نبدأ احداث الساعات الاولى للحرب البرية من واشنطن. فقد تلقى الرئيس الامريكي اتصالا قبيل بدء العمليات البرية من غورباتشوف يدعوه لتأخير اي عمل عسكري (لم يكن يعرف الموعد بالتحديد لبدء الحرب) و ترك فرصة اخرى للسلام. رفض بوش ذلك و قال له لو كان العراق يريد الانسحاب لانسحب قبل موعد 15 يناير. و بعد انتهاء المكالمة بدأ بوش اتصالاته البروتوكولية برؤساء كبار اعضاء التحالف لابلاغهم بموعد العمليات. و اتصل ايضا بالرؤساء الامريكيين الاحياء السابقين الاربعة و قادة الكونجرس و خلال ساعات اعلن على التلفاز عن بدء معركة التحرير يوم الاحد 24 فبراير.
خلال ساعات بدأت اول التقارير تصل واشنطن. الفيلق الثامن عشر المجوقل يتقدم كما هو مطلوب بعد ساعتين من بدء العمليات. و الامور تسير بشكل جيد للمارينز و القوات العربية الشرقية. و لا يزال الفيلق السابع مرابطا بانتظار اوامر التحرك لليوم التالي. لا اثر لاستخدام العراق للسلاح الكيماوي و ان كان هناك تقارير عن بدء عمل تخريبي ممنهج في مدينة الكويت و حوادث اغتصاب و تعذيب و خطف يقوم بها العراقيون (اتضح لاحقا انها كانت مبالغ بها). انظر الخريطة ادناه لدراسة محاور تقدم اليوم الاول (السهم الابيض). سوف تركز في هذه الحلقة على معارك جنوب الكويت.
الى ارض المعركة، حيث ذكرنا سابقا ان من عوامل قلق شوارتزكوف كان الجو السيء المحتمل يوم 24 فبراير. و كان قد وعد المارنز ب 3 ايام من التغطية الجوية المناسبة التي تتطلب جوا صحوا. و هذا ما لم يحصل. و كان ان بدأت الامطار و الضباب و الرياح بشكل حد من الرؤيا لغاية 50 متر يوم 23 فبراير. و طبعا لن يوقف هذا الامر المعركة، فأذاعت مكبرات الصوت خطاب قائد الفرقة في قواته، انهم يدخلون الكويت محررين لا غازين،و ان ابناؤهم و احفادهم سيذكرون تضحياتهم بالفخر.
و بدأ الاقتحام من منطقة ام غدير في جنوب الكويت. و كان الهدف الاول هو اختراق خطي الغام بين ام غدير و حقل مناقيش البترولي. و كان واجب الاقتحام على عاتق الفوج 6 من المارينز. على ان تلحقهم بعد فتح الطريق لواء النمر من الجيش الامريكي (بدبابات الابرامز الاقوى من دبابات المارينز M60 ) و كان على هذا اللواء التقدم شمالا نحو الجهراء و المطلاع لقطع طريق الانسحاب امام الجيش العراقي من مدينة الكويت. و كان تقدير الفرقة ان الخسائر ستكون بحدود الالف.
بدأ الفوج السادس عملياته الساعة 4:30 فجرا. و بدأت المدفعية العراقية الضرب بمعدل منخفض و دقة قليلة بسبب عدم وجود مرشدين من الجانب العراقي. و تم ارسال مقاتلات بمعدل زوج كل 7:30 دقيقة و استخدمت 140 قطعة مدفعيى و 9 راجمات لاسكات المدفعية العراقية الغير فعالة اصلا.
عند السادسة وصلت القوات الى عمق 20 كم داخل الكويت. عند خط الالغام الاول. و كانت الخطة تركز على السرعة من اجل امضاء اقل وقت ممكن في منطقة القتل. و الهدف كان فتح 6 ممرات في نفس الوقت في حقل الالغام العراقي. سميت من الشرق للغرب احمر 1 و احمر 2 ازرق و3 ازرق 4 و اخضر 5 و اخضر 6.
تم ارسال 500 مهندس لفتح هذه الطرق الستة. بدأت دبابات M-60 مزودة بكاسحات الغام تتقدم لفتح الطرق. و ثم بدأ المهندسون تحضير شحنات ناسفة. و كان اروع هذه الانظمة هو نظام MK-154 القادر على قذف 3 حبال مزدوجة متفجرة مسافة 30 متر و بعد التفجير تتقدم الدبابات للتحقق من سلامة الممر.
اول المفاجآت حصلت عند الطريق احمر واحد. فقد اظهرت اجهزة الرصد وجود مادة السارين السامة. و طلب القادة الميدانيون من العقيد المسؤول ايقاف العمل على هذا الخط. فرفض العقيد هذا الطلب. فقام المئات من المارينز بارتداء اطقم الكيماوي لاكمال العمل قبل ان يتبين ان الانذار كاذب.
الساعة 6:55 فتح الطريق احمر 2. و بعده الطريق احمر 1. على الجهة الاخرى كان العمل بطيئا جدا. حيث تم تدمير دبابتين عن طريق لغم بريطاني حصل عليه العراقيون من مستودعات الجيش الكويتي عند الطريق ازرق 4. اما اخضر 5 و 6 فكانت الامور اسوأ. فقط كان سمك حقل الالغام يمتد لمئة متر. حوالي ضعف سماكة الحقل عند احمر واحد و احمر اثنين. و وضع العراقيون كثافة مهولة من الالغام 3 اضعاف الكثافة المعروفة في العلم العسكري. و قد تم تدمير سرفات 3 دبابات و علقت في منتصف الحقل. و فشل احد الحبال في التفجير و الاخر التف على اريال احدى الدبابات و صاح الجميع "اوقف التفجير" في الوقت المناسب قبل وقوع المصيبة.
رغم الفرصة المواتية لضرب المارينز فقد كانت المدفعية العراقية غير ذات تأثير. و حوالي العاشرة تم انهاء فتح الطرق الستة و تم التقدم صوب خط الالغام الثاني. و بمجرد ان تم تجاوزه قام مئات العراقيين من الفرقة السابعة و الفرقة 14 مشاة من الجيش بالاستسلام. و تم انهاء فتح الحقلين بعيد الظهر و اندفع لواء النمر شمالا. كانت المحصلة تعطيل 9 دبابات للمارينز و عربتي نقل و اصابة 14 جندي. تم اسر كتيبة دبابات T-55 كاملة العدد (الكتيبة التاسعة) و معها 5000 مقاتل عراقي.
تم جلب اعلى مسؤول من الجانب العراقي تم اسره (عقيد) و تم استنطاقه من قبل المارينز. و قد لاحظ القادة الامريكيون ان العقيد العراقي كان هندامه مكويا و نظيفا و الحذاء لامع و كان يبدو بحال احسن من القادة الامريكان الذين اسروه.
كان اهم شيء في الاستنطاق هو تفاصيل اللغم الكيماوي الذي ضربه الامريكان. نفى العقيد العراقي استخدام السلاح الكيماوي او انه توجد اي خطط لاستعماله. و رسم خريطة لمواضع بقية قواته. و عند استنطاق قيادة اركان الفرقة ابدى الضابط صدمته من سرعة تحرك الامريكان و انه تم مفاجأتهم بهجوم من الجانب بشكل شل حركة قواته.
على مسافة 20 كم الى الجنوب عند الفرقة الاولى مارينز، كان المحور الثاني لهجوم المارينز يسير بنفس الترتيبات. و قد شرحنا انه تم خرق حقل الالغام في اليوم السابق من الاجناب. و الان الدور على القلب لعمل نفس الخرق. و كان نفس السيناريو من بعض مشاكل في تفجير الالغام الى غياب فعالية المدفعية العراقية. و من اصل 42 مدفع عراقي كان يضرب على المارينز. تم اعطاب 26 بمدفعية المارينز و 16 دمرت من الجو. الساعة 6:44 صباحا ارسلت قوات الهندسة الدخان الابيض و الاخضر دلالة على النجاح في فتح الخط الاول للالغام العراقية. و تبعه الثاني خلال 20 دقيقة بخسارة دبابة. و عند الساعة 10:30 صباحا تم اكمال فتح 14 طريق في حقل الالغام. و جرح 10 مارينز من المدفعية العراقية اثنان جراحهم سيئة. و قتل جندي واحد بلغم. و اسر الامريكيون حوالي 3000 جندي عراقي في هذا القاطع
و بدأ الاندفاع نحو الحقل الثاني من الالغام وسط القصف المدفعي و الصاروخي العراقي. عندما بدأ المارينز يتعرضون للنيران الصديقة من الكتيبة المجاورة. و خلال دقائق تلقت الكتيبة 55 قذيفة دبابة دمرت شاحنيتن و عربة برمائية و قتل جندي واحد (بمجرد سماع اول طلقة ترك المارينز الياتهم وهربو خلف خندق قريب بسبب وجود الاليات على اطراف حقل الغام.
بعد الظهر وصلت القوات خلف حقل الالغام الثاني. و بدأت القوات تتجه نحو قاعدة على سالم الجوية. و القسم الثاني نحو مطار الكويت الدولي.
جلس قائد فيلق المارينز مرتاحا يقرأ التقارير:
1- الفرقة الاولى مارينز: كله يسير حسب الجدول
2- الفرقة الثانية مارينز: كله يسير حسب الجدول
3- لا اثر للكيماوي
و بالتالي لم يتحقق عاملان للخطر كان يخشاه: جحيم من نيران مدفعية عراقية كثيفة على القوات التي تفتح الالغام مما كان سيسبب مذبحة. و عدم وقوع هجوم مرتد عراقي خلال اول 4 ساعات (كما كانت تشير تقديرات الاستخبارات العسكرية).
قال لصحفي مرافق: "لم تتحقق اي من مخاوفنا". الجنود العراقيين جنوب الكويت لم يكونوا مستعدين للقتال بشراسة، "لقد جعلنا منهم بعبعا".
بخصوص هجوم القوات العربية الشرقية على خط الساحل (لواء ميكانيك العاشر جيش سعودي، لواء ميكانيك الثامن جيش سعودي و لواء الميكانيك الثاني حرس وطني و لواء كويتي و بضعة كتائب خليجية)، فلم يصادف اي مقاومة تذكر من الفرقة الثامنة مشاة للجيش العراقي التي استسلم افرادها بعد قتال بسيط. لكن مع ذلك كانت سرعة تقدم القوات العربية ابطا من قوات المارينز التي واجهت مشاكل اكثر. و يلوم المراقبون الغربيون ذلك على بطء حركة الجيش السعودي حتى مقارنة بالحرس الوطني الذي كان مشاركا معه في نفس الجبهة.
و بالتالي نجحت فرقتان مارينز من اقلاق الفيلق الثالث -مشاة- العراقي المسؤول عن الدفاع عن جنوب الكويت و بالاخص الفرق 7 و 14 و 29 مشاة في هذا القاطع التي استسلم الوف من جنودها. مما اربك الخطة الدفاعية العراقية التي كانت تعتمد على تأخير قوات التحالف عن جنوب الكويت قبل ان يتم تحرك الاحتياطي المدرع لصد اي اختراق.على العموم كان لا يزال هناك امل للعراقيين جنوب الكويت في هذا القاطع بسبب وجود 3 فرق من احسن فرق الجيش العراقي: الاولى ميكانيك و الثالثة دروع و الخامسة ميكانيك خلف الخط الدفاع الاول جنوب مدينة الكويت. و كانت خطة قائد الفيلق (الجنرال محمود) هي الدفع بالفرقة الخامسة لمواجهة المارنز يوم 25 و تم تحضير قوات الفرقة للهجوم المضاد الذي كان من ضمن خطط القيادة العراقية الدفاعية. اما المصيبة التي بدأت تتشكل في غرب العراق فلم تصل تداعياتها للقيادة العسكرية العراقية بعد. و هي موضوع الحلقة القادمة.
المصادر:
ٌR-Atkisnon - Crusade
K. Pollack - Arabs at War
Gulf War Air Power Survey - Volume 2 - page 299