«صهر لبنان» القذافي: الصدر ورفيقاه اعتقلوا.. ومصيرهم مجهول
للمرة الأولى منذ 37 عاماً، يقرّ أحد أفراد عائلة معمر القذافي بواقعة اختطاف الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وبمسؤولية النظام الليبي المخلوع عن الجريمة.. وصولاً الى القول أمام القضاء اللبناني إن مصير الصدر ورفيقيه غير محسوم حتى الآن.
فقد تحول هنيبعل القذافي من شاهد الى مدعى عليه، مع إصدار المحقق العدلي في القضية القاضي زاهر حمادة، مذكرة توقيف وجاهية في حقه بجرم إخفاء معلومات، ومحاولة تضليل العدالة في ملف الإمام الصدر ورفيقيه.
وللمرة الأولى منذ 37 عاماً، يمثل أمام القضاء اللبناني شخص ينتمي الى الحلقة الضيّقة في النظام الليبي، برغم حقيقة أنه لم يكن قد تجاوز السنتين في لحظة الجريمة، وما زاد من أهمية الموقوف أنه «صهر لبنان» منذ 13 سنة، أي أنه كان معنياً بطبيعة الحال قبل أن يقدم على قرار الارتباط بفتاة لبنانية، بالتعرف على فصول قضية أدّت الى تعقيد العلاقات اللبنانية ـ الليبية منذ نحو أربعة عقود من الزمن حتى الآن.
وإذا كان توقيف هنيبعل في الأراضي السورية قبل عشرة أيام قد شابه الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً أن عملية استخباريّة كهذه تحتاج الى تسهيلات وإمكانيات كبيرة بحجم دول لا أفراد، فإن لحظة دخوله الى قصر العدل في بيروت، أمس، بحماية الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية، جعلت القضية تسلك مسارها القانوني الصحيح، وهي النقطة التي ركّزت عليها عائلة الإمام الصدر التي اعتبرت نفسها غير معنية بالتوقيف الى حين مثول القذافي أمام المحقق العدلي في القضية، فسارعت الى دعوة القضاء رسمياً للاستماع إليه بصورة مستعجلة.
كذلك تقدمت عائلة الصدر بطلب ادعاء شخصي عبر المحاميين خالد الخير وشادي الحسين، غير ان المفاجأة التي واجهتهما، تمثّلت برفض النائب العام الاستئنافي القاضي سمير حمود تسجيل الادعاء، الأمر الذي أثار استنكار العائلة وقيادة حركة «أمل».
في هذه الأثناء، كان القاضي حمادة قد تسلم هنيبعل القذافي الذي رفض تقديم أية معونة قضائية اليه برغم الإلحاح عليه، وقال للقاضي حمادة إنه يستطيع الدفاع عن نفسه ولا يحتاج الى أي محام.
وعلى مدى خمس ساعات، قدّم هنيبعل القذافي إفادة بدت غير متماسكة وأحياناً متناقضة، ولكنها أظهرت العناصر الآتية:
أولاً، الإقرار بمسؤولية والده معمر القذافي عن الجريمة، فضلاً عن أدوار آخرين بينهم شقيقاه سيف الاسلام والمعتصم بالله (أكثر المطلعين على الملف بعد والده بصفته رئيس جهاز الأمن الوطني الذي يمتلك كنوزاً أمنية) و «الرجل الثاني» في النظام الليبي المخلوع الرائد عبد السلام جلود الذي كان قد أبعد عن دائرة القرار في مطلع التسعينيات، ووضع قيد الإقامة الجبرية، وترك ليبيا بعد انهيار النظام، واختار الاقامة في العاصمة الايطالية روما، علما أن هنيبعل نفسه أقرّ بأنه تبوأ في نهاية التسعينيات منصب مستشار اللجنة الأمنية العليا التي كانت تدير ملفات أمنية واستخبارية كثيرة.
ثانياً، الإقرار بأن الامام الصدر ورفيقيه لم يغادروا الأراضي الليبية نهائياً.
ثالثاً، الاقرار بأن عدداً من ضباط استخبارات النظام من ذوي الرتب العالية، وبينهم مسؤول أمني ليبي كبير، كانوا مسؤولين عن ترتيب قضية تزوير سفر الصدر ويعقوب (الى روما) وبدر الدين (الى مالطا)، وتردد أن هنيبعل قدم اسما مشتبها به للشخص الذي انتحل اسم الصدر وحمل جواز سفره من طرابلس الغرب الى فندق «هوليداي ان» في روما.
رابعاً، الإقرار بنقل الامام الصدر الى مكان ما (سجن أو منزل) في طرابلس الغرب، وبعدم وجوده مع يعقوب وبدر الدين في مكان واحد.
خامساً، عدم تأكيد تصفية الإمام الصدر ورفيقيه حتى الآن، الأمر الذي يبقي التحقيق مفتوحاً على احتمالات شتى (قال أحد الممسكين بالملف إنه لا يستبعد أن يكون الثلاثة على قيد الحياة).
سادساً، تكوّن انطباع لدى المحقق العدلي بأن التحقيق يحتاج الى فترة أطول ربطاً بالتحقيقات السابقة وما تكون من معطيات وأدلّة، خصوصاً أن الساعات الأولى من التحقيق أظهرت وجود تناقضات في افادة الموقوف.
سابعاً، محاولة استدراج القضاء الى معادلة إطلاق سراحه مقابل قيامه بإجراء اتصالات مع بقايا النظام من أجل اماطة اللثام عن القضية!
خرج هنيبعل القذافي من قصر العدل بالسيارة نفسها التي أتى بها، وهي «جي ام سي» سوداء اللون، الى مكان التوقيف الذي يحظى بترتيبات أمنية من قبل فرع المعلومات نظراً الى هوية الموقوف، وطبيعة التهمة الموجهة اليه.
وفيما أكد مصدر قضائي لـ «السفير» أن لا نية لدى القضاء اللبناني لظلامة أحد في هذا الملف على قاعدة النص القرآني: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، قال وكيل عائلة الصدر المحامي شادي حسين إن الإنجاز الأبرز، أمس، تمثل في إصدار مذكرة التوقيف بحق هنيبعل، وهذا دليل بأنه يملك معطيات حاول اخفاءها عن القضاء اللبناني، معتبراً أن الملف بات بعهدة المحقق العدلي الذي يحق له استجوابه مجددا، وأشار الى أنه تقدم باسم العائلة بادعاء شخصي ضد هنيبعل القذافي «وهذه الشكوى كانت مرفقة بمستندات وقرائن تشير الى تورط هنيبعل بالجرم، وللاسف النيابة العامة التمييزية لم تسجل الشكوى لأسباب نجهلها».
ورداً على ذلك، قال القاضي سمير حمود إنه استمهل تسجيل الشكوى في انتظار ما سيقرره المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة. وأوضح أن «هنيبعل مطلوب بموجب مذكرة دولية ونشرة حمراء صادرة في حقه من الأنتربول والقضاء اللبناني سيطلب من ليبيا ملف الاسترداد لدرسه ليتم في ضوء ذلك تسليم القذافي او عدمه وذلك في مهلة 15 يوما». وأشار الى انه «في حال عدم ورود جواب ضمن المهلة المحددة فبإمكان القضاء اللبناني إطلاق سراح القذافي ما لم يكن ملاحقاً بجرم ارتكب على الأراضي اللبنانية».
وحول مذكرة الاسترداد تحديداً، قال المحامي شادي الحسين، إن هذا الاجراء تقوم به الحكومة اللبنانية من خلال دراسة الطلب المقدم من السلطات الليبية، موضحاً أنه بمجرد صدور مذكرة توقيف عن القضاء اللبناني بحق المدعى عليه استنادا الى المادة 408 من قانون العقوبات واعتباره موقوفاً لمصلحته، لا يمكن تسليمه للسلطات الليبية حتى انتهاء التحقيقات بهذا الخصوص، لأن الأولوية تكون للتحقيقات التي يجريها القضاء اللبناني.
الجدير ذكره أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبرغم تقبله طوال نهار أمس، التعازي بوفاة شقيقته في دارته في عين التنية، ظل على تواصل دائم مع القضاء وعائلة الصدر فضلا عن اللجنة الرسمية التي تتابع القضية وتضم في صفوفها عددا من المقرّبين من رئاسة المجلس النيابي.