لم يكن السادات يرغب في حدوث خلاف بينه والملك حسين. فالسادات كان يرى ان تأييد العاهل الأردني من المحتمل ان تكون له قيمة في مواجهة المعارضة العربية المؤكدة للتوصل إلى سلام جزئي مع إسرائيل، فضلا عن ان السادات كان في حاجة إلى واجهة شرعية. بمعنى آخر، لم يكن السادات يرغب في ان يلعب الملك حسين دورا في محادثات السلام وإنما فقط كي يضفي بعض الشرعية على عملية ينظر إليها العرب كونها اتفاقيه مشبوهة. وكان السادات يعتمد في هذا الجانب على ان الضغوط المصرية ـ الأميركية لن تترك أمام الملك حسين من خيار سوى الانخراط وراءهما.
بصورة عامة، كانت للسادات وجهة نظر سلبية تجاه الحكام العرب. وفي لقائه مع المسؤولين الأميركيين كثيرا ما قلل السادات من شأن الملك حسين، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى تجاهل تحذيراته بشأن إبرام أي اتفاق سلام منفصل. القدس، وحقوق الفلسطينيين، ومستقبل المستوطنات في الضفة الغربية، كانت من أكثر القضايا الشائكة في محادثات كامب ديفيد. وأوردت وسائل الإعلام ان التفاوض بشأن كل هذه القضايا وصل إلى طريق مسدود.
وفي 14 سبتمبر 1978 ، وعلى وجه التحديد في اليوم العاشر للمفاوضات، اتصل الملك حسين، وبتشجيع من اشرف مروان، بالسادات هاتفيا في المنتجع الرئاسي بكامب ديفيد. وأبلغ السادات الملك حسين خلال تلك المكالمة بأن المفاوضات تعثرت فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، انه يشعر بالإحباط وان من المحتمل ان يحزم حقائبه عائدا إلى مصر. وهنا حيا الملك حسين السادات على محاولته وشجعه على التمسك بموقفه وتحميل مسؤولية الفشل للمتسببين فيه. أجرى الملك حسين كذلك ترتيبات بغرض التقاء السادات في المغرب في طريق عودته من الولايات المتحدة ووعده بمرافقته في جولة على عواصم الدول العربية لإطلاع زعمائها ومسؤوليها بما حدث.
وفي واقع الأمر عرض الملك حسين على السادات مساعدته في معالجة الانقسام الذي حدث واستعادة موقعه في العالم العربي. وبعد ثلاثة أيام فقط علم الملك حسين من تقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ان اتفاقا تم التوصل إليه في كامب ديفيد. شعر الملك حسين بغضب بالغ واعتقد ان السادات خدعه متعمدا، وبدلا من التوجه إلى المغرب عاد الملك حسين إلى الأردن.
تضمن اتفاق كامب ديفيد جزءين، الأول عبارة عن إطار لاستكمال معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وترتكز المعاهدة على أربعة مبادئ، هي انسحاب إسرائيلي كامل من سيناء والاعتراف بسيادة مصر على أراضيها وجعل غالبية سيناء منطقة منزوعة السلاح وإرسال قوات تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للإشراف على نزع السلاح وضمان حرية الملاحة في خليج وقناة السويس والتطبيع الكامل للعلاقات بين مصر وإسرائيل. ويشتمل الجزء الثاني من الاتفاق على إطار للسلام في الشرق الأوسط، وهو يتعلق بالقضية الفلسطينية. ويشتمل هذا الجزء على انتخاب ممثلين فلسطينيين للتفاوض مع إسرائيل حول تأسيس حكم ذاتي محلي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى الرغم من ان هذا الاتفاق كان قائما على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242، فإنه لم يحسم مسألة انسحاب إسرائيل وتركها لمفاوضات «الوضع النهائي» بعد فترة انتقالية للحكم الذاتي تكون السيطرة العسكرية خلالها لإسرائيل.
لم يرد في ذلك الاتفاق أي ذكر لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تقرير المصير للفلسطينيين، ولا أي اتفاق على التزام بانسحاب إسرائيل فيما عدا سيناء، ونتيجة لذلك قوبل اتفاق كامب ديفيد برفض فوري من جانب منظمة التحرير الفلسطينية وسورية ودول عربية أخرى. كان الملك حسين في حالة صدمة عندما قرأ نص الاتفاق، خصوصا في ضوء التأكيدات التي تلقاها من السادات قبل ثلاثة أيام فقط. وبذلك أصبح واقعاً كابوسُ توصل مصر إلى اتفاق سلام منفصل مع إسرائيل. استبعد الفلسطينيون والأردنيون وأصبح العالم العربي في حالة من الفوضى والارتباك. كان الملك حسين يخشى من أن يؤدي اعترافه بالاتفاق الذي توصل إليه السادات إلى إفساد العلاقات مع الفلسطينيين وبقية العالم العربي. كان يشعر بالإهانة إزاء الطريقة الفجة التي حاولت الولايات المتحدة من خلالها جعله جزءا من العملية، ورفض إعطاء شرعية للاحتلال الإسرائيلي أو لعب دور الشرطي التابع لإسرائيل في الضفة الغربية. وشعر باستياء خاص تجاه افتراض أن الأردن يمكن ان يلعب الدور الذي رسم له في وثيقة كامب ديفيد. فقد ورد اسم الأردن ما لا يقل عن 14 مرة في جزء الاتفاقية تحت عنوان «إطار للسلام في الشرق الأوسط» من دون مشاورة الأردن بشأن الدور الذي حدده له الذين صاغوا الوثيقة. وأكد الملك حسين وحكومته مرارا أن الأردن غير ملتزم قانونيا أو أخلاقيا بأي اتفاق لم يشارك في صياغته، مشددين على ان الأردن سيتسمر في الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة وعلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
شعر الملك حسين بأن السادات خدعه، إلا ان تسلسل الأحداث باتجاه نهاية قمة كامب ديفيد يدل على ان بيغن هو الذي خدع جميع المشاركين الآخرين.
ففي صباح الجمعة 15 سبتمبر أبلغ السادات وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس بأنه سيغادر القمة عائدا إلى بلده لأنه لا يرى أي أمل في التوصل إلى اتفاق، إلا ان كارتر نجح في إقناع السادات بالبقاء والاستمرار في المفاوضات. وفي مساء السبت التقى كارتر وسايروس فانس وبيغن وكبار مستشاريه لمدة ست ساعات وشعروا بأنهم حققوا تقدما رئيسيا، وبدأ بيغن في كتابة خطاب إلى كارتر بغرض إعلان مضمونه، وأكد في الخطاب وقف إسرائيل لبناء أي مستوطنات جديدة خلال الفترة الانتقالية المحددة بخمس سنوات للحكم الذاتي الفلسطيني. وكان هذا الالتزام من جانب بيغن كعامل رئيسي لإقناع السادات بالتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد في واشنطن يوم الأحد 17 سبتمبر 1977.
وصل خطاب بيغن يوم الاثنين واكتشف ان ما جاء فيه حول المستوطنات يتضمن تحديد تأجيل بناء المستوطنات الجديدة لفترة ثلاثة أشهر، وهي فترة المفاوضات حول السلام بين مصر وإسرائيل. كانت ملاحظات كارتر واضحة ومحددة وتلخصت في تجميد بناء المستوطنات إلى حين استكمال كل المفاوضات، وأكد سايروس فانس على هذا التفسير. وهنا قال بيغن انه لا بد ان يكون قد حدث نوع من سوء الفهم. ولكن لم يكن هناك أي سوء فهم، فقد تصرف على نحو يفتقر إلى قواعد الأمانة والشرف. شعر كارتر بغضب بالغ تجاه بيغن ووصفه بأنه «معتوه». فتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية كان بمثابة واحد من التنازلات التي ربما أقنعت العرب بجدية الولايات المتحدة في التوصل إلى سلام عادل. وبسحبه لهذا التنازل يكون بيغن قد ألحق ضررا بالغا بالموقف الأميركي في نظر العالم العربي، فحتى العرب الأكثر اعتدالا والمؤيدون للولايات المتحدة أحجموا عن الاعتراف بالاتفاق المنقوص الذي وقعته مصر.
على الرغم من ذلك عملت الولايات المتحدة بجدية للحصول على تأييد السعودية والأردن. فقد أورد كارتر في مذكراته انه اتصل بالملك حسين في عمان وعلم انه يتعرض لضغوط من بعض الدول العربية كي يرفض لعب أي دور في المفاوضات المقبلة حول تطبيق اتفاقيات كامب ديفيد. وأورد كارتر أيضا انه شرح للفلسطينيين والملك حسين فوائد الاتفاق، ووعد الملك حسين، على مضض، بعدم اتخاذ أي قرار أو بقطع التزام رسمي إلى حين الإطلاع المفصل على وثائق الاتفاقيات، ولكن لم ترد في مذكرات كارتر أي معلومات حول الخطاب الذي أرسله له الملك حسين في 27 أغسطس (آب) محذرا إياه من النتائج التي يجري توصل إليها في نهاية الأمر. وبمجرد انتهاء المفاوضات أرسل كارتر سايروس فانس إلى الأردن والمملكة العربية السعودية بغرض الحصول على التأييد اللازم للاتفاقيات، غير ان زبيغنيو بريزينيسكي، مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي كان له رأي آخر. فقد تدخل عقب انتهاء المفاوضات وتبنى لهجة تهديد وتخويف، وقال إن صاحب الحاجة لا قرار له في اختيار ما يحتاج. وتجاهل بريزينيسكي تحذيرات وزارة الخارجية الأميركية من ان الأردن والسعودية سيحتاجان إلى بعض الوقت لقبول الوضع الجديد، كما انه ضلل الصحافة الأميركية بتصريحات زعم فيها ان الدولتين أبدتا معارضة اسمية قبل الانضمام في محادثات موسعة.
لهجة الانتصار لدى وسائل الإعلام الأميركية جاءت في غير صالح سايروس فانس خلال زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط. فقد كان كل من الملك حسين وولي العهد السعودي وقتها الأمير فهد بن عبد العزيز يشعران بالغضب تجاه السادات لأنه تعهد لهما بالتزام واضح بالتفاوض من أجل تسوية شاملة يشارك فيها بقية العرب، بمن في ذلك الفلسطينيون، أو يؤيدونها على الأقل. أبلغ كل من الملك حسين والأمير فهد سايروس فانس بأن غالبية الدول العربية هاجمت السادات وان القادة الفلسطينيين ليسوا على استعداد للمشاركة في المفاوضات الخاصة بالحكم الذاتي. وقالا له إن السادات قد خذلهما بإبرامه اتفاقا منفصلا مع إسرائيل مقابل إعادة سيناء إلى مصر. سايروس فانس رد من جانبه قائلا ان ترتيبات الحكم الذاتي ربما تقود في نهاية الأمر إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين. يضاف إلى ذلك ان الملك حسين والأمير فهد شككا في ان تلتزم إسرائيل بشروط وروح الاتفاقية. وفي نهاية النقاش المطول ابلغ الملك الحسين سايروس فانس بأن لديه أسئلة إضافية يريد إجابات عليها قبل إعطاء رده الذي وعد بإرساله بعد وقت قصير. ساد التردد بين غالبية مستشاري الملك حسين إزاء الانخراط في مفاوضات كامب ديفيد. فمن ناحية، كانوا لا يريدون الإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة، كما انهم كانوا يشعرون في نفس الوقت بان الانضمام إلى كامب ديفيد ربما يسفر عن مخاطر سياسية وشخصية غير مقبولة على الملك حسين، أكبرها الانضمام إلى جانب السادات والخروج في نهاية الأمر صفر اليدين، وكان الملك حسين ومستشاروه يدركون جيدا ان ما يحدث هو عملية تتألف من مراحل، لكنهم كانوا يريدون التأكد من النتائج النهائية قبل ابتداء الرحلة. على وجه التحديد كان مستشارو العاهل الأردني في حاجة إلى التأكد من ان النتيجة النهائية ستكون تسوية سلمية تنتهي بانسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة.
واصدر الملك حسين قرارا بتشكيل لجنة من خمسة مسؤولين، برئاسة الشريف عبد الحميد شرف، لصياغة الأسئلة التي تحتاج إلى رد من جانب الإدارة الأميركية، وأعدت اللجنة 14 سؤالا يتعلق معظمها بتفسير الإدارة الأميركية لاتفاقيات كامب ديفيد والدور الأميركي في تطبيقها. وقع الرئيس كارتر بنفسه على الإجابات وأرسلها إلى هارولد سوندرز، مساعد وزير الخارجية، لتوصيلها إلى الملك حسين في 16 أكتوبر (تشرين الأول). جاء في الإجابات ان تفسير الولايات المتحدة على قرار مجلس الأمن 242 لم يتغير منذ عام 1967، كما تضمنت الإجابات إيضاحات لوجهات نظر واشنطن تجاه قضايا محددة متضمنة في اتفاقيات كامب ديفيد، بيد ان الإجابات لم تشتمل على أي من الضمانات التي كان يسعى إليها الأردن. لم تكن هناك، على سبيل المثال، إشارة إلى ان إدارة الرئيس كارتر على استعداد لممارسة ضغوط على إسرائيل مثل الضغوط التي تمارسها على العرب. وجاء في الوثيقة ان كل القضايا الشائكة يجب ان يجري التوصل إلى حل بشأنها من خلال مفاوضات مباشرة بين الأطراف نفسها. يضاف إلى ما سبق ان الردود الأميركية لم تتضمن أي إشارة إلى عدم التوازن بين الأطراف المعنية. وأجمع مستشارو الملك حسين على أن إجابات واشنطن مبهمة وغير مقنعة وتفتقر إلى إبداء أي التزام من جانب الولايات المتحدة.
قضى سوندرز ساعات مع مستشاري الملك حسين وعقد اجتماعين مع الملك نفسه، الذي ابلغ سوندرز بأن الأردن لا يستطيع المشاركة في المفاوضات الخاصة بتطبيق بنود اتفاقيات كامب ديفيد بدون تأييد من الجانبين الفلسطيني والسعودي. والتقى سوندرز أيضا قادة الضفة الغربية لكنه لم يستطع الحصول على تأييد لمشاركة أردنية.
توجه سوندرز بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية لكنه لم يكن أفضل حظا من سايروس فانس. وجه سوندرز سؤالا مباشرا إلى ولي العهد الأمير فهد بن عبد العزيز مستفسرا إياه حول ما إذا كانت السعودية ستؤيد الأردن في حال إعلان الملك حسين تأييده لاتفاقيات كامب ديفيد، إلا أن الأمير فهد لم يرد على سوندرز بإجابة قاطعة، ثم غيّر موضوع الحديث.
عاد سوندرز مرة أخرى إلى عمان للقاء الملك حسين واعترف بفشل مهمته.
على الرغم من كل هذه الإحباطات لم يكن الملك حسين يرغب في استبعاد كل احتمالات المناقشة في المستقبل. وجاء في مذكرات كارتر انه لم يتلق إجابة قاطعة من الملك حسين، الذي ترك احتمالات مشاركة الأردنيين أو الفلسطينيين مفتوحة حسبما تم الاتفاق عليه في كامب ديفيد، لكنه لم يبد أي نوع من الالتزام. وفي مناقشات على الصعيد الشخصي والخاص استخدم كارتر لغة اقل دبلوماسية ووصف الملك حسين بأنه ملك ضعيف لدولة ضعيفة.
كان الأردن يعتمد بصورة كبيرة على مساعدات دول الخليج العربي، لذا سيكون هناك ثمن اقتصادي لخروجه على الإجماع العربي. يضاف إلى ذلك ان الخطر العسكري من كل من العراق وسورية على الحكم الهاشمي في الأردن سيزداد في حالة الخروج على الإجماع العربي، فضلا عن الخطر الذي سيتهدد الاستقرار الداخلي للأردن في حال تحدي الأردن قرار قمة الرباط وإثارة غضب النازحين الفلسطينيين في الأردن.
في ظل تلك الأوضاع آثر الملك حسين التقارب مع العرب الرافضين لاتفاقيات كامب ديفيد، وقبل الدعوة للمشاركة في قمة عربية في بغداد استبعدت مصر منها. لم تكن بغداد المكان الأنسب من بين كل العواصم العربية لزيارة الملك حسين، ذلك ان بغداد هي المدينة التي شهدت طرد الأسرة الهاشمية بصورة عنيفة قبل حوالي عشرين عاما من ذلك الوقت. وكانت تلك أول زيارة للملك حسين إلى بغداد منذ عام 1958.
اتخذت السلطات العراقية كل الخطوات اللازمة كي يشعر الملك حسين بأنه محل ترحيب وحفاوة، وأرسل مسؤولو حزب البعث إلى المقابر الملكية لقطع الحشائش التي نمت بغزارة حول قبور أفراد الأسرة الهاشمية تحسبا لاحتمال زيارة الملك حسين لها خلال أيام مشاركته في القمة.
تحدث الملك حسين في القمة ووضع الأردن في قلب الإجماع العربي الجديد، وتقدم بإطار لعمل عربي مشترك لحماية العالم العربي في مواجهة التوسع الإسرائيلي ولتأمين استعادة الأراضي العربي المحتلة. وأكد العاهل الأردني ضرورة حشد الدول العربية لكل مواردها وإمكانياتها لمواجهة الخطر المشترك.
قررت قمة بغداد تعليق عضوية مصر ونقل المقر العام لجامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. كما اعلنت القمة ان اتفاقيات كامب ديفيد مناقضة لقرارات قمة الرباط، وأكدت تأييدها لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، فضلا عن تصويتها لصالح مواصلة الدعم المالي لمدة عشر سنوات لكل من سورية والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وخصص للأردن ثلث هذه المساعدات (1250 مليون دولار على مدى 10 سنوات). وكان ذلك الدعم من جانب الدول العربية المنتجة للنفط للجبهة الشرقية يهدف إلى إعادة توازن القوى الذي سببه خروج مصر.
كانت قمة بغداد بمثابة بداية لعلاقة صداقة شخصية وثيقة وشراكة سياسية بين الملك حسين وصدام حسين، نائب الرئيس العراقي الشاب في ذلك الحين. وكان صدام حينها الرجل القوي في نظام حزب البعث، وتسلم الرئاسة بعد ذلك من أحمد حسن البكر. لعب صدام حسين دورا رئيسيا في إقناع الدول العربية الثرية في تقديم مساعدات مالية لبقية دولة المواجهة التي تجمعها حدود مشتركة مع إسرائيل. وأبدى الملك حسين إعجابا بالنائب الشاب النشط للرئيس العراقي وببلاغته في الحديث حول الحاجة إلى وحدة بين الدول العربية والتأكيد على مسؤوليتها الجماعية في التأكد من عدم وجود عربي جائع. صدام حسين من جانبه تعامل مع جاره الملك حسين بتهذيب ولطف بالغين، وأبدى تفهما كاملا وتعاطفا مع محنته. وشأن بقية أفراد الأسرة الهاشمية نظر الملك حسين إلى العراق بمزيج من الإعجاب والنفور. الإعجاب بثروة وقوة العراق، والنفور بسبب المذبحة البشعة لأقربائه عام 1958. وفي نهاية الأمر رجحت الصداقة الوليدة بين الملك حسين والزعيم العراقي الكفة في صالح الإعجاب وساعدته على تجاوز الذكريات المريرة للماضي.
جاء رد فعل واشنطن شرسا على رفض الأردن لاتفاقيات كامب ديفيد، وكثفت إدارة كارتر الضغوط على الأردن بغرض إجباره على تغيير موقفه والانضمام إلى مفاوضات كامب ديفيد. قطعت واشنطن مساعداتها للأردن ونصحت حلفاءها في منطقة الخليج بعدم مساعدة الأردن. واجه الأردن أيضا صعوبات في الحصول على منح من البنك الدولي لدعم مشاريع التنمية، بل واجه الأردن خلال فترات عدم توفر السيولة لدفع رواتب الجيش.
وفي مارس 1979 زار زبيغنيو بريزينيسكي عمان وهدد بفرض قيود على إمدادات السلاح للأردن إذا لم يغير موقفه تجاه عملية السلام التي دعمتها الولايات المتحدة. واعتقد المسؤولون الأردنيون ان الولايات المتحدة ربما لا توفر الحماية للأردن في وجه أي هجوم من إسرائيل مستقبلا. اتهم الملك حسين الولايات المتحدة بازدواجية المعايير في تشجيعها المقاومة الإسلامية ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان، وتصويرها ـ في نفس الوقت ـ الفلسطينيين كمجرمين بسبب مقاومتهم لاحتلال أرضهم من جانب إسرائيل، ووصلت العلاقات بين واشنطن وعمان إلى أدنى مستوى لها لأول مرة.
قرر كارتر خفض المساعدات الأميركية للأردن من 40 مليون دولار عام 1978 إلى 20 مليون دولار عام 1980، وتجاهلت الولايات المتحدة طلب الأردن طائرات F-16. علاوة على ذلك أجاز مجلس النواب الأميركي مشروع قرار مساعدات عسكرية بحرمان الأردن من أي مساعدات إلى ان يلعب الدور المحدد له في اتفاقيات كامب ديفيد، واعتبرت عمان مشروع القرار المذكور ابتزازا. فرضت الولايات المتحدة أيضا الكثير من الشروط على طلب الأردن شراء 300 دبابة M60A3، مما اضطر الملك حسين إلى شراء 274 دبابة بريطانية من طراز Chieftain بمساعدة من المملكة العربية السعودية. تراجعت العلاقات الشخصية بين الملك حسين وكارتر، ووصف الأخير الملك حسين بأنه «أضعف من ان يعتمد عليه» في عملية السلام.
وفي 17 يونيو (حزيران) 1980 زار العاهل الأردني واشنطن لإجراء محادثات مع كارتر، وشرح له أهمية الأسلحة التي حرم منها الكونغرس الأردن على الرغم من كونه عرضة للمخاطر. وكرر الملك حسين مجددا خلال محادثاته مع كارتر اعتراضه على اتفاقيات كامب ديفيد، مؤكدا الحاجة إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة يؤكد تمثيل الفلسطينيين ويعالج مسألة تقرير المصير لهم. دارت عملية السلام برمتها حول التوتر بشأن التسوية النهائية والتسوية المنفصلة. الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها في نهاية المطاف بكامب ديفيد تعارضت مع المبادئ الأساسية للأردن في مجال السياسة الخارجية. وكان الملك حسين يدرك ان مصر وإسرائيل تحتلان مرتبة أعلى من الأردن في قائمة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكنه شعر بأن جيمي كارتر، في خضم سعيه جاهدا لتحقيق نجاح في مجال السياسة الخارجية، أجبر العرب على دفع ثمن تعصب إسرائيل.