سلط المشاركون في ندوة ، تم تنظيمها اليوم الأربعاء بالرباط، حول "مساهمة المغرب في الحرب العالمية الثانية ومواقف السلطان سيدي محمد بن يوسف" الضوء على الدعم الكبير الذي قدمه المغرب بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس لفرنسا إبان تعرضها للاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وأوضح المشاركون، في هذا اللقاء الذي عقدته وزارة الثقافة والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن المملكة وقفت إلى جانب فرنسا ضد معسكر الفاشية والنازية، مبرزين اشتراك آلاف الجنود المغاربة في المعارك الحاسمة التي جرت خلال هذه الحرب بمختلف ساحاتها ما مكن من دحر الاحتلال الألماني.
وفي كلمة خلال هذا اللقاء، أبرز مؤرخ المملكة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي ومحافظ ضريح محمد الخامس ، السيد عبد الحق المريني، أن السلطان محمد بن يوسف قرر خلال هذه الحرب الوقوف بجانب فرنسا ضد معسكر الديكتاتورية والفاشية وساند باريس في هذه الحرب ومدها بثروات بشرية هائلة.
وأورد في هذا السياق مشاركة الآلاف من الجنود المغاربة في عملية تحرير فرنسا، مؤكدا أنهم "برهنوا (في المعارك) على خصال خارقة للعادة من شجاعة وصمود وحماس وإقدام وبطولة نوه بها أعداؤهم الألمان أنفسهم"، وتكبدوا خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالعديد من الدول.
وأضاف السيد المريني أن جلالة المغفور له محمد الخامس أمضى في 3 شتنبر 1939 نداءه التاريخي إلى الشعب المغربي الذي تلي على منابر المساجد بالمغرب، موضحا أن هذا النداء تضمن الدعوة إلى بذل الإعانة الكاملة لفرنسا وتعضيدها.
وقال إن السلطان كان متشبثا بموقفه الراسخ إزاء هذه الحرب العالمية، ورفض قرار المقيم العام الفرنسي الذي كان مواليا لحكومة فيشي بمقاومة إنزال القوات الأمريكية والانجليزية في نونبر 1942 بالشواطئ الأطلسية المغربية في إطار عملية "لاطورش" (الشعلة)، كما رفض طلبه بنقل عاصمة المغرب من الرباط إلى فاس.
من جهتها، ذكرت مديرة الوثائق الملكية، السيدة بهيجة سيمو، أن نداء السلطان سيدي محمد بن يوسف المذكور نص تاريخي بالغ الأهمية تلي على المساجد وجاء بعد اضطرابات سياسية قوية عرفتها أوروبا آنذاك وفي ظل وضع عام بالمتوسط طبعه التأزم (الوضع الإسباني عام 1936 وصعود الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا).
وقالت السيدة سيمو إن هذا النداء "عبر بوضوح عن اكتمال النضج السياسي عند العاهل المغربي الذي استطاع الربط بين الحرية والتحرير"، و"عن جرأة سياسية لأن جلالة المغفور له نصب نفسه عاهلا يحكم بلد مستقلا، ومن هنا ابتدأ مسار استقلال المغرب بوتيرة سريعة".
وذكر الكاتب عيسى بابانا العلوي، من اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، بأن السلطان طالب شعبه في هذا النداء بمساندة فرنسا دون الخضوع لأي ضغط، موضحا أن هذه المبادرة العفوية انبثقت من وعي بالتهديدات التي كانت تمثلها دول المحور آنذاك ورهانات الحرب العالمية الثانية بالنسبة للمغرب.
وعرض رئيس المدرسة العليا للصحافة بباريس، الكاتب كيوم جوبان، لشبكة المعلومات التي شكلها السلطان محمد بن يوسف سريا لمواجهة المستجدات التي كانت تعرفها الساحة آنذاك من أجل الإفلات من الرقابة والتجسس اللذين كان يمارسهما ضده عملاء السلطات الفرنسية، مبرزا أن السلطان كان على يقظة كبيرة، وهو ما أتاح له استمالة الأمريكيين.
وعاد المؤرخ الفرنسي بيير فيرمورين، من جانبه، إلى إعادة تنظيم القوات الفرنسية بالمغرب بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بفرنسا في 1940، موضحا أن هذه العملية تمت بمساعدة المغرب وبمباركة من السلطان الشيء الذي مكن القوات الفرنسية من الاضطلاع بدور حاسم في تحرير تونس وإيطاليا والمشاركة في جبهات قتال أخرى كانت تضم أعدادا كبيرة من الجنود المغاربة.