نجحت الاستراتيجية الاستباقية، التي تبنتها الأجهزة الأمنية المغربية لمكافحة الإرهاب، في تقليص مخاطر هذه الآفة الإنسانية على المغرب وساهمت في تجنيب دول أوروبية هجمات كانت المنظمات الإرهابية تجهز لها أو الكشف عن عناصر ساهمت في تنفيذ هجمات في بروكسل وباريس.
إلا أن هذا النجاح لم يلغ المخاطر عن المغرب وقال عبد الحق الخيام مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لجهاز مديرية حماية التراب الوطني (المخابرات الداخلية DST) إن درجة الإرهاب بالمغرب متوسطة، وأوضح أن «الموقع الاستراتيجي الذي يقع فيه المغرب يجعله معرضا للخطر الإرهابي» حيث تعرف المنطقة المغاربية «مشاكل سياسية استغلتها بعض التنظيمات الإرهابية، منها ما يسمى بدولة الخلافة الموجودة بليبيا، والتي تأسست بعد سقوط نظام القذافي، والتي تقوم بتسريب الأسلحة إلى منطقة الساحل، فضلا على المشكل المفتعل من طرف الجزائر في تندوف، ورفضها التعاون معنا في تبادل المعلومات والعمل معا لتحصين المنطقة ككل من الجريمة المنظمة».
وأضاف أن التزام المغرب بالانخراط في محاربة الإرهاب منذ سنة 2001، جعل جميع التنظيمات الإرهابية تضع المغرب هدفا لها، «أنا كأمني أعتقد أن حالة التأهب هي التي توضح لنا درجة الخطر الإرهابي الذي يلاحق الوطن. فالأجهزة الأمنية المغربية في حالة تأهب دائمة، لكن المغرب ليس في خطر دائم، وليس مطلوبا، والمواطن المغربي أن يعيش في خوف دائم».
وحول المنشآت التي تستهدفها الخلايا التي يتم تفكيكها قال الخيام إن «جميع التنظيمات الإرهابية لها الأهداف نفسها، أولا زعزعة استقرار الوطن، وإشاعة الفوضى والخوف وسط المواطنين، وتحطيم اقتصاد البلد، عن طريق التخطيط لتفجير منشآت سياحية واستهداف فنادق سياحية وسياح أجانب» بالاضافة إلى شخصيات سيلسية «لا يمكن أن نكشف أسماءها، حتى لا نشعر الشخصيات المستهدفة بالخوف».
وأضاف في تصريحات صحافية نشرت بالمغرب إن «الفكر الظلامي ينبني على فكر وحيد، هو نفي الآخر إذا خالف الرأي فيصبح مستهدفا. ونحن مستهدفون بالدرجة الأولى. فأنا أعرف أنني مستهدف ولا أشعر بالخوف، لأنني أمني، ومن المفروض أن أوفر الحماية للناس، واستهدافي من طرف الخلايا الإرهابية لا يقلقني، وهذه ليست المرة الأولى التي أكون فيها مستهدفا، وإن قدر الله لي الموت، فهذا قضاء الله وقدره».
وأكد أنه كان مستهدفا ومازال، «عندما كنت في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كنت مستهدفا من طرف خلية السلفية الجهادية التي قامت بعمليات قتل، وبالضبط من طرف يوسف فكري».
وقالت وزارة الداخلية المغربية نهاية الشهر الماضي بعد تفكيك خلية إرهابية في مدينة الجديدة إن الأسلحة التي كانت بحوزة أفراد الخلية دخلت إلى المغرب من الجزائر. وقال الخيام «هذه معلومات لا يمكن الكشف عنها، لأن البحث لايزال جاريا، لكنني متأكد ولدي أدلة تكشف أن الأسلحة دخلت فعلا من الجزائر، وإذا كشفت عن الدليل الآن يمكن لهذه المعلومة أن تُستغل من طرف الخلايا الإرهابية، ثم إن هذه ليست الحالة الأولى التي يتم فيها ضبط أسلحة دخلت عن طريق الجزائر، بل هي المرة الرابعة. وكما تعلمون، فإن الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر لا يمكن ضبطه بأكمله، وبالرغم من أن القوات الملكية المسلحة وجميع القوات الأمنية تقوم بدورها على أكمل وجه في حراسة الحدود المغربية، لكن الشريط الحدودي طويل جدا، ويتم استغلال جزء منه لتهريب الأسلحة من طرف الخلايا الإرهابية».
ونفى الخيام أن يكون «تفكيك» الخلايا سيناريوهات مفبركة، تهدف إلى أن تظهر السلطات للمجتمع الدولي أن المغرب في حرب دائمة على الإرهاب، وقال «المغرب دولة ديمقراطية، تحترم الفصل بين السلط. هناك سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية، وسلطة قضائية، إذا أراد أي شخص أن يعرف الحقيقة فليلجأ إلى السلطة القضائية، ويقرأ أقوال المتهمين في المحاضر أمام قضاة التحقيق. هذا من جهة، من جهة أخرى نحن لا ندين أي شخص دون وسائل الإثبات المكتوبة والملموسة. الضربات الاستباقية للمغرب جنبت البلاد هجمات عديدة، إذ إننا نحرص على تجميع المعلومات حول هذه الخلايا الإرهابية، وبمجرد ما تقترب من تنفيذ مخططها نقوم بإجهاضه واعتقال أفرادها، ويحالون على المكتب المركزي للأبحاث القضائية لتثبيت التهم والتأكد منها، وبعد التحقيق معهم يتم تقديمهم إلى القضاء. وكل هذه العملية تتم تحت مراقبة النيابة العامة. وأكثر من ذلك، أقوم بتصوير جميع التدخلات التي يقوم بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وأوثقها لكي تبقى دليلا وحجة».
ودعا المشككين إلى ملاحظة الأسلحة التي يتم حجزها «يجب أن يعرف الكل أن هناك فكرا جهاديا تتبناه مجموعة من المغاربة يتم استغلال أفرادها من طرف تنظيم «الدولة» (داعش)، والدليل على ذلك وجود أكثر من 1600 مغربي في بؤر التوتر، يمارسون مهام قيادية في هذه التنظيمات الإرهابية. هذا فضلا عن البلاغات التي تنشرها داعش عن طريق آلتها الإعلامية، والتي تشير من خلالها إلى حربها على المغرب».
كما أكد عدم استخدام العنف إذا رفض المتهمون الاعتراف أثناء التحقيق وقال «لا يسمح لنا القانون باستخدام العنف من أجل الحصول على معلومات من المتهم ويخضع جميع الأشخاص المتورطين قبل خضوعهم للتحقيق للخبرة الطبية التي تعاين حالتهم الجسدية والنفسية، وبعد الانتهاء من التحقيق الطبيب نفسه يعاين حالتهم من جديد للتأكد من أن المتهم لم يمارس عليه أي تعنيف. وأي متهم له الحق في التزام الصمت إلى حين حضور محاميه الخاص، ويتم إخباره وعائلته بالتهم الموجهة إليه».
وكشف الخيام عن عدد القاصرين الذين تم ضبطهم ضمن خلايا إرهابية وقال إنهم عشرون قاصرا تم «وضعهم في الإصلاحيات، ويحظون بمتابعة نفسية ومرافقة اجتماعية لتصحيح الأفكار الدينية المغلوطة لديهم، والتي يتلقونها عبر آلة إعلامية ضخمة، وترويج الأفلام والصور التي تصور لهم الداعشيين أبطالا يسعون إلى نصرة الدين» فيما يبلغ عدد الأجانب الذين تم ضبطهم في خلايا إرهابية في المغرب 15 أجنبيا، أكثرهم فرنسيون وأوروبيون.
ويعتقد مدير المكتب المركزي للابحاث القضائية أن «المجالس العلمية والدينية تقوم بدورها ولا تترك أي فراغ ديني، أنا متأكد من أن علماء الدين يقومون بواجبهم، والدليل هو أن المغرب أصبح مثالا يحتدى به في المجال الديني، وأصبحت العديد من الدول تتبنى استراتيجية المغرب في المجال الديني».
وقال إن الأحاديث أو الآيات القرآنية التي تدعو إلى الجهاد يتم استغلالها وعزلها من سياقها من طرف التنظيمات الإرهابية لتفسيرها، «لكن هذه التفسيرات يمكن لأي إنسان له عقل أن يميز أنها خاطئة، والدليل هو أن جميع الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية مستواهم التعليمي والثقافي بسيط جدا، ما يسهل عملية استقطابهم عبر الخطاب الديني المغلوط الذي يقدم لهم».
ودعا المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب بالمغرب المجتمع المغربي «ألا يترك وسائل الاتصال الإلكتروني والمواقع الاجتماعية تستغل من طرف الظلاميين من أجل تأطير شباب ليس لهم أي مستوى ثقافي، واستغلالهم وغسل أدمغتهم». وأضاف أن على الأسرة، المجتمع المدني، المثقف، المفكر، عالم الاجتماع، عالم النفس، الأمنيين، علماء الدين أن يلعبوا دورا في ضبط علاقة الشباب والقاصرين بالإنترنيت.