار[في الفلوجة] و قتل أربعة جنود كانوا على متنها" .
كان حشد هذه المجموعات معاً شيئاً مهماً، تشير الى أن ألوية الفاروق الأسلامي السني، ومجاميع شيعة الحسين الموالية لايران ،وقوات البعث ،و الفدائيين قد التحموا معاً وبتنسيق جيد . (سيظل الاصطدام المشار اليه فصلاً متميزاً، فقد حلقت المروحية UH-60،تحت وابل من نيران أسلحة خفيفة فترنحت بشدة واصطدمت بأسلاك كهربائية قبيل سقوطها، ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان سقوطها بفعل النيران المعادية أو لخطأ ارتكبه قائدها في محاولته تجنب النيران الأرضية) . أدعى البيان آنف الذكر أن فيتناماً جديدة أو (حرباً ) أشد شراسة من فيتنام قد بدأت في العراق ، وسوف لن تنتهي حتى خروج أخر محتل من أرض العراق . تعهدت القيادة العامة للمقاومة كذلك باستخدام كل وسيلة ممكنة لمنع قوات الاحتلال من الاستفادة من نفط العراق حتى لو كلفنا ذلك كل النفط [وأثمانه]لحرق القوات الغازية".
بيان الحُميد
أصدرت أشد الجماعات الأسلامية جرأة بيانات مشابهة . وفي أعقاب هجوم 27 مايس/ مايو على قوات الولايات المتحدة في الفلوجة ،والذي قتل فيه جنديان أميركيان وجرح تسعة جاءت أقوى وأكثر البيانات أهمية من "المقاومة الشعبية في العراق" ، والتي عرفت نفسها وعلى طريقة بن لادن كـ "حركة اسلامية جهادية" كان قائدها الروحي هو الشيخ عبد العزيز الحٌميد ،إمام الجامع الكبير في الفلوجة .
أصدر الشيخ الحٌميد أيضاً توجيهاً،أو [فتوى] بـ "شن الجهاد وفق قدراتها ضد الاًميركان كقوات محتلة" ،وأعلن أن "من الواجب على (جميع) المسلمين طرد (الولايات المتحدة) من العراق" . حتى لو كانات تلك المنظمات الاسلامية تتألف من شباب الـ (فلوجة) فقط والذين لا علاقة لهم بحزب البعث لكنهم من "أتباع الشريعة والباحثين عما وراء الجهاد [أي الاستشهاد]"،وكذلك من عدد كبير من المتطوعين العرب ،وأعلن بأن على جميع الاسلاميين التعاون والتنسيق مع جميع القوى المعادية للأميركان لتصعيد واستثمار الجهاد وتحقيق طرد قوات الاحتلال .
الفهم الأميركي
بالرغم من ذلك واصلت الولايات المتحدة اصرارها على أن تلك الهجمات قد شنت من قبل بقايا نظام صدام .وقال بول وولفتز وكيل وزير الدفاع الأميركي أمام الكونغرس و"هكذا سيكون الأمر إن كان لديك من 20-30ألف شرطي أمن (سري) ممن عذبوا [أبناء الشعب ] ومجرمي الحرب – ومازال هؤلاء في الجوار" ، ثم مضيفاً "لابد أنهم سيثيرون بعض المشاكل ومهاجمة الأرتال الأميركية العسكرية كل يوم .لذا لكم أن تتصورا ماسيفعله تجريد العراقيين الموالين لنا من السلاح".
وفي 1/حزيران-يونيو ، أٌمرت القوات الأميركية للتهيؤ لمواجهة "حرب عصابات تشنها الأقلية السنية التي مازالت مخلصة لرئيس الجمهورية صدام حسين" وأكد مسؤولون من وزارة دفاع الولايات المتحدة بأن "جميع" هجمات المقاومة هي من صنع "المخلصين لصدام"، و أن الهجمات الأشد أذى وقتلاً تشن غربي العراق- وعلى الأخص في الفلوجة وهيت والرمادي .وأصرالفريق ‘مككيرنمان’ ؛القائد الأعلى للقوات البرية للائتلاف بأن تلك الهجمات كانت جزءا من "عصيان من تدبير قادة حزب البعث الذين هربوا من بغداد خلال الحرب قي نيسان".
وعاكساً بذلك رأي واشنطن الرسمي فقد تنبأ الفريق مككيرنمان بأن جميع تلك الهجمات ستجهض وتنتهي حالما يدرك من هم وراءها بلا جدوى أفعالهم . وأضاف مككيرنمان القول "أرى أن ( تلك المقاومة ) تدبر ويخطط لها أعداؤنا الذين خسروا مستقبلهم"ـ لأنهم كانوا "جزءا من نظام صدام و ظلوا مرتبطين به". استمر هذا التشبث ومنذ البداية بإلحاق كل شيء بصدام حسين وحملة حرب العصابات المرتبطة بالبعثيين ،الأمر الذي منع السلطات الأميركية من تحديد وادراك شدة و كثافة وتعقيد التحديات التي تواجههم .
مع ذلك ، وفي الوقت نفسه، لم يكن بالإمكان مواصلة تجاهل تزايد الخسائر البشرية.ولكن البنتاغون قاوم طلب الحاجة الى عدد أكبر من القطعات عما أفترض سابقاً . لقد قدرت الخطط الأصلية التي أعدت قبل الحرب الحاجة الى 100 ألف جندي أميركي فقط ومفترضة تخفيضاً سريعاً نسبياً لهذه القطعات استناداً على عدة افتراضات منها : بأن "العراقيين سيرحبون بالأميركان كمحررين وأن ليس للعراقيين سوى تاريخ قصير من الصراعات العنصرية والطائفية"، وأن دولاً عديدة ستسهم وسترسل قطعات لحفظ الأمن لكي تحصل على حصة في الخطط والمشاريع الهائلة والمجزية لاعادة الاعمار بعد الحرب .
مع أوائل حزيران/يونيو، ثبت أن القطعات المؤلفة من 145 ألف جندي أميركي 15 ألف جندي بريطاني غير كافية وبشكل مؤسف .وبدلاً عن اعادة فرقة المشاة/3،الى الولايات المتحدة أعيد انفتاحها في منطقة الفلوجة وحتى آب/أوغست 2003،على الأقل ،بعد أن أرسل بعض عناصرها الى بغداد. ولعدم تمكن فرقة المشاة/4،[بقيادة الجنرال رايموند أوديرنو]من الاسهام في الحرب لتأخر وصولها ، فقد كلفت بواجبات حماية الأمن (مهام الشرطة) في القاطع السني الشمالي الممتد من تكريت الى كركوك وحتى الحدود الايرانية . تركت هذه الفرقة بعض قطعاتها في بغداد هي الأخرى. أما الفرقة المدرعة/1 التي تم سحبها من مهام حفظ السلام في البلقان فقد تولت السيطرة على بغداد مع (4) آلاف شرطي( انضباط) عسكري .
تولى مشاة بحرية (مارينز) الولايات المتحدة السيطرة على القسم الشيعي في جنوبي العراق بينما ظلت القوات البريطانية متمركزة حول البصرة. وفي النهاية لم تشكل هذه القطعات ويا للأسف أكثر من قوة صغيرة تتولى مهام الشرطة لضبط بلاد بسعة العراق . كما لم تستطع قوات الولايات المتحدة المنتشرة على جبهة واسعة وعلى شكل قشرة رقيقة ؛ سوى تشكيل قوة(سلطة) في عدد قليل جداً من الأماكن .أما في باقي البلاد فقد أكدت القوات الأميركية وجودها جوياً، ومن خلال دوريات غير منتظمة .أدرك المقاومون هذا النقص واستثمروه في ادارة وتنفيذ الصفحة الثانية من المقاومة ضد الأميركان .
شبكة صدّام السريّة
مع ذبول صدمة سقوط بغداد ،بدأت القوات المعادية للأميركان لحرب عصابات طويلة الأمد Protracted. وخلال معظم شهر حزيران،ناضلت قوات المقاومة للحفاظ على قواها بل وحتى صعدت من تواتر ضرباتها وعملياتها (الأرهابية) ضد قوات الائتلاف .الا أن تركيزهم الرئيسي أنصب على ترصين منظومة الدعم الشامل للصراع المقبل .
أولت تلك القوى أهتماماً خاصاً لتجنيد وتدريب (مجاهدين) اضافيين وانشاء منظومة قيادة وسيطرة على طول العراق، وتفعيل شبكات اتصالات جيدة .كذلك بذل قادة المنظمات المحلية و الوطنية تقدماً كبيراً في الاشراف وتحسين التنسيق ما بين المنظمات العديدة والمتداخلة [جغرافياً أو تنظيمياً ].وفي الوقت نفسه نشطت وتدريجياً شبكات جيدة النوعية حول العراق ، جالبة معها المزيد من الخبرات وخزينا هائلا من الأسلحة .
والأهم من هذا هو قرار صدام حسين بتنشيط الشبكة السرية (اليوم الممطر rainy day) [أبابيل]، أو (اليوم الموعود doomsday)،التي أنشأها عام 1968،فورعودة حزب البعث للسلطة في بغداد – فقد كانت ذكريات وعظات تجربة اسقاط الحزب المريرة سنة 1963 مازالت حية بعد .
شكّل صدام هاتين المنظمتين من المخلصين الأشداء في بغداد. مستهدفاً استعادة قوة تأثير ونفوذ البعث في حالة وقوع انقلاب جديد ،ثم تحولت المجموعة وتدريجياً الى منظمة سرية (تحت الأرض) وموازية للحزب مع تولي صدام زمام السلطة وفرض سيطرته شخصياً ، وفي النهاية تحولت الى منظمة دعم شبه عسكرية(مليشيا) لحمايته الشخصية.دربت وحدات هذه القوة الضاربة من قبل خبراء يوغسلاف وسوفييت على عمليات وفنون حروب الأنصار(حرب الشعب). وفي بدايات الثمانينيات ،باتت تلك الوحدات جيدة التدريب ،حسنة التمويل كقوات نخبة مع كميات هائلة من الأسلحة والأموال والأطعمة ووسائل ادامة ومتابعة لحرب الشعب على الطريقة اليوغوسلافية. وحالما أدرك صدام عمق واتساع عداء واشنطن وعزمها على حربه في التسعينيات ، قرراستدعاء خبراء من كوريا الشمالية مع أفكارهم الخاصة عن مقاتلة وشل القوات المشابهة لقوات الولايات المتحدة لتدريب وتوسيع كوادر حزبه السري الموازي [أو البديل ].
ومع تزايد التوتر مع الولايات المتحدة ،وجه صدام الكثير من الموارد لحزبه السري هذا و تهيئته لمواجهة الاحتلال الأميركي الذي كان صدام يعتقد أنه سيقع عاجلاً أو آجلاً . أعد من يثق بهم صدام حسين جيداً لأية احتمالات وشيكة وأصدر وصايا تحريرية الى كوادره على طول العراق . وفي (خطة الطوارئ السرية) التي أ صدرها مدير الاستخبارات العامة في ك2/يناير2003،الى الفدائيين ،يوصي الناشطين المشمولين بـها "اتخاذ جميع الاجراءات في حالة اسقاط الائتلاف الأميركي –البريطاني -الصهيوني القيادة العراقية لا سمح الله". وتراوحت التعليمات من جعل جميع مدن العراق صعبة الحكم أوالسيطرة عليها من خلال عمليات "النهب و السلب واشعال الحرائق في جميع الدوائر الحكومية" ، الى توجيهات استراتيجية بـ "التسبب بتدمير أو تعطيل" مصادر الطاقة الكهربائية والمياه ،كذلك قطع الاتصالات الداخلية والخارجية ’[الوطنية والدولية].
كما أبلغ الناشطون المعنيون باختراق المؤسسات الدينية الشيعية و "اغتيال رجال دين وخطباء المساجد وأماكن الصلاة" لاثارة عصيان ضد الأميركان . وكان عليهم استهداف العائدين من الخارج لمنعهم من التعاون مع السلطات الأميركية .
لقد روعيت هذه الخطة الطارئة التي أجملت هنا و في غيرها من الوثائق بدقة، و مورست منذ أوائل 2003. رغم أن صدام حسين لم يقرر إلا في أوائل حزيران فقط أن قواته [السرية] تلك قادرة وبكل دقة على البدء وادامة حرب شعبية حقيقية ضد الولايات المتحدة ، لذا نشّطً وحدات حزبه الموازي السري بعدها مباشرة .
كوريون شماليون وصينيون وروس
كان في صلب قرار صدام بالنهوض والتصدي ،ادراكه أن ليس للولايات المتحدة ولا نتفة معلومات عن هروبه الحقيقي واختفائه، ولا عن منظومة مخابئه وملاجئه . وعودة الى 1991و فور انتهاء حرب الخليج الأولى[الثانية] فقد كان صدام قد قرر أن منظومة ملاجئه الحالية للاختباء والهرب عديمة الفائدة. ونظراً لبنائها من قبل ألمان ويوغسلاف في الثمانينيات ، فقد توقع صدام – بدقة وعن حق - بأن مواقعها واسرارها باتت معروفة للولايات المتحدة .
وفي منتصف التسعينيات، وبعد مناقشات داخلية عديدة استقدم صدام خبراء من كوريا الشمالية والصين ومجموعة بنائين لبناء منظومة منشآت جديدة كاملة تحت الأرض له ولحلقة مقربيه الداخلية ولوحدات الحزب السري الموازي .ولضمان السرية التامة فقد تم بناء تلك المنشآت الجديدة تحت الأرض – ملاجئ، ومراكز قيادة ومواقع ومخازن للاتصالات على أيدي عمال من كوريا الشمالية .
ونظراً لعدم مشاركة عمال عراقيين في ذلك ، لم يعرف سوى القليل من العراقيين حتى بوجودها ،ناهيك عن معرفة مواقعها وأماكنها. وأكثر من ذلك كان الكوريون الشماليون قادرين على جعل تلك المباني وعملياً مما يصعب على وسائل الرصد الأميركي معرفتها وأكتشافها .تضمنت طرق بنائها ، حفر مداخل وفتحات صغيرة نسبياً في سفوح جبلية ، ومن ثم توسيع الفسحات التحتية عبر أنفاق و استدارات متعددة ومعقدة من الداخل . ويتم اخراج الأتربة المتجمعة من الحفر ليلاً وتلقى في مجاري المياه القريبة لعدم ترك أية أثار تدل عليها .حفرت بعض تلك المنشآت تحت بحيرات قريبة ،لتقليل فرص كشفها أكثر وأكثر من قبل الوسائل المتعددة للولايات المتحدة .
كان الكوريون الشماليون المتميزون بالتمويه رائعين في هذا المجال فجعلوا المداخل والمخارج قريباً من مجاري المياه ،وفي مناطق مغطاة بالكثير من الشجيرات والأعشاب . وفي أواخر التسعينيات كان صدام وعدد محدود فقط من المقربين الموثوقين، يزورون تلك المواقع مستخدمين زوارق صغيرة وعجلات خاصة لتجنب الأكتشاف .
من بين الملاجئ المخفية تحت اشراف الصينيين شبكة من مخازن أعدت على المدى البعيد (مستقبلية) لخزن مواد استراتيجية من الأسلحة والمعدات بما فيها أسلحة دمار شامل لأيام طارئة وشديدة الخطورة على الوطن .وأبلغ عقيد عراقي سابق وحامل شهادة دكتوراه ،هرب الى الخارج عام 1999، ويعيش مختبئاً في استراليا،أبلغ أنه يعرف شخصياً مواقع (5) ملاجئ ومستودعات سرية شيدت قرب بغداد والبصرة وتكريت. وشيدت ملاجئ أخرى مشابهة في أماكن صحراوية عميقة غربي العراق . ووفقاً لمنشق (هارب) عراقي آخر فقد جيئ بخبراء روس لفحص كفاءة التصاميم الصينية قبل الأمر ببناء المزيد من الملاجئ .
كانت قمة الفحوص هي ابقاء الخبراء الصينيين داخل نموذج لأحد الملاجئ أثناء تعريضه لسلسة من الضربات والقصف من قبل الروس – خرج الصينيون مذعورين ومرتبكين ولكن دون أذى. كان العنصر الهام لتلك المخابئ هو عمقها وسماكة المباني المتعددة الطبقات فيها –وهي مهام معقدة تولى أقامتها الكوريون الشماليون . كما تم تغطية وتمويه منظومة التهوية المعقدة هي الأخرى ببراعة مما يجعل اكتشافها من الخارج صعباً للغاية.
وأبلغ العقيد آنف الذكر أن الملاجئ الثلاثة التي زارها أواخرالـتسعينيات ، كانت مليئة بكميات كبيرة من الأسلحة التقليدية والأعتدة وقنابل المدفعية وصواريخ (GRAD 122mm) مجهزة برؤوس كيمياوية، مع وجود براميل (حاويات ) لعوامل كيمياوية.
وفي الوقت الذي تم تشييد هذه المخابئ في أواخر التسعينيات لم تكن هناك سوى اشاعات كثيرة أو متميزة قليلاً عن وجود أشياء كهذه . كان معظمها نتف استخبارات ناقصة وغير أكيدة وجاءت من مصادر ضمن دوائر استخبارات حليفة للولايات المتحدة. ومن بين أفضل تلك المصادر أحد أفراد الحماية (بودي كارد)كان قد رإفق صداماً الى أحدى تلك المنشآت أكثر من مرة خلال عدة سنين .و لكن لم يكن بوسعه سوى أعطاء معلومات عامة عن موقع المنشأة ، وعجزه عن تحديد مكانها بدقة من الصور الجوية .كان لدى الاستخبارات الأردنية تجارب مماثلة مع مصدر آخر.
ووفقاً لمصادر عديدة ، فقد بنى الكوريون الشماليون – مبانيٍ تحت الأرض تضم أعداداً كبيرة من ملاجئ ومستودعات صغيرة للمستقبل تركز معظمها في منطقة الجزيرة في صحراء شمال غربي العراق ،وثلاثة مجمعات كبيرة ،يحتوي كل منها على أعداد كبيرة من المنشآت تحت أرضية ، يرتبط بعضها بقنوات اتصال ،والبعض الأخر مكتفية بذاتها ومعزولة تماماً . يحتمل أن يكون مجمع منطقة (القائم) الممتد مابين مدينة القائم وبحيرة القادسية الى الشرق ،هو الأول ولعله الأكبر . ووفقاً لمعظم التقارير فإن مقرات صدام الرئيسة وأماكن اختبائه أوائل عام 2003، كانت في ذاك المجمع .
ويمتد المجمع الثاني من منطقة الرمادي الى بحيرة الحبانية جنوباً .ومن السهل نسبياً الوصول الى مركز بغداد من هذا الموقع عبر ضواحي غرب بغداد . ويمتد المجمع الثالث في مثلث تكريت سامراء والى البحيرة الجبلية في سلسلة جبل حمرين والى الشرق من المجمعين السابقين. وأكثر من ذلك فالمجمعات الثلاثة تمتد في مناطق تواجد وتنقل لقبائل عربية سنية تتنقل عادة ما بين العراق وسوريا والسعودية،ومعادية بشدة للأميركان ،وبهذا فهي مصدر موثوق لتأمين التنقلات.
تنسيق وتدريب
خلال الأسبوعين الأوليين من حزيران 2003،كان الحزب (البديل!) مجرد مصدر صغير للمعدات لأغلبية الشبكات المعادية للولايات المتحدة في قلب المناطق الشيعية ( وحيث تشكل الاستخبارات الإيرانية المساند الأكبر).كانت هناك كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات ومعدات التموين الأخرى من جيش القدس الشعبي ،والفدائيين وحزب البعث ، وحتى من الجيش العراقي [السابق] ،ومتيسرة لاستخدامها من قبل قوات المقاومة المحلية .كما يمكن الحصول على معدات اضافية بسهولة بتهريبها من سوريا عند الضرورة . لذلك ما كانت هناك من حاجة لاستخدام أي من خزين المعدات جيدة الاخفاء تحت الأرض للحزب البديل/الموازي .
ولكن كوادر خبراء الشبكات السرية وفروا خبراتهم للمقاومة وأوضحوا لهم كيفية تنظيم الخلايا السرية وضمان أمنها وتدريبها على أساليب وسياقات نصب وتنفيذ الكمائن ووفروا كلما يلزم عن طرق تصنيع القنابل للثائرين في كل العراق .
ساعدت كوادر صدام جميع العناصرالتي أرادت مثل هذا التعاون والمساعدات بما فيها أكثر الشبكات الاسلامية الأشد جرأة في عدائها للبعث . وبالاضافة الى ذلك عرضوا تمويل أية منظمات بادرت في عدائها للأميركان .لعبت شبكات صدام دوراً أساسياً في تسهيل ومواصلة تدفق الاسلاميين المتطوعين – من السنة والشيعة معاً- من سوريا الى العراق. كان ضباط استخبارات حزب البعث السري يدركون بأن العديد من شبكات الاسلاميين والشبكات المحلية شديدة العداء لصدام و للأميركان معاً ، ولكنهم عرفوا أيضاً حدود التعاون ضد العدو المشترك ورسموا حدوداً واضحة بين توفير دعم كاف لجعل عمليات تلك الشبكات أشد فتكاً،وبين نوع ومحاولات التدخل الذي قد يدفع بتلك الشبكات الى خيانة البعث أمام الأميركان. أو سائبة في علاقاتها واتصالاتها ، تقودها دوافع عمل وعقائد(مبادئ) متعددة – إسلاميون ، عرقيون (عنصريون) Ethnocentric؛ وبعثوية عشائرية وحتى شيوعية – وكلها ترتبط بخيوط واهية بشبكة من أصحاب المصالح والولاءات المحلية المحدودة، عدا اتصافها ولو بدرجات متفاوتة بمعاداة لاشك فيها للأميركان . وبرغم دور كوادر صدام في تولى مهام القيادة والسيطرة وشبكات الاتصالات، فقد وفر الإسلاميون أعداداً متزايدة من المقاتلين بما فيهم المجاهدون الأشد حماساً وتضحية.
يتبع ......