على مدار الأشهر الأربعة الماضية، ظلت حاملة الطائرات الأمريكية (هاري ترومان) تبحر في منطقة بشمال الخليج لشن موجة تلو الأخرى من الضربات ضد التنظيم المعروف باسم "الدولة الإسلامية".
ويوجد على سطح الحاملة أكثر من 60 طائرة، أي ثلاثة أمثال طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني التي تحلق من قبرص. وسجلت هذه الطائرات رقما قياسيا في عدد القذائف التي أطلقتها وبلغت 1200.
وشعار حاملة الطائرات "أرسلهم إلى الجحيم"، هو عبارة وردت على لسان هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثين في تاريخ الولايات المتحدة.
والقذائف التي تملأ سطح الحاملة استعدادا للموجة القادمة من الهجمات ليست السلاح الوحيد المستخدم.
ويقول اللفتنانت الطيار درو شنابل "إننا ننجز أمورا بعيدا عن الأنظار لا يتحدث عنها الناس".
وشاهدناه هو وزميله، اللفتنانت كريس لونغ، ضابط الحرب الإلكترونية، يرتديان خوذتيهما وهما يستعدان لمهمة أخرى.
وبينما تحمل غالبية الطائرات على متن الحاملة قذائف، إلا أن طائرتهما لا تحمل أيا منها. فهما يقودان طائرة (إي إيه -18 جي غرولير) المصممة للتشويش على الإشارات الإلكترونية.
وتُزود طائرتهما بقرون استشعار كبيرة وثقيلة تخرج طاقة مشعة ذات قدرة عالية لإعاقة أجهزة البث على الأرض.
وصُممت طائرة غرولير في الأصل لإبطال مفعول أنظمة الدفاع الجوي، وهو النوع الذي ربما تستخدمه روسيا على سبيل المثال.
لكن في الحرب ضد تنظيم الدولة تُستخدم الطائرة لغرض مختلف تماما.
كنا نشاهد طائرتهما تستعد للانطلاق من وضع السكون إلى سرعة 165 كيلومترا في الساعة في الجو خلال ثوان.
وحتى من موقع الأمان على سطح حاملة الطائرات، كانت التجربة مفعمة بالإثارة والخوف. وبعد أداء التحية لأفراد طاقم السطح، ثم دفع المحركات لأقصى سرعة، اختفت الطائرة بعد فترة وجيزة في الأفق.
وليس بوسع شنابل ولونغ الإفصاح عن المزيد من تفاصيل مهامهما التي ينفذانها يوما بعد يوم فوق الأجواء العراقية والسورية، إذ لا يزال الكثير مما يقومان به سريا للغاية.
ويحاول شنابل التوضيح، قائلا: "فكّر في الأمر بهذه الطريقة. تجلس في منزلك فيما تبدأ القذائف في السقوط. إنها فوضى. وفجأة تبدأ في فقدان قدرتك على الاتصال، ويبدأ من الناحية الإلكترونية حدوث أمور لا تفهمها".
وتأثير ما يحدث هو "خلق مستوى آخر من الخوف"، والهدف هو أن يبدأ مسلحو التنظيم في "فقدان عزيمتهم على القتال"، بحسب شنابل.
كل هذا ضمن استراتيجية أوسع تضعها الولايات المتحدة تشمل استخدام الحرب الإلكترونية وحرب الإنترنت.
وتستخدم القوات الأمريكية والبريطانية بالفعل طائرات تجسس لتحديد مواقع ما يطلق عليه "أهداف ذات قيمة عالية".
ويُعتقد أن تلك الطائرات قادرة على رصد الهواتف الشخصية وتعقبها.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا بأن قيادة الحرب الالكترونية الأمريكية أعطت أوامرها بتشويش وإعاقة قدرة تنظيم الدولة على نشر الرسائل، واستقطاب مقاتلين جدد، وتعميم الأوامر، وتنفيذ المهام اليومية، مثل دفع الأموال للمقاتلين.
ووصف نائب وزير الدفاع الأمريكي هذا الإجراء بأنه "إلقاء قنابل إلكترونية".
وبالعودة إلى حاملة الطائرات، يقول اللفتنانت لونغ إن ما يقومان به يحمل "طبيعة سماوية".
وربما يكون نجاحهما أصعب في قياسه من مهام إلقاء القذائف التي ينفذها أقرانهما.
لكنه يقول إنهما يتلقيان تقديرا لما يقومان به. ويُشغّل الاثنان أجهزة تشويش لمساندة القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية في أرض المعركة، والذين يقولون "علمنا أنكم كنت هناك، إذ توقفت الهجمات التي تستهدفنا"، بحسب لونغ.
وتقول قيادة الحرب الالكترونية الأمريكية إن غرولير قادرة على إعاقة الاتصالات اللاسلكية لتنظيم الدولة في الميدان إلى جانب التشويش على أجهزة الهواتف والكمبيوتر.
ويقول لونغ "أي طرف يتحكم في الفضاء الإلكتروني سيفوز في الحرب القادمة".
ومن جهته، يقول الأدميرال آدم باتشيلدر قائد مجموعات الهجوم على متن حاملة الطائرات إن الانتصار "عملية طويلة الأمد ولن يحدث بين عشية وضحاها".
لذا بالرغم من كل هذا التفوق العسكري والتكنولوجيا المتطورة، مازالت نهاية القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بعيدة.