- الحلقه الثالثه -
خوفاً من عودة برلين بعد الحرب إلى امتشاق السلاح،الجواسيس السوفييت يقترحون على واشنطن جعل المانيا بلداً ريفياً
مازلنا في اطار مناقشتنا لهذا الكتاب نتابع معا واحداً من اهم الاساليب التي استخدمها جهاز التجسس السوفييتي منذ الاربعينيات من داخل الولايات المتحدة وهو الاسلوب الذي اطلقوا عليه اسم «العميل ذي النفوذ» وكان ابرز مثال لعيون المخابرات الخارجية السوفييتية في امريكا رجلاً يدعى هاري ديكستر وايت، وهو عالم الاقتصاد ومساعد وزير الخزانة الامريكي في عهد فرانكلين روزفلت، والذي لعب دورا مهماً في إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
ويتمثل الهدف الاساسي لزرع مثل هؤلاء العملاء ذوي النفوذ في معرفة أخبار ومواقف الدوائر العليا في واشنطن والتأثير في سياساتها لصالح الاتحاد السوفييتي. ويروي مؤلفا الكتاب الذي نناقشه هنا أمثلة توضح مدى تأثير وايت في السياسات الامريكية، ومنها ما يعتبره المؤلفان واحداً من أعظم انجازاته وهو دوره في وضع خطة وزير الخزانة الامريكي مورجنتاو من أجل المانيا بعد الحرب.
وتكشف وثائق فينونا النقاب عن ان وايت رافق الوزير في رحلة الى انجلترا حيث عقدا اجتماعا مع الجنرال ايزنهاور في خيمة في جنوب انجلترا في 7 اغسطس 1944 واثناء المناقشات التي دارت اعرب ايزنهاور عن قلقه لأن الالمان لم يتلقوا عقاباً كافيا بعد هزيمتهم. وقال الجنرال الامريكي انه يعتبر الشعب الالماني بأسره مسئولا عن النازية وانه يجب ان تتخذ اجراءات صارمة وقاسية ضده لبعض الوقت. وبتشجيع من وايت في وقت لاحق قال الوزير مورجنتاو للمسئولين البريطانيين «اعتقد اننا نستطيع تقسيم المانيا الى عدد اقل من الأقاليم، وان نوقف الانتاج الصناعي كله، ونحول الالمان الى مجرد ملاك لاراض زراعية». وتلك كانت خطة مورجنتاو ولتحويل المانيا الى مجرد ريف زراعي.
وفي الاجتماعات مع المسئولين البريطانيين والامريكيين كان وزير الخزانة يترك قيادة المناقشات لهاري وايت. وذكر وايت انهم اذا سمحوا لالمانيا بإعادة بناء قوتها الاقتصادية فقد تصبح مرة ثانية خطرا عسكريا، واشار الى ان السبيل الوحيد امام الحلفاء ان يخفضوا قوة المانيا بحيث تصبح من الدرجة الخامسة. وعلى الرغم من التأييد الذي لقيه هذا الرأي في البداية، الا ان روزفلت وتشرشل رفضاه بعد دراسة متأنية .
وتسربت أنباء الخطة الى الصحف وكان اضحا انها سربت من وزارة الخزانة الامريكية، وذكرت الصحف الصادرة في 23 سبتمبر 1944 ان خطة مورجنتاو تمثل السياسة الرسمية، ولكن آلة الدعاية النازية حولت القصة الى مؤامرة من «اليهودي» مورجنتاو ولتدمير المانيا، وقد زاد ذلك من مقاومة القوات الامريكية والبريطانية وفي الوقت نفسه الذي كان وايت يقوض السياسة الامريكية ويتيح للنازيين سلاحاً دعائيا ضدها، كانت الدعاية السوفييتية الموجهة الى القوات الالمانية تقول لهم ـ باللغة الالمانية ـ ما معناه: «إن الهتلريين يجيئون ويذهبون ولكن الشعب الالماني وألمانيا يبقيان».
يبرز نجم وايت في عالم الجاسوسية وفي عمله في واشنطن اثناء ادارة روزفلت في صيف عام 1944. وكان وايت قد أسندت اليه رئاسة الوفد الامريكي في اجتماع تاريخي عقد في بريتون وودز في نيوهامبشاير، واسفر عن وضع القواعد المالمية لفترة ما بعد الحرب التي قرر فيها الحلفاء ترميم اقتصاداتهم المنهارة.
وفي عام 1945 حانت الفرصة لوايت واعضاء آخرين في حلقة التجسس التي ينتمي اليها، فقد تقرر عقد الاجتماع التأسيسي لهيئة الامم المتحدة في سان فرانسيسكو في ابريل من ذلك العام. وفي 31 مارس كتب ادوارد ستيتنوس وزير الخارجية الامريكي رسالة وجهها الى وايت يقول له فيها: «نيابة عن الرئيس روزفلت واعضاء الوفد الامريكي يسعدني ان اوجه اليكم الدعوة لتكون المستشار الرسمي للوفد الامريكي الى مؤتمر الامم المتحدة لإنشاء المنظمة الدولية».
وبعد مضي اقل من اسبوع جاءت رسالة من موسكو ـ كشفت عنها وثائق فينونا ـ تأمر عمليها اسحق اخميروف باتخاذ الترتيبات لتوفير وسائل الاتصال بوايت (الذي اسمته الرسالة «ريتشارد») أثناء وجوده في المؤتمر بالاضافة الى عميل آخر.
وشهدت اروقة مؤتمر تأسيس منظمة الامم المتحدة وضعا يدعو للدهشة اذ حملت القوائم الرسمية لاسماء اعضاء المؤتمر اسم وايت ممثلا لوزارة الخزانة الامريكية، واسم الجرهيس عميل المخابرات العسكرية السوفييتية نائبا للأمين العام، وبذلك استطاع الاتحاد السوفييتي ان يعلم مسبقا بمواقف امريكا من القضايا المطروحة للمناقشة. واثناء وجود وايت في مؤتمر سان فرانسيسكو كان يشرف عليه ضابط بالمخابرات الخارجية السوفييتية اسمه فلاديمير برافدين ومقره في نيويورك، ولكنه حضر المؤتمر باعتباره مراسلا لوكالة «تاس» السوفييتية للانباء.
وامد وايت السوفييت بمعلومات عن المناقشات الداخلية الدائرة بين اعضاء الوفد الامريكي، وبتقويم لوجهات نظر نلسون روكفلر مساعد وزير الخارجية، وليو باسفولسكي المساعد الخاص لوزير الخارجية الامريكي لشئون الامن والمنظمات الدولية، وجيمس دون مساعد الوزير، وعضو الكونجرس تشارلز ايتون، والسيناتور آرث فاندنبرج، وكانوا جميعهم اعضاء في الوفد الامريكي، وذكر وايت في احد تقاريره ان الرئيس نرومان ووزير الخارجية ستيتنوس يريدان انجاح المؤتمر بأي ثمن، وقال وايت ان معرفة الموقف الامريكي مقدما يمكن ان تكون وسيلة فعالة في شن هجوم مضاد على محاولات امريكا لوضع الاتحاد السوفييتي في موقف غير ملائم وغير متميز.
في عام 1945 افتضح امر وايت اذ قامت عشيقة لجاسوس سوفييتي آخر، اسمها اليزابيث بنتلي، بالاتصال بمكتب المباحث الفيدرالية واخبرت مسئوليه بان وايت يتجسس لحساب السوفييت
وقام هؤلاء المسئولون بدورهم بإبلاغ الرئيس هاري ترومان، ولكن المباحث الفيدرالية، لم تستجوب وايت الا في 15 اغسطس 1947 حيث انكر كل شيء، وكل ما توفر لدى المباحث الفيدرالية، من معلومات عنه انه كان يأتي من اليزابيث بنتلي، ولم تكن وكالة الامن القومي قد توصلت بعد الى فك شيفرات عمليات التنصت «فينونا» للكشف عن تفاصيل عن تجسس وايت، ولكن مكتب المباحث الفيدرالية كان يعلم ما يكفي للتأكد من صدق قصة اليزابيث بنتلي، وكان المكتب قلقا من امكانية استمرار وايت في امداد موسكو بمزيد من المعلومات السرية. وفي عام 1946 رشح الرئيس ترومان هاري وايت ليكون ممثل امريكا في صندوق النقد الدولي، ولكن ادجاز هوفر كتب رسالة الى البريجادير جنرال هاري فوجان المساعد العسكري للرئيس الامريكي يطلب منه فيها اعطاء الرئيس معلومات عن وايت ارفقها برسالته، ووصفه هوفر بأنه «همزة وصل مهمة مع منظمة تجسس سوفييتية سرية تعمل في واشنطن، وان المواد التي تتوفر في حوزته بحكم منصبه الرسمي كانت ترسل الى الاتحاد السوفييتي .
وكشف هوفر ايضا عن ان مصادر الحكومة الكندية اعربت لمكتب المباحث الفيدرالية عن قلقها لترشيح وايت، وكان الكنديون قد علموا بأمره من خلال المنشق عن المخابرات العسكرية السوفييتية الضابط جوجينكو وارسلت نسخة من تقرير هوفر ايضا الى جيمس بيزنس وزير الخارجية الامريكية آنذاك، الذي ذهب الى الرئيس ترومان في اليوم نفسه الذي قرأ خلاله التقرير واعرب له عن شعوره بالصدمة وسألة عما ينوي فعله.
ووفقا لما ذكره وزير الخارجية فإن ترومان قال له انه هو ايضا مندهش لتلك المعلومات، فاقترح عليه ان يسحب ترشيحه له، ولكن عندما استفسر ترومان عما وصلت اليه مراحل الترشيح اخطروه بان مجلس الشيوخ الامريكي قد وافق بالفعل على ترشيحه. وفي هذه الحالة لم يكن امام ترومان إلا ان يرفض تكليف وايت أو ان يطلب منه تقديم استقالته، واقترح عليه وزير خارجيته ان يختار احد الموقفين، فكل منهما يمكن تنفيذه، ولكن ترومان لم يختر أيا منها، واصبح وايت المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي.
وكانت حجة المدافعين عن قرار ترومان ان مكتب المباحث الفيدرالية كان يريد الاحتفاظ بوايت في منصبه الحكومي حتى يستطيع مراقبته على الرغم من انه لا توجد براهين تثبت مزاعم رجال المكتب. ومن الطبيعي ان الرئيس الامريكي ترومان لم يكن مؤيدا للابقاء على عملاء شيوعيين في حكومته، بل كان هو الذي أقام ما سمى ببرنامج الإخلاص والأمن، ولكنه ايضا لم يكن يريد أن تهتز صورة إدارته أو ان تتعرض للدمار، اذ أثار الجمهوريون قضية سياسية بسبب وجود شيوعيين في حكومته.
وفي عام 1946 استقال وايت من منصبه كمدير تنفيذي لصندوق النقد الدولي لاسباب صحية فأرسل اليه ترومان رسالة يعبر فيها عن تقديره العميق لجهوده، وعن رغبته في ان يطلب مساعدته من وقت لآخر.
وفي الأعوام التي تلت ذلك ادى المنشقان ويناكار تشيمبرز واليزابيث بنتلي بشهادتيهما امام لجنة مجلس النواب الامريكي للانشطة المعادية لأمريكا مؤكدين ان وايت كان عضوا في شبكة تجسس سوفييتية، وعندما استدعى وايت امام تلك اللجنة أنكر جميع التهم الموجهة اليه، ولم يواجه اية تهم جنائية ابدا حتى وفاته بنوبة قلبية في 16 اغسطس 1948.
تجنيد السيدة الأولى
يكشف مؤلفا الكتاب عن اسرار محاولات تقرب رجال المخابرات السوفييتية الخارجية من سيدة امريكا الاولى اليانور روزفلت زوجة الرئيس الامريكي عن طريق عميل لهم يدعى بول هاجن، واسمه الحقيقي كارل فرانك. وقد خضع هاجن للتحقيق من جانب مكتب المباحث الفيدرالية في قضية امن داخلي عام 1945.
قيل في مناسبات عديدة انه عميل سري للحكومة السوفييتية، وهو مهاجر نمساوي ـ ألماني وكان منذ وصوله الى امريكا عضوا نشيطا في حركة اصدقاء المانيا الحرة في امريكا. واثناء استجوابه بشأن طلب تأشيرة الدخول أقر بأنه كان عضوا في الحزب الشيوعي في اوروبا من 1919 الى 1929، ثم اقر فيما بعد بأنه كان عنصرا قياديا في تلك الحركة ولكنه لم تكن له أي صلات بالشيوعية منذ مجيئه الى امريكا عام 1937. وفي اغسطس 1943 ارسل رجل المخابرات السوفييتية المقيم في نيويورك تقريرا الى موسكو يذكر فيه ان بول هاجن وثيق الصلة بزوجة الرئيس رزوفلت.
وكانت هذه الرسالة امتدادا لرسالة سابقة في مايو بعث بها مندوب مقيم آخر يدعى زاروبين الى رئيس الدائرة الخارجية في المخابرات السوفييتية تفيد بأن محطة المخابرات المقيمة تخطط «للتعامل» مع اليانور روزفلت (والكلمة التي بين الأقواس مصطلح للمخابرات السوفييتية يعني محاولة تجنيد أحد العملاء، وكانت الخطة تقضي بإنشاء علاقة بين السيدة الأولى وبين زوجة زاروبين رجل المخابرات المقيم في نيويورك، واسمها اليزابيث، وهي ايضا ضابطة في المخابرات السوفييتية الخارجية واسمها الحركي «فاردو» وتعرف بول هاجن على السيدة الامريكية الاولى عن طريق جوزيف لاش، صديقها الحميم، والذي اصبح كاتب سيرتها الذاتية فيما بعد. وكان مقررا ان تقوم سيدة تدعى ترود برات، التي اصبحت مسز جوزيف لاش فيما بعد، بتقديم زوجة زاروبين الى زوجة الرئيس الامريكي.
وكان جوزيف لاش زعيما اشتراكيا شابا في عام 1935 عندما نظم عملية الدمج بين رابطة الطلاب من أجل الديمقراطية الصناعية، وهي مجموعة اشتراكية، وبين رابطة الطلاب القومية، وهي منظمة شيوعية. واصبح الاسم الجديد بعد الدمج «الاتحاد الامريكي للطلاب» وعندما اعلن التحالف النازي ـ السوفييتي في صيف عام 1939 اعاد لاش النظر في انتمائه الى الشيوعية، ثم هاجم بعد ذلك الغزو السوفييتي لفنلندا مما اثر على موقفه من الشيوعيين، وفي ديسمبر 1939 قرر المؤتمر القومي الرابع للاتحاد الامريكي للطلاب طرده من الاتحاد.
وبسبب آرائه الجديدة طلبت صديقته اليانور روزفلت من عضو الكونجرس مارتن ديس استدعاء جوزيف لاش للشهادة مرة أخرى امام لجنة الانشطة المعادية لامريكا. وفي شهادته قال لاش: «بعد توقيع الاتفاق النازي ـ السوفييتي اتضحت لي أمور كثيرة، وتبين لي بوضوح انني لا يمكن ان استمر مع الشيوعيين».
كانت خطة تجنيد سيدة امريكا الاولى شديدة الغرابة. ويقول المؤلفان ان اليانور روزفلت كانت ساذجة الى اقصى حد، وكثيراً ما خدعها الشيوعيون، ولكن من المؤكد انها لم تكن واحدة منهم. وعندما كان يتم تحذيرها من ان احدى المنظمات التي تحظى بدعمها هي مجرد واجهة شيوعية، كان هذا يكفي لدفعها الى التراجع عن دعمها.
وعلى الرغم من تحول آراء لاش المتعلقة بالشيوعيين ظلت المخابرات السوفييتية الخارجية تعتقد ان من الممكن تجنيد اليانور روزفلت عن طريق صديقة لاش. وبهذه المناسبة يلقى المؤلفان الاضواء على فارس جديد وحادثة جديدة تعرضت لها سيدة امريكا الاولى. والاسم الجديد هو بنجامين ماندل أحد المسئولين السابقين في الحزب الشيوعي وقد ترك الحزب ليصبح من المحافظين، ويعمل مديرا للبحوث في اللجنة الفرعية للامن الداخلي التابعة لمجلس الشيوخ، وفي 16 ديسمبر 1940 كتب رسالة الى اليانور روزفلت يلفت انتباهها فيها الى حقيقة تفيد أنها هي الراعية لمنظمة اسمها «البعثة الامريكية الاولى لانقاذ السفن» التي من المفترض أنها انشئت لمساعدة المهاجرين الاسبان، ولكن ماندل يحذرها من ان هذه المنظمة هي واجهة شيوعية، ويقول في رسالته انها استخدمت لجلب عملاء سوفييت الى الولايات المتحدة.
وارفق مع رسالته مقالتين نشرتا في 7 و14 ديسمبر 1940 في الصحيفة الاشتراكية «نيوليدر» تتحدثان عن المنظمة بهذا الوصف.
وردت اليانور روزفلت على ماندل في 21 ديسمبر 1940 برسالة تقول له فيها ان هيلين كيللر هي التي طلبت منها منح اسمها كراعية لهذه المنظمة وانها قد قررت سحب اسمها.
فكتب اليها ماندل مرة ثانية في 26 ديسمبر وارفق مع رسالته قصاصات من صحيفة «نيوليدر» نشرت في 21 ديسمبر تعلن فيها ان ليبراليين آخرين قد انسحبوا ايضا من تلك المنظمة.
ويشير الكتاب الى ان رسالة تحمل اسم «البعثة الامريكية لانقاذ السفن» ومؤرخة في 14 ديسمبر 1940، تورد اسماء اليانور روزفلت، وهيلين كيللر، وجوزفين ترسلو آدامز بين آخرين. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في عددها الصادر يوم 7 يناير 1941، ان اليانور روزفلت قدمت استقالتها من المنظمة.
وفي 8 يناير 1941 ذكرت صحيفة «واشنطن تايمز هيرالد» ان هنري مورجنتا الاب ـ والد وزير الخزانة الامريكي ـ استقال ايضا من هذه المنظمة بسبب تورطها الشيوعي. ثم في 8 فبراير من العام نفسه اعلنت صحيفة «واشنطن ستار» ان هيلين كيللر قدمت استقالتها من المنظمة بدورها. وكانت توجد في ذلك الوقت وكالة انباء انشأها السوفييت اسمها «انتركونتينانت نيوز» في مدينة نيويورك وكانت تقدم موضوعات دعائية سوفييتية للصحف الامريكية الشيوعية وترسل نصوصا مطولة الى موسكو حول التطورات الجارية في الولايات المتحدة.
وفي 9 يناير 1941 ارسلت الوكالة برقية الى موسكو عن «استقالة اليانور روزفلت وعدد قليل آخر من بعثة انقاذ السفن ومحاولات الصحافة تشويه المنظمة» وكان ذلك امرا يهم موسكو كثيراً. وقد ساعدت رسالة فاندل في رفع اسم اليانور روزفلت من مشروع تلك البعثة. ولكن لم يستمر الامر بهذه السهولة مع ماندل، فقد عاد في 18 مارس 1941 الى ارسال خطاب الى سيدة امريكا الاولى يكشف فيه ان لجنة مساعدة الصين هي واجهة شيوعية، فردت عليه برسالة تقول فيها: «لست افهم ما الذي تحاول لفت انتباهي اليه، هل يمكن من فضلك ان تكون واضحا وان تذكر لي ما الذي تريد معرفته مني؟!
ويقول المؤلفان ان ماندل لم يكن يريد معرفة شيء من السيدة الامريكية الاولى، ولكنه كان يريد فقط ان يخبرها بأن الشيوعيين قد عادوا مرة اخرى الى استغلالها، واوضح انها تعير اسمها لجماعة ليس هدفها مساعدة الصين ولكن جمع اموال لاهداف شيوعية في امريكا وفي الصين وتحقيق اهداف الدبلوماسية السوفييتية في الدولتين.
وردت اليانور روزفلت عليه قائلا: «لست اعتقد ان لجنة واشنطن لمساعدة الصين لها صلة بالشيوعية». وكان ماندل قد أرفق برسالته مقتطفات من تصريحات ادلى بها عضو في الحزب الشيوعي وعميل للسوفييت يدعي فردريك فيلد رئيس لجنة مساعدة الصين، وفيها يتهم الولايات المتحدة بمساعدة اليابان، ويدعوها الى سحب المساعدات لانجلترا كما يحرضها على التعاون الكامل مع الاتحاد السوفييتي ولكن حتى تلك المقتطفات لم تنجح في تحذير اليانور روزفلت من حقيقة لجنة مساعدة الصين.
ويرى المؤلفان ان السوفييت لم يفهموا جيدا شخصية اليانور روزفلت فهي ـ كما يقولان ـ مواطنه امريكية مخلصة، حتى وان لم تكن معصومة من الخطأ احيانا. وفي رأيهما ان السوفييت ربما تعرضوا للتضليل بشأن امكانية تجنيدها، وذلك بسبب تعرضها لخديعة ناشطة شيوعية اسمها جوزفين تروسلو آدامز، وهي سليلة رئيسي الجمهورية الثاني والسادس.
وكانت تتباهى امام زملائها الشيوعيين بأنها «استولت على أذني اليانور روزفلت، بل وعلى اذني الرئيس نفسه». ويستشهد المؤلفان بما كتبه مؤرخ امريكي للشيوعية في الثلاثينيات وهو هارفي كلير الذي يرى ان الشيوعيين ما كان ينبغي لهم ان يحملوا كلام جوزفين أدامز علي محمل الجد اذ ثبت بحلول الخمسينيات انها مصابة بالجنون.
ولكن المؤلفين يريان ان ذلك حدث بعد تلك الواقعة وان وثائق مكتبة روزفلت توضح انه خلال الحرب العالمية الثانية كان لها بعض التأثير على السيدة الامريكية ومن خلالها على الرئيس نفسه في بعض السياسات.