فجّر الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 أزمة إقليمية ودولية هائلة. وبلغ الفشل في حل الخلاف بالطرق الدبلوماسية، بعد ستة أشهر، مستوى حرب شاملة بتفويض من الأمم المتحدة لإخراج العراق من الكويت.
هناك روايتان متناقضتان لدور الأردن في أزمة الخليج والحرب يمكن تسميتهما بالرواية الجمهورية والرواية الملكية.
تقول الرواية الأميركية إن الأردن خان الحلفاء وانحاز للمعتدي في تحد حاسم للوضع الدولي ما بعد الحرب الباردة. وتتضمن قائمة اتهامات هذه الرواية للملك حسين التهم التالية: كان يعلم سلفا بخطة صدام حسين لغزو الكويت، أعطى صدام دعما صامتا خلال الأزمة، وساعده في تطويق أثر عقوبات الأمم المتحدة ضد العراق.
أما الرواية الأردنية فتؤكد انه لم يكن للملك سابق علم بخطة صدام، وان المملكة الأردنية ظلت تعارض بشكل مستمر غزو وضم الكويت، وأنها عملت على تعزيز الوصول إلى حل عربي للنزاع، وأنها التزمت بعقوبات الأمم المتحدة رغم إضرار العقوبات بها، وأنها ظلت طوال الوقت معارضة لأي استخدام للقوة. ولتأييد الرواية الأردنية اتخذت حكومة الأردن خطوة غير عادية بنشر ورقة بيضاء في أغسطس 1991 تتكون من 78 صفحة تضمنت روايتها للأزمة و15 وثيقة رسمية. ويضعف الفحص النقدي لكل الأدلة المتاحة من مصداقية الرواية الاميركية في عدة نقاط دون أن يساند بشكل كامل الرواية الأردنية.
جاء الغزو العراقي للكويت مفاجئا تماما للملك حسين. وكانت الموضوعات الأساسية الأربعة هي الديون العراقية التي تعود إلى مرحلة الحرب العراقية ـ الإيرانية، وسياسة أسعار النفط الكويتية، وحصص إنتاج النفط من حقل الرميلة المشترك، والنزاع الحدودي. ورغم أن النزاع بين العراق والكويت قد تصاعد بشأن هذه وغيرها من الموضوعات، فإن صدام أكد للملك حسين انه لن يلجأ لاستخدام القوة ما دامت المفاوضات مستمرة، ونقل الملك حسين هذه التأكيدات لصديقه القديم (جورج بوش الأب) الذي كان يجلس وقتها في البيت الأبيض.
في الساعة الخامسة والدقيقة الخمسين صباح 2 أغسطس اتصل العاهل السعودي الملك فهد هاتفيا بالملك حسين ونقل له الأنباء المروعة بان قوات العراق قد عبرت الحدود إلى داخل الكويت. كان الملك حسين في ذلك الوقت رئيسا لمجلس التعاون العربي، ولذلك فان الغزو وقع خلال فترة رئاسته للمجلس. كانت الدول الأخرى الأعضاء في المجلس هي العراق ومصر واليمن الشمالية. طلب الملك فهد من الملك حسين أن يناشد الزعيم العراقي بان يتوقف عن التقدم في الكويت. سأل الملك حسين عن إلى أي مدى تقدمت القوات العراقية، وقد صعق من أنها صارت على بعد 6 كيلومترات من مدينة الكويت وما زالت تتقدم نحو العاصمة. اتصل الملك حسين فورا بصدام لكن صدام لم يرد على اتصاله إلا بعد منتصف النهار حيث كان الجيش العراقي قد وصل إلى مدينة الكويت. ناشد الملك حسين صدام بالانسحاب، فقال صدام انه إذا أمسكت الحكومات العربية عن إدانة العراق وتهديده فان الجيش سيبدأ في الانسحاب بعد أيام ويكمل انسحابه خلال أسابيع. بعد أن عرف الملك حسين عن التحرك العراقي من الملك فهد دعا الجنرال إحسان شردم وأمره أن يقوم، كإجراء احتياطي، بوضع القوات الجوية الأردنية في حالة تأهب قصوى تبلغ درجة التأهب للحرب.
كان الملك حسين هو الزعيم الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يصف نفسه بأنه صديق لصدام حسين، وكان شديد الاهتمام بالحديث معه. وقد شعر الملك حسين أيضا بان من واجبه أن يقوم بكل ما يستطيعه لاحتواء الأزمة، وبعد أن تحادث مع صدام مباشرة سافر جوا إلى الإسكندرية لاجتماع طارئ مع الرئيس المصري حسنى مبارك. واتفق الاثنان على أن الموضوع يجب أن يُحل داخل الأسرة العربية من دون تدخل من الخارج وناشد مبارك الملك حسين أن يذهب إلى بغداد بأقصى سرعة ممكنة. وأيد الملك فهد، الذي تمت استشارته هاتفيا، هذه الخطوة. وتحدث الملك حسين ومبارك إلى الرئيس بوش أيضا. وابلغ الملك حسين بوش بأنه على وشك الذهاب إلى المملكة العربية السعودية والعراق. وقال «رجائي منك حقيقة يا سيدي أن تحتفظ بهدوئك. ونود أن نتعامل مع هذه المسألة في السياق العربي لإيجاد طريقة تسمح بتأسيس مستقبل أفضل». وابلغ بوش الملك حسين بان العالم لن يقبل بتغيير الوضع القائم بآخر جديد وان ذلك غير مقبول من جانب الولايات المتحدة. وأردف بوش قائلا «أنا متأكد أن صدام حسين يعرف ذلك لكن يمكنك أن تنقل له ذلك مني». ورد الملك على ذلك بان العراق «مصر على الانسحاب بأقصى ما يمكن وربما خلال أيام»، ووعد الملك بالدفع في اتجاه الانسحاب، وقال انه يحتاج لـ48 ساعة للسفر إلى بغداد والحصول على التزامات محددة من صدام حسين، وأنهى المحادثة الهاتفية تحت شعور بان بوش متفق معه على ذلك.
وافق مبارك أن ترجئ الجامعة العربية إصدار إدانة للعراق حتى تتاح للملك فرصة معرفة ما إذا ستقوم الحكومة العراقية بتقديم التزام بالانسحاب في أسرع وقت ممكن وحضور قمة مصغرة لمناقشة كل مظاهر النزاع مع الكويت. وكان أساس الموضوع هو إيجاد معادلة لحفظ ماء الوجه، بمعنى تسهيل انسحاب صدام من خلال التعهد بان تتم مناقشة فورية لكل شكاواه مع الكويت.
في اليوم التالي، 3 أغسطس 1990 ، طار الملك حسين إلى بغداد في الصباح للاجتماع بصدام حسين. وحصل الملك حسين على موافقة صدام على حل النزاع داخل الإطار العربي، وذلك بان يحضر العراق قمة مصغرة تعقد في جدة يوم 5 أغسطس وان يبلغ الملك حسين بتفاصيل انسحابه قبل أن تهبط طائرته في عمان. ولكن صدام عاند بإصرار الاستجابة بشكل ايجابي لمقترحات قادة الدول العربية الثلاث إلا في حالة أن تبتعد الجامعة العربية عن إدانة العراق. وبكلمات أخرى، كان صدام مستعدا للبدء في سحب قواته لكن من دون أن يكون ذلك تحت التهديد. وكان صدام يعتقد أن له أسبابا مشروعة لغزو الكويت وأراد أن ينسحب طوعا وبطريقة تحفظ له كرامته. وكان صدام، حسب وجهة نظر الملك حسين، يبدو مهتماً حقيقة بنزع فتيل الأزمة في هذه المرة. وفي نفس اليوم أعلنت الحكومة العراقية عن نيتها في البدء في سحب قواتها من الكويت في السابعة من مساء 5 أغسطس.
شعر الملك حسين بابتهاج شديد: كان قد طلب 48 ساعة لإيجاد حل عربي ويبدو انه على أعتاب إحداث اختراق خلال تلك الفترة الزمنية.
عند عودة الملك حسين إلى عمان اتصل بمبارك لإبلاغه بنجاح مهمته فوجد الموقف قد تغيّر. وفي الحقيقة فانه حين كان الملك حسين في طريقه إلى بغداد أصدرت الحكومة المصرية بيانا تدين فيه الغزو العراقي للكويت. اتصل الملك حسين بمبارك لإبلاغه بالاتفاقية التي توصل إليها والتعبير عن عدم ارتياحه للبيان المصري. أوضح مبارك انه تحدث مع الملك فهد عن الوضع، ورفض التفاهمات التي توصل إليها الملك حسين وأصر على الانسحاب العراقي غير المشروط من الكويت والإعادة الفورية للعائلة الحاكمة الكويتية لموقعها في قمة السلطة.
وفي اجتماع الجامعة العربية ذلك المساء في القاهرة دفع وزير الخارجية المصري بقوة في اتجاه إصدار قرار بإدانة العراق بينما حذر وزير الخارجية الأردني مروان قاسم من أن القرار سيضر بخطة الملك حسين في عقد قمة مصغرة لاحتواء الأزمة. لكن المجلس تبنى القرار بأغلبية 14 صوتا. في صباح يوم 4 أغسطس اتصل الملك فهد بالملك حسين وابلغه بورود مزاعم أميركية بان القوات العراقية تتقدم نحو الحدود مع المملكة العربية السعودية. لم يصدق الملك حسين هذه المزاعم لكنه طلب أن يتحقق منها من صدام. أبدى صدام أيضا استغرابه وبعد ان تباحث مع كبار قادة جيشه أبلغ الملك بان اقرب قواته من الحدود مع المملكة العربية السعودية توجد على بعد ثلاثين إلى أربعين كيلومترا من الحدود. وأضاف صدام انه أصدر أوامره لجنرالاته للتو أن يكونوا، على الأقل، على مسافة 50 كيلومترا من الحدود. نقل الملك حسين هذه التأكيدات إلى الملك فهد واقترح عقد اجتماع ثنائي. لم يبد الملك فهد رغبة واقترح بدلا عن ذلك إرسال وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل إلى عمان. وصل الأمير سعود عمان اليوم التالي يحمل أخبارا بان الأميركيين أعطوا الملك فهد صورة فوتوغرافية تظهر أن القوات العراقية تتقدم. كرر الملك حسين تأكيداته التي قدمها له صدام وأضاف أن العراق اخطر الأمم المتحدة رسميا بنيته في الانسحاب من الكويت.
وكدلالة على ثقته في تأكيدات صدام عرض الملك حسين أن يرسل نصف جيشه ليقوم بدوريات لخفر منطقة الحدود بين الكويت والمملكة العربية السعودية كي تكون قواته هي أول قوات تواجه القوات العراقية المتقدمة. لم يستجب السعوديون لطلب الملك حسين مما لا يستغرب إذا أُخذت شكوكهم في الاعتبار. وهكذا ذهب طلب الملك حسين مع الريح.
أما الذي لم يكن يعرفه الملك حسين هو أنّه، وبسبب الشكوك حول وجود تحركات للقوات العراقية نحو الحدود السعودية، تقدم الأميركيّون للرياض بعرض بإرسال قوات أميركية إلى المملكة العربية السعودية. أمضت إدارة بوش الفترة من 2 إلى 6 أغسطس تتفاوض مع المملكة العربية السعودية حول حجم وتركيب القوات الأميركية التي يجب إرسالها. ووصلت أول فرقة عسكرية أميركية في 6 أغسطس. أبلغ مبارك بالمفاوضات فالتزم هو أيضا وأرسل قوات إلى المملكة العربية السعودية. لم يكن هناك وجود لاحتمال أن يحضر مبارك والملك فهد قمة مصغرة مع صدام في الوقت الذي كانت القوات الأميركية والمصرية تصل إلى المملكة العربية السعودية لمجابهة صدام.
خلال اقل من يومين كان شرط العراق بعدم الإدانة وعدم جلب قوات أجنبية قد تمت مجابهته، كما أن الحوار مع العراق قد تم تجميده. تحطمت مصداقية الملك حسين كمفاوض كما تقوضت إمكانية الوصول إلى حل عربي. أصيب الملك حسين بغم شديد حين علم بوصول القوات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية، فقد تحول الصراع بين عشية وضحاها إلى أزمة دولية واضعة أميركا وحلفاءها ضد العراق. وفجأة فقد صدام «اعتباره» وحلت المواجهات محل المصالحة. لقد انتهى دور الملك حسين كوسيط: صار خارج الخيمة. ولم يعد الأردن لاعبا في الموضوعات التي تهم أميركا. وفي الأشهر الخمسة التالية غرقت أميركا في بحر العمليات اللوجستية المتعلقة بنشر القوات في الخليج وبناء تحالف عسكري عريض ضد العراق. وفي 6 أغسطس فرض مجلس الأمن حظرا على العراق، وكرد على ذلك أعلن صدام أن الغزو لا رجوع عنه. وبعد يومين من ذلك أعلن العراق ضم الكويت بأكملها.
وقد شرح صدام فيما بعد للملك حسين عن رؤيته حول ضم الكويت قائلا: «عرفت أن الأميركيين مصرون على الدخول في حرب»، وشعر انه إذا لم تصبح الكويت جزءا من العراق فان القوات العراقية هناك لن تكون في موقع قوي للدفاع عنه. فمن الممكن توقُّع أن يدافع الجيش العراقي عن العراق حتى الموت ولكن لا يمكن توقع أن يقوم بالدفاع حتى الموت عن الكويت. فإذا صارت الكويت جزءا من العراق فان الأمر سيكون متسقا، و«هذا هو السبب الذي جعلني أقدم على ما فعلته في ذلك الوقت»، حسب قول صدام. ولكن من وجهة نظر المجتمع الدولي فان ضم الكويت كان بمثابة نقطة اللاعودة: لقد أزال الدكتاتور العراقي الدموي سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ولا يمكن أن يسمح له بالاستمرار في ذلك. أما الأردن فقد رفض، كغيره من أعضاء المجتمع الدولي، الاعتراف بنظام صدام الدمية في الكويت.
شعر الملك حسين بان صديقه العراقي قد خذله وليس هناك ما يستطيع أن يفعله لتعديل الوضع. ثم قُطع العون الأميركي للأردن، كما قطعت دول الخليج التي التحقت بالتحالف العسكري عونها هي الأخرى. وكان لفرض العقوبات من مجلس الأمن على العراق من خلال القرار 661 آثار مدمرة بالنسبة للأردن. وكانت الضربة الأولى التي شلت الاقتصاد الأردني هي التدفق الكبير للاجئين المبعدين من الخليج. لذلك فان معاناة الملك حسين بلغت شأوا عاليا جعله يتحدث يوم 8 أغسطس مع زوجته حول التنازل عن العرش. وبسبب الدرجة التي استهدف بها فانه فكر في ما إذا كانت معاناة الأردن ستكون اخف وطأة إذا ما سلّم مسؤولية الحكم لشخص آخر لكن التدفق المستمر للرسائل والمحادثات الهاتفية عليه أوضحت له أن البلاد بأكملها تسانده. كما ساهمت الملكة نور في التشجيع والدعم.
بلغت شعبية الملك حسين في الداخل الذروة وتعاطفت الأغلبية العظمى من الأردنيين، في البلاد وفي الجيش، مع الشعب العراقي. ولأول مرة في تاريخ الأردن سمح النظام بل وشجع تسيير مظاهرات معادية للغرب في الأماكن العامة. وأطلقت يد الأخوان المسلمين تماماً لحشد التأييد الشعبي لسياسة الملك المعادية للتدخل العسكري الغربي في الخليج. وكانت أزمة الخليج إحدى الفصول القليلة في تاريخ الأردن التي حدث فيها ما يكاد يبلغ التوافق الكامل بين مواقف النظام والجيش والبرلمان والرأي العام.
تحققت شعبية حسين في الداخل على حساب خسارة قدر كبير من علاقاته مع الغرب. كان الغرب مدركا لأن العراق والأردن كانا حليفين مما استدعى وجود سياسة خارجية أكثر براغماتية. ومع ذلك فان الإرادة الطيبة للغرب كانت معاقة بشكل كبير بسبب الدعم المادي الأردني لصدام في تحاشي وطأة عقوبات الأمم المتحدة وبما اعتبر بمثابة فشل قيادة الملك حسين في الأيام الأولى للازمة. كان هناك شعور بأنه لو كان الملك قد فكر بدهاء اكبر لكان قد اكتشف أن المصلحة الحقيقية للأردن توجد في الانضمام إلى باقي المجتمع الدولي ضد من يخرق القانون. كان يمكن للملك حسين أن يقول لشعبه أن قبول احتلال الأراضي بالقوة يعتبر أمرا حاسما بالنسبة للأردن، وان موقف الأردن في الأزمة الراهنة يستند إلى هذا المبدأ. لذا لم يكن لصدام أن يتوقع أي دعم معنوي أو مادي من الأردن.