يتشارك الجنود الأمريكيون الذين يعملون كمستشارين لقوات الأمن العراقية قاعدة مع مرافقون غرباء: ميليشيا مدعومة إيرانيا كانت تقتل الجنود الأمريكيين يوما. كلاهما يحارب متشدددي تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن هنا في العاصمة، ما تزال طهران وواشنطن على جانبي نقيض. تناشد الولايات المتحدة الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة فعل المزيد لضم أفراد من الأقلية السنية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. بينما تعيق إيران التي يقودها الشيعة ووكلائها تلك الجهود.
توضح تلك الازدواجية تعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران في أماكن مثل العراق، حيث تصطدم مصالح الغريمين وتتباعد. الآن، بعد أن تجاوز اتفاق لتقييد البرنامج النووي الإيراني أكبر عقبة له في الكونجرس الأسبوع الماضي، سوف يكون على الولايات المتحدة السير عبر متاهة إقليمية معقدة مع إيرانٍ زادت قوتها حديثا نتيجة الشرعية الدولية ورفع العقوبات الإقتصادية.
علاوةً على ذلك، هناك مؤشراتٌ على أن الاتصالات بين البلدين والتي صاحبت المحادثات النووية قد بدأت في توليد مجالات أخرى للتعاون المحدود في العراق، وأفغانستان، وبدرجةٍ أقل في اليمن.
يقول منتقدون إن الاتفاق النووي سوف يشجع إيران فقط على تصعيد حملاتها الوافرة ضد الولايات المتحدة وحلفائها: تسليح حزب الله وحماس لمحاربة إسرائيل؛ ونشر قوات إيرانية للدفاع عن الرئيس السوري بشار الأسد؛ ودعم المتمردين الحوثيين في اليمن أو جماعاتٍ مسلحة أكثر غموضا في دول الخليج العربي الأخرى؛ والإبقاء على السياسة اللبنانية رهينة مصالحها.
اشتكى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن الاتفاق سوف يقوي أكبر عدو لبلاده، ويحذر حلفاء أمريكا في ممالك الخليج السنية من الصراع الطائفي المتصاعد حول المنطقة مثل الحروب المستمرة في اليمن وسوريا.
لكن رغم أن كلا من الولايات المتحدة وإيران تواجه ضغوطا داخلية ضد علاقاتٍ أوثق بين البلدين، فإن بعض المحللين يرون أن علاقةً أكثر تعاونا هي النتيجة الحتمية حتى وإن كانت غير مريحة للمحادثات التي قادت إلى الاتفاق النووي – رغم إصرار القادة على الجانبين أن الاتفاق الذي عقدته الولايات المتحدة سوف يكون مقصورا على البرنامج النووي الإيراني.
قال جيمس دوبينز، الزميل البارز بمؤسسة راند، إن "الحكومتين الأمريكية والإيرانية سوف تقومان بالاقتراب من حوارٍ موسع بحذرٍ شديد". وأضاف: "لكن سوف يظل هناك زيادة تدريجية على الأقل في الاتصالات بين الحكومتين فيما يخص مجالات تتجاوز المسألة النووية". كان دوبينز مسؤولا كبيرا بوزارة الخارجية الأمريكية وقد عمل مباشرةً مع دبلوماسيين إيرانيين لإقامة حكومة جديدة في كابول عقب اجتياح الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001.
يعني هذا أن الولايات المتحدة سوف تواجه عملية موازنة حرجة إذا استمرت إيران، كما هو متوقع، في موقفها المعادي تجاه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. يتساءل مايكل ستيفنز المحلل بمعهد الخدمات الملكية المتحدة: "هل ستلغي الولايات المتحدة الاتفاق النووي إذا أرسلت إيران أسلحةً إلى حماس أو حزب الله؟"، مجيبا: "بالقطع لا".
وأضاف: "لذلك يعلم الإيرانيون أن ذلك الاتفاق هو تذكرة عودتهم مجددا إلى اللعبة الكبرى".
قد تكون افغانستان هي المكان الذي يوجد فيه أوضح تلاقٍ للمصالح – وإمكانية للتعاون. بينما كانت المحادثات النووية الأمريكية-الإيرانية تكتسب زخما العام الماضي، كان الدبلوماسيون الإيرانيون يعملون أيضا مع وزير الخارجية جون كيري لإبرام اتفاقٍ في كابول لتجنب الوصول إلى طريقٍ مسدود وتشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، مكررين دورا داعما لعبه الإيرانيون إلى جانب الدبلوماسيين الأمريكيين عام 2001.
تابع السيد دوبينز: "اتبعت الولايات المتحدة وإيران خطا واحدا تقريبا في أفغانستان لسنوات"، لذا فإن التعاون المفتوح "سوف يكون متعلقا أكثر بإعلان ما يجري بالفعل".
يرغب كلا الجانبان في منع عودة طالبان وحرمان القاعدة من إعادة تأسيس ملاذات آمنة.
وتقلق طهران بشدة أيضا من تدفق الأفيون واللاجئين الأفغانيين إلى إيران، والتي تتشارك حدودا طويلة مع أفغانستان، حسب مايكل كوجيلمان، الباحث المختص بشؤون جنوب آسيا بمركز وودرو ويلسون الذي يقع مقره في واشنطن. وأضاف: "تتقارب مصالحهما في أفغانستان بصورةٍ أكبر مما قد يرغب أيٌ منهما في الاعتراف به".
في اليمن، أيضا، كانت الموازنة الأمريكية في العلاقات مع إيران واضحة.
دعمت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا سعوديا ضد استيلاء حركة الحوثيين على البلاد، لكنها أيضا نأت بنفسها عن المزاعم السعودية بأن إيران تتحكم في الحوثيين.
قال السعوديون إنهم كانوا مجبرين على التدخل لمنع إيران من الهيمنة على جارتها الجنوبية. لكن هناك أدلة قليلة على أن إيران قد قدمت دعما عسكريا كبيرا للحوثيين أو تمارس نفوذا كبيرا على الجماعة، والتي لديها الخبرة العسكرية والأسلحة المحلية الخاصة بها، حسب ابريل الي، الباحثة بمجموعة الأزمات الدولية.
قال الرئيس أوباما إن الولايات المتحدة تعتقد أنه في الخريف الماضي حاولت إيران في البداية إثناء الحوثيين عن التقدم نحو العاصمة اليمنية صنعاء بدلا من توجيهم إلى ذلك. "لقد تابعنا بينما كان ذلك يجري. كان هناك لحظات حيث دعت إيران في الواقع إلى التهدئة"، قال الرئيس مؤخرا خلال مؤتمرٍ صحفي للترويج للاتفاق النووي الإيراني.
بعد أن سقطت صنعاء، كان الإيرانيون "مهتمين بإيصال أسلحة إلى الحوثيين والتسبب بمشاكل للسعوديين؟ نعم"، أضاف أوباما. وتابع: "لكنهم لم يكونوا يتحركون على أساس أنها حربٌ مقدسة مهما كانت الصعوبات".
لاحقا، عندما رصدت واشنطن قافلة من السفن تتحرك باتجاه اليمن، هاتف السيد كيري شخصيا نظيره الإيراني في المحادثات النووية، رئيس الوزراء محمد جواد ظريف – وهي محادثةٍ كان لا يمكن تخيلها تقريبا قبل أن تبدأ المفاوضات.
صرح السيد كيري مؤخرا للحضور في مجلس العلاقات الخارجية: "كنت على الهاتف في خلال لحظة مع نظيري، وجعلت من الواضح تماما أن ذلك قد يكون مواجهةً كبيرة لن نتجاوز عنها". وأضاف: "وقد اتصل بي مجددا، بالفعل، خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة وقال ’إنهم لن يهبطوا، لن يقوموا بتنزيل أي شيء، لن يخرجوا من المياه الدولية’ ثم عادوا إلى بلادهم".
كانت العراق أكثر الساحات دموية للتنافس الأمريكي الإيراني. خلال الحرب الأمريكية الطويلة، قتلت ميليشيات مدعومة إيرانيا مثل كتائب حزب الله – الميليشيا التي تتشارك معها الآن قاعدة عسكرية في الأنبار – أكثر من ألف جندي أمريكي.
لكن الآن يتواصل الأمريكيون مع الإيرانيين من خلال مسؤول عسكري عراقي لضمان أن الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لا تصيب المليشيات المدعومة إيرانيا التي تحارب نفس العدو.
لكنه لا يزال موقفا غير مريح بشدة للولايات المتحدة. يعترف المسؤولون الأمريكيون أن الميليشيات أساسية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضا باسم داعش. لكنهم قلقون من أن تلك المليشيات، خاصةً في الأنبار، تجمع استخبارات عنهم لصالح إيران لذا فقد ضغطوا على العراقيين – دون جدوى حتى الآن – لإخراج الكتائب من القاعدة.
أنعش الاتفاق النووي الآمال بين المسؤولين العراقيين بحدوث تعاونٍ أوثق بين الغريمين، حسب موفق الربيعي، مستشار الأمن الوطني العراقي السابق ومشرع من فصيل شيعي.
"إنهم يحتاجون إلى التنسيق بأسلوبٍ أكثر رسمية في المرحلة القادمة"، قال الربيعي. وأضاف: "أعتقد أن السفيرين في بغداد ليسا بعيدين عن المقابلة".
عمليا، سوف تستعيد إيران حوالي 50 مليار دولار من الأصول نتيجة رفع العقوبات، حسب تقديرات مسؤولي الخزانة الأمريكية. تم تجميد أصولٍ أكثر بكثير في الخارج بسبب العقوبات، لكن أغلب البقية مخصص لغرضٍ ما بالفعل أو لا يمكن استخدامه.
لكن محللين يقولون إن الأموال لم تبد أبدا عاملا محددا في السياسات الإيرانية عبر المنطقة؛ تبدو إيران ملتزمة بدعمها للسيد الأسد في سوريا أو معارضتها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق كضروراتٍ إستراتيجية أيا كانت التكلفة، بينما استطاعت تحقيق أهدافها في اليمن بثمنٍ زهيد، باستثمارٍ ضئيلٍ نسبيا.
يقول إميل هوكايم، الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إنه "من الصعب نسب الفضل للاتفاق على أي شيءٍ جيد، ومن الصعب لوم الاتفاق على كل شيءٍ سيء". ويضيف: "في سوريا والعراق واليمن ولبنان، دوافع الصراع محلية وإقليمية، وليست بسبب الاتفاق".
قال كونستانتينوس فارداكس، وهو دبلوماسي يوناني وأعلى مسؤول بالاتحاد الأوروبي في بغداد، إنه كان يأمل أن يقود الاتفاق النووي إلى محادثاتٍ أوسع مع إيران حول مستقبل كلٍ من العراق وسوريا. وتابع: "نحتاج إلى الإيرانيين لتسوية ذلك الوضع"، مقترحا أن "الباب مفتوح الآن لمعالجة قضايا أخرى".
لكن وكلاء إيران في لبنان والعراق يقولون إنهم لا يرون مثل تلك الحلول. حيث يثنون جميعا على الاتفاق كانتصارٍ لإيران ويحافظون على عدائهم للولايات المتحدة كما هو.
عند سؤاله عن الاتفاق، ردد نعيم العبودي، المتحدث باسم عصائب أهل الحق، وهي ميليشيا أخرى مدعومة إيرانيا في العراق، نظرية مؤامرة مفضلة للوكلاء الإيرانيين في العراق: أن الولايات المتحدة صنعت تنظيم الدولة الإسلامية ولا ترغب كثيرا في هزيمته.
"الاتفاق النووي هو قضية دبلوماسية لسنا منخرطين فيها"، قال السيد العبودي في مقابلة. وأضاف: "لدينا مشكلة مع الولايات المتحدة لزمنٍ طويل".