ونحن في مستهل عامٍ جديدٍ مما يُسَمَّى حربًا طويلة، فإن الوقت مناسب للتفكير بشأن موقعنا من المعركة ضد تنظيم القاعدة وعدوها اللدود تنظيم الدولة. كلا التنظيمين استفاد من الفوضى التي أطلقتها انتفاضات الربيع العربي، لكنهما اتخذا مسارين مختلفين. فهل يتلاقيا مرة أخرى، أم يظل الخلاف قائمًا بين التنظيمين؟ وما هي التغييرات السياسية التي يمكن أن تحدث في العام المقبل، ومن شأنها إعادة تشكيل منافستهما على زعامة الجهاد العالمي؟
للإجابة عن هذه الأسئلة؛ طرح الأستاذ المساعد في جامعة جونز هوبكنز ومدير مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي في مركز سياسات الشرق الأوسط، ويليام ماكانتس، بعض الأسئلة على كبار الخبراء في شؤون التنظيمين للإدلاء برأيهم.
بدأ ماكانتس بـ باراك مندلسون، الذي فَرَّق بين مرونة تنظيم القاعدة وتركيزه على قمع السنة وفي المقابل تركيز تنظيم الدولة على بناء نظام طوباوي وإعادة الخلافة. ثم انتقل إلى الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، كلينت واتس، الذي يقترح في السطور التالية كيفية تجنُّب الافتراضات المعيبة التي أدت إلى خطأ التوقعات بشأن مكافحة الإرهاب على مدى السنوات الأخيرة:
بدلا من التكهن حول ما يمكن أن تفعله دستةُ جماعاتٍ جهاديةٍ متطرفةٍ، في أربعِ قاراتٍ، مستقبلا، ربما يدرس المحللون الافتراضات الخاطئة التي أسفرت عن المفاجأة الاستراتيجية المعروفة باسم "داعش". وفيما يلي بعض الرؤى المستمدة من التحولات الجهادية خلال العقد الماضي والتي ينبغي وضعها في الاعتبار ونحن نستشرف مستقبل تنظيمي القاعدة والدولة خلال العقد القادم.
الولاء زائل لكن المصلحة الذاتية مستمرة:
يفترض المحللون، الذين فاتهم توقُّع صعود تنظيم الدولة، أن من تعهدوا بالولاء لتنظيم القاعدة سيبقون مخلصين لأجَلٍ غير مُسَمَّى. لكن الولاءات تتغير رغم الأيمان التي تربطها. ألم يستخدم أبو بكر البغدادي وقادة تنظيم الدولة التفاصيل الفنيّة للتملُّص من التزاماتهم نحو تنظيم القاعدة؟ وألم تسارع بوكو حرام إلى الانتقال من معسكر القاعدة إلى أحضان تنظيم الدولة؟
باختصار، لا ينبغي أن يُنظَر إلى تعهدات الولاء الجهادية باعتبارها ملزِمة أو دائمة، بل مؤقتة. فحينما تَضعُف حظوظ مجموعة، أو تتغير قيادتها؛ سوف يتحوّل الولاء بسرعة إلى سلالة الجهاد التي تثبت أنها أكثر فائدة للجماعة أو قائدها. ذلك أن الهيبة والمال والقوى البشرية هي ما تُحَرِّك الولاء، وليس الأيديولوجية.
تفكير التنظيمين لا ينحصر في تدمير الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين:
لا تخبرنا الدعاية الجهادية وحدها بالكثير عن كيفية تصرُّف التنظيمين في المستقبل. فعلى الرغم من أن الجماعات الجهادية العالمية تدعو دائما إلى شن هجمات ضد الغرب، إلا أن ذلك لا يُتَرجَم دائمًا إلى واقع على الأرض؛ إما لأنهم لا يستطيعون، أو لأن لديهم أولويات أخرى، مثل مهاجمة العدو القريب.
صحيحٌ أن كلا التنظيمين سوف ينتهز أي فرصة سهلة لتوجيه ضربة إلى الولايات المتحدة، إلا أن الاستمرار في تأطير التوقعات المستقبلية عبر العدسة المركزة على أمريكا سوف يُسفِر عن تحليلٍ تجانبه الدقة، ومشكوكٌ في جدواه.
تحكُّم التنظيمين في تحركات فروعهما ليس مطلقًا:
القراءة العرَضِيَّة لعناوين الأخبار تقود إلى الاعتقاد بأن كلا المجموعتين يدير شبكة واسعة من الفروع، ويتحكم في تحركاتها، في إطار خطة استراتيجية موحدة. لكن الواقع مختلفٌ، ويشهد مستوى غير مسبوق من استقلال التابعين لم تعرفه القاعدة منذ ولادة التنظيم.
والتوقُّع الدقيق لمستقبل المنافسة والتعاون بين هذا الكم الهائل من الفروع الإرهابية، في ظل تداخل الولاء لكلا الفريقين؛ سوف يتطلب دراسة تقوم عليها فرق من المحلليين، تضم مجموعة من الخبراء، وليس مجرد مفكر واحد.
سوف يتزايد إغراء اصطفاف المجموعتين وفروعهما مع الرعاة من الدول، وغيرها من الفاعلين غير الجهاديين وغير الحكوميين:
كلما كثُر المال في أيدي التنظيمين، كلما قَوِي نفوذهما لدى فروعهما. لكن عندما يجفّ المال، مثلما حدث في حالة القاعدة، سوف تبحث الفروع في مكان آخر لإعالة نفسها. فيما ستسعى المجموعات المتواجدة في مناطق بعيدة إلى اجتذاب رعاة آخرين، أو إنشاء كيانات جديدة.
وحتما، سوف تتطلع بعض الفروع إلى الدول المستعدة لتمويل حروبها بالوكالة ضد الخصوم المشتركين؛
- فرغم أن إيران تحارب تنظيم الدولة في سوريا، إلا أنها قد تميل إلى دعم إرهاب التنظيم داخل حدود السعودية.
- ويمكن بسهولة أن تستخدم المملكة تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب كحليف ضد الحوثيين المدعومين إيرانيا في اليمن.
- وربما تجد الدول الأفريقية أن الدفع للجماعات الجهادية التي تهددها أسهل من مواجهة الخجمات المستمرة الرامية إلى زعزعة استقرارها.
فحين يصبح المال شحيحًا؛ ستقل غضاضة الفروع التابعة للتنظيمين في أخذ المال من أعدائهم الأيديولوجيين، إذا كان ثمة مصالح مشتركة تربط بينهم على المدى القصير.
3 ملاحظات
إذا كنتَ تريد توقُّع الاتجاه المستقبلي لتنظيمي الدولة والقاعدة؛ فعليك تجنب الافتراضات الخاطئة المذكورة أعلاه.
وبدلا منها، أقدم هذه الملاحظات الثلاث:
أولا: انظر إلى توقعات الإرهاب الإقليمي التي تُسَلِّط الضوء على الفروق المحلية الدقيقة، التي تتُجاهل بشكل روتيني في التقييمات العالمية الكبرى لتنظيمي الدولة والقاعدة. فبناء على المنطقة، ربما يسود أحد الفريقين، وسيرتبط بروز نجمهما أكثر بالقوى المحلية لا العالمية.
ثانيًا: راقب هجرة المقاتلين الأجانب الذين بقوا على قيد الحياة من سوريا والعراق حيث يتراجع تنظيم الدولة. لأن ملاذهم سيكون بقعة المتاعب المستقبلية.
ثالثا: لا تحاول التنبؤ بما سيحدث في المستقبل البعيد جدًا. فمنذ وفاة بن لادن، أصبح المشهد الجهادي أكثر انتشارا، وظهرت نصف دستة من الفروع التابعة للتنظيم قبل تراجعها، وتحوَّل الربيع العربي من أمل كبير للديمقراطيات إلى مستنقعات ممتدة في منطقة الشرق الأوسط.
ولا تزال صورة الإرهاب اليوم مقعدة، ومتقلبة، ومشوشة. وليس هناك سبب للاعتقاد بأن الغد سيكون مختلفًا.