تلقيت صباح الخميس 4 أكتوبر 1973 ، اتصالاً هاتفياً من الرئيس السادات، أخبرنى فيه باجتماعه مع السفير السوفيتى لدينا، فى منزله بالجيزة، وأن السفير نقل له طلب الكرملين السماح بهبوط أربع طائرات نقل سوفيتية فى مطار القاهرة صباح الجمعة 5 أكتوبر لنقل الخبراء والمدنيين السوفيت من العاملين فى المصانع والقطاع المدنى، والعودة بهم لبلادهم، وقال لى الرئيس إنه وافق على ذلك، وعلم من السفير أن سبب تلك الخطوة المفاجئة خشية موسكو من اندلاع حرب باتت وشيكة، وخشيت أن يثير سفر تلك الأعداد ريبة المترددين على المطار، وأن يثير الشكوك حول أسباب سفرهم، فاقترحت على الرئيس هبوط الطائرات فى أحد المطارات العسكرية، فوافقنى الرأى.
كان الإعداد للمعركة ولساعة الحسم يجرى على قدم وساق. وانتقل الرئيس السادات يومها إلى قصر الطاهرة، حيث كان قد تم إعداده من قبل القوات المسلحة بكافة تقنيات الاتصال، ليتمكن الرئيس من متابعة الموقف أثناء الحرب فى حال تعرض شبكة الاتصالات لأية مشكلة قد تنجم عن الأعمال العسكرية.
فى ذات الوقت، الذى كنت أحمل هم رحيل أكثر من ثمانمائة سوفيتى، خوفاً من أن يلفت هذا نظر قادة إسرائيل ويدفعهم للبحث وراء أسبابه؛ ولذا قلت للسفير السوفيتى حينما جاء للاتفاق على إجراءات رحيل مواطنيه؛ إن من حقه أن يفعل ما يشاء، ولكننى أرى الوقت غير مناسب للقيام بتلك الخطوة، فلم يجب سوى بالقول إن تلك إرادة القيادة فى موسكو، وكان له ما أراد يوم الجمعة الخامس من أكتوبر.
كانت الأوامر قد صدرت بتدمير محطة المحولات الكهربائية الإسرائيلية الواقعة خلف جسر وادى العريش، وذلك لمنع إمداد معسكرات العدو فى سيناء وثلاجات حفظ طعامه الضخمة وأجهزة التكييف فى غرفة العمليات، بالطاقة الكهربائية إلى جانب تدمير مركز التنصت الذى أقامته إسرائيل فى تلك المنطقة.. وكان السؤال المُلح كيف نفعل هذا؟ ولكن رجال المخابرات المصرية كانوا قد حددوا الوسيلة، وموعد التنفيذ الذى بدأ صباح الخميس 4 أكتوبر، ولذلك قصة لا بد من روايتها، حيث تعبر عن معدن المصرى الأصيل واستعداده لبذل الغالى والرخيص من أجل وطنه. وما حدث أنه وفى يوم الخميس دخل رجل فى الأربعين من عمره لصيدلية فى شارع 23 يوليو بمدينة العريش المحتلة منذ عام 1967، وأعطى تذكرة الدواء للصيدلى محمود حمودة، الذى بدأ فى قراءتها وكانت تحتوى على نوعين من الدواء، هما: 6 حقن ڤيتامين ب المركب و12 كبسولة مضاد حيوى كلورومايسين، ولكن كانت هناك خطوط صغيرة تحت رقم 6، وحرف ب ورقم 12 فى التذكرة، فأدرك الصيدلى أن تلك رسالة مُشفرة، سرعان ما فك رموزها وعرف المهمة المكلف بها، فمنح الرجل الدواء، وسارع لإغلاق صيدليته، والإرسال لبعض زملائه لتنفيذ مهمة تدمير محطة المحولات التى خططت لها المخابرات العامة المصرية منذ أسابيع معهم، وزودتهم بالمتفجرات والعبوات الناسفة اللازمة لذلك. ولهذا توجهت لمكتبى فى صباح يوم الجمعة، الذى كان قد تم تحديده كيوم لتنفيذ تلك العملية فى العريش وظللت فى انتظار خبر نجاح العملية، وذلك لأهمية تدمير تلك المحطة قبل بدء الحرب. وشعرت بالارتياح مع ورود أخبار نجاح عملية التدمير، ولا أملك هنا سوى الانحناء لهؤلاء الأبطال الذين كتبوا بدمائهم بطولة جديدة لحماية أمن الوطن.
أثناء وجودى فى مكتبى يوم الجمعة الخامس من أكتوبر 1973 ، دخل علـىَّ اللواء حسن الجريدلى، وسألنى إن كان معى أمر موقع بالحرب والقتال من القائد الأعلى للقوات المسلحة، فأجبته بالنفى، وأضفت: «يا حسن الخطط جاهزة، والريس يعرف كل التفاصيل، وأصدر التوجيه السياسى فى الأول من أكتوبر». فأجابنى حسن بقوله إن الواجب علينا حفظاً للتاريخ، أن يكون معنا أمر مكتوب وموقع من القائد الأعلى للقوات المسلحة، كوثيقة للتاريخ يتم حفظها بالسجلات الرسمية، وهو ما حدث، فعندما جاء الرئيس السادات إلى مركز العمليات مساء الخامس من أكتوبر لمتابعة الاستعدادات النهائية للقوات، وقع على أمر القتال الذى كتب نصه اللواء حسن الجريدلى وكان نصه:
توجيه استراتيجى من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الفريق أول أحمد إسماعيل على وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة..
1 - بناء على التوجيه السياسى العسكرى الصادر لكم منى فى أول أكتوبر 1973، وبناءً على الظروف المحيطة بالموقف السياسى والاستراتيجى: قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الاستراتيجية الآتية:
(ا) إزالة الجمود العسكرى الحالى، بكسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973.
(ب) تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات.
(جـ) العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل قتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة.
2 - تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية..
وهكذا سجل التاريخ وثيقة أمر بدء القتال والموقع من الرئيس السادات فى 5 أكتوبر عام 1973.
كنت أتابع الاستعدادات فى اللحظات الأخيرة قبيل المعركة بقلق شديد وذلك لأسباب عديدة منها تسريبات الصحافة الإسرائيلية أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلى تراقب عن كثب كل ما يدور على الجانب المصرى من قناة السويس، وتتخذ كافة الإجراءات لتفادى هجوم مصرى مفاجئ. لقد توقعت أن تثير تدريباتنا وتحركاتنا على ضفة القناة شكوك إسرائيل، ولكن كان الغرور قد وصل منتهاه بقيادات العدو الذى كان يرفض تحليل البنتاجون لما يرد من أخبار عن الجبهة المصرية، واحتمال وقوع هجوم وشيك، بل إنهم كانوا يتعاملون مع التحرك على الجبهة المصرية على أنه مجرد مناورة لإيمانهم أن المصريين لن يفعلوا شيئاً. فى ذات الوقت الذى خشيت فيه أن يلفت رحيل الخبراء المدنيين السوفيت يوم 5 أكتوبر، أنظار إسرائيل ومحلليها، ولكنهم لم يسمعوا سوى أصوات عقولهم.
الغريب فى الأمر، أن العدو حصل فى يوم الخميس 4 أكتوبر على صور التقطتها طائرات الاستطلاع الأمريكية توضح اتخاذ قواتنا وضع الهجوم، وكذلك الأمر على الجبهة السورية التى كانت تتأهب لوضع هجومى بدفع المدفعية المتوسطة للأمام، ولكن رجال المخابرات الإسرائيلية تعالوا على تلك اللقطات ولم يروا فيها سوى مناورة عسكرية. والحقيقة أننا كنا سَرَّبنا تلك المعلومات قبل أشهر من الحرب، مبررين ما نقوم به من مناورات عسكرية، برغبة الرئيس السادات فى امتصاص غضب قوات الجيش من تأخر إعلان موعد بدء الحرب.
فى صباح السادس من أكتوبر، وأثناء وجودى فى مكتبى، جاءنى كل من اللواء محمد حسنى مبارك، واللواء محمد على فهمى، وكان هدف زيارتهما الاطمئنان على وضع القوات الجوية وقوات الدفاع الجوى، بعدها بدأت فى الاتصال من داخل مركز العمليات (10) بكل القادة وقادة الجيوش الميدانية لأخذ تمام الاستعداد لتنفيذ عملية الهجوم من كل قائد، كان اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، قد نبهنى إلى أن سماء مصر لا توجد بها طائرة واحدة، بعد إصدار الأوامر للطيارين بأخذ وضع الاستعداد لساعة الصفر، وخشى مبارك أن يثير اختفاء طائراتنا شكوك الإسرائيليين الذين اعتادوا رؤية طائراتنا بشكل يومى أثناء التدريب، فما كان من قائد القوات الجوية إلا أن أصدر قراره لقادة بعض القواعد الجوية، بالسماح لعدد من الطائرات بالانطلاق والقيام بأعمال تدريبية معتادة على ارتفاعات يُسمح باكتشافها ليطمئن العدو بأننا نمارس نشاطنا التدريبى المعتاد.
قبيل الحرب بساعات، أخبرتنى المخابرات الحربية بأن جولدا مائير صدقت لرئيس الأركان الإسرائيلى على طلب منحه سلطة إعلان تعبئة القوات الاحتياطية فى السابعة من صباح يوم السبت السادس من أكتوبر، وكان دافعه فى ذلك ورود معلومات له بقرب وقوع هجوم مصرى سورى وشيك.. والأكثر أن الجنرال داڤيد إليعازر طلب من الحكومة الإسرائيلية بناء على هذه المعلومات الواردة له السماح له بشن هجوم إجهاضى ضد الجبهة المصرية والسورية، فى الواحدة ظهر السادس من أكتوبر. أى قبل ساعة واحدة من بدء هجومنا، إلا أن حكومته رفضت طلبه !
كان طبيعياً أن يكون أول هدف سياسى استراتيجى لأى عمليات للقوات المسلحة المصرية هو إثبات فشل نظرية الحدود الآمنة لإسرائيل، وأن هذه النظرية ما هى إلا وسيلة للتمسك بالأراضى المحتلة من قبل قادة الصهيونية. وعلى ضوء هذا الهدف، وصلنا إلى أن تحقيقه يتطلب من القوات المسلحة تحقيق عدد من الأهداف تتلخص فى: هزيمة قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء والهضبة السورية، والاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تهيئ الظروف المناسبة لاستكمال تحرير الأراضى المحتلة بالقوة، لفرض الحل السياسى العادل للمشكلة. وبناءً على هذا الهدف الواضح، كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعمليات هجومية استراتيجية مشتركة، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية وتقوم فيها مصر بالاقتحام المباشر لقناة السويس، وتدمير خط بارليف، والاستيلاء على «رؤوس كبارى» بعمق 10 - 15 كيلومتراً على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وصد وتدمير هجمات العدو المضادة، وتطوير الهجوم شرقاً لتحقيق مهمة القوات المسلحة. وقد تحقق هذا الهدف كاملاً، لقد ثبت لإسرائيل والعالم أن نظريتها فى الحدود الآمنة باطلة، وبالتالى، انكشفت حجتها فى الاستيلاء على الأراضى العربية بالقوة، وانكشفت رغبتها الحقيقية فى التوسع والضم. وكما قال مؤلف أجنبى: إن إسرائيل انتصرت سنة 1967 من حدود غير آمنة، وهزمت سنة 1973 من حدود آمنة! وبالنسبة لنا، لقد خرجنا من المعركة أحسن وأكفأ مما دخلنا، من حيث النوع والخبرة والمعنويات والتدريب، واستفدنا من خبرة حرب أكتوبر استفادة كاملة. ولا شك أن المعركة القادمة، إذا قدر لنا أن نقوم بها، ستكون مختلفة تماماً عن الحرب السابقة. ستكون بمفهوم جديد، وبتفكير جديد، وبتخطيط علمى جديد مدروس لكل الاحتمالات المقبلة بنفس روح أكتوبر العظيمة. أما بالنسبة لعنصر المفاجأة، فإننى أعدكم أن نحصل عليه أيضاً مرة أخرى، فهناك وسائل شتى للحصول عليه، إذ إنه ليس نمطياً، واستعدادنا، انتظاراً لأى حرب قادمة، يسير اليوم فى مجالات متعددة، منها إعداد القوات بتدريبات جيدة، ورفع الكفاءة الفنية للمعدات، وتطوير قواتنا المسلحة بوجه عام، وأحب هنا أن أسجل أن كل ذلك يتم أيضاً على الجبهة السورية، وأن التنسيق كامل بين الجبهتين. وأؤكد أننا فى وضع أفضل بما لا يقاس، فلنا الآن اتصال برى مع العدو، ولا يوجد بيننا وبينه مانع مائى، أو خط بارليف، ولا أعنى بذلك أننا لا نحافظ على كلمتنا فى فصل القوات وانتظار محادثات جنيف والاستعداد لها، وقد تختلف الوسائل والخطط، ولكن لكل مشكلة حلها.
إننا نعرف سيناء شبراً شبراً، فهى أرضنا الحبيبة. لا بد هنا من التأكيد على دعم الجبهة الداخلية للقوات المسلحة فى حربها لاستعادة الكرامة، فلأول مرة تم ما يسمى بإعداد الدولة للحرب، وكان الفضل فى هذا للرئيس السادات، كان للتنسيق بين القوات المسلحة وأجهزة الدولة المعنية قبل المعركة بوقت طويل فيما يتعلق بإعداد الدولة للحرب، أثره الفعال عند إدارة العمليات الحربية، وعلى سبيل المثال، فقد تم الآتى:
التنسيق مع أجهزة الإعلام ووزارة الخارجية فيما يتعلق بخطة الخداع الاستراتيجى التعبوى، التنسيق مع وزارة البترول فيما يتعلق بحجم الاحتياطى من البترول ومدة كفايته، ووضع الخطط البديلة لاستمرار إمدادات البترول الخارجية فى حالة توقف المصادر المحلية، التنسيق مع وزارة التموين فيما يختص بالاحتياجات الإدارية اللازمة للقوات المسلحة، إنشاء مراكز القيادة اللازمة للوزارات المختلفة والتى تعمل منها أثناء إدارة العمليات الحربية، وربطها بجهاز القيادة العامة للقوات المسلحة، إلمام الوزارات المختلفة بأعمال العدو المحتملة وتصورات المعركة القادمة، ودراسة ردود الفعل المحتملة لدى أجهزة الدولة، مع دراسة أسلحة العدو وإمكانياتها ومدى تأثيرها على المنشآت الحيوية بلجان قامت بالمرور على الوزارات، علاوة على الجهود الذاتية الجبارة التى قامت بها الوزارات، كل فى اختصاصها.
كانت إسرائيل قد وضعت فى تقديرها السياسى الاستراتيجى، أنه من المستحيل على مصر أو مصر وسوريا أن تشنا حرباً، معتمدة فى ذلك على تصورها أن جيشها فعلاً لا يقهر، وأنه ما من حاكم مصرى يمكنه أن يتخذ قرار حرب، فى الوقت الذى يمكن أن يتعرض فيه عمق الدولة المصرية لضربات ردع قوية، وكانت أسيرة هذا التقدير فى كل تصرفاتها. إلا أنه من الناحية السياسية، كان لسوء حظها أن وجد هذا الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة الذى قرر الحرب واتخذ القرار. أما من الناحية العسكرية، فكانت إسرائيل تبنى استراتيجيتها على نظرية الأمن الإسرائيلية، وهذه النظرية كانت مبنية، فى تصورى، على الأسس التالية: اعتمادها على مخابرات على درجة عالية من الكفاءة وكانت تعاونها المخابرات الأمريكية، وحدود آمنة بعيدة عن قلب إسرائيل، والكثافة السكانية مع الاحتفاظ بخط قناة السويس ومرتفعات الجولان التى استولت عليها عام 1967، وكفاءة عالية فى تعبئة الاحتياط. ولقد فوجئ العدو فعلاً بهذه النظرية الجديدة فى الحرب ضد الطائرات، ولم يتصور أن مصر يمكنها أن تقوم بمثل هذا العمل. أما عن استخدام قواته الجوية كقوة ردع فى عمـق الدولة، فإن تقديره كان خطـأً، بدليـل أنه لم يحاول ضرب العمق، لأنه كما قال السيد الرئيس «العمق بالعمق»، وكنا جاهزين للتنفيـذ إذا أمرنا بذلك. أما عن كفاءة قواته المدرعة، وقوله المأثور فى إسرائيل كشعار (الفخر كل الفخر للمدرعات)، فإن ما حدث لمدرعات إسرائيل فى هذه الحرب قد فاجأها، بل وفاجأ العالم كله، ولو أننى لا أنقص من قدر المدرعات مطلقاً، إلا أنه ثبت أن فرد المشاة الشجاع المسلح بالأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات، يمكن أن يقلب سيادة المدرعات رأساً على عقب فى مواقف معينة، فلقد فشل العدو، ولم يمكنه فرد المشاة الشجاع من استخدام قواته المدرعة فى الآتى، على سبيل المثال: لم يقم بالفتح التعبوى أو التكتيكى فى الوقت المناسب، وبالتبعية لم يحتل الساتر الترابى الذى كان مجهزاً به موقع لكل دبابة، بين الواحدة والأخرى 150 متراً، على مدى 175 كم بطول قناة السويس، هاجمت قواتنا المسلحة على مواجهة تقدر بـ 175 كم، وأجبرناه على تشتيت جهود مدرعاته فى كل اتجاه وبأعداد قليلة، مما سهل تدميرها جزءاً جزءاً. لم يستوعب درس قتال اليوم الأول أو الثانى بسرعة كافية من ذهول المفاجأة، مما جعله مستمراً فى قيامه بهجمات مضادة بالشكل النمطى، مما أدخله فى نطاق ما أطلق على أسلوبنا المبتكر هذا بمفرمة اللحم، وهو تدمير جميع دباباته فى هجماته المضادة المتكررة، أما فيما يختص باعتماده على حرب قصيرة، فلأول مرة تعتبر حربنا -نسبياً- ليست بحرب قصيرة، وتكبد فيها خسائر فادحة على الجبهتين المصرية والسورية. وأصل إلى قمة فشله فى هذه المعركة، والتى أجلت الحديث فيها إلى آخر الحديث، وهو ما أظنكم توافقوننى، والعالم كله يوافقنى، أن نظرية الأمن الإسرائيلية ثبت فشلها، فلا احتفاظه بشرم الشيخ منعنا من إقفال الملاحة الإسرائيلية فى باب المندب، ولا احتلاله للمانع المائى بحصون خط بارليف منعنا من اقتحامه والاستيلاء عليه، لقد نجحت إسرائيل فى شىء واحد، هو اعتمادها على دولة عظمى. نعم. وأعتقد أنه لولا التدخل الأمريكى لأصيبت إسرائيل بهزيمة نهائية. نعم. درست القوات المسلحة نفسية وسمات الجنود الإسرائيليين الأسرى فى حرب أكتوبر سنة 1973، وخرجت باستنتاجات كثيرة، منها، على سبيل المثال، وليس الحصر: معظم جنود الرتب الصغيرة من اليهود الشرقيين (85%)، والرتب الكبيرة مقصورة على الغربيين. معظمهم يقع تحت أوهام الدعاية الإسرائيلية الداخلية. مثلاً، يصورون لهم مشكلة فلسطين، بأنه حدث تبادل بشرى بين الدول العربية وإسرائيل، ولا يوجد يهود فى مصر، بل إن مصر شردتهم وحطمت معابدهم. وعندما زار عساف ياجورى أسراً مصرية يهودية فى الزمالك والمعبد اليهودى، فإنه قال بالحرف الواحد: لقد وقعنا تحت وهم المؤسسة العسكرية فى إسرائيل لأكثر من 20 عاماً. معظم القادة والجنود من الاحتياط (4 من خمسة)، ويكرهون الحرب، ويفضلون وظائفهم المدنية عليها. مثلاً، عساف ياجورى يعمل مدير فندق فى ناتانيا، ولما زار بعض فنادق مصر (شبرد، سميراميس، مينا هاوس.. إلخ)، قال: هذه الفنادق لا تقارن بفنادق إسرائيل ولكن تقارن بفنادق أوروبا! جعلنا، بعد ذلك، كل أصحاب مهنة يزورون المصانع والمؤسسات التى تماثل مهنهم، الأطباء يزورون المستشفيات ومعامل الأدوية، المهندسون يزورون مصانع الحديد والصلب وغيرها. وقالوا إنهم فوجئوا (على خلاف الدعاية الداخلية عندهم عن مصر)، بمدى هذا التقدم.
أتذكر حواراً باسماً دار بين الرئيس السادات وبينى قبل الحرب بأيام قال لى فيها وهو يتصنع الجدية: هى الحرب يوم إيه؟
فقلت: يوم السبت.
فقال السادات: والنهارده إيه؟
قلت: الثلاثاء،
فقال السادات مازحاً: أنا خايف يوم السبت الجاى تكون جثتك متعلقة فى ميدان التحرير،
قلت: وأنا موافق من أجل مصر.
حقيقة الثغرة
أود، أولاً، أن أذكر بتسلسل الأحداث منذ بداية حرب أكتوبر بشكل مختصر جـدا، ولكننى أجده لازماً قبل أن أشــرح بعـض التفاصيل عن جيب الدفرسوار والخطط التى كانت موضوعة لتدميره. نذكر أن الجيشين الثانى والثالث على مواجهة 175 كم، تمكنا من اقتحام قناة السويس، والاستيلاء على خط بارليف بالكامل، وإنشاء خمسة «رؤوس كبارى» بخمس فرق، ثم وحدت الجيوش رؤوس كبارى الفرق فى رأس كوبرى لكل جيش، وصدت جميع هجمات العدو المضادة وبلا استثناء، وكبدته خسائر جسيمة. وبعد أن حققنا أهداف هذه المرحلة، وهى الاستيلاء على خط بارليف وإحداث أكبر خسائر للعدو فى قوته البشرية وأسلحته ومعداته، وبالنسبة لظروف القتال فى سوريا فى ذلك الوقت، وجد من المناسب الضغط شرقاً على طول المواجهة لجذب احتياطى العدو، سواء طيرانه أو مدرعاته، من جبهة سوريا تجاه الجبهة المصرية واكتساب مزيد من الأرض.
وفـعـلاً، تم خلال يوم 14 أكتــوبر 1973 هـذا التطوير الذى وإن لم يحقق أهدافه كاملة إلا أنه حقق الأهداف الرئيسية منه، وهى:
- تخفيف الضغط على سوريا لسحب طيران العدو ومدرعاته من الجبهة السورية تجاه الجبهة المصرية.
- إحداث خسائر فادحة للعدو، وبصفة خاصة فى مدرعاته، فى معارك كبرى اشتركت فيها من الجانبين أكثر من 1500 مدرعة.
- اكتسابنا مزيداً من الأرض، ولكن، فى الواقع، ليس كل المنطقة التى كنا قد خططنا لها.
وبسحب العدو لطيرانه ومدرعاته من جبهة سوريا وجد العدو أن الحل الأنسب له التركيز بكل قواته وفى اتجاه واحد لإحداث أى اختراق فى مواجهتنا والعبور إلى الغرب تحت ستار وقف إطلاق النار المتوقع فى ذلك الحين فى أى وقت، والذى كانت القوى الكبرى تحاول بكل ثقلها تنفيذه، خصوصاً أن الولايات المتحدة بدأت ترسل دعمها يوم 9 اكتوبر ، وبدأت آثار الدعم تظهر فى خط القتال من يوم 11 اكتوبر .
وقام العدو، ليلة 15/16 أكتوبر، بعد هجوم مركز على الجانب الأيسر للفرقة 16 من الجيش الثانى، باستغلال هذا الهجوم، وعبر فى منطقة الدفرسوار بقوة من المظلات وسبع دبابات زادت إلى 30 دبابة، مستغلا طبيعة الأرض من المناطق المزروعة والمبانى المهدمة فى اختفاء دباباته والقتال فى الدفرسوار، ثم دارت معارك طاحنة شرق وغرب الدفرسوار بين قواتنا وقوات العدو، وتكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة إلا أن خسائر إسرائيل، باعترافهم واعتراف أمريكا فى هذه المنطقة، كانت من الفداحة حتى إن إسرائيل قررت وقف هذه العملية فى مرحلة معينة. ولا أفشى سرا إن قلت إن هذه الثغرة كدنا نقفلها تماماً فى المراحل الأولى لها بواسطة قواتنا. وفى الوقت نفسه، فشلت هجمات العدو المضادة تماماً على طول مواجهة الجيشين فى الشرق بقصد فتح ثغرات أخرى فى أماكن أخرى، وفشلت فى جميع الأماكن عدا الدفرسوار.
وأريد أن أنوه هنا إلى أنه بنهاية يوم 22 أكتوبر 1973، وعند تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار، كان جيب العدو غرب القناة لا يزيد فى حجمه عن نصف رأس كوبرى واحد لإحدى فرقنا الخمس شرق القناة، وأنه استنفد ستة أيام من القتال الرهيب، استخدمنا فيه كل قواتنا الجوية وكل أنواع الصواريخ والمدفعية.
ثم استمر العدو، وتحت ستار وقف إطلاق النار، فى التوسع جنوباً ليحول مغامرته المحفوفة بالخطر إلى وضع أكثر أمناً لقواته. وفى الوقت نفسه، كان يريد قطع خطوط إمداد فرقتين من الجيش الثالث موجودتين شرق القناة، وذلك للمساومة بهذا الوضع، واضعاً فى اعتباره أن الذى يؤمنه، أولاً وأخيراً، هو قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وليس قوته من الناحية العسكرية، حيث كان وضعه حرجاً للغاية غرب القناة، خصوصاً بعد فشله فى اقتحام مدينة السويس الباسلة.
لقد وجد العدو أن موقفه فى الغرب حرج وضعيف؛ لذلك دعم قواته فى الجيب حتى وصل حجم قواته فى النهاية إلى 7 لواءات، تشمل حوالى 550 دبابة. وكان تنظيمه لقواته يبين تماماً أنه كان فى وضع الدفاع لا الهجوم، كما رص أمامه 750 ألف لغم رفعناها بعد ذلك، وهى فى حوزتنا سليمة الآن، ومن هذا يمكن أن تقدر مدى قلقه.
اما بالنسبة لقواتنا، فقد تم احتواء العدو بالكامل، وأحيط بالقوات من كل جانب ومن كافة الاتجاهات، عدا ممراً ضيقاً جدا فى الدفرسوار بعرض 6 كيلومترات. وفى الواقع أن وقف إطلاق النار الفعلى كان فى الساعة 11 ظهر يوم 28/10/1973 - وأصدرت أوامرى ببدء حرب استنزاف جديدة اعتباراً من يوم 31/10/1973، أى بعد يومين من وقف إطلاق النار. ولك أن تسأل نفسك: لو أننا كنا فى موقف الضعف، هل كان ممكناً أن أصدر هذا الأمر بعد يومين من وقف إطلاق النار بكل احتمالاته؟
لقد كانت حرب استنزاف غير معلنة من جانبنا، اكتفاءً بما كانت تعلنه بلاغات العدو وتقارير الأمم المتحدة. وكانت أهداف حرب الاستنزاف غير المعلنة هذه هى:
- إحداث أكبر خسائر فى العدو فى قواته البشرية ومعداته وأسلحته، وأن يصبح وضعه فى الجيب غير محتمل مع استمراره فى تعبئة الاحتياطى، وهو ما لا يمكن للعدو أن يتحمله مدة طويلة.
- عدم تمكينه من تثبيت أقدامه بتدمير تجهيزاته الهندسية ومعداته التى تظهر فى المنطقة.
- اكتساب مزيد من الأرض شرقاً وغرباً.
ويمكن أن يوضح البيان التالى مدى نشاط قواتنا المسلحة فى الفترة من 31/10/1973 إلى 18/1/1974، أى يوم توقيع اتفاقية فصل القوات. لقد نفذنا، طبقاً لبيانات العدو، 439 عملية، منها 93 فى شهر نوفمبر 73، و213 فى شهر ديسمبر 73، و133 فى شهر يناير 1974. كما أسفرت هذه العمليات، طبقاً لبلاغات هيئة الرقابة الدولية وبلاغات القوات الإسرائيلية نفسها، عن الخسائر الآتية فى العدو: 11 طائرة، 41 دبابة ومدرعة، 10 رشاشات ثقيلة، 36 «بلدوزر» ومعدة هندسية ومركبة. إصابة ناقلة البترول (سيرينا) الإسرائيلية، إغراق زورق إنزال بحرى، قتل 187 فرداً للعدو. علاوة على عدد الجرحى والذى يمكن تقديره بأضعاف خسائره فى الأرواح.
وللقارئ أن يستنتج أن الخسائر أضعاف ذلك بكثير، إذا كانت هذه بيانات العدو. كما أؤكد لك، وقبل أن أدخل فى شرح التخطيط لعملية تصفية الجيب، أن الفرقتين 7 و19 مشاة من الجيش الثالث (قوات بدر) الموجودتين شرق القناة ومدينة السويس، كان لديهما كل احتياجاتهما من الذخيرة والوقود والمياه والتعيينات التى تسمح لهما ليس بالصمود فقط بل بالاشتراك فى الهجوم الذى كان مرسوماً. كما استمر إمداد هاتين الفرقتين بشتى الوسائل حتى قبل إشراف الأمم المتحدة على هذا الإمداد.
- أما عن التخطيط لتدمير العدو فى هذا الجيب، فأود أن أوضح أولاً أن نقط ضعف الجيب كانت أساساً: عنقه الضيق (6 كيلومترات فقط) وحجمه الذى يشبه «القنينة» بحيث يمكن تقطيعه، وأنه كان بعيداً جدا عن خطوط تموينه وإمداداته، وأن قواتنا القريبة من تموينها وإمدادها كانت تفوقها عدداً وعدة وتحيط بها من كل جانب.
ولقد بدأ وضع خطة تصفية الجيب يوم 29/10/1973، أى بعد وقف إطلاق النار بأقل من 24 ساعة، وبعد أن تم احتواء العدو بالكامل ومن كل جانب. وجدير بالذكر هنا أن القوات التى احتوت الجيب، من يوم 16 أكتوبر حتى وقف إطلاق النار، كانت ضخمة، وأن العدو لم يتصور أن لدينا هذه القوات، فأذاع أننا دفعنا بالجيش الأول من القاهرة إلى الجبهة.
وكان تقديرى ضرورة تعيين قيادة واحدة وقائد واحد لتدمير هذا الجيب بالكامل، وعينت قائداً واحداً هو اللواء سعد مأمون، مساعد وزير الحربية حاليا والذى كان قائداً للجيش الثانى فى معارك أكتوبر، وقد عرضت على السيد الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الخطة، وصدق عليها سيادته فى اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالقناطر يوم 24/12/1973. وقد خصص لتنفيذ هذه العملية 5 فرق، منها فرقتان مدرعتان، و3 فرق ميكانيكية، علاوة على احتياطى القيادة العامة. وفى الوقت نفسه يتم تصفية الجيب بتقسيمه إلى جيوب فرعية، وتدميرها جزءاً جزءاً، وذلك بخمس فرق مدرعة وميكانيكية فى خمسة اتجاهات كما هو واضح. أما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوى والبحرية والصاعقة والمظلات، فكانت ستدعم أعمال القوات البرية بخطة نسقت تنسيقاً بالغ الدقة. ومن الطبيعى أن خطة تدمير الجيب غرب القناة كانت لن تكتفى بالعمليات غرب القناة بل كانت قواتنا شرق القناة، وهى خمس فرق مشاة مدعمة، ستشترك فى عمليات هجومية ليس من الصالح العام ذكرها الآن.
هكذا ترى أن القتال لم يهدأ لحظة واحدة، واستمر بعد وقف إطلاق النار، حتى توقيع اتفاقية الفصل بين القوات، وأنه تم التخطيط والإعداد فى صمت وسرية للقضاء على الجيب غرب القناة، وتم التنسيق الكامل بين مختلف الأسلحة وتنظيم التعاون بين الأفرع الرئيسية والقوات البرية طبقاً لما أسفرت عنه خبرة القتال المكتسبة من حرب أكتوبر، مستغلين نقط ضعف العدو فى هذا الجيب أفضل استغلال، وهذا ما أجبر العدو على الانسحاب لتأكده من أن الموقف ليس فى صالحه، وإلا ما كان لينسحب ويترك موقعه على الضفة الغربية مطلقاً.
لم يظن قادة إسرائيل، ودول الغرب المؤيدة لهم، فى إمكانية نجاح مصر والعالم العربى فى فرض حصار بترولى عليهم، لعل الخبرة الفاشلة فى حربى 1956، و1967 كانت مبررهم الذى يسوقونه لأنفسهم وشعوبهم فى استحالة نجاح العرب فى تطبيق الحظر البترولى. ولكن ما حدث أننا نجحنا فى حصار الغرب بتروليا، فكان البترول سلاحاً مؤثراً فى حرب أكتوبر 1973، ولم نشعر به كما قالت جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى تلك الفترة، التى كانت تردد للمتخوفين من قادتها وسياسييها، من لجوء العرب لهذا السلاح فى الحرب، قولها: «لن يفعلوا شيئاً، لن يستطيعوا وقف تصديره، إنهم إن فعلوا هذا، فسوف يشربون بترولهم!!». لقد سبق الإعداد للحرب عدد من الجلسات التى ضمت الرئيس السادات بالعاهل السعودى الملك فيصل، للتباحث حول جدوى استخدام البترول كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية فى حرب أكتوبر، وكان الاتفاق على ضرورة توخى الحذر فى فرض تلك الرؤية خوفاً على المنطقة والبلاد العربية من رد الفعل الدولى على هذا القرار. فكان هناك تلويح بإمكانية استخدام الحظر البترولى دون التصريح إلى أى مدى سيكون، وقد اتصل بى الرئيس السادات مساء يوم 16 أكتوبر وطلب منى إعداد طائرة عسكرية تقل وزير البترول، المهندس أحمد عز الدين هلال، إلى المملكة العربية السعودية، ومنها للكويت لحضور مؤتمر عاجل لمنظمة «أوابك»، منظمة الدول العربية المصدرة للبترول، ثم تم تعديل أسلوب السفر للوزير المصرى الذى تقرر أن يسافر مع وزير البترول السعودى، الشيخ أحمد زكى اليمانى، على متن الطائرة السعودية. وفى ذلك الاجتماع عرض وزير البترول المصرى رؤية الرئيس السادات والملك فيصل، ولخصها فى خمس نقاط. وهى:
1 - أن يصدر قرار المؤتمر بالإجماع حتى لا تتمكن أية دولة مستوردة للبترول العربى من إيجاد ثغرة تنجح فى النفاذ من خلالها.
2 - إصدار هذه القرارات بذكاء ومرونة لتحقق النتائج المرجوة منها، وشرط ألا تتعرض اقتصاديات الدول العربية المنتجة للبترول لأية أخطار.
3 - التأكيد على أن هدف العرب من هذا القرار هو تشجيع الدول الصناعية «أوروبا واليابان»، بالضغط المؤثر على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للاستجابة لمطالب العرب العادلة، وتحييد بقية دول العالم.
4 - أن يتسم القرار العربى الصادر عن المؤتمر بدرجة عالية من دقة التنفيذ، وقابليته للتطوير وفقاً لتطور الأحداث المؤثرة على مسرح العمليات العسكرية.
5 - ألا يؤثر القرار على الدول الصديقة.
وقد شاب المؤتمر عرض رؤى متشددة كما حدث عندما عرض وزير البترول الليبى وجهة نظر القذافى الذى كان يرى تأميم مصالح الدول التى تقدم مساعدات للكيان الصهيونى، والوقف التام والكامل لشحنات البترول العربى لهذه الدول، وسحب رؤوس الأموال العربية المودعة فى بنوك الدول المؤيدة لإسرائيل، وهو الأمر الذى أيدته سوريا ولكنها اقترحت تخفيض الإنتاج العربى من البترول بنسبة 50٪ فوراً، وهو ما تحفظت عليه السعودية لأنه لن يُمكنها من تقديم الدعم المادى لمصر وسوريا والأردن. مؤكدة أنه لا يمكنها تأميم شركة أرامكو لعدم امتلاكها الخبرات والكوادر التى يمكنها إدارتها. وتبنت السعودية ومصر ثلاث نقاط تبدأ بتوجيه إنذار لواشنطن مصحوباً بتحديد فترة معينة لنهايته يتم بعدها خفض الإنتاج البترولى بنسبة ٪ لفترة محددة يتم الاتفاق عليها، وأخيراً زيادة نسبة الخفض إلى 10٪ فى حال عدم حدوث استجابة للمطالب العربية.
كانت المعارك مستمرة بضراوة على الجبهتين المصرية والسورية، وتم الاتفاق فى المؤتمر على تطبيق الرؤية المصرية السعودية، مع منح ليبيا وسوريا الحق فى تحديد نسبة التخفيض الذى تراه كل منهما شريطة الالتزام بقرار دول المنظمة بإجراء خفض فورى قدره 5٪، على أن تستمر هذه النسبة شهريا ويكون الحد الأدنى لخفض الإنتاج هو 5٪. ووقع الجميع ما عدا العراق الذى رفض التوقيع على الإعلان الختامى الصادر يوم 17 أكتوبر بعد أن خشى فقْد عائدات البترول، وقام بفرض حظر على إمدادات البترول الخاص بأمريكا وهولندا، وأمم مصالح الدولتين البترولية على أرضه.
بدأ تطبيق القرارات الصادرة عن قمة «أوابك» يوم 22 أكتوبر، وتم وقف صادرات البترول الخام للولايات المتحدة الأمريكية لتزويدها إسرائيل بجسر جوى من السلاح العسكرى، وهولندا التى أعلنت دعمها لموقف إسرائيل، كما تم وقف شحنات البترول لمصانع التكرير خارج الولايات المتحدة، والمسئولة عن تزويد سفن الأسطول السادس الأمريكى.