بشكل متسارع، تطورت الأحداث على حدود تركيا، وبعد أن كانت تطالب بإقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية لإيواء اللاجئين، والعمل على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، باتت أنقرة تعمل على وقف انتهاك الطائرات الروسية لمجالها الجوي وتحذر من موجات هجرة جديدة بسبب الغارات الروسية على سوريا، في مشهد يظهر تصاعد التهديدات وتقلص الخيارات التركية.
فالطائرات الحربية الروسية التي بدأت منذ أيام شن غارات جوية مكثفة في سوريا، انتهكت الأجواء التركية في حادثين منفصلين، فارضةً على الحكومة التركية المؤقتة تحديات غاية في الصعوبة لعل أبرزها عدم إمكانية السكوت عن هذه الإنتهاكات مع عدم سهولة اتخاذ قرار بالتعامل عسكرياً وربما إعطاء أوامر بإسقاط الطائرات الروسية في حال تكرار انتهاكها للأجواء التركية.
وتأتي كل هذه التطورات، في ظل ظروف سياسية استثنائية تمر بها تركيا، التي تخوض حرباً ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني أدت إلى مقتل وإصابة المئات من الجانبين، وحكومة انتقالية تقود البلاد حتى موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وعلى عكس ما أعلنت موسكو، لم تستهدف الغارات الروسية مواقع تنظيم الدولة الإسلامية وركزت هجماتها ضد كتائب الجيش السوري الحر التي ساهمت تركيا بشكل كبير في بنائه منذ بداية الثورة السورية وكان بمثابة ذراعها ومصدر قوتها في سوريا، ما يعني أن المصالح والنفوذ التركي في سوريا بات مهدداً بشكل كبير.فالعمليات الروسية سبقها الإعلان عن حلف بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهي جميعها دول «ليست صديقة» مع تركيا وتشترك معها بالحدود، الأمر الذي أثار مخاوف تركيا من تشكل حلف شيعي روسي على شريط واسع من حدودها، وهو ما رأى فيه محللون أتراك لـ«القدس العربي» تهديداً صريحاً وبعيد المدى للأمن القومي لبلادهم.
ويضاف إلى هذه التهديدات خشية أنقرة من أن تؤدي الغارات الروسية المتصاعدة والتوقعات باستعار حدة الحرب في سوريا إلى موجات جديدة من اللاجئين السوريين، يضافون إلى قرابة 2.2 مليون لجأوا من بلادهم إلى تركيا منذ بداية الثورة السورية، وباتوا يشكلون عبئاً سياسياً واقتصادياً كبيراً على البلاد.
وفي ظل جميع هذه التهديدات والتحديات، أبدت تركيا مواقف وصفتها بالحازمة تجاه انتهاك الطائرات الروسية لأجوائها بعدما استدعت السفير الروسي وحذرته من تكرار الحادثة ودعمها بذلك حلف شمال الأطلسي «الناتو» وأمريكا، لكن العديد من المراقبين رأوا أن الموقف التركي يبقى ضعيفاً في مواجهة الدب الروسي الطامع بفرض نفوذه وإخافة أعداءه في المنطقة والعالم.
ورغم ذلك،
لم يبد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كعادته أي تراجع، وطالب موسكو في تصريحات صحافية بالا تخسر تركيا، معتبراً أنها ستكون خسرت الكثير لو فعلت ذلك، وأن لدى أنقرة بدائل للغاز الروسي ويمكن لشركات أخرى بناء المفاعلات النووية لتركيا بدلاً منها وهو الأمر الذي سيلحق خسائر اقتصادية بروسيا بحسب أردوغان.وكان المستشار والنائب السابق لرئيس الوزراء التركي ياسين أقطاي، أبدى في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» قلق تركيا من الموقف الأمريكي، قائلاً: «ان تكون أمريكا متفرجة أمام كل هذه التطورات فهو أمر مقلق ومزعج لتركيا، أنقرة لديها تفاهمات واتفاقيات مع واشنطن وتحالف استراتيجي، ولكن الصمت الأمريكي تجاه ما يحدث في سوريا يضر بالثقة بين الدولتين».
وحسب سياسيين ومحللين أتراك فإن تركيا تشعر بـ»الخذلان» من الموقف الأمريكي الذي لم يكن حاسماً، حيث رفضت واشنطن منذ بداية الثورة السورية المطالبة التركية المتكررة بالمساعدة على إسقاط نظام الأسد، ومن ثم رفضت دعم مقترحها بإقامة المنطقة الآمنة، وهو ما أوصل الأمور إلى هذه النقطة وفتح الباب للتدخل الروسي الذي تمدد في الفراغ الأمريكي والتركي.
وتتشارك تركيا في قلقها من العمليات الروسية مع مواقع العديد من الدول العربية والخليجية، لا سيما قطر والسعودية، ويبدو أن أهم ورقة ما زالت في يد هذه الأطراف هي زيادة تسليح الفصائل السورية التي تحارب النظام السوري المدعوم من روسيا، وربما مدها بأسلحة نوعية جديدة.وفي هذا الإطار نقلت هيئة الإذاعة البريطانية، الجمعة، عن مصدر سعودي وصفته بـ»المسؤول» قوله، إن حكومة بلاده صعدت من حجم إمداداتها للثوار في سوريا عقب التدخل الروسي هناك، مؤكداً أن بلاده زودت ثلاث فصائل سورية مسلحة بأسلحة توجيه مضادة للدبابات ولوازم حديثة وأسلحة نوعية.وأوضح المسؤول السعودي، أن قطر وتركيا لعبتا دوراً محورياً في الحفاظ على الدعم السعودي للمقاتلين السوريين الذين يقاتلون نظام الأسد، وفي أحيان أخرى «متطرفي تنظيم الدولة»، في حين تصفهم روسيا بأنهم جميعاً إرهابيون بما في ذلك الفصائل التي دربتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ بداية الثورة السورية، يقول مراقبون إن جميع الدعم السعودي والقطري إلى فصائل المعارضة السورية يصل إليهم من خلال الأراضي التركية، وعبر تنسيق عالي المستوى مع جهاز الاستخبارات التركي.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الجمعة، أن وزير الدفاع، أشتون كارتر، أمر بتزويد مجموعات معارضة سورية بالأسلحة، وأوضح البنتاغون أن كارتر أمر بإرسال أسلحة وعتاد لمجموعة مختارة من قياديي المعارضة السورية، وبتوفير غطاء جوي لها في المعارك ضد تنظيم «الدولة»، وهو ما يدعم إمكانية لجوء تركيا للضغط على موسكو من خلال تسهيل عمليات تسليح المعارضة السورية، بالإضافة إلى توسيع برنامج تدريب المعارضة السورية الذي بدأته مع الولايات المتحدة.
وفي السياق، أعلن كارتر، الجمعة، أن الرئيس باراك أوباما وافق على تغييرات عدة في برنامج تدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة، والذي علقته لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي، في نهاية أيلول/سبتمبر.
المصدر