أُعلن مؤخراً عن تعطّل آخر قمر صناعي من منظومة " أوكا 1" المخصصة للكشف المبكر عن إطلاق الصواريخ الباليستية. وكان هذا الجهاز الذي يحمل اسم " 71 إكس 6" قد أُرسل إلى المدار في عام 2012، وعمل ثلث الفترة المقررة، وأدى فقدانه إلى إضعاف منظومة الإنذار المبكر التي تُعدّ أحد أهم عناصر الدفاع الاستراتيجي في روسيا.
وفي حديث لـ" روسيا ما وراء العناوين" قال إيغور ليسوف رئيس تحرير مجلة " نوفوستي كوسمونافتيكي" ( أخبار الملاحة الفضائية) بأن النسق الفضائي لمنظومة الإنذار بهجوم صاروخي ما زال موجوداً، فعلى الرغم من فقدان جميع الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة للأرض، إلا أن القمرَين الصناعيين " كوسموس 2422" و" كوسموس 2446" الموجودين على مدارات إهليلجية عالية ما زالا يعملان. وبحسب قول الخبير فإن الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة للأرض والأقمار العاملة على مدرات إهليليجية عالية تستطيع أن تعوض عن بعضها البعض. أما في الظروف الحالية فيصعب الجزم في ذلك تماماً، حيث يعمل قمران فقط بشكل طبيعي، علماً بأن العمل الكامل يتطلب أربعة أقمار كحد أدنى، ولذلك فإنهما بالكاد ينفذان مهماتهما.
فقدان " أوكا" يُطلق المنظومة الفضائية الموحدة
وبحسب تصريح مصدر مقرّب من وزارة الدفاع الروسية لـ" روسيا ما وراء العناوين"، فإن غياب الأقمار الصناعية الثابتة يمكن أن يُعوَّض من خلال المحطات الرادارية الأفقية " فارونيج ـ أم" و" فارونيج ـ دي أم" الواقعة في مناطق كالينينغراد ولينينغراد وإركوتسك وإقليم كراسنودار. إذ تعمل هذه المحطات ضمن نطاقين من الموجات: متري ( "فارونيج ـ أم") وديسيميتري ( " فارونيج ـ دي أم")، ويسمح الحقل الراداري الذي تشكّلانه بالكشف عن الأجسام الفضائية بسهولة والإنذار الفعّال عن الهجمات الصاروخية.
وبحسب المصدر، فلن تخضع منظومة " أوكا 1" للتصليح، لأنها أصبحت قديمة ولا أمل منها، فقد أُنشئت منذ زمن الاتحاد السوفييتي، أما الآن فإن وزارة الدفاع تمتلك تصاميم المنظومة الفضائية الموحدة الجديدة التي تتمتع بمواصفات أكثر دقة وبقدرة على تَتَبّع، ليس فقط انطلاق الصواريخ الباليستية، وإنما الصواريخ التكتيكية أيضاً. ومن المقرر إطلاق أول قمر صناعي من هذه المنظومة خلال هذا العام. ولكن لم يعلن بعد عن الموعد الدقيق لتنفيذ ذلك.
في أي مكان وأي وقت
تُعدّ منظومة الإنذار المبكر إحدى أهم وسائل ردع الهجوم الصاروخي، وتحتوي على محطة رادارية للكشف الأرضي ( فوق الأفقي)، ومجموعة فضائية من الأقمار الصناعية ومحطة رادارية للكشف الأفقي، وتستطيع هذه المنظومة التي بدأت أجزاؤها الأولى تعمل منذ عام 1971 أن تكشفَ في أي وقت ( بدقة تصل إلى حد الثانية وفي الوقت الحقيقي وبموثوقية عالية) إطلاقَ الصواريخ الباليستية من أي مكان على وجه الأرض، كما تتلخص مهمتها في إبلاغ القيادة بهذا الأمر، وتملك هذه المنظومة بالتحديد " الكلمة الأخيرة" في اتخاذ قرار الضربة الجوابية.
وفي البداية كانت منظومة الإنذار من الهجوم الصاروخي تتكون من محطات رادارية تتمركز بعيداً عن المراكز السكنية، وكانت تُبنى حول محيط البلاد كلها، حتى تُمكّن مناطق المراقبة من تغطية تلك الجهات التي يمكن أن يُطلق منها الصاروخ. ولكن بحكم تصميمها، فقد كانت المحطات الرادارية الأفقية "قادرة على رؤية" الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ( التي تنطلق من أراضي الولايات المتحدة، وكذلك الصواريخ التي تُطلق من الغواصات في المحيطات) لحظة بدء الهبوط من مسار طيرانها، وهذا يعني أن المحطات الرادارية كانت تنذر بوجود الصاروخ الذي سوف يسقط فوق مكان ما فعلاً، ولكن في وقت متأخر جداً، لا يسمح باتخاذ قرار بهذا الشأن الحساس. ولذلك تقرر إصلاح هذا العيب في تصميم مجموعة المحطات الرادارية من خلال منظومة وسائل الكشف المباشر عن بداية انطلاق الصواريخ أينما كانت.
نسق منظومة الإنذار ضد الهجوم الصاروخي الفضائي
ظهرت في بداية السبعينيات من القرن الماضي فكرةُ إنشاء نسق فضائي لمنظومة الإنذار المبكر من الهجوم الصاروخي، وبحلول عام 1979، تم نشر هذه المنظومة. وفي عام 1982، انضمت إلى خدمة المراقبة باعتبارها منظومة الجيل الأول من أربعة أجهزة فضائية من طراز " 74 دي 6" ( منظومة " أو إس ـ كا" أو " أوكا") على المدارات الإهليليجية العالية. وكان يمكن لهذه المنظومة أن تتابع إطلاق الصواريخ من أراضي الولايات المتحدة الأمريكية فقط. ومنذ عام 1984، أضيف الجهاز الفضائي الموجه" كا أو إس ـ كا إس" ( منظومة " أوكا إس") إلى الأقمار العاملة على المدارات الثابتة.
ومنذ عام 1991، بدأ بصورة موازية إنشاء الجيل الثاني من منظومة " أوكا 1" ( أقمار صناعية موجهة لمراقبة البحار والمحيطات) مع الأقمار الصناعية " 71 إكس 6" على المدارات الثابتة. وتسمح هذه المنظومة المحدّثة بتسجيل إطلاق الصواريخ من سطح البحر، وتحديد مسار تحليقها. وكان ينبغي أن تتشكل المجموعة الكاملة من سبعة أقمار، ولكن الأخير من بينها أصيب بعطل في أواخر يونيو/ حزيران الماضي بسبب خلل في المكونات الأجنبية الموجودة داخل هذا القمر.