عام واحد منذ أن بدأت الولايات المتحدة والدول الحليفة شن غارات جوية لهزيمة وتدمير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمعركة لم تنته بعد.
والآن مع تكثيف روسيا من هجماتها، يواجه البنتاغون اتهامات عديدة بأن القادة لا يمتلكون استراتيجية أو هدف واضح للحملة.
ويلقي البعض باللوم على تردد الرئيس أوباما في أن تستخدم القوة الجوية كامل قدراتها فيما آلت إليه الأمور من عدم إحراز أي تقدم ملحوظ؛ إذ يقارن النقاد عملية “الحل الجذري” بالهجمات الجوية السابقة، مشيرين إلى أن طائرات التحالف قامت بطلعات جوية أكثر بشكل ملحوظ لتنفيذ غارات أثناء عمليتي “عاصفة الصحراء” و”حرية العراق”.
ولكن دور سلاح الجو يتراجع، بحجة أن طبيعة الحرب قد تحولت بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية. ويقول كبار المسؤولين أن البنتاغون لا يستطيع القتال في هذه الحرب بنفس الطريقة التي خاض بها الحروب القليلة الماضية.
كيف تتم مقارنة عملية الحل الجذري؟
وفقًا لتقرير أعده البنتاغون بشأن عملية الحل الجذري، فإنه اعتبارًا من يوم 6 أكتوبر، قامت الولايات المتحدة والدول الشريكة بشن 7323 غارة جوية ضد داعش: 4701 في العراق و2622 في سوريا. وخلال سنة واحدة، تأتي متوسطات الغارات الجوية اليومية بواقع 13 غارة جوية في العراق و سبع غارات جوية في سوريا.
وعلى سبيل المقارنة، فخلال الحملة الجوية لعملية عاصفة الصحراء التي استمرت لمدة 42 يومًا ضد صدام حسين في عام 1991، قامت المقاتلات والقاذفات بشن 48224 غارة جوية، أي بواقع 1100 غارة يوميًا. وبعد اثني عشر عامًا، بلغ متوسط الطلعات الجوية في الحملة الجوية الخاصة بعملية حرية العراق أكثر من 800 غارة جوية يوميًا.
وحتى الغارات الجوية في حملة كوسوفو عام 1999 وهجمات 2001 التي استهدفت جماعة طالبان في أفغانستان فاقت الغارات الجوية التي شُنت في عملية الحل الجذري. إذ بلغ متوسط هذه الحملات الجوية 138 و86 طلعة جوية، على الترتيب.
ووفقًا لما ذكره الفريق متقاعد ديف ديبتيولا، نائب رئيس الأركان الأسبق للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فإن هذا الاستخدام المحدود للقوة الجوية لتدمير داعش يثير عدة تساؤلات بخصوص الأهداف التي تتبناها الإدارة.
ويقول ديبتيولا في تصريحات لديفينس نيوز، “لا يزال الهدف غير واضح، خاصة منذ استخدام القوة الجوية حتى اليوم، ورغم أنها دقيقة وفعالة بشكل كبير بقدر ما تم استخدامها، إلا إن درجة استخدامها محدودة جدًا جدًا جدًا مقارنةً بقدرات الاستخدام التي يمكن أن تكون للقوة الجوية”. “ولذلك هناك الكثير من الارتباك فقط بشأن ما هي أهداف الأمن القومي الأمريكي الهامة التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها اليوم من خلال استخدام هذه القوة”.
كما يشير ديبتيولا أيضًا إلى أن عملية الحل الجذري يقودها جنرال بالجيش: وهو الفريق جيمس تيري. ويقول أن هذا يطرح سؤالاً، إذا كان هدف الإدارة هو القضاء على داعش من خلال استخدام القوة الجوية بمفردها، فلماذا تضع قائدًا من الجيش لقيادة الحملة الجوية؟
ويضيف ديبتيولا أن عمل الإدارة “الضعيف” ضد داعش قد خلق فراغًا في المنطقة، الفراغ الذي تسعد روسيا بملئه.
ويستطرد قائلاً، “إنهم يستغلون الجهد الأقل قوة للجيش الأمريكي فيما يتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية لزيادة تواجدهم بشكل كبير في الشرق الأوسط”، مضيفًا أن تحركات روسيا في الأيام الأخيرة قد أظهرت “قدرة الروس ليس فقط على القيام بأكثر من مهمة في آن واحد، بل أيضًا قدرتهم على التخطيط والمناورة”.
ومن جهته أشاد المحلل مارك جانزينجر بالطيارين الذين يقومون بشن الغارات الجوية في العراق وسوريا، ولكنه ألقى باللوم على عدم وجود استراتيجية شاملة في ذلك الفشل الملحوظ في هزيمة داعش.
ووفقًا لما ذكره جانزينجر، وهو زميل بارز في مركز التقديرات الاستراتيجية والميزانية والنائب السابق المساعد لوزير الدفاع، “فهذه في الحقيقة ليست حملة جوية كما كنا نظنها في الماضي، من حيث عدد الطلعات الجوية والأهداف التي اُستهدفت ومن حيث الشدة”. “إنها تقريبًا كما لو كانت نقطة البداية هي: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم أقل قوة ممكنة وتتجنب تورطًا أعمق في الصراع؟”
حقيقة الحرب اليوم
غير أن البنتاغون يدافع عن تكتيكاته في سوريا؛ إذ يرى جنرال كبير في سلاح الجو أن عملية الحل الجذري هي حرب مختلفة تمامًا عن الحملات الجوية السابقة.
فمن جهة، نجد أن ميدان المعركة اليوم هو أكثر تعقيدًا، وذلك حسبما ذكر الجنرال هوك كارليسل، قائد قيادة القتال الجوي. ويشدد كارليسل على أن الموقف في سوريا يتضمن مجموعة مختلفة من اللاعبين: وهم، على سبيل المثال لا الحصر، فيلق القدس الإيراني والميليشيات الشيعية والسنة المعتدلون وداعش والأكراد والقوات السورية.
وفي تصريحات له الشهر الماضي خلال المعرض السنوي للجو والفضاء الخاص برابطة سلاح الجو، قال كارليسل، “عندما ننظر إلى ذلك التعقيد في أرض المعركة، وإذا نظرت إلى عدد اللاعبين وتحديد من هو من ومن يفعل ماذا لمن، وتنظر إلى الفصائل الموجودة هناك … تجد أن ميدان المعركة معقد على نحو لا يصدق”.
“أعتقد أنه ينبغي على الناس أن يدركوا حقيقة أننا لم نقاتل في معارك كهذه من قبل، إنها معارك مختلفة تمامًا”.
ويشير الفريق روبرت أوتو، نائب رئيس هيئة الأركان لشؤون الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، في مقابلة له مع ديفينس نيوز، أنه منذ القيام بعمليتي عاصفة الصحراء وحرية العراق، قطعت الولايات المتحدة شوطًا كبيرًا في مجال الذخائر الموجهة بدقة. ويؤكد أن الولايات المتحدة اليوم تقوم أساسًا بنشر قنابل موجهة بدقة في المنطقة لتجنب الأضرار الجانبية.
وهذا قد يعطي تفسيرًا لضعف معدل الطلعات الجوية في عملية الحل الجذري – حيث ينشر القادة هذه الأسلحة عامة بصورة أقل من نشر “القنابل غير الموجهة” نظرًا لأنها لديها فرصة نجاح كبيرة للغاية.
ولكن ديبتيولا غير مقتنع بذلك؛ إذ يرى أن إدارة أوباما تركز كثيرًا على تجنب الأضرار الجانبية، إلى حد يسمح بتجاوز كبير لشروط قوانين الصراعات المسلحة. وفي الوقت ذاته، فإن داعش منشغلة بقتل المدنيين الأبرياء.
ويقول ديبتيولا، “ما هو المنطق من سياسة تقيد من استخدام القوة للتخلص من هذا الشر المتمثل في الدولة الإسلامية، في حين يتم السماح لهم بقتل الرجال والنساء والأطفال الأبرياء؟” ويضيف “يُحسب لعملية الحل المتجذر أنها لم توقع أية إصابات في صفوف المدنيين … ولكن كم عدد الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين قُتلوا في نفس الوقت؟”
ويشير أوتو إلى أن الأمر المحبط بالنسبة للقوات الجوية هو عدم وجود ثروة في المعلومات الاستخباراتية على الأرض. كما يؤكد أنه ينبغي على الوكالات الأمريكية وقوات التحالف القيام بعمل أفضل باستخدام الاستخبارات، خاصة الاستخبارات البشرية، لتحديد الأهداف التي يمكن أن تستهدفها القوات الجوية.
يقول أوتو، “أعتقد أننا بحاجة إلى القيام بعمل أفضل من خلال الاستخدام الشامل لإمكانياتنا الاستخباراتية لتحديد الأهداف. لذا فإن ذلك يتمثل في استخدام استخبارات الإشارات، إضافة إلى ما نسمعه من خلال الاستخبارات الجغرافية المكانية وما يمكننا تمييزه من صور نحصل عليها من خلال مؤشرات الأهداف المتحركة”. “إن هذا عمل شاق، ولكنه عمل ينبغي علينا تحسينه”.
ويضيف أوتو أن حالة الغموض المحيطة بالميزانية تمثل أيضا تحديًا أمام القادة المسؤولين عن الهجمات في سوريا والعراق. كما أن القوات الجوية تضعف بشكل خطير، الأمر الذي يحد من قدرة القادة على نشر المعدات الرئيسية مثل المركبات الموجهة عن بعد ونظام Distributed Common Ground، وهو عبارة عن هندسة اتصالات عالمية تربط منصات وأجهزة استشعار استخباراتية متعددة.
ويستطرد أوتو، “لقد اتسع نطاق المهارات التي نحتاجها للقيام بذلك، كما أصبحت القدرة على نشر وإعادة نشر بعض المهارات الرئيسية تمثل مشكلة بالنسبة لنا في القوات الجوية”. “يتسع نطاق عمل تلك القوات، كما أننا نضعف فيما يتعلق بخبرة فريق الأهداف الخاص بنا”.
منصات الجيل الخامس
غير أن الأخبار في سوريا ليست جميعها سيئة؛ حيث يقول كارليسل أن طائرة سلاح الجو الجديدة من طراز F-22 Raptor، التي نُشرت لأول مرة في العام الماضي كجزء من الهجمات التي تستهدف داعش، تفوق كل التوقعات.
ويستطرد كارليسل، “إن موثوقية تلك الطائرة غير عادية، إضافة إلى نضجها – إنها حقًا تقوم بمهامها بدرجة عالية من الكفاءة”، مضيفًا أن Raptor تعمل كعنصر مكمل للجيل الرابع للطائرات.
“إننا لن نرسل طائرات إلى مناطق معينة إذا لم تكن تتضمن طائرات من طراز F-22 لأنها تزيد من كفاءة جميع الطائرات، كما أنها توفر قدرات تسمح لتلك الطائرات من الجيل الرابع بأن تقوم بمهامها على نحو أفضل من قيامها بذلك بمفردها”.
ووفقا لما ذكره الكولونيل لاري برودويل، قائد مجموعة العمليات 1، فإن طائرات F-22 التي تتميز بالقدرة على التخفي هي عبارة عن منصة للهيمنة على الجو تغير من قواعد اللعبة. ويشدد برودويل على أن الطائرات Raptor قد عززت من القدرة على تحديد وتدمير الأهداف على الأرض، مضيفًا أجهزة الاستشعار المدمجة في الطائرة قد حسنت من وعي كل من الولايات المتحدة وطائرات التحالف بميدان المعركة. ويشير برودويل إلى أن طائرات الـRaptors من الجناح الأول كانت أول ما نُشر بقدرات مطورة من الأسلحة الجو أرض.
ولكن برغم جميع قدراتها التكنولوجية الجديدة، إلا أن الطائرة F-22 لديها بعض القيود. يعترف برودويل بأنه على الرغم من أن الطائرة the Raptor قادرة على التواصل ذهابا وإيابا مع طائرات الـF-22 الأخرى، إلا أن الطائرة لم تمتلك بعد القدرة على إرسال معلومات إلى طائرات من الجيل الرابع. ويضيف أن الطائرة يمكنها استيراد المعلومات عبر وصلات البيانات التقليدية، ولكنها لا تستطيع تصدير البيانات.
ويقول برودويل أنه لا يشعر بالقلق بشأن ما إذا كان هذا سيحد من فعالية الطائرة في سوريا، برغم الأجواء المزدحمة بشكل كبير.
ويقول أوتو أن منصات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الخاصة بالقوات الجوية تؤدي أيضًا مهامها بشكل جيد في المنطقة. فبالنسبة لمهام المراقبة من ارتفاعات عالية، يستخدم القادة طائرة تجسس من طراز Lockheed Martin’s U-2 وطائرة بدون طيار من طراز RQ-4 Global Hawk التي تنتجها شركة نورثروب غرومان لجمع المعلومات الاستخباراتية.
ويضيف أوتو أنه بالنسبة لعمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع من ارتفاعات متوسطة، تستخدم القوات الجوية طائرات بدون طيار من طراز General Atomics’ MQ-1 Predator وMQ-9 Reaper. وتستخدم هذه المنصات فيديو كامل الحركة لتوفير فهم أوضح لميدان المعركة.
ويشير أوتو إلى أن “التكنولوجيا شيء لا يُصدق”. “إننا قادرون على صنع Global Hawk أو طائرات MQ-1 وMQ-9 وجعلها تحلق من الخلف انطلاقًا من الولايات المتحدة، الأمر الذي عندما تفكر فيه من الناحية التكنولوجية، تجد أنه متطور جدًا جدًا”.
ولكن حتى مع أحدث تكنولوجيا للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وطائرات الجيل الخامس، تخشى القوات الجوية من إمكانية أن تلحق روسيا بالركب.
يقول كارليسل أنهم “يقللون من الفجوة”، مع ملاحظة أنه على الرغم من أن المنصات التي تمتلكها موسكو تتضاءل إذا ما قورنت بطائرات F-22، إلا أن القوات الجوية قلقة إزاء طائرات الجيل الخامس الروسية التي يمكن أن تنافس طائرات الجيل الرابع الأمريكية.
ويضيف كارليسل، “إنني ما زلت أعتقد أننا نتميز عن الجميع، وبالتأكيد الروس، في الطريقة التي ندرب ونعاير بها طيارينا، وأعتقد أننا لا زلنا متفوقين إذا ما قارنّا الجيل الخامس بالجيل الخامس والجيل الرابع بالجيل الرابع”. “ولكن بمقارنة جيلهم الخامس بجيلنا الرابع – فإن القتال يكون شرسًا”.