تحتل نيران المدفعية البحرية مكانة مميزة في التاريخ البحري فالقوات البحرية ترى ان القدرة على ضرب الاهداف الموجودة على الشاطىء بنيران دقيقة ومتواصلة يجب ان تكون شرطاً اساسياً لدعم عمليات الانزال من قبل القوات البرمائية ولشلّ عمل الصواريخ المضادة للسفن وبطاريات المدفعية التي تهدد الوسائل البحرية الحيوية.
وفي حين ان نظم المدفعية البرية شهدت تطوراً كبيراً على مدى السنوات ال ٢٥ الماضية بما في ذلك الجهود لخفض وزن المدافع من خلال استخدام ادوات خفيفة الوزن كما وادخال طلقات دقيقة منخفضة التكلفة، كانت مدفعية البحرية تضعف شيئاً فشيئاً.
شهدت السنوات الماضية تقدماً كبيراً في ما خص تطوير الصواريخ الموجهة للسفن الحربية لكن التكلفة المرتفعة لنظم السلاح هذه دفعت بالبحريات الى البحث عن مدافع قادرة على تحقيق ضربات قوية لكن بكلفة اقل.
يمثل نظام المدفع متوسط العيار (MCGS) حلاً مرناً وذو تكلفة منخفضة يلبي متطلبات الدعم الناري البحري ويقدم قدرات استجابة ليلية/نهارية في الظروف المناخية كافة مع معدلات اطلاق مرتفعة. يحوي هذا الحجم من المدافع مخزن ذخيرة واسعاً ومعدات حربية غير مكلفة مقارنة مع صواريخ الهجوم البرية. يمكن ان تساهم الاسلحة نفسها في انجاز مهام مضادة للسطح ضد السفن الحربية المعادية.
هناك قضيتان كبيرتان يجدر مواجهتهما، فالذخائر القائمة على المدفع الحالي محدودة النطاق لذا يصعب وصولها الى المناطق الداخلية مما يترك السفينة عرضة لاي تهديد او اصابة من الشاطىء. بالاضافة الى ذلك، تقلل الدقة المرتبطة بالذخائر البالستية التقليدية من المدى المناسب، مقيّدة بذلك قدرة قادة الميدان من استخدام النيران البحرية في المناطق المدنية او البيئات المزدحمة حيث امكانية حدوث اضرار جانبية مرتفعة.
في ما يتعلق بالآثار على الارض، اثبتت بشكل قاطع الدراسات المتكررة ان المدافع من عيار اقل من ٥ بوصات/١٢٧ ملم لا تستطيع الفتك او الاشتباك مع ما هو مطلوب لضرب الاهداف الموجودة على الشواطىء.
في الحقيقة، وجدت الكثير من التحاليل لصالح المدفعية البحرية عيار ١٥٥ ملم على الرغم من ان البحرية الاميركية وحدها اختارت متابعة تطوير مثل هذا السلاح وكل الذخائر المرتبطة به.
بعد احياء مدفع ١٥٥ ملم من قبل البحرية الاميركية امراً غاية في الاهمية ليصل الى درجات متقدمة من التطور مع حلول العام ٢٠١٦ حيث ستجهز مدمرة USS Zumwalt، وهي المدمرة الاولى من اصل ثلاث مدمرات نوع DDG-1000 بنظام مدفعية متقدم (AGS) عيار ١٥٥ ملم وذخائر موجهة دقيقة مشتركة نوع (LRLAP)، لتعمل على مدى يتخطى ال ٦٣ ميلاً بحرياً.
صمم نظام AGS المطوّر من قبل شركة BAE Systems Land and Armaments - Weapon Systems ليوفر النيران البحرية من برنامج المدمرة الهجومية DD-21، سابقاً كانت تعرف باسم DD[X] وحالياً ب DDG-1000.
الى جانب انها مقاتلة سطح متعددة المهام ذات قدرة ازاحة تصل الى 14500 طن مصممة للهجوم البري والسيطرة الساحلية، تكمن قدرات DDG-1000 في تلبية حاجات البحرية لتحل محل قدرات النيران البحرية التي كانت قد خسرتها البحرية الاميركية عندما استغنت عن اربع سفن بحرية حربية ومدافعها من عيار ١٦ بوصة مطلع العام ١٩٩٠.
طورت الذخائر الموجهة عالية الدقة العاملة ضمن مدى موسع LRLAP من قبل شركتي BAE Systems كشركة مطورة اساسية ودامجة للنظم وLockheed Martin Missiles and Fire Control. تعتبر LRLAP قذيفة عيار ١٥٥ ملم ذات دفع صاروخي، تستخدم نظام تحديد المواقع العالمية ووحدة احتساب عاملة بالقصور الذاتي (GPS/IMU) اضافة الى مسطحات تحكم امامية تعمل على توفير دقة عالية في اصابة الهدف نظرا لرأس حربيتها الاحادية. سيصبح نظام AGS قادرا على اطلاق قذائف LRLAP بمعدلات تزيد عن ال ١٠ طلقات في الدقيقة من كل مدفعية ثنائية تابعة لمدمرة DDG-1000.
تقترح، في الوقت الحاضر، شركة BAE Systems تخفيض البصمة والوزن لنظام (AGS-Lite (AGS-L لتصبح قادرة في ما بعد على الاستيعاب ضمن السفن الحربية المستقبلية الاخرى ليصار الى تصديها لاحقا. ووفقاً للشركة، يجب ان يستخدم نظام AGS-L المدفع نفسه من عيار ١٥٥ ملم وذخائر LRLAP بكامل الحجم الخاص ب AGS، على كل حال، فان مخزنا اصغر وعدداً اقل من طلقات LRLAP الجاهزة للرمي بالاضافة الى نظام تلقيم ولفظ قادران على تأمين نمط رمي اقل من ٦ ط/د وتصميم برج اقل خفاء كما ان بإمكان هذه الميزات ان تخفض الوزن من ١٠٠ طن الى ٥١ طناً اقل من ضعفي وزن المدفع Mk45 Mod 4.
بعيداً عن البحرية الاميركية، تبحث القوات البحرية حول العالم لاكتساب نظام MCGS لمهام دعم نيران المدفعية البحرية والمتجسد، في المستقبل المنظور، بخيارين وهما نظام المدفع Mk45 Mod4 عيار ٦٢/٥ بوصة من انتاج BAE Systems Land and Armaments في الولايات المتحدة الاميركية
ومدفع 127/64LW المطور من شركة Oto Melara في ايطاليا.
يمثل كل نظام من النظامين المذكورين احدث منتج ضمن فئته وكلاهما يعوّل على نضج قدراته المشتركة والصفات المرتبطة بالطلقة الموجهة الدقيقة العاملة ضمن مدى محدد بغية توفير قدرة نيران بحرية ذكية ومحددة تحلم بها القوات البحرية في العصر الحديث.
يخدم المدفع Mk45 في البحرية الاميركية في اشكال شتى منذ العام ١٩٧١. يرجع تاريخ النموذج Mod4 الى اواسط التسعينات من القرن الماضي، حينما كانت البحرية تلك تبحث عن حلّ على المدى القريب لسد نقص محدد في قدرة الدعم الناري لسفن السطح البحرية (Naval Surface Fire Support - NSFS). كما الرد اخضاع المدفع Mk45 Mod4 عيار ٥ بوصة/٥٤ عيار، وذلك لتوسيع المدى من خلال استعمال الذخائر التقليدية والعنقودية واتاحة العمليات مع استعمال الذخيرة الموجهة الموسّعة المدى Extended Range Guided Munition - ERCM) نوع EX171 المخطط لها والقادرة على رماية قذائف ذات دفع صاروخي على مسافة ٦٣ ميلاً بحرياً.
حققت البحرية الاميركية المدفع MK45 في العام ٢٠٠١ وتم للمرة الاولى تركيبه على السفينة USS Winston Churchill Mod 4. اختارت الى ذلك اربع بحريات نموذج MK45 Mod 4. ومع ذلك، واجه برنامج ERGM مشاكل تتعلق بمسائل تقنية وادارة البرنامج والتكلفة حيث كان عرضة للإلغاء عام ٢٠٠٨، الامر الذي دفع شركتا BAE Systems وLockheed Martin الى اقتراح حلول لتلبية هذه الحاجة من خلال نموذج من عيار ٥ إنش لطلقات LRLAP التي هي اساساً قيد التطوير لصالح نظام AGS عيار ١٥٥ ملم، الموجود ضمن مدمرة DDG-1000، في هذه الحال، يصبح نظام MK45 Mod 4 قادراً على اطلاق ١٠ طلقات LRLAP في الدقيقة ضمن مدى يفوق ال ٥٢ ميلاً بحرياً.
يعتبر نظام المدفعية متوسط العيار نوع 127/64LW، والمنافسة الاوروبية الجديدة لنظام MK 45 Mod 4، النموذج الأحدث لمدافع ١٢٧ ملم من انتاج Oto Melara التي بدورها تعود الى المدفع المضغوط 127/54 التي بيعت الى تسع بحريات والى برنامج التطوير المشترك لمدفع 127/54LW المجهز على متن الفرقاطة الايطالية Bersgliere منذ العام ٢٠٠٣. الى ذلك ينظر الى هذا الاخير كخطوة مباشرة تأتي وراء نظام 127/64 LW. تدعي شركة Oto Melara على ان نظام 127/64 LW هو المدفع الاحدث ضمن فئته MCGS كما انها دافعت عن حقيقة انه قيد الانتاج لصالح برنامجي قتال سفن السطح الاوروبية الفرقاطة المتعددة المهام نوع Carlo Bergamini التابعة للبحرية الايطالية وفرقاطة F-125 التابعة للبحرية الالمانية، الى جانب سبع طلبات مؤكدة لغاية الآن.
فضلاً عن ذلك، اختير مدفع 127/64 LW لبرنامج الفرقاطة المصدّر يعتقة ان يكون لصالح فرقاطتي MFKO A200 الجديدتين طلبتهما الجزائر من شركة (ThyssenKrupp Marine Systems) ويجري عرض خاص على نظام النيران غير المباشرة البحرية لسفينة القتال الشاملة Type 26 التابعة للمملكة المتحدة بالتعاون مع Babcock.
اما في ما يخص هندسة نظام 127/64LW، فقد ارتكزت مقاربة Oto Melara على الجمع بين التصميم المبرهن وبين اعتدة جديدة التطوير تتضمن سبطانة من ٢٤ عياراً، نظام التلقيم بالذخيرة آلياً بالكامل، قدرة ضرب، نظام طاقة تضمينياً قابلاً لإعادة التصميم معتمداً على مضخمات مضاعفة قابلة للاستبدال وهندسة الكترونيات لنظام مفتوح. تتضمن هذه الاعتدة ايضاً وحدة التحكم بالتوجيه، مبرمج ذخيرة، رادار لمراقبة سرعة خروج الطلقات من الفوهة وجهاز GPS محلي لدعم استخدام ذخيرة Vulcano الدقيقة التوجيه والموسعة المدى.
يزن برج مدفع 127/64 LW، القادر على اطلاق ٣٥ طلقة/بالدقيقة أقل من ٢٩ طناً يسمح نظام التعامل مع الذخيرة الذي يرتكز اساساً على اربعة مخازن طبلة دوارة تحمل ٥٦ طلقة جاهزة للاطلاق ضمن اكثر من اربعة نماذج مختلفة، يسمح بالحصول على مرونة أكبر في اختيار الذخيرة وبمعدل اطلاق عال ودائم. نقطة بيع اخرى لنظام 127/64 LW هي تلك المتعلقة التي تم تطويرها في البداية حيث نشر الجيل الجديد من الذخيرة ذات العيار الفرعي الموجهة عالية الدقة بعيدة المدى ١٢٧ ملم لمدفع Vulcano.
طورت شركة Oto Melara في اطار تمويل البحرية الايطالية برنامج Vulcano 127mm الذي بدوره متقدم على مساريين متوازيين: الأول يكمن في الطلقة البالستية موسعة المدى (BER) التي تستخدم صمامات متعددة الاغراض لتحسين التأثير على المسار والعاملة على مدى يتخطى ال ٦٠ كلم اما المسار الثاني فهو مرتبط بالطلقة بعيدة المدى موجهة المستقرة (GLR) المستخدم ضمنها تقنيات GPS/IMU ولوحات تحكم سطحية وألواح للحمولة صلبة مصنوعة من التنغستين فعّالة للعمل على مدى يتخطى ال ١٠٠ كلم.
في شهر حزيران/يونيو ٢٠١٢، أُعلن عن توقيع اتفاق تعاون بين شركتي Oto Melara وDiehl Defence الالمانية بغية التركيز على ذخيرة Vulcano 155mm GPS/SAL مدفع ذاتي الحركة مركزه الارض وذخيرة Vulcano 127mm GPS/SAL لمدفع 127/64 LW وأسلافها. هذا الامر من شأنه ان يقوي نظام Vulcano في ما يتعلق بفرقاطة F125 الالمانية.
طورت شركة Oto Melara سلاحها نوع ( 76/62 Super Rapid (SR بغية استخدامه على متون سفن حربية صغيرة جداً ضد الأهداف البحرية والساحلية على حد سواء. يتمتع هذا السلاح بمعدل اطلاق يتراوح بين طلقة واحدة الى ١٢٠ طلقة بالدقيقة. قالت الشركة ان نظام 76/62 SR هو المدفع البحري الوحيد متوسط العيار القادر على الاستمرار في اطلاق النيران وفقاً لمتطلبات المهام ولنوع الاشتباك القائم كما ويتناسب مع سيناريوات الحرب اللاتناسقية مع تسارع التطورات في مجال تكنولوجيا اطلاق النيران البحرية، وجدت البحريات حول العالم انه من الضروري تجديد قدراتها المدفعية الخاصة بالحرب البحرية لذا فان المدافع البحرية المستقبلية توفر الطاقة والقوة الضروريتين لتلبية الحاجات العسكرية كما تحافظ على معدلات اطلاق قوية تتلاءم مع متطلبات المهام.