رغم الواقع العربي السيئ الذي يدفع الكثيرين إلى التفكير بـأنه لا مخرج من الدرك الذي بلغناه، ورغم كثرة كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن سعيه للتحالف مع دول عربية معتدلة في مواجهة إيران والتطرف الإسلامي، فإن لإسرائيل مخاوف من ميل أي دولة عربية لتعزيز قوتها. ولا يهم في هذا السياق، إن كانت هذه الدولة حليفةً للولايات المتحدة أم عدوةً لها، أو إن كانت تقيم سلاماً مع إسرائيل أو لا تقيم. والدلائل على ذلك كثيرة، بينها استغلال إسرائيل لصفقات السلاح الغربية لدول الخليج، من أجل المطالبة بتعويضات من واشنطن، وإبداء القلق، حتى تجاه نية مصر والأردن إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية. ومؤخراً، أعادت إسرائيل نبش مساعي مصر لتطوير أسلحة صاروخية.
ونشر موقع «إسرائيل ديفانس» (Israel defence) قبل أيام تحقيقاً، اعتبر فيه أنه «بالرغم من أن أنظار إسرائيل تتجه نحو إيران، لكن بنظرة معمقة، يمكن للإسرائيلي أن يرى أن أفعال مصر لا تختلف كثيراً». واستذكر التحقيق تاريخ مصر في محاولات تطوير الصواريخ، ابتداء من مساعي الملك فاروق بعيد حرب العام 1948، وصولاً إلى تزويد روسيا لمصر في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مطلع الخمسينيات بصواريخ «فروغ 4» و «فروغ 5»، وبعدها مشروع الصواريخ الذي شارك فيه علماء ألمان في الستينيات.
وتابعت إسرائيل بقلق شديد مساعي مصر لتطوير صناعة عسكرية متطورة، والتي شكلت صناعة الصواريخ العنصر الأبرز فيها. بدأ ذلك بعد صفقة السلاح التشيكية - المصرية التي كانت ضمن دوافع إسرائيل للمشاركة في العدوان الثلاثي في العام 1956. وكانت قد بدأت في مصر قبل ذلك محاولات لإنشاء صناعات حربية بعيداً عن إدارة الدولة، وهو ما دفع حكومة عبد الناصر إلى تأميمها. وكان ألمان وتشيك وفرنسيون لعبوا أدواراً في محاولات إنشاء هذه الصناعات في البداية، لكنهم سرعان ما تركوا مصر بعد تأميم الشركات الأجنبية. ولاحقاً، أنشأت مصر في عهد عبد الناصر مصانع «صقر» في العام 1953.
وبحسب التحقيق الإسرائيلي، فإن مصر امتلكت في العام 1960 خمسة مصانع تعمل في مجال تطوير الصواريخ، وبلغ عدد الخبراء الألمان فيها حوالي 250 خبيراً، فيما زاد عدد العمال المصريين عن أربعة آلاف. وأنشأت مصر في العام ذاته حقل تجارب شمال غربي القاهرة. وفي العام 1961، قامت إسرائيل باختبار صاروخ «شافيت 2»، ما دفع مصر إلى تسريع مشروعها الصاروخي. وبعد عام، أجرت مصر أول اختبار على صاروخي «الظافر» لمسافة 300 كيلومتر و«القاهر» لمسافة 600 كيلومتر. وفي العام ذاته، عرضت مصر عشرة صواريخ من هذين الطرازين في عرض عسكري.
وفي العام 1963، بدأت إسرائيل مرحلة اغتيال العلماء الألمان، فاختطفت بعضهم واغتالت آخرين. ولكن مصر عرضت في العام ذاته صاروخ «الرائد» من مرحلتين، الذي يبلغ مداه ألف كيلومتر، وكان تحت إشراف مشروع الفضاء. وبعدها، عملت مصر على صاروخ من ثلاث مراحل باسم «النجمة»، لكنه لم ينفذ. في العام 1965، وبعد اعتراف مصر بألمانيا الشرقية، عمدت ألمانيا الغربية إلى سحب خبرائها من هناك. وحينها، طلبت إسرائيل من حكومة ألمانيا الغربية سن قانون يحظر تطوير صواريخ خارج بلادهم، لكن عمل الخبراء الألمان في الصناعات الحربية الأميركية حال دون سن هذا القانون.
وبعدها، صارت مصر تطلب صواريخ من روسيا التي زودتها في أواخر الستينيات بصواريخ «فروع 5» الثقيلة، ثم في العام 1970 بـ36 صاروخ «فروغ 7». وكانت التقديرات الإسرائيلية تتحدث عن امتلاك مصر لحوالي مئة صاروخ من طرازي «الظافر» و«القاهر» التي تنتجها. وفي العام 1973، نقل العراق لمصر صواريخ «سكود»، كما زودت روسيا مصر أيضاً بهذا النوع من الصواريخ. واستخدمت مصر صواريخ «فروغ 7» و«سكود» في حرب تشرين 1973 لضرب القواعد العسكرية الإسرائيلية في سيناء.
وبحسب وثائق موقع «ويكيليكس»، فإن مصر بعد حرب 1973، توجهت نحو امتلاك سلاح نووي وصواريخ بعيدة المدى. وطلبت مصر من الهند مساعدتها في امتلاك تكنولوجيا وخبرات لتطوير قنبلة نووية. وفي العام 1975، أنشئت «الهيئة العربية للتصنيع الحربي» بمشاركة مصر والسعودية وقطر والإمارات. وطلبت مصر من فرنسا خبرات في تطوير الطائرات والصواريخ، كما سعت لامتلاك امتياز صناعة صاروخ أرض - جو الفرنسي من طراز «كروتال»، وأيضاً طائرة «ميراج»، لكن الأمر لم ينجح. في ذلك العام أيضاً، توجه شمعون بيريز بطلب إلى مصر مفاده أن إسرائيل مستعدة للتخلي عن طلبها استلام صواريخ «بيرشنغ» من الولايات المتحدة، مقابل تخلي مصر عن صواريخ «سكود».
ولكن في العام 1976، تعاقدت مصر مع كوريا الشمالية على تطوير صاروخ «سكود سي» لمدى 600 كيلومتر، وبعدها لـ «سكود دي» لمدى ألف كيلومتر. واستمر التعاون طويلاً بين البلدين. ولا تزال مصر تنتج حتى الآن صاروخ «صقر 80» لمدى 80 كيلومتراً بديلا لـ «فروغ 7»، كما تطور «صقر 365».
وفي العام 1984، وقعت مصر والعراق والأرجنتين اتفاقاً لتطوير صاروخ على مرحلتين باسم «بدر 2000» لمدى 750 كيلومتراً، ولكن المشروع ألغي في العام 1989 بسبب تأخير المواعيد وفضيحة عبد القادر حلمي عالم الصواريخ الأميركي ـ المصري. وفي مطلع التسعينيات، وقعت مصر مع الصين اتفاقية لتحديث مصنع «صقر» لانتاج الصواريخ، واستمر التعاون بينهما حتى اليوم.
وفي مطلع الألفية الجديدة، أرسلت كوريا الشمالية حوالي 300 خبير صواريخ إلى مصر بعدما اشترت الأخيرة منها 24 صاروخ «نودونغ» الذي يبلغ مداه 1300 كيلومتر. ونشرت تقارير عن بيع كوريا لمصر 50 محرك صواريخ، لكن الولايات المتحدة عرقلت الصفقة. مع ذلك، وسعت مصر من حقل تجاربها ليسمح بإطلاق صواريخ أكبر.
من وجهة نظر إسرائيل، تتطلع مصر أيضاً لامتلاك قدرة نووية، إلى جانب قدرة صاروخية وأقمار صناعية لأغراض استخبارية. وتحاول مصر منذ العام 1954 تطوير قدرة نووية، ولكن ليست هناك دلائل على نجاحها حتى اليوم في ذلك، من دون أن يعني ذلك تخليها عن هذا الطموح. فمصر والصين وقعتا في العام 2002 اتفاق تعاون أمني، وأثيرت في العام 2005 شبهات في أن الاتفاق يحوي مساعدة صينية في انتاج اليورانيوم من سيناء، وتخصيبه لصالح انتاج قنبلة نووية. وحققت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في العامين 2004 و2008 في شبهات بوجود إشارات ليورانيوم مخصب في مصر، من دون تأكيد ذلك.
وتجري مصر حالياً مفاوضات متقدمة مع شركة «روزاتوم» Rosatom لإبرام اتفاق لبناء مفاعل نووي بأربع وحدات، كل منها تنتج 1200 ميغاوات في منطقة الضبعة. وفي المجال الفضائي، فإن لمصر قمرا صناعيا اشترته من روسيا ويحمل اسم «Egyptsat ـ 2» الذي يعتبر قمر تجسس متطور. وفي العام 2015، سرت إشاعات عن فقدان مصر الاتصال بهذا القمر.
ويوضح التحقيق أن امتلاك إسرائيل لسلاح نووي، والاتفاق الغربي النووي مع إيران، يضغطان على مصر لتطوير صواريخ وأقمار صناعية، وكذلك سلاح نووي.