تابع العالم لحظات سقوط وإحتراق القاذفة الروسية من طراز «سوخوي- 24» التي تم إستهدافها من قبل سلاح الجو التركي في الأجواء السورية. الرئيس بوتين وصف الحادث بأنه «طعنة في الظهر» واتهم تركيا بمساعدة تنظيم الدولة وتعهد بعواقب وخيمة لأنقرة. بينما أجمع الخبراء والمراقبون الروس على ان «الطعنة في الظهر» لم تصب الطائرة الروسية فحسب بل العلاقات الروسية التركية برمتها. حيث سجلت هذه الحادثة بمداد من الدم على صفحة العلاقات التاريخية بين روسيا وتركيا حقيقة أن أول الخسائر البشرية في القوات الروسية في سوريا، لم تكن بيد الإرهابيين من تنظيم الدولة كما كان متوقعا، بل من قبل تركيا التي اعتبرتها روسيا منذ عام 2000 شريكها الاستراتيجي.
وبناء على تلك الطعنة الغادرة كما وصفها الرئيس الروسي، وكارثة الطائرة الروسية في سيناء والتي أثبتت التحقيقات أنها ناتجة عن عمل إرهابي ومن ثم بعد مذبحة باريس. بدأ رد الفعل الروسي العسكري يتصاعد وهذا لم يلق ارتياحا تركيا مما دفع بالنقاش بين بوتين وأردوغان في انطاليا خلال قمة العشرين للتركيز على هذا الموضوع تحديداً.
يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد بعد يوم من إسقاط الطائرة الروسية، ان سلاح الجو التركي حذر عشر مرات الطائرة، مؤكداً على حق تركيا في حماية حدودها.
بيد أن انتهاك الحدود التركية وإن كان قد وقع، بطريقة غير مقصودة لثواني فقط لا يمكن إعتباره انتهاكا وتدخلا، بحسب ما يرى الجانب الروسي، إلا أن الحقيقة التي أعلنها الرئيس بوتين هي ان «الطائرة الروسية لم تهدد تركيا ولا أجواءها بأي شكل. وفي محاولة لإحتواء الأزمة وتخفيف حدة التوتر، أعلن أردوغان ان تركيا لا تريد التصعيد».
إلا أن أصواتاً وآراءً لعدد من الباحثين والمراقبين الروس ترى أن تركيا قامت بمجازفة وربما لم تحسن التفكير في خطواتها «لم يحصل أردوغان على الدعم الذي كان يتوقعه من حلف الناتو. من الواضح أن إسقاط الطائرة تم بشكل متعمد. إن سلاح الجو التركي يقوم بانتهاك أجواء الدول الأخرى كل يوم حيث تحلق وتقصف الطائرات الحربية التركية مناطق داخل سوريا والعراق. يبدو ان الأتراك استخفوا برد الفعل الروسي هكذا علق إلشات سايتوف، الخبير في الشؤون التركية ومدير مركز التركي الروسي في موسكو على تداعيات الحادث في حديث خاص مع «القدس العربي». الملاحظ أن الهيستيريا التي انتشرت في وسائل الإعلام التركية أيضا تشير إلى ان ما قامت به الحكومة التركية كان معتمداً حيث ظهرت في 23 تشرين الثاني/نوفمبر أغلبية الصحف والمجلات التركية بعناوين تتهم روسيا بضرب السكان التركمان المحليين على شريط جبال الحدود التركية السورية.
«قامت روسيا بالفعل بتكثيف ضرباتها في المناطق الجبلية في اللاذقية وحلب بهدف خلخلة توازن القوى في المنطقة. وإذا كانت حجة الحكومة التركية أن سبب إعتدائها على الطائرة الروسية هو قيام القوات الجوية الروسية بقصف مناطق التركمان فكان الأحرى بتركيا ان تحل هذه المشكلة مع روسيا بالحوار وليس بالعنف. من جانب آخر، ليس من الممكن ان نستبعد ان مسلحي الدولة يتواجدون في هذه المنطقة لأنهم يستخدمون الطرق البرية في الجبال من أجل التسرب إلى تركيا». ويضيف فلاديمير أحمدوف بأنه لا يستبعد بعض الافتراضات بان الهجوم التركي هو انتقام أنقرة لقيام القوات الروسية بضرب ناقلات النفط المهرب من حقول النفط التي تخضع لتنظيم الدولة إلى الأراضي التركية.
إلى ذلك يرى مدير معهد الدراسات الاستراتيجية الروسية الكولونيل ليونيد ربشيتنيكوف أن تركيا تكسب كثيراً مما يجري في سوريا: «تركيا تكتسب أموالا ضخمة جراء تهريب النفط الذي يقوم تنظيم الدولة بسرقته من حقول العراق وسوريا. والضربات الروسية الأخيرة على مواقع النفط أثارت حفيظة أردوغان». ويرى الخبير في الشؤون التركية إلشات سايتوف ان العملية الروسية في سوريا أثارت غضب الأتراك لانها غيرت توازن القوى في المنطقة: «منذ عام 2010 -2011 غيرت تركيا سياستها الخارجية التي كانت تسمى (صفر مشاكل مع الجيران) إلى ما يسمى سياسة (الخلافة) بقيادة رجب طيب أردوغان. وبدأت بتمويل المعارضة السورية لهذا الهدف. ولكن وفي نهاية عام 2013 أنفجرت في تركيا فضيحة الفساد ومنذ ذلك الحين يحاول أردوغان الحفاظ على السلطة فالبنسبة له السياسة الخارجية هي وسيلة لمواصلة سياسته الداخلية».
إلا أنه وحتى الآن من الواضح أن الطموحات العثمانية لأردوغان، فشلت، فالعالم المعاصر يرفض رغبة أنقرة شغل موقع الخلافة للدول الإسلامية، لقد فشلت خططه في مصر وفي فلسطين وفي سوريا.
«كان أردوغان واثقا بأن نظام الأسد سيسقط خلال 3 أشهر. لكن ذلك لم يحصل. لدى تركيا وروسيا في سوريا مصالح متضاربة. فلتركيا عدو رئيسي هو الأكراد. وتقوم تركيا بتمويل المجموعات السورية المعارضة. وهذه المجموعات تعد تهديدا مباشرا للأسد والحقيقة أن المواجهة الأقوى والأعنف هي معهم وليس مع مسلحي تنظيم الدولة بينما تدعم روسيا الأسد. وهذه الإشكالية من أصعب وأعقد الإشكالات بالنسبة لتركيا»، يقول إلشات سايتوف في مقابلة مع صحيفة «القدس العربي».
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن ان العواقب ستكون وخيمة بالنسبة لتركيا دون تحديد نوعها. لكن الناطق الرسمي دميتري بيسكوف أوضح ان الحديث حول العقوبات العسكرية غير مطروح. ولكن لدى روسيا امكانيات للضغط على تركيا. وبالفعل فقد بدأت روسيا بعض الإجراءات، حيث أوصت وزارة الخارجية الروسية المواطنين بتعليق رحلاتهم إلى تركيا. وتقدر خسائر تركيا في السياحة بحوالي 3،5 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا أن تسبب أزمة كارثية في كل ما يتعلق بالطاقة في تركيا.
لهذا، يرى المتخصص في استثمارات الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلدار قاسايف أن تسود الحكمة والتعقل في ضبط العلاقات بين روسيا وتركيا. إلا أن الأمور تسير بخطى متسارعة نحو الهاوية، العلاقات وصلت إلى حد العداء في بعض نقاط التماس، لكن وبالرغم من الأوضاع الدقيقة، ستواصل روسيا توريد الغاز إلى تركيا لسبب بسيط جداً، وهو أن تركيا تعدّ ثاني أكبر مستخدم للغاز الروسي بعد ألمانيا»، وبعقلانية كبيرة أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو تنتظر الاعتذار من تركيا والتعهد بمعاقبة المذنبين وتعويض الخسائر. كما أشار الزعيم الروسي إلى ان أنقرة بسلوكها هذا تدفع بالعلاقات مع روسيا إلى طريق مسدود. فهل ستستجيب أنقرة لصوت العقل؟
------------------
الكاتب : فيكتوريا سيميوشينا