هجمات صاروخية على المدمّرة "يو أس أس ميسون": مبادئ لتوجيه الرد الأمريكي
في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر، لم ينجح صاروخان مضادّان للسّفن في استهداف المدمّرة "يو أس أس ميسون" بعد أن أُطلقا من أراضٍ يسيطر عليها الحوثيّون على شاطئ البحر الأحمر في اليمن. وكانت هذه السّفينة قد انضمّت مؤخّراً إلى المدمّرة "يو أس أس نيتز" وسفينة النقل البرمائية "يو أس أس بونس" للقيام بدوريات في المنطقة شمال مضيق باب المندب، ردّاً على الهجوم الصاروخي المدمّر الذي شنه الحوثيون في 1 تشرين الأول/أكتوبر على السفينة اللوجستية الإماراتية "سويفت". وقد أفادت بعض التقارير أنه قد تمّ مهاجمة المدمّرة "ميسون" مجدّداً في الثاني عشر من هذا الشهر، مما دعا إلى الحاجة الملحة إلى الرد القوي والواضح.
تفاصيل الهجمات
وفقاً لمسؤولين أمريكيين لم يُكشف عن هويتهم، أطلقت "ميسون" رشقات دفاعية من أجل التصدي لمحاولة استهدافها بهجمات صاروخية عندما كانت تبحر في باب المندب في الثاني عشر من هذا الشهر، رغم أن الملابسات الدقيقة لهذا الحادث ما زالت تظهر تباعاً. أمّا بالنسبة للهجوم الذي وقع في 9 تشرين الأول/أكتوبر، فقد أُطلق صاروخ مضاد للسفن باتجاه المدمرة "ميسون" عند حوالى الساعة السابعة مساءً، أعقبه صاروخ ثانٍ بعد ستين دقيقة. ومن أجل التصدي للهجوم، أطلقت السفينة صاروخيْ اعتراض من طراز "ستاندارد ميسايل 2" و قاذف صواريخ سطح/ جو، من نوع ESSM، للدفاع ضد الأهداف الجوية ["إي أس أس أم - آر آي أم-162"]؛ كما استخدمت صاروخ "نولكا" التمويهي لإيقاع الصواريخ في شرك "الإغواء" لكي يتم إبعادها. وقد استُخدمت أيضاً على الأرجح المنظومة الإلكترونية للتدابير المضادة "أس أل كيو-32" بالإضافة إلى نظام الإطلاق المضلل "أس آر بي أو سي". ولم يتم إطلاق النار من أنظمة "الدفاع الأقصى" - مثل "فالانكس"، الذي هو نظام أسلحة للقتال القريب "سي آي دبليو أس"، ومدفع "مارك 45 مود 4". ويبدو أن الصاروخين تحطما في البحر إمّا بسبب التدابير الأمريكية المضادة وإما بسبب خلل ما.
إن هجوم الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر يبدّد الشكوك حول ما إذا كانت الصواريخ تستهدف السفن الأمريكية على وجه التحديد. فبعد الهجوم على سفينة "سويفت" في 1 تشرين الأول/أكتوبر، والذي قام خلاله المصوّرون الحوثيون بتعقّب الهدف من قارب صغير قبل ساعات من تنفيذ الهجوم، كان هناك سبباً للشك في أن المنفذين كانوا على علم بتواجد السفن الأمريكية في كلا الهجومين على المدمرة "ميسون".
إن توقيت حادث 9 تشرين الأول/أكتوبر يضفي المصداقية على هذه الشكوك. ففي 10 تشرين الأول/أكتوبر، أفادت وكالة الأنباء الحوثية "سبأ" نقلاً عن أحد مصادر الثوار نفيه قيام الحركة التي تدعمها إيران بمهاجمة سفينة أمريكية. غير أنه تم إطلاق الصاروخين بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على مقتل 142 شخصاً من جرّاء غارة جوية سعودية استهدفت أحد المآتم في العاصمة اليمنية صنعاء. وقد لام زعيم الثوار عبد الملك الحوثي أمريكا علناً على ذلك الحادث ووصف الحكومة الأمريكية بأنها "المسؤول الأكبر عن المجزرة" وأشار إلى أن "السعوديين يقتلون اليمنيين بواسطة الأسلحة والطائرات العسكرية الأمريكية. فهم يضربون ما تحدده أمريكا وما تسمح بمهاجمته". وتم تداول هذه التصريحات مطوّلاً في وسائل الإعلام الإيرانية والروسية، وقد نقلت هذه الأخيرة أنه تم جمع أجزاء أسلحة أمريكية من موقع المأتم الذي تم قصفه. بالإضافة إلى ذلك، أطلق الحوثيون صاروخي "سكود" باتجاه مدينة الطائف السعودية في مساء اليوم نفسه واستُهدفت فيه المدمرة "ميسون" للمرة الأولى. ويبدو أنه تم اعتراض الصاروخين بواسطة صواريخ "باتريوت" التي زودتها الولايات المتحدة للسعودية، على الرغم من أن الدعاية الحوثية قد ادّعت كاذبةً أن الصاروخين أصابا أهدافهما، وذلك من خلال عرض لقطات قديمة لتحطم طائرة سعودية من طراز "أف-15" "كدليل".
ضرورة ردع الهجمات بالوكالة على السفن
يبدو أن ميزان الأدلة يُظهر أن الحوثيين و/أو حلفاءهم العسكريين اليمنيين هاجموا السفن الأمريكية عمداً بعد حادثة قصف الجنازة [في صنعاء]، إما بسبب غضب حقيقي وإما من أجل استخدام القصف كتغطية لهجمات خُطط لها مسبقاً. ومهما كان السبب، تُعتبر هذه خطوة عدائية مفاجئة، حيث أنها تخرج عن القاعدة الذهبية العرفية للحرب بالوكالة ألا وهي: "لا تهاجم راعي عدوّك إلا إذا هاجمك مباشرةً في القتال". إن دور إيران المحتمل في التحريض على الهجمات أو تشجيعها غير معروف. وتشبه علاقات الحوثيين مع الجمهورية الإسلامية العلاقة القائمة بين إيران و «حماس» أكثر من تشابهها لتلك القائمة بين إيران و «حزب الله» - أي أن الحوثيين شركاء مستقلون عادةً ما يتصرفون وفقاً لمصالحهم الخاصة وإن كان ذلك يتم في كثير من الأحيان بواسطة أسلحة إيرانية مهرّبة ومساعدات إيرانية أخرى غير مباشرة.
وعلى الرغم من عدم فعالية الهجمات على المدمّرة "ميسون"، إلا أنها تُظهر الحاجة الملحة إلى إرسال إشارات تبلّغ بأن الهجمات المضادة للسفن يجب أن تتوقف حالاً. يجب على الولايات المتحدة وبلدان أخرى أن تُظهر للحوثيين، بعبارات لا لبس فيها، بأنهم لا يستطيعون مهاجمة مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها والإفلات من العقاب. كما لا بد من توجيه رسالة صارمة مفادها أن إيران لا تستطيع استخدام الحوثيين لمهاجمة النقل البحري الدولي؛ فعدم التصرف قد يوجّه على الأرجح رسالة معاكسة تماماً. وقد لاحظ النظام الإيراني ضعف رد واشنطن على الأعمال العدائية التي قام بها عملاؤه في الماضي ومن بينها تفجير «حزب الله» للسفارة الأمريكية وثكنات قوات الـ "مارينز" في بيروت عام 1983، وتفجير أبراج الخُبر بتفويض إيراني في المملكة العربية السعودية عام 1996، ومحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011.
مبادئ لتوجيه الرد الأمريكي
مهما كان مسار العمل الذي تختاره واشنطن، ينبغي أن تبني ردها على أربعة مبادئ أساسية هي:
· وضع أهداف يمكن تحقيقها وتعزز مصداقية الولايات المتحدة. يجب ألّا ترسم واشنطن أي خطوط حمراء من دون أن تكون مستعدّة لفرضها. فمن خلال التصدي بحزم لأي جهود مبكرة لاختبار خطوطها الحمراء، تستطيع الولايات المتحدة أن توفّر على نفسها الكثير من الأسى والجهد في المرحلة القادمة. فعلى سبيل المثال، إذا أعلنت واشنطن وحلفاؤها حظراً على إطلاق الصواريخ المضادة للسفن، فإن أي هجمات صاروخية مستقبلية (ناجحة أم لا) يجب أن تُقابَل بعواقب وخيمة على الحوثيين.
· إبداء الاستعداد لقبول المخاطر. نشرت الولايات المتحدة قوات في باب المندب وأظهرت أنها تستطيع التصدي للهجمات الحوثية المضادة للسفن. والآن، يجب أن تُبقي [هذه] القوات هناك طالما يبدو أن الحوثيين مصممين على اختبار عزمها. يجب عليها أيضاً تشديد الرقابة وإنفاذ حظر الأمم المتحدة على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية (أي قرار مجلس الأمن رقم 2231). وبالإضافة إلى تقييد إيران لمنعها من إعادة تجهيز الترسانة الصاروخية الحوثية، يمكن أن تعطي هذه الخطوة إشارة إلى الثوار بأن أي هجمات إضافية ستؤدي إلى حدوث اضطراب أكبر في علاقتهما بالوكالة. وعلاوة على ذلك، يجب أن تشكّل القوات البحرية الأمريكية ائتلافاً بحريّاً لإبقاء الممرات المائية الاستراتيجية مفتوحة، كما فعلت عندما واكبت ناقلات البترول في "عملية إيرنست ويل" في 1987-1988. وتحقيقاً لهذه الغاية، يمكن أن تعوّل على "قوة المهام المشتركة 151" المؤلفة من عشرين أمة والتي تركّز حاليّاً على عمليات مكافحة القرصنة قبالة شواطئ القرن الأفريقي، من أجل حماية الشحن التجاري في باب المندب والبحر الأحمر (ويعتمد ذلك على الوضع القانوني الحالي لـ "القوة"؛ وقد تضطر واشنطن وشركاؤها إلى تغيير فترة التفويض الرسمي الخاصة بـ "قوة المهام المشتركة 151" من أجل إعادة نشرها، أو إنشاء قوة جديدة مع معايير مشابهة ومشاركين مماثلين).
· إبعاد إيران عن الحوثيين. لم يشكّل الثوار بعد جزءاً من شبكة التهديد الإيراني الذي يتخطى الحدود الوطنية: فهم منظمة محلية تدفعها حوافز محلية. لذلك، وعندما يكون ذلك ممكناً، يتعيّن على الولايات المتّحدة تجنب اتخاذ تدابير تدفعهم أكثر قرباً إلى إيران (على سبيل المثال، الضربات الناشطة)، واعتمادها مقاربات تفرّق بينهما بدلاً من ذلك. على سبيل المثال، قد يؤدي تعزيز الحصار إلى تخفيف قدرة إيران على مساعدة الحوثيين بشكل ملموس، بينما قد يؤدي تنشيط الدعم الإيجابي للتوصل إلى اتفاق سلام عادل إلى تقديم ضمانات لا تستطيع طهران توفيرها لهم.
· الاستعداد للرد بشكل غير متناسق. تحتاج واشنطن إلى خلق الانطباع بأنها مستعدة للذهاب إلى أبعد من الرّدع بالإنكار (أي استخدام اجراءات دفاعية لجعل الهجمات المضادة للسفن غير فعالة). ويعني ذلك زيادة تهديد الردع بالعقاب الذي قد يسبب عدم التيقن في الحسابات الحوثية والإيرانية الخاصة بالتكاليف والفوائد ويجعل من الولايات المتحدة خصماً يصعب أكثر التنبؤ بأفعاله. إن عملية الاستطلاع الأمريكية العدوانية على الساحل الذي يسيطر عليه الحوثيون يمكن أن تشكّل إنذاراً فوريّاً. وإذا فشل هذا الإنذار، قد تقوم الخطوة التالية على شن غارات جوية عنيفة بشكل غير متناسق على مواقع تخزين الصواريخ المضادة للسفن أو على القاذفات أو على مراكز القيادة.
الكاتب :
كوماندر جيرمي فوغان هو ضابط في البحرية الأمريكية وزميل "الجهاز التنفيذي الاتحادي" في معهد واشنطن الذي أكمل عمليات نشر متعددة في الخليج الفارسي.
مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في المعهد.
الآراء المعرب عنها هنا هي آراء الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف البحرية الأمريكية، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو حكومة الولايات المتحدة.