في ظل الحروب والفوضى التي تعم المنطقة وتشترك فيها فصائل مسلحة وجيوش نظامية من مختلف البلدان والانتماءات، هناك من يطلق الرصاص دفاعاً عن نفس أو فكرة أو وطن، وآخر يبادر بالقتل لأجل فرض سياسته وأجندته الفكرية التي قد تكون دينية أو سياسية.
لكن في الحروب طويلة الأمد تنضم مجموعة مختلفة من المقاتلين، الذين لا يقاتلون لأجل أمن دولة أو لفرض فكرة، بل من منطلق مادي نفعي خالص لكونهم يعتبرون أنفسهم جزءاً من شركة "مقاولات عسكرية"، وهي التسمية التي يفضلون إطلاقها على أنفسهم بدلاً من تعبير "المرتزقة" الدارج والمتعارف عليه؛ انضمام مجموعات المرتزقة بشكل كبير لساحات القتال غيّر شكل المواجهة.
في هذا السياق نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً سلّطت فيه الضوء على حياة المرتزقة عبر إجراء مقابلات مع عدد منهم ممن قاتلوا في العراق وأفغانستان وأماكن مختلفة أخرى، إذ تحدثوا عن تجربتهم ودوافعهم للمشاركة في حروب لا تعنيهم ولا تمسّ حياتهم بشكل مباشر.
في التقرير يتحدث "ستيفن فريدي"، وهو جندي بريطاني خدم لمدة 12 عاماً في الجيش البريطاني قبل أن يتحول عام 2008 لـ "جندي بالأجرة" ويقاتل في حرب العراق وأفغانستان. يقول: "هناك فرق بين الجندي الذي يقاتل في إطار جيش نظامي وبين المرتزقة، فالأول لا يطلق النار لوحده على "العدو" بل كل الكتيبة تطلق النار في الوقت نفسه وعليه لا يعرفون من الذي قتلت رصاصته الطرف الآخر، لكن في المرتزقة تكون المعارك أقرب وشخصية أكثر وأخطر، إذ لا تستطيع طلب الذخيرة من أحد إذا انتهت، ولا يوجد مؤسسة عسكرية تسند ظهرك".
وأوضح أنه يعمل كجندي مأجور من أجل المال، ففي فترات معينة كان يكسب 15 ألف دولار تقريباً شهرياً، وكان يتهرب من الضرائب بسهولة.
كما أعرب فريدي عن شعور الجنود المأجورين بالإهانة الشديدة من إطلاق وصف "مرتزقة" عليهم، فعلى الرغم من أنه يعترف بأنه يقاتل من أجل المال فقط وأن لا دوافع أخلاقية وراء مشاركته في الحرب، إلا أنه يرى أن وصف "مرتزقة" لا ينطبق عليه.
وهنا تشير الصحيفة إلى أن منظمة "وور أون وونت" البريطانية نشرت الأسبوع الماضي تقريراً تصف فيه كيف تسيطر شركات بريطانية على سوق "الأمن العسكري" التي تكسب سنوياً من 100-400 مليار دولار في العام الواحد، وقد ازدهر هذا القطاع بعد اجتياح الولايات المتحدة للعراق، وحصل على شرعيته في الولايات المتحدة من الصفقات الكبرى التي عقدها لإرسال المقاتلين.
وفي حديثه عن التقرير قال مدير المنظمة، جون هيلاري، إن نتائج التحقيق أكدت أن شركات الخدمات الأمنية الخاصة عملت بشكل قانوني ظاهرياً، إلا أن عدم وجود قوانين ضابطة لنشاطاتهم دفعت هذه الشركات للتورط في أحداث مراوغة، فخدماتهم الأمنية توسعت لتشمل عمليات عسكرية خاصة، وحولت موظفيهم إلى جنود مرتزقة في كل حروب المنطقة.
وأضاف أن هذه الشركات عادت لتطبيق فكرة "كلاب الحرب"، فمن غير المهم مع أي طرف يحاربون، إذ معروف عن المرتزقة أنهم غير خاضعين لأي سلطة تفتيش أو رقابة ولا يمكن معرفة نشاطاتهم، فهدفهم هو "زرع الفوضى وزعزعة الأمن في الدول التي تحاول منع الحروب الأهلية المحتملة".
وبحسب التقرير فإن جنود المرتزقة ذوي الخبرة الطويلة يتحولون في نهاية المطاف لمدراء لهذه الشركات التي تقدم "الخدمات الأمنية" و"المقاولات العسكرية"، فعلى سبيل المثال، جون غادس، الذي خدم 22 عاماً في الجيش البريطاني أصبح جندي مرتزقة في 2003 بحرب العراق، والآن هو مدير شركة "رونين كونسبتس" الموجودة في هارفارد، وتعمل شركته على تدريب المرتزقة، وبحسب غادس فقد دربت شركته أكثر من 1000 مقاتل، وصفهم بأنهم أشخاص "لا يريدون أو لا يستطيعون التأقلم مع الحياة المدنية، وهم غالباً في سنوات الثلاثين من عمرهم أو الأربعين، على عكس الجيوش النظامية التي تضم في صفوفها أبناء الـ 18 و19 عاماً.