"صواريخ أرض أرض" هي صواريخ تُطلق من منصات على اليابسة أو من البحر لتصيب أهدافا على الأرض، ومن ذلك جاءت تسميتها "صواريخ أرض أرض". ويتراوح مداها بين عشرات وآلاف الكيلومترات، وفي هذا الصنف الأخير تَدخل الصواريخ البالستية الذاتية الدفع.
لمحة تاريخية
كانت ألمانيا سباقة إلى البحث في مجال الصواريخ، ومنذ 1920 جندت آلاف الباحثين في هذا الاتجاه تدفعها إلى ذلك رغبة دفينة في اكتشافِ سلاحٍ جديد وفتاك يُمكن أن تُعول عليه في مواجهة مستقبلية مع الحلفاء، بدا حصولها أمرا محتوما بعد الإهانة الكبرى التي ألحقتها بها اتفاقية فرساي إثر الحرب العالمية الأولى.
وتعزز هذا التوجه مع وصول حزب النازية إلى سدة الحكم وشروعه في الإعداد لجولة جديدة من الحرب مع الحلفاء. وبحلول 1937، كان آلاف المهندسين والتقنيين يعملون في مختبرات لتطوير الصواريخ بمختلف أرجاء ألمانيا.
وفي 1942 أجرت ألمانيا أول تجربة صاروخية ناجحة في بحر البلطيق على صاروخ من نوع (آ4)، يبلغ وزنه 13 طنا ومزود بمحرك قوة دفعه 26 طنا ويعمل بالإيثانول. ثم استخدمت برلين صواريخها على نطاقٍ واسع في سعيها لإخضاع بريطانيا، قبل أن تتحول موازين القوة بدخول الولايات المتحدة الحرب إثرَ هجوم اليابان عليها في "بيرل هاربر"، وهزيمة ألمانيا في معركة ستالينغراد.
بعد خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية، شكّل علماؤها وأرشيفُ برامجها التسلحية نواة لبرامج التسلح الصاروخي للدول المنتصرة وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا وبريطانيا.
وخلال مفاوضات ستارت الشهيرة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة (جرت بين 1991-2000) لخفض ترسانة السلاح غير التقليدي كانت الصواريخ الإستراتيجية والبالستية أهم مواطن الخلاف بين الجانبين، وهو ما يُؤكد قيمتها العسكرية الكبيرة وحيويتها بالنسبة للقوى الكبرى لضمان تفوقها الإستراتيجي وسيادتها عالميا.
ميزات ونوعيات
تتميز الصواريخ أرض أرض بقدرتها الفائقة على إحداث الدمار وضرب أهداف إستراتيجية من مسافات بعيدة، دون الحاجة إلى تعبئة قوات عسكرية برية مع ما يتطلبه ذلك من تجهيزات ومخاطرة بحياة الجنود.
ومع الطفرات التكنولوجية المتواترة في العقود الأخيرة، باتت الصواريخ البالستية هي القوة الضاربة للجيوش وأحد أهم مقاييس التفوق العسكري للدول، بحكم مداها الطويل وقدرتها على حمل رؤوس غير تقليدية (نووية، كيميائية، جرثومية... إلخ)، ويُصنف هذا النوع من الصواريخ ضمن الترسانة الإستراتيجية للدول.
ولهذه الصواريخ قدرة هائلة على ضرب أهدافها بدقة متناهية من مسافات بعيدة، إذ يُمكن للصاروخ البالستي قطع مسافات تناهز خمسة آلاف كيلومتر لضرب هدفه بهامش خطأ لا يتجاوز عشرات الأمتار في أسوأ حال. ومن ميزات هذه الصواريخ إمكانية إطلاقها من السفن والغواصات.
وفضلا عن ذلك، فإن صواريخ أرض أرض تشمل الصواريخ القصيرة المدى المستخدمة على نطاقٍ واسع في الحروب التقليدية -ومن أشهرها صواريخ "غراد" و"الكاتيوشا"- ولا يتجاوز مداها عادة ثلاثين كيلومترا، كما توجد أصنافٌ أخرى مخصصة بالدرجة الأولى لاستهداف السفن والقطع البحرية.
وقد استثمرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق ميزانيات مالية هائلة في تطوير صواريخ أرض أرض بمختلف أنواعها، إلى أن باتت النواة الصلبة للقوة العسكرية للدولتين الكبرييْن في العالم.
وفي خضم هذا التنافس المحموم ظهرت الصواريخ الطوافة الذاتية الدفع والتي تتوفر على محركات تُمكنها من قطع المسافات الطويلة، ومن أشهرها صاروخ "كروز توماهوك" الأميركي الذي طـُوّر باستمرار منذ سبعينيات القرن العشرين إلى أنْ بات اليوم من أهم الصواريخ الطوافة في العالم.
وقد استخدمه الجيش الأميركي على نطاقٍ واسع ضد العراق في عمليتيْ "عاصفة الصحراء" (عام 1991) و"ثعلب الصحراء" (1998)، ثم في غزوه لأفغانستان (2001) والعراق (2003)، كما استخدمه قبل ذلك في ضرب معاقل القاعدة في أفغانستان بعد الهجومين المتزامنين على السفارتين الأميركيتين في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) عام 1998.
مميزات "البالستي"
أخذ الصاروخ البالستي اسمه من كون أهم مراحل طيرانه اتجاه الهدف هي "المرحلة البالستية" التي يتحرك فيها بشكل حصري تحت تأثير الجاذبية، وتمكنه خصائصه من التخفي عن الرادار لأنه أثناءها لا يعتمد على أي محرك، وبالتالي لا ترصدهُ موجات الرادار القائمة أصلا على رصد الموجات الصادرة عن المحركات.
ومن أنواع صواريخ أرض أرض "الصواريخ الإستراتيجية" ذات المدى الطويل جدا، ولا تُستخدم إلا في الحالات القصوى ولأجل الردع الإستراتيجي.
وغالبا ما تُحمّل برؤوس غير تقليدية (نووية، كيميائية، جرثومية... إلخ). وتُصنف هذه الصواريخ ضمن قوة الردع النووية الإستراتيجية التي تشمل أيضا القنابل النووية.