حرب يوم كيبور أحداثها العلنية المعروفة تعد صدمة لأننا لا نعرف ، الصورة ادناه مثلا توضح نتائج حرب اكتوبر يوم وقف اطلاق النار الرسمي النهائي 27 أكتوبر و هذه الصورة صادمة فهي تعطي وقائع انتهاء العملية العسكرية يوم انتهت و هي لا علاقة لها بما نتخيل ، ماذا عن التفاصيل؟
أحداث الوقفة التعبوية مثلا ماذا نعرف عنها؟
الجبهة السورية و موقفها بين يوم 11 و 14 و هل هي سبب لتطوير للهجوم؟
ماذا أدى لنجاح الإختراق الاسرائيلي بقيادة شارون؟
كيف تعاملنا مع الثغرة؟
ما حقيقة اتصال كسينجر المشهور الذي به تبرر اشياء كثيرة؟
ما موقفنا الذي تلى الحرب و كيف اثر على موقفنا التفاوضي؟
لم أخلت إسرائيل المنطقة الى الممرات و مقابل ماذا و هل أثر هذا عليها؟
هل مصر بمفاوضات السلام كانت حقا الطرف الاقوى المنتصر؟
يبقى السؤال الأهم .. هل حقاً نعرف ماذا حدث في حرب يوم كيبور؟
قبل أن نبدأ:
* كان قرار مشاركة مصر مع سوريا في حرب مشتركة ضد إسرائيل أمر غير مقبول عسكرياً لإستحالة ضبط العمليات بالتوازي على الجبهتين لكون الجولان هضبة صغيرة قريبة من دمشق المحمية بالسوفييت كخط أحمر و قريبة من الحدود الاسرائيلية المحظور مساسها مما يشكل حقائق تتنافي مع طبيعة العمليات بسيناء التي يستحيل على الجيش المصري التوغل فيها لأسباب تتعلق بالقدرة العسكرية و المعدات مما يجعل الحدود الاسرائيلية المصرية 4 يونيو 1967 محمية فمسار عمليات الجولان سيكون شديد الوطأة غير مضمون النتيجة و مسار عمليات سيناء مقتصر عمليا على تجاوز خط بارليف و التقدم لمسافة محدودة فقط تحت حماية قواعد سام 2 و سام3 .
* لم يشمل التوجية الاستراتيجي المصري الأول و الثاني أي حرف يشير لخطوط توجية القوات المصرية بسيناء ، كان توجية عام غير محدد المعالم بينما خطة العبور تشمل الاستيلاء على حصون بارليف و التمدد لمسافة 9-12 كم فقط دون أي وصول للممرات عكس ما يتردد الان بغير حقيقة ، المشير الجمسي مثلا يتحدث عن خطة للممرات و هي حقيقية فهناك 3 خطط واحدة لسيناء وواحدة للممرات و ثالثة لمسافة محدودة و هي ما تم الاستقرار على تنفيذها فمسار العمليات لا يشير بأي حال لدخول الممرات لاستحالة لوجستية و تكتيكية للعمليات تتعلق اصلا بفكرة كيف نعمل تحت رحمة سلاح الجو الاسرائيلي بعيدا عن حماية الصواريخ ذات مجال ال 15 كم فقط .
* كان هدف إسرائيل عام 1967 هو الوصول لجبل لبنى و رأس محمد و شرم الشيخ فقط للمساومة عليهم مقابل السلام مع مصر و فعلا قررت عرض سيناء و الجولان على عبد الناصر مقابل السلام لكن قوبل الطلب بالرفض ، في 1973 كانت سيناء جاهزة للعودة بنفس الشروط لكن كان الامر بحاجة لعمل عسكري كبير يقلص سطوة الجنرالات الذين يصرون على عدم إعادة سيناء لأسباب تتعلق برؤيتهم للصراع على عكس الجولان التي باتت منذ 1969 أرض تضم مستوطنين كثر بفعل الخصوبة و المياة مما يجعل هناك إستحالة لإعادتها لسوريا سواء من وجهة نظر العسكريين أو المدنيين و هذا كان أكبر مخاوف بن غوريون و قد تحقق و هذا نفسه ما دفع ديان عام 1981 لإبداء أسفه على احتلال الجولان 1967 .
* كان التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي تجاه مصر (و لا يزال الى الان) يحدد المطلوب من مصر السلام فقط فلا أرض يراد ضمها و لا مطالب في أي جزء من الحدود المصرية ، فقط المطلوب معاهدة سلام و بقاء مصر داخل حدودها (مصر اولاً !) دون تدخل في أي عمل تقوم به تجاه عرب آسيا ، الى عام 1967 ظل الامر هكذا و بحكم تحول النفوذ ليد الجنرالات تغيرت السياسات و بات المطلوب بقاء الاراضي المحتلة بسيناء دون هدف استراتيجي محدد ، لاحقا بعد 1973 تبين مدي عمق فهم بن غوريون لطبيعة مصر فتم إعادة طرح مبدأ إستراتيجية ما قبل 1967 و نجحت الفكرة في كل مراحل التفاوض مع اسرائيل من 1973 الى 1979 .
*كان الدعم العربي أكبر مسببات الحرب من ناحية التجهيز و الاعداد فالجزائر دعمت من 1967 الى 1973 و أثناء الحرب بما يصل لمليار دولار بالاضافة لقوات مشاركة و ليبيا دعمت بقيمة مليار دولار كاملة بالاضافة لكون كل وسائل الموجة الاولى من العبور العبور من أسلحة و قوارب و مضخات مياة من اموال ليبية و كلها خصصت في عهد القذافي في موقف عربي بغض النظر عن تقييم التجربة الناصرية كلها فهو موقف لا يسعنا إلا تقديره و إحترامه.
* كانت إسرائيل على علم كامل و لديها صور محدثة بطائرات الاستطلاع الامريكية لكل الحشود التي توالت على الضفة الغربية لقناة السويس من الجيش المصري و لديها تفصيلات بكل وحدات الجيش المحتشدة و معرفة كاملة بالقوة المصرية الكاملة و قد طلب قائد القوات الجوية الاسرائيلية حينها القيام بضربة اجهاضية خوفا من اي شئ جدي الا أن هنرى كسينجر رفض الفكرة معللا انه عمل عدائي لا مبرر له يضر بالعلاقات مع السوفييت كذلك حتى لو حدث شئ فمن وجهة نظره اسرائيل قادرة على تغيير الامر بسهولة (للمفارقة فمصر طلبت ضربة اجهاضية لحشد جيش الدفاع عام 1967 قبيل النكسة مباشرة و رفض كوسيجن و بيرجينيف!) ، كذلك تكفل زعيم عربي شقيق بابلاغ اسرائيل بكل التفاصيل الواردة عن الحرب المشتركة في لقاء دوري له مع موشية ديان و جولدا مائير ضمن سلسلة معتادة من اللقاءات بينهم و التي تسربت له عبر جاسوس بالجيش السوري بالاضافة لتاكيد خبر الحرب من عميل مصري بارز مقرب من ناصر ثم السادات.
هنا ننتقل للحدث لكن لا أريد إختراع العجلة ، كل حرف يمكن كتابته في وصف العبور نعرفه بل نحفظه و كل شئ يخص رد الفعل الإسرائيلي و الاستعانة بامريكا و تفاصيل الامر نحفظه من فرط تكراره ، التفاصيل مكررة و الهزيمة العسكرية الاسرائيليه في الايام الاولى 6 و 7 و 8 و 9 على جبهة مصر معروفة و النجاح العسكري السوري ايام 6 و 7 و 8 بسوريا نعرفة ثم التراجع الكبير في الايام التالية أيضاً نعرفه ، هنا سأركز على النقاط التي ذكرتها في البداية فهي نصف معروفة و بعضها غير معروف بل و يتم طمسه بإنتظام فهذا جوهر الأمر و محوره كذلك سيقتصر الحديث عن النقاط الحربية و فض الاشتباك الاول و الثاني مع أن نتائج حرب اكتوبر تمتد لمعاهدة السلام 1979 باعتبارها أهم أهداف حرب 1973 حسب وجهة نظر السادات الذي أراد حرب لإستعادة التفاوض من جديد مع إسرائيل و كسر حالة اللاسلم و اللاحرب لكن الامتداد لهذه النقطة لن يقود إلا للمط و التطويل بلا داع فأكتفي بفضي الاشتباك كنهاية حربية فقط للحرب..
كانت العمليات قد سارت منذ يوم السادس من أكتوبر الى التاسع من أكتوبر بشكل متوازن عبر الجبهتين ، مصر إستطاعت الوصول الى كل حصون خط بارليف و إحباط هجمات مضادة متوسطة إسرائيلية و أمنت قواتها تحت مظلة صواريخ سام2 و سام3 و بعض صواريخ سام6 المتاحة ، كان عمل القوات المصرية قد سار أفضل بكثير من المتوقع و ندمت إسرائيل لسماعها نصيحة كسينجر بعدم ضرب الحشود المصرية و كانت الخطة على ما يرام.
بالجبهة السورية تم الاستيلاء على الجولان و تقدمت قواتها الى الحدود ثم توقفت منذ السابع من أكتوبر (و لهذا قصة أخرى مهمة وترت العلاقات مع مصر) و كانت إسرائيل تتابع نجاح سريع و سهل للقوات السورية المتأثرة بقلة تحصينات الجولان مقارنة بسيناء و قلة القوات هناك مقارنة بسيناء و ارتباك اسرائيل بين جبهتين و توترها من احتمالات تدخل سوفيتي (لسبب مجهول تصور البعض ان السوفييت سيتدخلون!) و توجهوا للولايات المتحدة يريدون غطاء تسليح هائل و مشاعر شبة منهارة (أو هكذا كانوا يريدون إعطاء الصورة!) ،
كانت العمليات العسكرية قد وصلت كما يبدو لأقصى مرحلة تستطيع لها الوصول و كان الامر يمتد إلى أعمق من مجرد الوصول للنهاية فإسرائيل لم تكن قد شنت الهجمات الكبرى التي خططت لها و لم تكن شحنات السلاح المتقدمة قد وصلت و كانت اسرائيل قد افاقت وقتها من الصدمة و الأهم كان الأمريكان يستعدون لإستعادة الهيبة التي كادوا يفقدوها و يفقدوا معها هيبة سلاحهم أمام سلاح السوفييت.
يروي كسينجر في مذكراته سنوات القلاقل موقف غاية في الغرابة إذ أنه تلقى طلب من الملك الحسين بتحريك لواء مدرع للجبهة السورية بناء على طلب الاسد و لأنه مضطر لهذا خوفا من احراج موقفه امام الاخوة العرب فإنه يستأذن في هذا و قد ناقش كسينجر الامر مع السفير الاسرائيلي بلندن سميحا دينتز قائلاً أنها فقط تحدث بالشرق الأوسط أن يستأذنك عدوك ليدفع قواته ضدك بالجبهة !
الوقفة التعبوية:
يوم التاسع من أكتوبر أعلنت مصر توقف التوسع بسيناء (مؤقتاً) لحين إعادة التجهيز و الاستعداد لمرحلة أخرى ، سميت بالتقاط الانفاس أو وقفة لاعادة تعبئة القوات لكنها عمليا كانت أقصى مرحلة للجيش المصري يستطيع الوصول اليها بسيناء بخطوط آمنة ، من جانب فهي تحت مظلة الصواريخ التي توازن قوة سلاح الجو الاسرائيلي و من جانب آخر منطقة تسيطر عليها قوات الجيش تماماً و تستطيع حمايتها و الأهم حققت الهدف من حرب أكتوبر و صنعت الإنتصار ، كانت النظرة للوقفة من السوريين بإعتبارها خيانة و نكوص لكنها لم تكن هكذا بحكم أن الخطة التي أرسلت لهم تقول بالتمدد للممرات بينما الخطة الاصلية التي نُفذت كانت تقتصر على جزء محدود من وراء خط بارليف لأسباب تتعلق بالمعدات (يذكر باتريك سيل في مؤلفه الاشهر *الأسد الصراع على الشرق الاوسط * أن حافظ الاسد كان يشك في الخطة المقدمة له لإستحالة تطابقها مع قدرات الجيش المصري) اما السوفييت فكانوا و لازال ما تبقى منهم يصر على أن هناك خطأ جسيم بعدم استكمال الهجوم و هذا في تقديري محاولة لمساندة موقف السوريين لا أكثر فهم أكثر من يدرك أن معداتنا لن تسمح بسيطرة دائمة على 40 كم بعمق سيناء الا بحشود هائلة من الدبابات و بطاريات سام6 التي لم نملك منها الا القليل ، المشير الجمسي تحدث عن أنه كان ينبغي التمديد لكن حتى المشير كان يتحدث نظرياً (من عيوب الجمسي انه رجل تخطيط و متابعة لكن الواقع العملي غائب عنه تماماً كإسماعيل أنور باشا قطب الاتحاد و الترقي و لم يقتصر العيب على سلوك الجمسي العسكري بل امتد للسياسي و أدى للإطاحة به لاحقا من الوزارة) ، الخلاصة أن الوقفة التعبوية لم تكن وقفة بل نهاية سريعة للعمليات المقررة سلفا بخطة العبور الأصلية و التي تتناسب مع قدراتنا و حجم الجيش و معداته فقط.
واقعة غريبة حدثت يوم السابع من أكتوبر فيروي السادات أنه تلقى إتصالا من السفير السوفيتي فينوجرادوف بأن الأسد يرغب في وقف اطلاق نار ، غضب السادات و تحدث الى الاسد (المكالمة حقيقية و نصوصها حاضرة) و نفى الاسد ثم الغريب نفت موسكو علمها بشئ و نفى فينوجرادوف شخصيا انه قال هذا للسادات أو أن الاسد أبلغه بشئ و أغلق الأمر على هذا ، في إعتقادي أن الأمر ليس إبتكاراً من السادات بل هو حقيقي و تكتمه السوفييت لكيلا يوتروا الاجواء بين مصر و سوريا و حماية لموقف الاسد ، في تحليلي الخاص كان الاسد قد حرر الجولان و أدرك الفخ فالجولان سيسقط حتماً لو لم يتم وقف اطلاق النار بعكس سيناء التي تحتاج الى فترة أطول مما جعله يطلب وقف اطلاق نار لإنقاذ الامر قبل التدهور و هو ما حدث لاحقاً.
الجبهة السورية و تطوير الهجوم:
بدايةً فإن الجبهة السورية بكل ما خسرته يوم 11 أكتوبر كانت في غير حاجة للمساعدة المصرية و السبب واضح معلن لكن ربما لأن الضوء لا يسلط عليه فهو نصف معروف ، بالعودة الى الفريق رعد الحمداني في مؤلفه قبل أن يغادرنا التاريخ و في شهادته عن الجيش العراقي و حرب اكتوبر نجد أن ثلثي الجيش العراقي إنتقل إلى سوريا مع 5 أسراب ميج 21 و سوخوي7 و الويه مدرعة كاملة من الجيش العراقي على رأسها الفرقة الثالثة التي تحوي 300 دبابة و لواءين ( 5 ، 20) أساسيين و نستطيع القول أنه تقريبا كان ثلثي الجيش العراقي كان قد بدأ يتجمع يوم 12 أكتوبر على الجبهة السورية بالاضافة لمساعدات سوفيتية تصل لضعف مساعدات السوفييت لمصر و تميزت نوعياً ، من هنا نستطيع القول انه بغض النظر عن الوضع بالجولان فهناك جيش كامل انتقل من بغداد لدمشق و ضعف مساعدات السوفييت و بالتالي أي تطوير للهجوم لن يدفع إطلاقاً إسرائيل لتخفيف الضغط ، بالاضافة لهذا كانت قوات الجيش المصري بسيناء مهما طورت وزادت فحجم قوات العدو أكبر من قواتنا (المساعدات الامريكية تحديداً) و تستطيع ابتلاع أي تطوير و هذا ادناه نموذج مبسط للوضع ،
لذا فيمكننا القول أن تطوير الهجوم كان عملا غير مبررا سواء بحجة الجبهة السورية أو بحجبة أن إسرائيل سترتبك و تسحب قوات من الجولان فمن الطبيعي أن يطلب الاسد من مصر الاستمرار و من المنطقي ان يحمل السوفييت المسئولية لمصر لكن غير معقول أن نسير على خطوات ندرك جميعاً إستحالة نجاحها ، العبء الاساسي للعمليات يقع على الدفاع الجوي لكسر القوات الاسرائيلية و هذا السلاح نجح لكن في حدود غطاء قصير 12-15 كم فقط و أي شئ خارج المظلة سوف يواجه عمل القوات الجوية الاسرائيلية و غنى عن الذكر أن كل التطوير .. خارج مظلة الدفاع الجوي !
كانت إسرائيل (بشكل مجهول المصدر) تعلم أن مصر ستقوم بتطوير للهجوم و تفرغ وحدات أساسية مكلفة بحماية ثغرات المرور الحتمية لأي قوات تعبر الجبهة ، إستمرت قوات المراقبة الامريكية في متابعة خط الهجوم يوم الهجوم الاساسي 13 أكتوبر و لكن شيئا لم يحدث فتم تأجيل الهجوم الاسرائيلي الاساسي على الجبهة المصرية الى اليوم التالي و بالفعل كانت عملية التطوير تحت الرقابة الجوية و البرية الاسرائيلية فور بدايتها بحيث كانت النتائج الكارثية يوم 14 تعلن مصر فشل التطوير و خلل أساسي في الخلفية للجيش المصري ، مع هذه النتائج لم يتم اعادة الفرقة 4 و 21 إلى مكانها ربما لأن فكرة اعادة القوات تعني انسحاب من الضفة الشرقية و هذا لسبب ما كان السادات يراه هزيمة ثانية أو نكسة أخرى ، هنا بدأت قوات اسرائيل في التقدم و خاضت معركة عنيفه في المزرعة الصينية بل و عبرت للضفة الغربية قبل حسمها لتبدأ حصار للإسماعيلية ينتهي بفضيحة للجيش الاسرائيلي ثم محاولة لحصار السويس و دخولها تفشل ثم تنجح جزئياً كحصار ، كانت أحوال الجيش المصري قد تحولت لأكثر من سيئة خاصة مع ايقاف العمليات يوم 22 اكتوبر دوليا ثم خرقه اسرائيليا لتتمدد القوات الاسرائيلية و تحاصر الجيش الثالث المصري و السويس تماماً مع محاولة مهينة لكسر الطوق يوم 26 إنتهت بتأكد إسرائيلي أن الجيش المصري بات فعلاً عاجز عن الحركة و عن حتى نشر قوات بأي صورة من سيناء للضفة الغربية لتنتهي العمليات بالشكل المبين بالصورة الأولى بالمقال !
**هنا أيضاً لا بد من الإشارة لحدث مبهر من السادات لكسينجر يوم 7 اكتوبر بعدم نية مصر تصعيد العمليات و انها ترحب بالحلول السلمية و في هذا تجاوز مرعب لطبيعة القتال و إشارة لأقصى خط ستصل اليه مصر بسيناء ( و هو ماتحقق يوم وقف القتال عملياً 9 أكتوبر ) و هذه علامة فارقة.
**و هنا أيضاً لا بد من مواجهة صدمة عصبية عسكرية قام بها السادات يوم 7 نوفمبر 1973 حين قابل كسينجر بالقاهرة و سلمه كسينجر (شروط تل أبيب قبل أي تفاوض عسكري) ووافق عليها السادات شريطة إعلان أنها شروط مصرية و ليست إسرائيلية (طبعا نظرة واحدة لها تكفي لنعرف شروط من) و قد كانت:
1- التجاوز عن شرط العودة لخطوط 22 أكتوبر التي صدر عنها قرار وقف إطلاق النار الدولي.
2- تسكين القوات بمواقع 28 أكتوبر بما يعني قبول مصر حصار الجيش الثالث.
3- تسليم الاسرى الاسرائيليين و على رأسهم 36 طيار حربي مقاتل من صفوة سلاح الجو الاسرائيلي -!!- و أسرى آخرين.
4- رفع الحصار البحري المفروض على إسرائيل بمضيق باب المندب.
5- الاستعداد لفتح قناة السويس للملاحة (بمعنى آخر رفع الجسور العسكرية).
6- بدء تعمير مدن قناة السويس (بمعنى آخر إستحالة شن حرب جديدة حتى لا يعاد التهجير).
يقول من يعتبر السكوت على الثغرة سكوت قدرة لا عجز (بغض النظر عن أن أي حساب لقواتنا يشير بالارقام لعجز كبير عسكرياً) يقول أن السادات تلقى إتصالا من كسينجر يهدد بتدخل أمريكي ضد مصر لو صفت الثغرة و هو ما دفعنا لقبول وقف اطلاق النار ، الواقع أنها نكتة حقيقية فالاجراءات المشار اليها في أكتوبر و نوفمبر 1973 و إتصال كسينجر كما اكد السادات في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية عام 1975 أن الاتصال تم يوم 11 ديسمبر -!!!- مما يعني انه بعد وقف اطلاق النار و قبول النقاط الستة ثم تجهيز فض الاشتباك الاول أو بمعنى آخر الحجة سليمة لكن متأخرة شهرين فهي كاذبة !
فض الاشتباك .. من إنتصر حقاً ؟
كانت النهاية لحرب كيبور رسميا تقف عند 29 أكتوبر 1973 لكن استمرت الاشتباكات متقطعة إلى 18 يناير 1974 يوم توقيع اتفاقية فض الاشتباك الاولى و فض حصار الجيش الثالث و قد عبر هنرى كسينجر عن وجهة نظرة (و أظنها أدق وصف) فيمن إنتصر حين خاطب جولدامائير قائلاً أن العرب إنتصروا إستراتيجياً (إنتصار على مستوى تحقيق الهدف و هو الاستيلاء على أرض و كسر الجمود لبداية التفاوض) و إسرائيل إنتصرت تكتيكياً (على مستوي الموقف العسكري يوم 29 أكتوبر على الجبهتين) ، و الآن إلى فضي الإشتباك .. أو فض بكارة الموقف العربي العسكري كما أسميها:
فض الإشتباك الأول:
تكرمت الهيئة العامة للاستعلامات بإصدار عام 1993 كتاب يحوي كل إتفاقيات مصر مع اسرائيل و سوريا و الاردن و هي لا تحوي الخرائط لكن نصوصها واضحة ، كذلك تكرم الأستاذ يحيى الشاعر بتلخيصها و هو ما أنقله لكم في نصه العسكري و لنطابقه على الخريطة:
1. القوات المصرية، شرق القناة، على شريحة من الأرض من الضفة الشرقية للقناة، حتى الخطوط التي وصلت إليها في الحرب (6 ـ 22 أكتوبر 1973). وسميت هذه المنطقة بالمنطقة “المحدودة القوات والتسليح”، ورمز للخط الأمامي لها بالخط “أ ـ أ”، والمنطقة ” أ “.
2. القوات الإسرائيلية، انسحبت من غرب القناة، وتحتل شريحة أرض، في سيناء، من غرب الممرات (متلا ـ الجدي)، ويرمز للخط الأمامي لها بالخط “ب ـ ب”، والمنطقة ” ب ” بينما يرمز لخط المضايق بالرمز “ج ـ ج”.
3. تعمل قوات الطوارئ الدولية، في المنطقة العازلة بين الخط الأمامي للقوات المصرية (أ ـ أ) والخط الأمامي للقوات الإسرائيلية (ب ـ ب).
4. يسمح للقوات الجوية للطرفين، بالعمل على الخط الأمامي لكل منهما، من دون تدخل من الجانب الآخر.
حددت القيود، التي يجب أن يلتزم بها قوات الطرفان، التي تعمل في المناطق محدودة القوات والتسليح (أ، ب)، وهي التي وافق عليها كل منهما، بما لا يزيد عن 7000 مقاتل، ينظمون في 8 كتائب، 30 دبابة، وعدد محدود من المدافع.
5. كما نص على عدم إقامة قواعد صواريخ للدفاع الجوي، منطقة 30 كم من الخط الأمامي المصري (أ ـ أ)، وإلى الشرق من الخط الأمامي الإسرائيلي (ب ـ ب). واتفق على أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية، بطلعات استطلاع جوي منتظمة، للإشراف على التزام الطرفين، بنصوص الاتفاق، وتبلغ نتائج الطلعات للطرفين.
فض الإشتباك الثاني:
الخطوط العامة:
1. التعهد بعدم استخدام القوة في حل الخلافات، والامتناع عن أي أعمال عسكرية.
2. انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خط شرق الممرات (60 كم من القناة).
3. تتقدم القوات المصرية إلى خط غرب الممرات مباشرة.
4. تنشأ منطقة عازلة (في الممرات)، تفصل بين الجانبين، وتشغلها قوات الطوارئ الدولية.
5. السماح بمرور السفن المتجه إلى إسرائيل في قناة السويس، طالما كانت شحناتها غير عسكرية.
6. تعتبر الاتفاقية، خطوة هامة نحو سلام عادل ودائم. كما أنها ليست اتفاقية سلام نهائية.
7. تم الاتفاق على إنشاء محطة إنذار مبكر، إستراتيجية، لكل طرف على جانبي المنطقة العازلة في مضيق الجدي، للمراقبة والإنذار. ونظام الإنذار التكتيكي المبكر، في منطقة الممرات، بواسطة عناصر مدنية، أمريكية، للإشراف على مضيقي متلا والجدي، داخل المنطقة العازلة.
8. يتضمن هذا النظام، 3 محطات مراقبة الكترونية، تكون مهمتها، كشف أي تحركات للقوات المسلحة للطرفين، قد تخترق أو تدخل أي من الممرين بقواتها، وإبلاغ ذلك للأطراف المعنية.
ملحوظة 1: نرى أن إسرائيل لم تنسحب إلا لمناطق إرتكاز خطة إحتلال سيناء يوم 5 يونيو 1967 و تركت الجزء الذي لم تخطط لغزوه ، بمعنى آخر كان مقابل سحب جيشنا من سيناء و إستحالة عبور ثان هو عودة الجيش الاسرائيلي للمناطق التي كان يريد إحتلالها من البداية و تركه للمناطق التي خطط لتركها للجيش المصري عام 1967 بالاضافة للبعد عن قناة السويس لتجنب المشكلات الدولية أيضا في حرب 1967 ، فكان الأمر أشبه بنزول العسكريين لوجهة نظر سياسيي بن غوريون فقط و عمليا لم تخسر إسرائيل شيئا واضح بالانسحابات !!
ملحوظة 2: أسمع كثيرا عن خطة لفض الثغرة بعد يوم 20 أكتوبر ، المحير أنهم يكذبون و ينسون أن قواتنا كانت منشغلة بسيناء و السادات منع عودة قوة حقيقية للضفة الغربية فلا يوجد لدينا الا مدرعات الحرس الجمهوري التي تحمي القاهرة و هي لا تكفي لأي شئ ، الاسخف تجاهلهم أن فض الثغرة يعني مواجهة الطيران الحربي الاسرائيلي الذي يمرح بحرية بمنطقة الثغرة بعد تدمير دروع شارون لقواعد سام 2 و 3 ببساطة ، أخيروني كيف تصفون ثغرة تفوق قواتكم و بها طيران حر تهربون من مواجهته منذ بداية الحرب؟؟! .. رفقاً بالعقول !!
ثم ماذا؟
ثم الخلاصة:
-1- مصر خاضت حرب لتحريك المفاوضات بين مصر و إسرائيل و ليست حرب تحرير لسيناء (على حد تعبير السؤال من القذافي للسادات ديسمبر 1973و الذي تسبب في سوء تفاهم إمتد أثره لسحب الطائرات الليبية من مطاراتنا بعد فض الاشتباك الاول) و نجحت فعلاً في تحريك الأمر و الغاء اللاسلم و اللاحرب و بدأت المفاوضات بغض النظر عن مسارهها.
-2- إسرائيل هدفت لإحتلال جزء من الضفة الغربية بسيناء لمبادلتها بالضفة الشرقية لكن مصر لم تقبل و مع هذا و بفعل التفاوض المصري المسلم للطرف الامريكي بالقيادة و بفعل تجنيب السوفييت و تجاهل موقف سوريا و الداعمين العرب ليبيا و الجزائر أخذ الأمر مسار آخر لصالح إسرائيل.
-3- كان النصر استراتيجيا للعرب و تكتيكيا لاسرائيل وتوقف الحسم النهائي للتفاوض و نتائجه و كانت المفاوضات لصالح إسرائيل كما نرى من النصوص.
-4- مع فض الاتشباك الاول و الثاني بات من المستحيل ضمان عدم إعادة إحتلال الجزء الضئيل المحرر من سيناء لضعف القوات به (30 دبابة و بضعة الاف من الجنود فقط) ، كذلك اعادة المهجرين جعل الحرب شبه مستحيلة و رفع الجسور لإعادة افتتاح القناة كل هذا جعل الخيار العسكري صفر و القرار العسكري بسيناء إسرائيلي بحت و لا ضمان بالمرة.
-5- كانت مصر في مفاوضاتها من 1975 الى 1979 الطرف الضعيف و ليس القوي كما نتخيل ، الدعم العربي صفر و إمكانية القتال من جديد صفر و السوفييت ركلناهم و حتى تسليحنا بات نصف امريكي فبأي مقياس نحن الاضعف و الساعين للسلام و نحن الذين لا نقدر على الفعل بل فقط التقاط ما يتم منحه لنا بحكم حقائق الموقف العسكري و السياسي و العربي بكل أسف.
----------
الكاتب : محمود عرفات