4- هيئات صنع القرار في المؤسّسة العسكرية الصينية
من خلال دراسة التركيبة القائمة والتشكيلات الهرمية أفقيًا وعاموديًا في بنية المؤسّسات القيادية للدولة، يمكن تحديد الهيئات الأساسية لصنع القرار في المؤسّسة العسكرية في الهيئات الآتية:
أ- اللجنة العسكرية المركزية
وتعتبر الهيئة المركزية التي تضع جميع سياسات التحديث، وترتبط بالمكتب السياسي للحزب، وهو ما يجعل منها صلة الوصل بين الجيش والحزب. ويترأس هذه اللجنة حاليًا الأمين العام للحزب.
ب- مجلس الحكومة (مجلس الوزراء)
ويشرف هذا الجهاز الحكومي على الشركات الصناعية التي لها علاقة بالجيش، بالإضافة إلى اعتبار وزير الدفاع أحد أعضاء المجلس.
ج- وزارة الدفاع الوطني
إنها السلطة المدنية المسؤولة عن القوّات العسكرية على مستوى القرار الرسمي، وهي تعمل بالتنسيق مع اللجنة العسكرية المركزية، وتعادل وزارة الدفاع (البنتاغون) في النظام الأميركي.
د- لجنة العلوم والتقنية والصناعة للدفاع الوطني
وتُعتبر الهيئة المركزية لتحديد احتياجات المؤسّسة العسكرية من النواحي التقنية، ولها صلاحية تحديد سُبل توفير هذه الاحتياجات.
هـ- أكاديمية العلوم العسكرية
وهي مؤسّسة شبه مستقلّة لها دور إشرافي تأهيلي وأحيانًا إداري، إذ إن لها صلاحية التعاقد والتلزيم مع المؤسّسات التقنية لصالح الجيش، وذلك لتجنيب المؤسّسة العسكرية ما قد يترتب على بعض الصفقات التقنية من محاذير، ولاسيما الصفقات التي تتطلّب ميزانيات ضخمة لتنفيذها.
ويتحكّم الحزب بالمؤسّسة العسكرية من خلال الجوانب الآتية:
(١)-سيطرة الحزب على اللجنة العسكرية المركزية التي تتولّى قيادة الجيش، إذ إن رئيس اللجنة هو نفسه رئيس الدولة.
(٢)- إن اللجان الحزبية في المناطق الحضارية وفي الجهات الحدودية والأقاليم، هي التي تشرف على اللجان الحزبية في الجيش.
(٣)- إشراف ما يسمّى بهيئات الإتصال في الحزب على:
● أركان حرب الجيش.
● القوّات البـحرية.
● جامعة الجيش السياسية (كلية الثقافة العسكرية والتوجيه السياسي).
● الوحدات العسكرية في ثلاثة أقاليم مهمة.
5- التغييرات التي طرأت على بنية المؤسّسة العسكرية ووظيفتها
تعرّض الجيش لعمليات تخفيض عديدة في حجمه. ونتيجة للمؤتمر الخامس عشر للحزب العام 1997، تقرّر تخفيض عدد الجيش بمقدار نصف مليون عنصر خلال الفترة الممتدّة حتى العام 2000، الأمر الذي يعني أن المؤسّسة العسكرية إنخفضت من حيث العدد منذ التحديثات بحوالى 50%.
إلى جانب ذلك، إنعكست التحديثات على الجيش، من خلال بعض المظاهر، مثل إعادة العمل بالرُتب العسكرية التي كان "ماو" قد ألغاها، على أساس أنها تعبير عن مظهر طبقي، والتحوّل بالجيش من جيش مبني على التطوّع إلى فرض نظام الخدمة الإجبارية.
وجرى العمل على تحديث الجيش في بناه الاستراتجية، فقد تم بناء عدد كبير من الغوّاصات التقليدية، مما جعل الأسطول الصيني يحتلّ المرتبة الثالثة عالميًا، كما جرى تطوير للأسلحة النووية وتركيزها والتي كان "ماو" أقلّ اهتمامًا بها. فبدأت الصين منذ مطلع الثمانينيات تجري تجاربها الأولى على الصواريخ العابرة للقارات (7 آلاف ميل بحري)، وتعمل على تحسين قدرتها في مجال إطلاق الأقمار الصناعية، كما بدأت منذ العام 1992 إجراء التجارب على الغوّاصات الحاملة للصواريخ الاستراتيجية، علمًا بأن أغلب الأسلحة النووية الصينية منصوبة برًا.
ويبدو أن سلسلة التحرّكات التي قام بها الجيش في بحر الصين الجنوبي، واحتلاله لعدد من الجزر البحرية، واستعراض القوة الذي قام به قرب السواحل التايوانية في آذار 1996 وفي حزيران 2005، وغيرها من المناورات التي جرت في تواريخ مختلفة في المنطقة الساحلية القريبة من الحدود الكورية ومن تايوان قد هدفت إلى إعادة الهيبة للجيش في أذهان الشعب منذ تلك المرحلة وذلك بعد الدور الذي قام به في ميدان تيانماين العام 1989 من ناحية، ورغبة من الجناح المحافظ في البنية السياسية الصينية، في تعزيز مكانته أمام التأييد المتنامي للجناح الليبرالي من ناحية ثانية.
ولعلّ الخطاب التاريخي، الذي ألقاه الرئيس الصيني "جيانغ زيمين" في آذار 1997 أمام القوّات العسكرية، يؤكّد هذه الهواجس تجاه الجيش إذ قال: "إن السلطة المطلقة للحزب على الجيش مسألة أساسية"، ويثير هذا الموضوع أكثر من سؤال، ولاسيما أن "زيمين" ليس له خلفية عسكرية على غرار دنغ.
وقد تعزّز هذا التوجُّه باستبعاد المؤتمر الخامس عشر لكل من الجنرال "ليو هواكينج" والجنرال كياوتشي، رئيس المؤتمر الشعبي، وكلاهما من المنافسين لزيمين .
تجدر الإشارة إلى أن مرحلة حكم الرئيس الصيني الأسبق، زيمين، عرفت تغييرات ذات دلالة مهمّة في القيادة العسكرية، إذ شهد العام 2006 تغييرات في مواقع استراتيجية في المؤسسة العسكرية، مثل الدائرة السياسية في الجيش، ورئاسة الأركان، ولجنة الدفاع الوطني العلمية والتقنية والصناعية.
غير أن التدقيق في الأسماء الجديدة، التي جرى تعيينها في الوظائف القيادية في المؤسّسة العسكرية، يدلّ على أنهم من الجيل الأصغر (ما بين 50 و60 عامًا) وأنهم من الأكثر حماسًا لوحدة الأراضي الصينية، مثل رئيس الأركان "يو يونجيو" ومساعده في أثناء تولّيه الدائرة السياسية وانج رويلين ورئيس لجنة الدفاع المسؤولة عن تطوير الجيش "كاو جانجشوان".
من ناحية ثانية وبحسب الأرقام المتداولة، فقد ارتفعت ميزانية الجيش العام2007 بنسبة 13% حيث بلغت 420,6 مليار دولار، علمًا أن هذا الرقم لا يشمل نفقات البحث والتطوير العسكري، ولا على دخل مؤسّسات الجيش الإنتاجية، الذي يتراوح ما بين 80 و95 مليار دولار سنويًا.
وقد قدّر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية متوسّط معدّل النفقات المترتّبة على تطوير البنى والتشكيلات الدفاعية الصينية خلال الأعوام 2005، 2006، 2007، بحوالى 105 مليار دولار. في الوقت الذي تشير الأرقام الواردة في إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى أن هذه النفقات كانت على النحو الآتي (ويُقدّر لها الإرتفاع المستمرّ بما يتناسب مع التطوّر الإقتصادي والتحديات الاستراتجية التي تواجه الصين).
النفقات الدفاعية الصينية (مليار يوان) على أساس (١دولار = 7,2يوانات)
2006 : 189.3 مليار يوان
2007 : 204.6 مليار يوان
2008 : 218.5 مليار يوان
2009 : 221.4 مليار يوان
2010 : 227.6 مليار يوان
وتجدر الإشارة إلى أن حجم الإنفاق العسكري الصيني يزداد، لكنه يتراجع من حيث النسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، فقد كانت نسبة الإنفاق الدفاعي إلى الناتج القومي الإجمالي 3,2% العام 2005 وانخفضت إلى 2,4% العام 2009.
وتدلّ المقارنة الأوّلية بين الإنفاق العسكري الأميركي والصيني والياباني، على فارقٍ كبير لمصلحة الصين (187 مليار دولار للصين، مقابل 150 مليار لليابان و265 مليارًا للولايات المتحدة الأميريكية). غير أن أغلب الدراسات الأميركية ترى أن حجم الإنفاق الحقيقي الصيني يفوق ذلك بكثير، وتدلّ هذه الدراسات على ذلك بالمؤشرات الآتية:
- إن الأرقام الصينية لا تشمل النفقات الخاصة بالشرطة العسكرية التي تعتبر قوات إحتياطية، وكذلك لا تشمل منح التقاعد التي تُصرف للجنود.
- إن النفقات لا تشمل برامج التطوير النووي (حيث يتمّ إدخال هذه النفقات مع نفقات وزارة الطاقة)، ولا تشمل نفقات تطوير صناعة الطائرات (إذ تُحسب هذه مع نفقات وزارة الطيران).
- إن بعض نفقات شراء الأسلحة لا تُدرج ضمن النفقات المعنية، فعندما اشترت الصين 27 طائرة من نوع "إس يو" الروسية بقيمة 3,4 مليار دولار، لم تُدرج ضمن النفقات الدفاعية المعلنة للعام 2002، وهي السنة التي عُقدت فيها الصفقة.
– إن الحساب الدقيق يجب أن يأخذ في الإعتبار فارق الأسعار بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان من جهة، والصين من جهة ثانية.
واستنادًا إلى هذه الجوانب، فإن تزايد حجم نسب الإنفاق العسكري الصيني السنوي لا يتجاوز سقف ال87 مليار دولار، كما أن المقارنة بين الأرقام الصينية المعلنة في عدّة سنوات، تدلّ على التزايد الواضح في نسبة الإنفاق على المجهود العسكري، وهو ما يتضح من الجدول الآتي:
تزايد نسبة الانفاق
2008 : 11.3%
2009 : 12%
2010 : 13.7%
غير أن الضرورة تقتضي التنبيه، إلى التضارب الشديد في الأرقام الخاصة بالإنفاق العسكري الصيني، فلو أخذنا على سبيل المثال الفارق بين تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والتقديرات الصينية العام 2005 لوجدنا أن الأولى تشير إلى 45 مليارًا، والثانية إلى ما بين 87 و90 مليارًا، بينما البيانات الرسمية تشير إلى ما يقارب العشرين مليار دولار.
لكن الظاهرة الأكثر دلالة إنما هي الزيادة المستمرّة. فخلال الفترة ما بين 2001-2010، إرتفعت قيمة النفقات الدفاعية بنسبة 55،3%. ولابدّ من الربط بين هذا الإرتفاع والإرتفاع الموازي له في معظم دول المنطقة، بحيث ارتفع إجمالي الإنفاق الدفاعي في شرق آسيا من 169,7 مليار دولار العام 2002 إلى 197,3 مليار دولار العام 2007 ، الأمر الذي يعني أن المنطقة تشهد سباق تسلّح قد يكون مقدّمة لمواجهات لاحقة.
يتبع ......