وُضعت القوّات العسكرية الإسرائيلية في مرتفعات الجولان في حالة استنفار دائم منذ بعض الوقت، وقد أخبر أحد الضباط الكاتب مؤخراً أن الوضع على الجهة الأخرى من خط وقف إطلاق النار أصبح "غامضاً وخطراً". فمنذ انسحاب وحدات "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" من المنطقة المجرّدة من السلاح التي تفصل قسميْ الجولان الإسرائيلي والسوري، سيطرت جماعات متطرّفة مختلفة على معظم المنطقة، من بينها تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة». وبينما تبقى قرى الدروز في المنطقة تحت سيطرة نظام الأسد، حاول «حزب الله» بشكل متكرر إيجاد موطئ قدم خاص به هناك. وأدت هذه التطورات إلى تفاقم المخاوف حول هجوم محتمل يشنه الجهاديون أو «حزب الله» على الجهة الغربية من الجولان، حيث أن تدمير إسرائيل يبقى الهدف الأسمى الذي يقود جميع هذه الحركات.
الأسد فقد أغلب الجولان
على الجهة السورية من خط وقف إطلاق النار في الجولان، تمّ تدريجياً سحب جميع فرق النظام المدرّعة بغيّة محاربة الثوار في مناطق دمشق وحلب وحمص. ولم يشعر الأشد بالقلق من إعادة نشر قواته لأنه يعلم أن إسرائيل لن تجتاح بلاده. إلا أن جيشه خسر أيضاً رقعة كبيرة من الأراضي على طول الحدود الأردنية بين الجولان وجبل الدروز، ولم تبقَ إلا فرقة نظامية واحدة تسيطر على نصف مدينة درعا والطريق إلى دمشق.
وفقاً لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي"، تتواجد الآن حوالي 150 فئة مستقلة من الجماعات المتمردة في جنوب سوريا. وقد اتّحدت بعض هذه الجماعات تحت مظلة "الجبهة الجنوبية"، ويُقال إنها تلقى دعماً كبيراً من مركز عمليات عسكرية تدعمه الولايات المتحدة في الأردن ("مركز العمليّات العسكريّة في عمان"). بيد، إن هذا التحالف مؤقت وله أهداف محددة ومحدودة. لذلك، فبينما لم يعد لـ «جبهة النصرة» أكثر من 1500 مقاتل في المنطقة، ولـ تنظيم «الدّولة الإسلامية» أقل من ألف مقاتل، يُعتبر عددهم كافٍ لتأدية دور أساسي في حركة تمرد جنوبية مجزّأة جداً.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" جمّد خططه الهجومية ضد درعا ودمشق في الأشهر الأخيرة، ومن أسباب ذلك التدخل الروسي في سوريا الذي بدأ في الخريف الماضي، بالإضافة إلى أنّ الأردن تجمح تحت ثقل اللاجئين ولا تريد أن تشجع احتدام القتال الذي يدفع المزيد من السوريين إلى الهرب عبر الحدود. ومن جهتها، لم تشنّ روسيا غارات جوية في الجولان بصرف النظر عن موجة صغيرة من عمليات القصف، احتراماً لتفاهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وسارعت الجماعات الجهادية إلى استغلال هذا المأزق، سواء من خلال الحصول على إعلان الولاء بالقوة أو عبر التلاعب بشعور الخيانة الذي تكنّه بعض الفصائل المحلية تجاه حلفائها الغربيين والعرب. وعزّزت «جبهة النصرة» وجودها في الجنوب وأصبحت الجهة المسيطرة هناك، تماماً كما فعلت في محافظة إدلب. ولا تواجه منافسة حقيقية إلا من جانب تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يمارس نفوذاً محلياً عبر الجماعة المنضوية تحت لوائه «لواء شهداء اليرموك». وهذه هي الجماعة التي تُقلق ضباط "جيش الدفاع الإسرائيلي" أكثر من غيرها، وبعضهم يعتقدون أنها قد تهاجم إسرائيل بوسائل غير تقليدية مثل الأسلحة الكيميائية أو الهجمات الانتحارية.
تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة»على حدود إسرائيل
تأسس «لواء شهداء اليرموك» في صيف عام 2012 على يد زعيم محلي من "وادي اليرموك" هو محمد البريدي. ومنذ وفاته في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قاد الجماعة أبو عبيدة قحطان، فلسطيني سوري من دمشق ومتمرّس في النزاعات في الشيشان والعراق وأفغانستان حيث كان مقرّباً من أسامة بن لادن. واشتهرت الجماعة في آذار/مارس 2013 عندما اختطفت مجموعة من جنود "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك"، وأفرجت عنهم لاحقاً بعد أخذ فدية من قطر. وعلى الرغم من هذه الحادثة، استمرّ «لواء شهداء اليرموك» في تلقي الدعم العسكري من "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" حتى صيف 2014، عندما اتّضح أنّ الجماعة أعلنت ولاءها لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفقاً للصحيفة الإماراتية اليومية "ذي ناشونال".
وفي أيار/مايو المنصرم، انضمّ «لواء شهداء اليرموك» إلى «حركة المثنّى الإسلامية» و«جيش الجهاد» لإنشاء «جيش خالد بن الوليد». ومن أرض مرسومة الحدود يحميها "وادي اليرموك" وخط وقف إطلاق النار في الجولان، شنّت مجموعة المظلة هذه هجمات ضدّ فصائل متمردة أخرى باتّجاه درعا والقنيطرة، بما فيها تفجيرات انتحارية. ففي 2 تموز/يوليو، على سبيل المثال، سبّب هجوم انتحاري في إنخل بمقتل سبعة من قادة "الجبهة الجنوبية".
وفي غضون ذلك، تسيطر «جبهة النصرة» على المناطق الجنوبية بين تنظيم «الدولة الإسلامية» والجيش السوري، بما فيها أنقاض مدينة القنيطرة. وفي الجنوب، جعلت قوات «جبهة النصرة» وجودها معروفاً للمرة الأولى في أوائل عام 2012، من خلال شنّها هجمات ضد جبل الدروز. ومنذ ذلك الحين، شدّدت الجماعة قبضتها على الثورة ككلّ، بالتعاون مع «أحرار الشام» لتوحيد فصائل مختلفة وفقاً لنموذج ائتلاف «جيش الفتح» في شمال غرب البلاد. إلا أن «جبهة النصرة» كانت عاجزة عن تكرار نجاحات إدلب في الجنوب، لأن "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" حاول بنشاط إبقاء الجماعة بعيدةً عن ائتلاف "الجبهة الجنوبية".
ومنذ الخريف الماضي، كانت أولوية "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" هي الحملة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». إلا أن المقاتلين الذين يدعمهم "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" لم يكونوا أكفاء جداً في هذا الصدد، ويرجع ذلك جزئياً لأنهم يفضلون مقاتلة نظام الأسد، لكن أيضاً، ولسخرية القدر، لأنّ رزقهم المتوفر من "مركز العمليّات العسكريّة في عمان" يعتمد على حملة مستمرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لذلك، تصبح «جبهة النصرة» اللاعب الجنوبي الوحيد الذي له مصلحة حقيقية في التخلّص من تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يشكّل منافساً عسكرياً وإيديولوجياً مباشراً.
خطر «حزب الله» مجمّد مؤقتاً
كما هو الحال في بقية أنحاء سوريا، يتواجد «حزب الله» في الجنوب إلى جانب قوات النظام. لكنّ قربه من الجولان له أهمية خاصة لأن إيران تريد الحفاظ على احتكارها "للمقاومة" ضد إسرائيل. وبالفعل، تتخوّف إسرائيل من أنّه، إذا أقام «حزب الله» جبهة ناشطة في جنوب سوريا، قد يكسب مجدداً شرعية "المقاومة" في الوطن وفي العالم العربي الأوسع من خلال احتواء أي تصاعد في جنوب لبنان، حيث تم قصف أنصاره الشيعة بشدة خلال حرب عام 2006.
ولدعم هذه السياسة الواضحة في الجولان، أرسل «حزب الله» عميليْن بارزين إلى المنطقة هما سمير القنطار وجهاد مغنية. وكان الحزب يعتقد أن أصول القنطار الدرزية ستكون مفيدةً لتجنيد مقاتلين في قرى الدروز حول جبل حرمون. غير أنّ القنطار قُتل في 19 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 في غارة جوية على منزله في جرمانا، وهي ضاحية درزية-مسيحية من دمشق. كذلك، قُتل مغنية في 18 كانون الثاني/يناير من جراء هجوم صاروخي على "مزرعة الأمل" بالقرب من القنيطرة، مع خمسة آخرين من بينهم القائد في «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» العميد محمد علي الله دادي. ومنذ تلك الضربات الموجّهة، يبدو أن طهران و«حزب الله» أوقفا موقتاً جهودهما للتحرك نحو الجولان، لكنّ الخطر ما زال قائماً، وهو يحثّ إسرائيل على المطالبة بعودة "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" بشكل كامل إلى المنطقة المجرّدة من السلاح.
إسرائيل تخلط الضربات مع الأعمال الإنسانية
على الرغم من هذه المخاطر، لا تنوي إسرائيل اجتياح "المنطقة المجرّدة من السلاح". وتكتفي حالياً بشن غارات ضدّ أهداف فردية عند الضرورة - مثلاً، عندما تقع معدات متطوّرة في أيادٍ خطرة. ففي 21 حزيران/يونيو، قامت بتدمير مدفعية قذيفة مضادة للطائرات استولى عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» في معقل «لواء شهداء اليرموك» في الشجرة. كما أعلنت إسرائيل أنها ستحمي قرى الدروز في منطقة الحرمون (حضر وعرنة) ضد أي هجمات من قبل المتمردين. وسبق أن وقعت عرنة ضحية لهجمات «جبهة النصرة» في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وتعود هذه الحماية بالفائدة على إسرائيل من ناحيتين: فهي تعطي الدروز بديلاً عن «حزب الله»، وتجذب تعاطف الدروز في القسم الذي تسيطر عليه إسرائيل في الجولان، الذين يشعرون بالقلق العميق من مصير أبناء ديانتهم على الجانب الآخر من خط وقف إطلاق النار.
وتقدّم إسرائيل أيضاً العلاج للسوريين المصابين في مستشفياتها، وذلك لأسباب إنسانية ولتفادي تصاعد الوضع مع الجهاديين. ويشكل هذا العلاج الملاذ الوحيد لكثير من السكان الذين عَزَلتهم العمليات القتالية ويفتقرون إلى البنية التحتية الطبية الخاصة بهم، لذلك ليس هناك مصلحة للمتمردين في ضرب إسرائيل. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنّ الحدود قد تُغلَق فوراً وسيلقي السكان اللوم عليهم. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج مقاتلو المتمردين أنفسهم في بعض الأحيان إلى العلاج الإسرائيلي.
غير أنّ هذا الترتيب أصبح هشاً أكثر فأكثر. ويشكّل «لواء شهداء اليرموك» أكثر الأخطار تهديداً على إسرائيل، تليه «جبهة النصرة» التي قد يحوّل قادتها تركيز جهادهم المناهض للأسد بسرعة نحو إسرائيل عندما تقتضي الظّروف إلى ذلك. ففي كلّ الأحوال، ما زال الفرع السوري من تنظيم «القاعدة» يعتقد أن الهدف الأوّل والأخير لنضاله هو استعادة القدس وتدمير إسرائيل. فكما أعلن زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في 11 شباط/فبراير 2201 في شريط مصوّر على الإنترنت: "تذكروا أنّ تحرير صلاح الدين للقدس بدأ بتحرير نور الدين لدمشق وتحرير صلاح الدين للقاهرة".
التهديدات المحتملة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأردن وإسرائيل
كما ذُكر أعلاه، تشعر الأردن بقلق شديد من تدفق اللاجئين السوريين، ولا يقلّ شأناً عن ذلك القلق الذي يسببه شبح التداعيات عبر الهجمات الإرهابية في المملكة. ففي آذار/مارس، فكّكت السلطات خلايا من تنظيم «الدولة الإسلامية» في إربد؛ وبعد شهرين، قُتل جنود أردنيون في هجوم انتحاري على الحدود مع العراق. وفي هذا السياق، ينظر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى «لواء شهداء اليرموك» على أنه قاعدة لشن هجمات ضد الأردن.
لكن قد يكون لمهاجمة إسرائيل قيمة إضافية بالنسبة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولا سيما في ضوء انتكاساته الأخيرة في أماكن أخرى. ويُظهر التاريخ أنّ ضرب إسرائيل أو بشكل آخر إظهار الدعم للقضية الفلسطينية هو ملجأ معتاد للطغاة العرب الذين يعانون من وضع حرج. فمثلاً، عندما كان الائتلاف الدولي يهاجم صدام حسين عام 1991، حاول هذا الأخير تحريك العالم العربي لصالحه من خلال إطلاق صواريخ على إسرائيل. وحتى الآن، تبقى المنطقة التي يسيطر عليها الفرع الجنوبي من تنظيم «الدولة الإسلامية» مفصولة عن باقي أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنّ ربطهما ليس أمراً مستبعداً. فلـ تنظيم «الدولة الإسلامية» خلايا متواجدة بالفعل في ضواحي دمشق وقاعدة لوجستية في اللجاة (شمال السويداء)، والتي هي على تواصل دائم مع الرقة، "عاصمة" التنظيم.
المحصلة
عملت إسرائيل حتى الآن على منع الهجمات ضد الجولان، باستخدام استراتيجية الجزرة والعصا [المكافأة والعقاب]، إلا أن بروز الحركات الجهادية في جنوب غرب سوريا يزيد باستمرار من مستوى الخطر. ولا يبدو أن هذه الحركات ستبقى إلى الأبد قريبة من إسرائيل من دون محاولة القيام بعملٍ ما، يثبت صفتها كمدافعة حقيقية عن الإسلام - وخاصةً تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يُهزم على جميع الجبهات الأخرى.
-------------
فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن.