لم تنفِ الحكومة الاردنية التسريبات التي نشرتها كل من صحيفة "الغارديان" وموقع "ميدل إيست آي" عن لقاء جلالة الملك مع أعضاء في الكونجرس الامريكي في كانون الثاني الماضي، والتي تحدثت عن نقطتين أساسيتين هما، الدور التركي في الازمة السورية وما ينطوي تحته من تنامي خطر الإرهاب الذي يهدد القارة الاوروبية، ودور القوات الخاصة الاردنية في قتال التنظيمات الارهابية، بل قللت من شأنها واصفةً إياها بأنها تفتقر إلى المهنية كما ورد على لسان الناطق بإسم الحكومة، بعكس النفي القاطع الذي صدر –على سبيل المثال- حول التسريبات التي طالت العلاقات الاردنية السعودية وموقف الاردن من "التحالف الاسلامي".
تمثّل التسريبات من حيث النوع والتوقيت رسالة إلى الاردن الرسمي بأن الولايات المتحدة باتت منزعجة من بحث الاردن عن سلّم خلفي للضغط على الإدارة الامريكية، فهو بذلك يعمل على التحرر من عقال خرائط السياسة الامريكية، التسريبات لا تحمل الكثير من المفاجآت إلا ما تضمنته من تطورات على صعيد العلاقات الاردنية الامريكية، فالحديث عن رفض الأردن للطريقة التي تتعاطى بها تركيا مع قضايا المنطقة برمتها ليس بجديد، حيث تتحدث العلاقات السياسية الاردنية التركية التي تمتاز بالفتور عن نفسها، ناهيك عن الاستقبال الباهت الذي حظي به رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو في عمان.
التصريحات التي اطلقها الرئيس اوباما في لقائه الاخير مع مجلة "ذي اتلانتيك" والتي حملت في طياتها الكثير من التشاؤم والاستياء حول ما يجري في المنطقة من احداث، اشارت الى تحول جذري في السياسات الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط، تجلى ذلك بوضوح من خلال تمرد الكيان الصهيوني مؤخراً على جميع التفاهمات التي أبرمها مع الدولة الاردنية، ففي السابق اعتاد الاردن على اللجوء الى الحليف الأمريكي كلما اشتد سعار هذا الكيان، وكان المندوب الامريكي يهرع الى المنطقة كلما دعت الحاجة حاملاً معه ما يسد رمق التوتر الذي كان يسود العلاقات الاردنية الاسرائيلية بين الحين والآخر، اما اليوم فنحن لا نملك ذات القدرة على كبح جماح هذا الكيان حتى على مستوى مراقبة اقتحامات المستوطنين الصهاينة للحرم القدسي.
الأردن يدفع اليوم وبشدة الى القضاء على تنظيم داعش الارهابي ويرى أن هذا الأمر لا يحتمل التأجيل، السياسة الاردنية عملت على البحث عن بدائل للحليف الامريكي في سبيل تحقيق هذا المبتغى، فقد اتضح من خلال طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع تنظيم داعش الارهابي وتسويفه وتجاهله للطرق التي يموّل التنظيم بها نفسه، ان امريكا لا تريد القضاء على هذا التنظيم كلياً في الوقت الحالي على أقل تقدير، وإنما تحجيمه في أماكن محددة وإطلاق يده في أماكن أخرى، فالضربات الجوية ذات النفس الطويل لم ولن تفلح في القضاء على هذا التنظيم بدون وجود مساندة قوات على الأرض تعزز ما تم تحقيقه من الجو.
من جهة اخرى وجدت امريكا نفسها خارج اللعبة الليبية التي باتت ميدان تنافس اوروبي بامتياز، فالتبعية البريطانية للإدارة الامريكية لم تعد كما كانت في سابق عهدها، وبريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص تتنافسان اليوم على جعل ليبيا منطقة نفوذ تابعة لكل منهما، وبعيداً عن عدم دستورية مشاركة قوات خاصة اردنية إلى جانب قوات بريطانية لمحاربة تنظيم داعش في ليبيا أو حتى في الصومال، إلا ان السياسة الاردنية تلقفت هذا التنافس وعملت على استغلاله لمصالحها الاستراتيجية، فالحاجة اصبحت اليوم اكثر من أي وقت مضى الى حليف عسكري فاعل على الارض، وهذا بالطبع ما لا تريده الولايات المتحدة ان تتطور العلاقات الاردنية البريطانية من تحالفات سياسية الى مصالح عسكرية مشتركة تتعارض مع المصالح الحيوية الامريكية.
بريطانيا ليست كأمريكا فيما يخص المصالح الاستراتيجية الاردنية، فأمريكا لديها الكيان الصهيوني الذي تعتبر أمنه أولوية لا تقل اهمية عن أمن الولايات المتحدة نفسها، اما بريطانيا فهي حليف يبحث عن منفعة متبادلة طويلة الأمد، وهو ما اظهرته نتائج مؤتمر لندن المتواضعة والتي لم ترتقِ الى الحد الادنى من الطموحات الاردنية، الا ان التخوف الاردني من تغير الاستراتيجيات الامريكية في الشرق الاوسط دفعه الى هذا الخيار، خصوصاً بعد تراجع الدور الروسي الفاعل في الازمة السورية.
التحدي الابرز الذي يواجه الدولة الاردنية اليوم هو قدرتها على إيجاد بدائل حقيقية للدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الامريكي، في ظل انعطافات تاريخية محتملة للعلاقات الاردنية الامريكية.
---------------
بقلم : م. محمد يوسف الشديفات
[url=http://www.jfranews.com.jo/article-25361-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA %D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9 %D8%B9%D9%84%D9%89 %D8%B5%D9%81%D9%8A%D8%AD %D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86]مصدر[/url]