سيزور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي واشنطن بين 14 و 16 نيسان/إبريل، وسيأتي ذلك بعد أن كان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد ألقى خطاباً في "جامعة الدفاع الوطني" في 9 نيسان/إبريل ركز فيه الاهتمام على موضوع العراق. وسينصب التركيز في زيارة العبادي بشكل ملائم على العراق وعلى الخطوات المقبلة لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من أن أي مسألة تتعلق بالشرق والأوسط لديها الكثير من المنافسة عندما يتعلق الأمر بالاهتمام الذي تحظى به - على سبيل المثال، الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وسوريا، واليمن، وبالطبع الإطار النووي الايراني - إلا أنّ العراق يشكل عنصراً مترابطاً ومهمّاً في فسيفساء الشرق الأوسط كأي عنصر آخر، وبالتالي يستحقّ الاهتمام. وأشار بايدن إلى أن تنظيم «داعش» فقد الزخم الذي كان يتمتّع به مع تقدّم قوى الائتلاف عليه، كما ذكر أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من العمليات الهجومية. من هنا فإنّ تنظيم هذه العمليّات سيكون حاسماً ليس للفوز في ساحة المعركة فحسب، بل أيضاً لتحضير السيناريوهات لفترة "ما بعد" الهجمات، بهدف الحفاظ على العراق خالياً من الإرهابيين والعنف الطائفي على المدى الطويل.
خيارات الائتلاف
في أعقاب الانتصار على تنظيم «الدولة الإسلامية» في تكريت، أُتيحت أمام الائتلاف العديد من الخيارات، بينما تشير التقارير الإعلامية إلى نقاش حول إحتمالَيْن. الأوّل هو إمكانية استخدام مقترب بغداد - تكريت للتصدي [لـ «داعش»] في محافظة الأنبار، وهي منطقة صحراوية كبيرة يسكنها العرب السنّة وتمتد من غرب ضواحي بغداد حتى الحدود الأردنية السورية، مع الإشارة إلى أنّ معظم المحافظة تخضع لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» أو تتعرّض للضغط منها. أما الإحتمال الثاني فيتجلى في إمكانية استخدام محور تكريت - أربيل - بيجي للتوجه إلى مدينة الموصل، التي تُعتبر "العاصمة" غير الرسمية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق.
يُشار إلى أن الإحتمالين يحظيان بتبريرات داعمة قويّة. فتنظيم «القاعدة في العراق» - الذي هو سلف تنظيم «الدولة الإسلامية» - لطالما إعتبر الأنبار والموصل مقراً للقيادة. وفي كانون الثاني/يناير 2014 سحب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قواته من الفلوجة عقب حادثة شنيعة مع عضو في البرلمان المحلي، مما أدى بشكل شبه تلقائي إلى سقوط الفلّوجة وأشار ذلك إلى عودة تنظيم «القاعدة» إلى العراق، والذي يتجلى حالياً على شكل تنظيم «داعش» الأكثر فتكاً. وجاءت الضربة الأكبر للعراق في حزيران/يونيو 2014 مع سقوط الموصل - الذي شمل هزيمة عشرات الآلاف من قوات الحكومة العراقية وخسارة محافظتين بأكملهما. إن اختيار زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي مدينة الموصل لإلقاء خطابه عن "الخلافة" في الصيف الماضي كان أيضاً رمزياً إلى حد كبير.
إن خسارة تنظيم «الدولة الإسلامية» لأي من هذه المعاقل في صميم أراضيه، حتى أكثر من تكريت أو البلدة الكردية السورية كوباني، سيفسّر على نطاق واسع بأنه اضمحلال لهذا التنظيم والذي قد يكون قد تسارع بسبب الإنخفاض التدريجي لعدد المجندين الأجانب، على الرغم من عدم التأكّد من صحة هذا الأمر حتى الآن. إلا أن الخطوة الهجومية القادمة في عمق أراضي «داعش» ستكون أكثر تعقيداً وصعوبة من استعادة تكريت، وستطرح مسألة تحديد هوية القوات البرية التي ستقاتل العدو على الجبهة الأمامية.
وفي هذا السياق، جاءت إجابة واشنطن من خلال تدريب قوة تتألف من العناصر الرئيسية للألوية التسعة التابعة للجيش العراقي وتجهيزها. أما عندما يجري العمل على استعادة السيطرة على الموصل، ستضاف ثلاثة ألوية من قوات "البيشمركة" الكردية إلى المزيج - وهي قوات تضم ما بين 2000 و 5000 جندي في كل لواء، رغم أن عدد الجنود في الألوية العراقية يميل عادة إلى الجانب المنخفض. بالإضافة إلى ذلك، يرجح أن تشارك أيضاً وحدات عادية أخرى من القوات العراقية و«البيشمركة» "الموثوقة" التي كانت قد أثبتت فعاليتها في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن بين هذه القوات: من الجانب الحكومي، «قوات مكافحة الإرهاب» الفعاّلة جداً، وبعض وحدات الدبابات والمدفعية المجهزة من الولايات المتحدة، وقوات الشرطة الوطنية، وقوات «البيشمركة» حول الموصل. وقد تشارك بعض الوحدات المحلية السنيّة من بنية «الحرس الوطني» الناشئ، بما فيها عشائر في الأنبار وبقايا من شرطة الموصل في الشمال. وفي واشنطن، سيحدّد العبادي والرئيس أوباما التوقيت وترتيب الأهداف من حيث الأولويات، إلا أن الحفاظ على هذا الزخم سيتطلّب اتخاذ خطوات جديدة في الأشهر المقبلة وربما تكون الأنبار الهدف التالي الأكثر احتمالاً.
الحد من دور إيران
لن تكون الفرق الاستشارية الإيرانية ضروريّة ولا مرغوب بها في الهجوم القادم - في تكريت كانت مدعومة بالمدفعية والصواريخ الإيرانية - وهو الأمر بالنسبة للميليشيات الشيعية الخاضعة للنفوذ الإيراني منذ مدة طويلة. وفي هذا الإطار اقترح عدد من الصحفيين والمحللّين احتمال تضافر الجهود المشتركة الأمريكية - الإيرانية بشكل غير رسمي لمواجهة «داعش»، استناداً إلى مشاركة القوة الجوية الأمريكية والميليشيات الشيعية في معركة تكريت. غير أنّ هذه القوات الشيعية لم تتمكنّ بمفردها من طرد حوالي مئات من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» من تكريت، حتى عندما كانت تحت قيادة قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الجنرال قاسم سليماني الذي أصبح أسطورياً الآن. وبدلاً من ذلك، كانت القوة الجوية الأمريكية، والقوات النظامية العراقية، وميليشيات شيعية أخرى هي التي أنهت العملية في تكريت.
وفي الواقع، أعلن الجيش الأمريكي أنّه لن ينسّق مع الإيرانيين أو الميليشيات المرتبطة بهم. وفي ملاحظاته في 9 نيسان/أبريل، أكّد نائب الرئيس بايدن بحزم على هذا الموضوع. لذا يكمن جزء من الارتباك في استخدام مصطلح "الميليشيات الشيعية" والتي تشمل: «منظمة بدر»، و «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله»، المدعومة مباشرة من إيران منذ فترة طويلة؛ وقد لطّخ التنظيمان الأخيران أيديهم بالدم الأمريكي، إلا أن هذا المصطلح يشمل أيضاً المتطوعين الشيعة الذين تجنّدوا في «لجان الحشد الشعبي» جنباً إلى جنب مع عدد قليل من السنة في الصيف الماضي تلبية لدعوة الزعيم الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني. وعلى عكس المنظمات المدعومة من إيران، تخضع «لجان الحشد الشعبي» لسيطرة الحكومة العراقية إلى حدّ ما. أمّا قوات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي كانت تعرف سابقاً باسم «جيش المهدي»، فهي في موقع وسطي إذ لديها سجل طويل من القتال ضدّ الولايات المتحدة وبغداد في الفترة بين 2004 و 2008، ولكنّها أيضاً قوات مستقلة عموماً عن إيران وحذرة منها إلى حد ما.
إلى جانب ذلك فإن الجيش الأمريكي على استعداد للتنسيق - عن طريق الحكومة العراقية - مع الميليشيات الشيعية في «لجان الحشد الشعبي»، وليس مع الميليشيات المدعومة من إيران، وهذا بالفعل ما فعله في تكريت. فمع بداية الغارات الجوية الأمريكية، بقي المستشارون الإيرانيّون والميليشيات "التابعة لهم" خارج الحرب التي كانت تدور في تكريت، بينما واصلت العناصر الشيعية وبعض العناصر السنية من «لجان الحشد الشعبي» القتال، ولكن تحت قيادة الجيش العراقي. ونظراً إلى ندرة القوات النظامية العراقية الموثوق بها، والحدود القائمة على "قبول" قوات «البيشمركة» التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» خارج المناطق الكردية، يجب على التحالف بين الولايات المتحدة وبغداد أن يعتمد بدرجات مختلفة على الشيعة وعلى القوات العربية السنية غير النظامية. ولا يُعتبر هذا القرار متعقلاً من الناحية العسكرية فقط، بل حكيماً على الصعيد السياسي أيضاً. ففي النهاية، تُعتبر قوات «لجان الحشد الشعبي» "وليدة" آية الله العظمى علي السيستاني. فهو لم يدعُ مؤخراً هذه القوات للتجنيد فحسب بل تحدّث عنها علناً في المرحلة الأخيرة من معركة تكريت، وذلك بعد أن تدخلت الولايات المتحدة نزولاً عند طلب الحكومة العراقية، من أجل دعم تصرفات الحكومة ومسؤوليتها. ويعكس ذلك تأييد السيستاني الخفي وغير المباشر - كما هو الحال دائماً بالنسبة إليه - للدور الأمريكي.
الخطوات الأمريكية المستقبلية
يمكن للولايات المتحدة أن تعزّز من فعالية الألوية العراقية وقوات "البيشمركة" القتالية في المعركة من خلال إشراك فرق استشارية عسكرية أمريكية في كل من كتائب المناورة التابعة لكلّ لواء، فضلاً عن منسقي الدعم الجوي عن قرب، ومن المحتمل أيضاً خبراء في الهندسة القتالية بهدف التعامل مع الألغام والفخاخ المتفجرة. وقد تخفّف هذه الخطوات من الحاجة على الأقل للقوات الشيعية غير النظامية التي أساءت التصرف في بعض الأحيان في المناطق السنية ولكن بدرجة أقلّ من الميليشيات المدعومة من إيران، غير أنّ القوات السنيّة غير النظاميّة ضروريّة جدّاً في المناطق السنيّة. وبالتالي، وكما ذُكر سابقاً، لن يكون للميليشيات المدعومة من إيران مكاناً في المرحلة المقبلة من القتال.
وباختصار، اعتُبرت [المعركة] على تكريت نصراً للولايات المتحدة وللعبادي وهزيمة، ليس فقط لتنظيم «داعش»، بل لإيران وأصدقاءها أيضاً. وبالتالي يعتبر ذلك انتصاراً لنظام الدولة القومية على القوات غير النظامية والأيديولوجية عبر الوطنية. ولا تعتبر هذه الأخيرة نموذجاً لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، بل أن القوة الجوية الأمريكية والقوات العراقية النظامية والمقاتلون المحليّون الآخذون في الازدياد هم الذين يعكسون ذلك. وهذا هو النموذج الذي يمكن للولايات المتحدة استخدامه لدحر «داعش» في الأنبار والموصل، وعليها القيام بذلك. إن هذه الانتصارات لن تدمر تنظيم «الدولة الإسلامية» بل ستقلل إلى حد كبير من قوته، وسمعته، والأراضي [التي يسيطر عليها حالياً]. وطالما تسيطر الجماعة على جزء كبير من شرق سوريا، حيث ليس للولايات المتحدة حلفاء يمكن الوثوق بهم، سيبقى تنظيم «الدولة الإسلامية» ناشطاً. وطالما أنه ناشطاً، سيبقى نجاح الائتلاف في العراق عرضة للخطر، إذ لا تزال مسألة هوية القوات، التي "ستتولى" المسؤولية على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من تنظيم «داعش»، معلّقة.
--------------
الكاتب : جيمس جيفري
ملاحظه :
اعتذر عن ايراد مسميات طائفيه , لكن الموضوع منقول بدون تصرف وهو يعبر عن وجهة نظر كاتب الموضوع " جيمس جيفري " ولايعبر بتاتا عن سياسة المنتدى
لذا اقتضى التنويه
تحياتي