جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى روسيا خلال الأسبوع الجاري لتفتح المجال أمام الدبلوماسية المصرية للانفتاح على المحور الشرقي من العالم، جاءت الزيارة لتثير العديد من ردود الأفعال بين مرحب بالزيارة، ويراها أنها جاءت لتغلق الباب أمام التبعية لواشنطن، وكذلك لتنويع مصادر السلاح للجيش المصري أقوى الجيوش العربية في ظل التحديات التي تواجه الجيش المصري في الداخل والخارج، وآخر يراها زيارة عادية وتدخل في إطار العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين.
من جهتها استطلعت جريدة "الوادي" آراء عدد من المحللين السياسيين والعسكريين حول الزيارة ونتائجها السياسية والعسكرية على مصر. تطور العلاقات بين البلدين بدأت العلاقات القنصلية بين البلدين فى عام 1784 ، بينما العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت في 26 أغسطس 1943 ، وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول تبديل القطن المصري بمنتجات سوفيتيه فى العام ذاته قبل انفصال روسيا عن الإتحاد السوفيتي ، مرت العلاقات بمراحل وتطورات كبيرة خاصة بعد ثورة يوليو 1952 والمساعدات العسكرية التى قدمتها روسيا لمصر وقتها ، ومساهمتها التاريخية فى تشييد السد العالى وإقامة المشروعات الخدمية العملاقة فى مجال الطاقة والكهرباء والحديد والصلب بالإضافة أيضا الى استفادة أفراد القوات المسلحة من الخبرة العسكرية الروسية وقتها وحتى الآن.
مرت العلاقات بين البلدين بتوترات فى فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات حتى انقطعت تماما فى نهايه حكمه، ولكنها عادت مرة أخرى فى عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك التى شهد تنامى فى العلاقات وتطبيع تدريجي بين البلدين فى كافة المجالات من أبرزها التعاون المشترك فى إقامة مشاريع للاستخدام السلمى للطاقة النووية ومجال السياحة والتعليم والسيارات.
تعثرت العلاقات بين البلدين عقب ثورة 25 يناير2011 خاصة فى المجال العسكري ،وتوقفت بعد ذلك الزيارات بين مسئولي البلدين، بسبب الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط فيما يعرف بـ"الربيع العربي"، إلى أن قام الرئيس السابق محمد مرسي بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المدن الصغيرة خارج موسكو .
ظهر الإهتمام الروسى بمصر بقوة عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في سبتمبر الماضي، وجرى فيها مناقشة موضوع التعاون العسكري والاقتصادي والتقني وغيره من الملفات السياسية والأمنية التي تخص المنطقة ،
وأيضا إستقبال مصر لوزيرى الدفاع والخارجية الروسيين لمصر فى 13/11/2013 ، وإستقبال الرئيس عدلي منصور فى 15/11/2013 بمقر رئاسة الجمهورية، سيرجي لافروف "وزير خارجية روسيا الاتحادية"، والجنرال سيرجي شويجو "وزير دفاع روسيا الاتحادية"، وميخائيل بوجدانوف نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية المبعوث الخاص للرئيس الروسي حول الشرق الأوسط، و سيرجي كيربيتشينكو سفير روسيا الاتحادية بالقاهرة، وسيرجى فيرشينين المبعوث الخاص لوزير خارجية روسيا للتسوية في الشرق الأوسط. وقد حضر اللقاء من الجانب المصري المشير عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي في ذلك الوقت، ونبيل فهمي وزير الخارجية، والدكتور مصطفى حجازي المستشار الاستراتيجي لرئيس الجمهورية .
ارتفعت الصادرات المصرية إلى روسيا خلال الفترة 2007 وحتى 2009 حيث بنسبة 9.7% خلال عام 2008 مقارنة بعام 2007 وكذا بنسبة 9.5% خلال عام 2009 مقارنة بعام 2008 وبنسبة 20% مقارنة بعام 2007. بينما بلغ حجم التبادل التجاري في الفترة من يناير وحتي نهاية ابريل من العام الجاري 1.24 مليار دولار، كان نصيب الصادرات المصرية منها 82 مليون دولار في حين بلغت الواردات المصرية من روسيا 1.158 مليار دولار.وكانت أهم بنود الصادرات المصرية للسوق الروسية هى الفواكه الحمضية مثل البرتقال والليمون والجريب فروت وأيضا البطاطس والبصل والثوم والفراولة والعنب بالإضافة إلى منتجات مسطحة من حديد او صلب و منتجات السجاد واغطية الارضيات اللوحات والصحف من اللدائن وبعض المنتجات القطنية. فى حين تتمثل أهم بنود الواردات المصرية من روسيا فى القمح ومختلف أنواع الأخشاب وبعض أنواع الزيوت وبعض منتجات الحديد وورق الصحف.ويبلغ إجمالى الاستثمارات الروسية فى مصر 65.62 مليون دولار حتى 31 يناير 2013 بإجمالى عدد شركات 383 تعمل فى مجالات السياحة والإنشاءات والقطاعات الخدمية وتأتى روسيا فى المرتبة 46 من حيث الدول المستثمرة فى مصر. أما حجم الاستثمارات المصرية فى روسيا فيصل إلى 13.7 مليون دولار حتى نهاية 2012 وتتركز معظمها فى مخازن للاخشاب التى يتم تصديرها الى مصر وبعض المعاملات العقارية. ما وراء الزيارة ويعلق الدكتور محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإسترتيجية على زيارة السيسي لروسيا فيقول إن الزيارة لها أهداف أخري غير صفقة الأسلحة منها إعادة العلاقات مع دولة كبيرة كروسيا لمواجهة الغطرسة الأمريكية التى تمارسها على مصر 30 يونيو وهى ضغوط تجاوزت كل الأعراف الدولية .
وتابع إدريس في تصريح خاص لـ"الوادي": قرأت الزيارة فى ضوء حرص الرئيس عبد لافتاح السيسي على إعادة العلاقات بين البلدين مثلما كانت فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وفى ضوء حرص الرئيس أيضاً على حماية مصر من الأطماع الخارجية ومواجهة الأزمات المحيطة بدول المنطقة كفلسطين وسوريا والعراق والسودان ومواجهتها قبل أن تصل لمصر ، وفى ضوء تسليح الجيش المصرى بالأسلحة والمعدات الحديثة، مشيراً الى أن الرئيس السيسي يحترم الموقف الروسي الذي يقف ضد الإرهاب الموجود فى سوريا والذى قفز على الثورة السورية هناك مدعوماً من دول غربية هدفها تفتيت الوطن العربي.
واستطرد رئيس وحدة دراسات الخليج قائلا "إن دول إفريقيا وعلى رأسها مصر مطمع لدول غربية تحاول إنهاكها حتى تصبح فريسة سهلة لإحتلالها مرة أخرى ومن ثم كان التوجه الى دولة قوية كروسيا يمكن الإستعانه بها فى مواجهة هذا المخطط، معربا عن إمكانية تدخل روسيا بما لها من نفوذ قوى في إفريقيا لدى أثيوبيا والتوسط لحل مشكلة سد النهضة.
من جانبه قال اللواء أركان حرب طلعت مسلم، الخبير في الشؤون العسكري إن الزيارة لمحاولة استكشاف مجالات جديدة للتعاون بين البلدين ، فهى جزء من سياسة عامة تنتهجها الدولة المصرية لتوسيع مجالاتها الدبلوماسية فى أوروبا والشرق الأقصى للخروج من التبعية الأمريكية.
وبخصوص أهمية مصر بالنسبة لروسيا تابع مسلم أن مصر دولة محورية فى الشرق الأوسط ومن ثم الإستفادة منها فى مواجهة الإرهاب ومن ناحية أخرى الإستفادة من الموارد المصرية الأمر الذي يؤدى لنمو إقتصاد البلدين.
على صعيد أخر يقول محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن روسيا أبداً لن تحل بديلاً عن أمريكا التى تملك نفوذا قوياً ،لتقزم دور روسيا حالياً بعد انفصالها عن الإتحاد السوفيتتي متهما من يحللها بأنها جائت إنهاء التبعية الأمريكية بأنهم قصيرى النظرلا يجيدون تحليل الأمور.
مشيراً الى أنها زيارة عادية من الممكن أن تكون للتشاور بشأن المشكلة السورية والفلسطينية أو الأسلحة أو ما يتعلق بالديون.
وأضاف حسين أن النظام الحالى ولا القادم يمكنة الإستغناء عن الولايات المتحدة لنفوذها القوى فى المجتمع الدولى، مبيناً أن الزيارة لم تكن الأولى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير فقد كانت محاولات فى عهد الرئيس السابق محمد مرسي لتحسين العلاقات مع النظام الروسي.
من ناحية أخرى شدد المستشار العسكرى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام اللواء دكتور محمد قدرى سعيد على أهمية الزيارة من الناحية العسكرية والإتفاق على صفقات أسلحة للجيش المصري مستقبلاً كنوع من تنويع مصادر السلاح مؤكداً على أن التوجه لروسيا ليس معناه قطع العلاقات مع الولايات المتحدة وإنما نوع من الضغط لإجبار الولايات المتحدة على إحترام إرادة الشعب المصري بعد الثلاثين من يونيو.
ونوه قدرى الى أن روسيا لما لها من نفوذ قوى لدى دول أفريقيا ستساهم فى حل أزمة سد النهضة، موضحا أن العلاقة مع مصر ستعطي روسيا مساحة كبيرة فى منطقة الشرق الأسط وكذلك فالعلاقة مع روسيا ستكون مفيدة بالنسبة للجانب المصرى.
وأضاف أن استيراد مصر للسلاح الروسى ليس وليد اللحظة وإنما العلاقات موجودة منذ ثورة يوليو 1952 وإنما لتحقيق التوازن فى علاقات مصر الدولية وتنويع مصادر السلاح المصرى.
"الزيارة جائت للخروج من إطار التبعية الأمريكية والمتمثلة فى المعونة العسكرية" هكذا عقب الدكتورعمرو هاشم ربيع مدير وحدة النظام السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مضيفاً أن مصر دولة فقيرة فى مواردها وتحتاج لدعم كبير خاصة فى المرحلة القادمة.
وتابع ربيع أن مصر أصبحت تواجه اعداءً فى الداخل والخارج بعد 30يونيو ومن ثم كان لابد من التسليح الجيد لمواجهة أعدائها لذا كان التوجه لروسيا.