المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالقوانينالتسجيلدخول

شاطر
 

 اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

mi-17

مشرف
مشرف



اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena20اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena11اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena30
اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena23




اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالجمعة يوليو 03 2015, 00:03

التالي هي شهاده العميد الركن المتقاعد صبحي ناظم توفيق عن اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر 


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_1


نشــأتــه

لم يكن منزل أبيه -الأستاذ "صابر عمر أفندي" مدير إحدى المدارس الإبتدائية- في "محلة آغالق" وسط قلعة كركوك العريقة يبعد عن بيت جدي في "محلة ميدان" سوى بضع مئات من الأمتار، ذلك البيت الذي ولد فيه عام (1941) وترعرع ونشأ في أروقته... لم يزد عمره عني إلاّ (4) أعوام وقد سبقني بصفين في مرحلة الدراسة المتوسطة، وكان شقيقه الوحيد الأستاذ "سامي صابر" زميلاً لوالدي ومعلماً مرموقاً يربّي الأجيال تباعاً في صفوف "مدرسة القلعة الإبتدائية الأولى"... ولكن قربي النسبي منه في مرحلة الفتوة لم يبدأ سوى عند ترشّحي لاعباً مبتدئاً ضمن فريق الكرة الطائرة التي كان يجيدها، وقد حاول تدريبي عليها ولكن من دون جدوى، وذلك في "متوسطة المصلى" بمحلة المصلى خلال السنة الدراسية (1956-1957) وقتما ودعناه منتقلاً إلى "ثانوية كركوك-الفرع التجاري" خلال السنة الدراسية اللاحقة.

إنخراطه في المهنة العسكرية

وحالما إستحصل "بكالوريا" الخامس الثانوي في صيف عام (1959) فقد إنخرط في الكلية العسكرية بدورتها (38)، وأمسى من أحد طلابها البارزين في أكثر من منحىً وعضواً في منتخبها للكرة الطائرة حتى مُنِحَ رتبة "عريف تلميذ" عند بلوغه المرحلة الثالثة (الصف المتقدم) بتلك المؤسسة العريقة وقبل أن يتخرج برتبة "ملازم" في (14تموز1962) ويغدو ضابطاً في صنف الدروع/الدبابات لعام كامل شارك خلاله ميدانياً -بأوامر عسكرية وليس ضمن تنظيم سياسي- في "إنقلاب 14رمضان/8شباط1963" الذي أطاح بحكم "الزعيم عبدالكريم قاسم".
لكن شجاعته وطموحه جعلاه يتطوع في صنف المظليين عام (1963) ويحرز مرتبة الناجح الأول بدورته الأساسية ويغدو ضابطاً معلماً في مدرسة المظليين، ليضحى -حسب معلوماتي- ثالث ضابط مظلي تركماني في تأريخ هذا الصنف البطولي بعد كل من "العقيد الركن المظلي عبدالكريم مصطفى نصرت، والمقدم المظلي عدنان محمد نوري"، وقبل أن يُبعث للإشتراك بدورة (صاعقة/رينجرز RANGERS) إلى جانب الإسقاط/القفز الحر (FREE FALL) وقذف الحاويات والأسلحة الثقيلة وعجلات القتال من طائرات النقل بالمظلات العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1965)، إذْ كان "الملازم أول عصمت" ضمن الناجحين الأوائل على مستوى جميع الضباط الأجانب المشاركين فيها.

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_4



القفـــز/الإسقاط الحـــر بالمظـلات

وحال عودته إلى الوطن أضحى عضواً بارزاً ضمن الفريق العسكري العراقي للإسقاط/القفز الحر (FREE FALL) الذي أسسه "الرائد المظلي محي الدين سيد عبدالله الطيار"، وهو أول فريق من نوعه في تأريخ مظليّي الجيش العراقي، ليكون أحد ممثلي القوات المسلحة العراقية -مع نخبة منتقاة من الضباط وضباط الصف الذين إمتازوا بالشجاعة والمجازفة والفكر الجوال- في معظم سباقات القفز/الإسقاط الحر للمنتخبات العسكرية والرياضية لدى معظم دول العالم حتى أواسط السبعينيات وقتما كان "الرائد المظلي عصمت" قد أحرز أرقاماً قياسية عالمية بعد تحقيقه بضع مئات أو ربما آلاف القفزات الحرة سواءً بإستخدام السمتيات/الهليكوبترات أو طائرات النقل الخفيفة والمتوسطة والعملاقة، وقد ظلّ في هذا المسلك الصعب -الذي هواه إلى جانب إحترافه له- حتى إضطر لفراقه لدى قبوله ضابطاً تلميذاً في كلية الأركان والقيادة عام (1974) بدورتها (41) ليُمنَحَ شهادة "ماجستير بالعلوم العسكرية" يوم تخرجه برتبة "رائد ركن قوات خاصة" عام (1975)، مواصلاً تدرجه في مناصب الركن وقيادة وحدات وتشكيلات القوات الخاصة وسواها.

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_3


رئيس قسم القوات الخاصة في الكلية العسكرية

من الأعمال التي يُفتـَخَر بها أن "النقيب عصمت"، قبل قبوله في كلية الأركان والقيادة مباشرة، أنه كان بمنصب "آمر قسم القوات الخاصة" في الكلية العسكرية التي تولّت في النصف الأول من السبعينيات إشراك طلابها حين يبلغون عامهم الدراسي الثالث بدورات كل حسب الصنف الذي يرغبه ويروم الإنتساب إليه قبل تخرجه في الكلية برتبة "ملازم"... ويشهد الجميع بأن "عصمت" هو الذي بادر لتأسيس (قاعدة مادية/بنية تحتية) وساحات يُضرب بها المثل لإقحام الطلاب في مجالات التدريب العنيف والتعلـّم الأرضي على ركوب طائرات النقل والسمتيات تمهيداً للقفز بالمظلات، بحيث أضحى آمر الكلية "العميد الركن داود محمد الجنابي" يتباهى بذلك أمام كبار الزائرين من القادة العراقيين والعرب والأجانب ويشيد بـ"عصمت" ويفتخر بهذا الـمُنجز.

طـيــب صفــاته وسمو أخلاقه

في جميع مراحل عمره عُرف "عصمت" ببشاشة وجهه وإبتسامته المحبوبة على محياه وشخصيته الأخاذة وعلاقاته الواسعة مع الجميع، ناهيك عن شجاعته التي لا تضاهى ودماغه الذي لم يكن يتوقف عن التخطيط والتفكير لأغراض التطوير، وذلك إلى جانب مزاحه وسلاسة حديثه ومقالبه حيال أصدقائه وأقربائه ومعارفه وخصوصاً في مرحلة الكلية العسكرية ووقتما بات ضابطاً في مقتبل العمر، وبالأخص حين يجلس مع البعض من أصدقائه الحميمين الحاملين لخصلته، وفي مقدمتهم "شهاب أحمد محمد علي وإحسان محمد رشاد" اللذين إذا إستهدفا -برفقة "عصمت"- شخصاً ما فإنهم لا يتخلـّون عنه إلاّ بعدما يجعلوه غارقاً في البكاء.
لم تتوطد صداقة الأخوّة والرفقة بيننا -وكلانا برتبة "ملازم"- إلاّ بُعَيدَ عودته من دورته بالولايات المتحدة أواخر عام (1965) وقتما أضحى عضواً بارزاً وسط فريق القفز الحر بمدرسة المظليين، في حين كنتُ ضابطاً بالحرس الجمهوري، حتى ظن معظم المعارف والزملاء كوننا أخوين أو أولاد عمّ لكوننا في معظم الأيام والمناسبات مترافقـَين، إضافة إلى طول قامتينا والبعض من أوجه الشبه الخَلقي بيننا في تلك المرحلة وما بعدها، ولكن مع فارق الإبتسامة والبشاشة اللتان إمتاز "عصمت" بهما.
في عموم خدمته العسكرية التي طالت (32) عاماً، أُشتـُهِرَ "عصمت" برعايته الأبوية والأخوية لمرؤوسيه ضباطاً وجنوداً وإلتزامه بهم في الدفاع الشجاع عن حقوقهم وتسيير أمورهم اليومية وحل مشكلاتهم وإراحتهم والتعاطف مع ترقياتهم ومكافآتهم وفقاً للقوانين والتعليمات المرعية، إضافة إلى طيب عشرته معهم وعدم التفريق بين هذا وذاك، والإبتعاد قدر الإمكان عن معاقبتهم إلاّ عند الضرورة القصوى، وقد تلمّستُ ذلك في العديد من المواقف التي جمعتني وإياه في السلم والحرب... وقد عُرِفَ عنه كذلك إندفاعه أمام جنوده وتواجده بين ظهرانيهم في أقصى الأمام وإتخاذه لقرارات حاسمة وسط أصعب المواقف وفي جميع الحروب والعمليات والمعارك التي خاضها، وما أكثرها في حياته، مع حرصه الشديد على أرواحهم وعدم قذفهم تحت رحمة النيران المعادية من دون تمهيد في أية عملية هجومية أو دفاعية بإستثمار أقصى ما متاح تحت إمرته وإسناده من نيران أسلحة ثقيلة ومدافع وطائرات وسمتيات متنوعة، وذلك فضلاً عن زياراته التي لم تنقطع للمصابين منهم أثناء التدريب والتمارين ولجرحى المعارك والقتالات خلال تمتعه بأية إجازة دورية أو عند تبوئه مناصب عليا في "بغداد"، بل كان حريصاً دائماً على حضور مجالس الفاتحة المقامة على أرواح الشهداء من الوحدات والتشكيلات التي قادها ومتابعة شؤون عوائلهم إضافة لرعايته للمعوقين وأهليهم، وحتى لـما بات مديراً/ قائداً للقوات الخاصة فإنه لم يكن يستقر بمكتبه في "معسكر الرشيد" ببغداد يوماً أو يومين بالأسبوع ليقضي الأيام الخمسة الأخريات بين ألوية القوات الخاصة الثلاثة أينما تتواجد وحداتها وتنتشر في جبهات جنوبي الوطن وشماليه...
لذلك، ولأسباب ومواقف أخرى عديدة، فقد إحترمه جميع القادة الذين عمل "عصمت" تحت إمرتهم مثلما أَجَـلّه مرؤوسوه وإحترموه عن قناعة وأطاعوه وأحاطوا به وإرتاحوا لحسن تعامله وإستقباله لهم ببشاشته المعهودة سواء في مكتبه أو مسكنه، ليس من أجل مصلحة، بل تقرّباً إلى ذاته ومواصلة صداقته وتمتّعاً برؤياه والإستمتاع لحديثه المليء بالإرشاد والحكم والنصح والمواعظ... وقد ظل يردد موعظة الأجداد التي آمن بها وطبقها حتى نهاية حياته:-
((لا يُذكَر الإنسان في حياته وبعد مماته سوى بعذوبة اللسان)).

وهناك حكمة متوارثة تشير إلى كون السفر على وجه الخصوص كاشفاً لمكامن الإنسان ودقائق كوامنه، فإضافة إلى معايشتي مع "عصمت" صديقاً وأخاً حبيباً وإختلاطي الحميم معه منذ أواسط الستينيات والتي توثقت بعلاقات عائلية بعد الزواج، فإننا لم نتمتع بسفرات مشتركة إستغرقت أكثر من نهار واحد خلال (3) عقود من طيب العشرة، حتى شاء حسن القدر خلال عام (1986) أن يرأس - بصفته مديراً/قائداً للقوات الخاصة العراقية- وفدين لضباط من صنفه كنت في كليهما ممثلاً لوزارة الدفاع، أولهما لأسبوع واحد في أوائل ذلك العام لزيارة مؤسسات ووحدات الجيش المصري المشتملة لثلاث قيادات منفصلة تشتمل (القوات الخاصة، المظليين وقوات الصاعقة)،

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_6



وثانيهما لأسبوعين في صيف العام نفسه لحضور مناورات ضخمة بإستخدام الأعتدة/الذخيرة الحقيقية وبإسناد مدفعي وصاروخي وجوي ثقيل للغاية بمئات القاصفات وطائرات الهجوم الأرضي لم أصادف مثيلاً لها حتى في الحروب والمعارك الكبرى الحقيقية التي خضتها طيلة خدمتي العسكرية، وقد أُقحمت في متونها وتفاصيلها (8) فرق سوفييتية خاصة بجميع تشكيلاتها ووحداتها محمولة بطائرات النقل العملاقة والسمتيات/الهليكوبترات الضخمة وسواها، وإشتملت ميادينها معظم بقاع "جمهورية جورجيا السوفييتية" أزاء عدو مفترض يخترق حدود تلك الدولة العظمى من إتجاهات "أفغانستان، إيران، تركيا" في وقت واحد...

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_2


ففي غضون تلك الأسابيع الثلاثة على وجه الخصوص، مضافاً إليها إنقضاء الأعوام وتقدّم العمر وصقل الحياة، فقد تَلَمَّسْتُ في شخص "عصمت صابر عمر" -كما تلمّس فيه كل من جالسه عن قرب- إنساناً محبوباً، مجتهداً، ذكيّـاً، متفوّقاً إلى حد المثال، محترماً، ودوداً، حَسَنَ الهندام، مذوّاقاً في إختيار مرتدياتهِ، سلس الكلام، ممتع الحديث، مُجيد الإنصات، حاضر البديهة أثناء المزاح ولـمّا يجدّ الجدّ، حَسَنَ المعشر، دَمِثَ الأخلاق، كريم النفس إلى حد السخاء، معتدل الآراء، واصل الأرحام، صائب القرارات، هادئ الأعصاب في أحلك المواقف وأعظمها ضراوة بشكل يُحسَد عليه، حازماً في الشدائد وحاسماً متى ما تطلّب الأمر ذلك، متواصياً بالحقّ والصبر، لم تأخذه في قول الحقّ لومة لائم، كارهاً للغيبة على أشكالها حتى لو كان صاحبها مسيئاً... وقد وجدته فاضلاً متواضعاً، مدركاً للأمور، مقدّراّ للمواقف، مؤمناً بأن لكل مقام مقال، زاهداً بأمور الدنيا، نظيف اليد، عزيز النفس، مرفوع الرأس، حريصاً يشوبه بعض القلق على أولاده وأفراد أسرته وأقربائه، مترفِّعاً عن المادّيات، لم يصبه علو رتبه ورفعة مناصبه والمكافآت المعنوية والمادية المغدقة عليه بأي غرور بل أبقته في منتهى التواضع مثلما كان ديدنه في مقتبل عمره، فقد كان "عصمت" بشخصيته الأخاذة وأخلاقه السامية أرفع منها وأعظم.

لياقته البدنية

إمتاز "عصمت" بلياقة بدنية عالية، إذْ ظلّ محافظاً على وزنه بتناوله طعاماً متواضعاً ومتوازناً إبتغاء الحفاظ على رشاقة بنيته، وذلك على العكس من زملائه الذين ما أن علت رتبهم ومناصبهم بعض الشيء حتى غدوا أصحاب كروش، ولكن قانوناً صارماً صدر عام (1979) قضى على إخراج كل ضابط من الجيش يزيد وزنه عن حدود معينة ضمن جداول خاصة بإحالته على التقاعد وفقاً للفقرة (د) المعيبة والمسماة بـ(عدم الكفاءة)... وقد أعانته على ذلك إحترافه للقفز الحر ناهيك عن حيويته وممارسته للرياضة الصباحية والمسائية طيلة حياته وكأنه ما زال تلميذاً في الكلية العسكرية، ومواصلته عليها حتى خلال تمتعه بإجازاته الدورية، ومواظبته على ذلك وبمعدلات يومية حتى بعد تسنمه مناصب الركن والقيادات العليا ولغاية ترقيته إلى رتبة "لواء ركن" عام (1987) وما تلاه.

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  31520_5


وقد تصادفتُ معه في أكثر من مناسبة فتلمستُ مدى حيويته وصبره على العمل الحثيث من دون كلل أو ملل... وعلى سبيل المثال فقد كان آمراً للواء القوات الخاصة/32 بمعسكر "الكوت" وقتما إستضافني مع اللواء المشاة/419 الذي كنت أقوده لليلة واحدة من (حزيران1981) في طريقي إلى الجبهة الجنوبية، فبعد أن سهرنا معاً حتى الفجر قبل أن أودعه متحركاً إلى قاطع "البصرة"، فقد أعلمني في ساعة الوداع أنه سيتوجه لتنفيذ مهمة إستطلاع واسعة في قواطع الفرق المرتبطة بالفيلق/2 (الجبهة الوسطى) تدوم يومين كاملين... وحين كان لوائي منتشراً في قاطع "الأحواز" وسط قاطع الفرقة الآلية/5، فقد زارنا مع ضباط ركنه وآمري أفواج اللواء لثلاثة أيام متتالية بمهمة إستطلاع مشابهة برفقة "العقيد المظلي عبدالإله الفتيان" آمر لواء مغاوير الفيلق/3، لم أجد "عصمت" خلالها نائماً أو حتى راقداً، فقد كان همّه إنجاز الواجب والإطلاع بدقة وبالتفصيل على قاطع كل فوج ولواء متمترس في جبهة الحرب ليكون بالصورة الكافية إذا ما طُلِبَ منه التدخل لأي طارئ.

أصـــالـتــه

كان تركمانياً أصيلاً بكل ما في الكلمة من معنىً، ولكن من دون تطرف، ففي حين لم يدُر بباله في المرحلة المتوسطة من دراسته أن ينخرط في الحياة العسكرية مفضلاً التجارة على كل شيء، ولأجل ذلك فقد أضحى تلميذاً في الفرع التجاري من في المرحلة الثانوية كي يمهد لدراسته الجامعية في كلية التجارة، إلاّ أن "مجزرة كركوك (14-16تموز1959) جعلته -أسوة للعديد من أصدقائه- يعزمون على أخذ ثأر التركمان من منفيذها المجرمين، إذْ قرر دخول معترك الكلية العسكرية في ذلك العام...
وعلى عكس البعض من الضباط التركمان الذين إبتعدوا -لأسباب أمنية وإستخبارية واهية يفترضونها في قرارة ذواتهم- عن المناسبات القومية التركمانية المقامة في "بغداد"، فإن "عصمت" دأب على حضورها سواء بحدائق نادي الإخاء التركماني في "العيواضية" أو بمشاركته في معظم السفرات السنوية التي كان النادي ينظمها في ضواحي العاصمة، فضلاً عن مواصلة زياراته لتبادل الحديث مع رؤساء هيآته الإدارية وأعضائها، في حين كان خير عون لضباط الصف والجنود التركمان سواء في مدرسة الصنف المظلي ووحداته على وجه الخصوص أو في عموم تشكيلات الجيش العراقي.

عـاشــق قـلعــة كـركــوك

كان عاشقاً لـ"قلعة كركوك" التي ترعرع فيها، وكلما إلتقينا في مدينتنا الحبيبة -وعادة بالصدفة- أجده تواقاً لمشاهدة أحيائها وأزقتها وجوامعها وتكاياها، وما من لقاء مرّ من دون أن نصعد إليها سوية منطلقين من "جوت قهوه" و"قزانجيلر" ليستأنس بنظرات معمقة نحو "مدرسة القلعة الإبتدائية"، فنسير على قدمينا إلى "محلة آغالق" حيث منزل والده الذي نشأ فيه، ثم إلى "محلة ميدان" لأتمتع لدقائق لرؤية بيت جدي الذي ولدتُ فيه، فنطوي الخطى إلى جامع "النبي دانيال"(ع)، لنتلو سورة الفاتحة على أرواح أجدادنا وأقربائنا وجميع الراقدين في المقبرة المتاخمة للجامع منذ عقود من الزمن الغابر، ثم ننحدر نحو مدرج القلعة حيث الأثر الذي تركه "جسر كركوك الحجري" بعد هدمه، متوجهين إلى "السوق الكبير" لنلتقي بهذا وذاك من أصحاب المحال التجارية، ونقضي بعض الوقت ونتناول "بقلاوة ملا حسن" برفقة صديقنا المحبوب "علاء الدين خانجي" رفيق دراسته في "متوسطة المصلى" الذي بات مالكاً لعلوة واسعة لتداول الخضروات والفواكه بالجملة، ثم نتمتع بجولة سريعة في زقازيق "سوق القيصرية" فنؤدي الصلاة في "أولو جامع" قبل أن نعبر بسيارتنا نحو "صوب القورية"... كان "عصمت" يعشق مثل هذه الجولات التي تعيده إلى أيام طفولته وصباه.

سعـــة عـلاقــاتــه

عُرِفَ "عصمت" بعلاقاته الإجتماعية الواسعة ومقدرته المشهودة على إدامتها... ففيما كان هو من أب تركماني قلعاوي أصيل، فإن والدته الفاضلة "الحاجة حسيبة" من مدينة (عانة) في أقاصي غربي العراق، ولذلك ظل على تواصل مع العانيين... ولما كانت عمته مقترنة بشخص السيد "خورشيد آرسلان" فإن صلاته مع عائلة "آرسلان" العريقة في "كركوك" توطدت، فيما كان زواج أخيه "سامي" من إمرأة سامرائية فاضلة قبل إقتران أخيها السيد "عبدالغني مصطفى السامرائي" بشقيقة "عصمت" سبباً مضافاً في تعميق علاقاته مع أهل هذه المدينة التأريخية العريقة... ولما إقترن "عصمت" مع السيدة التركمانية "لمـعــان" من قضاء "خانقين" فإن صلاته مع أهل هذه المدينة تعاظمت.
ولكن الأهم من جميع تلك الصلات المتعلقة بالقرابة والمصاهرة، فأن أهالي تلكم المدن هم الذين دأبوا على تقرّبـهم نحو "عصمت" وتمتعهم بحسن إستقباله لزائريه في مكاتبه وبيته، وتسهيل أمورهم والتوسط لإنخراط البعض من أبنائهم في القوات الخاصة والكليات العسكرية وعموم القوات المسلحة والتشبث بنقلهم من هنا وهناك وما إلى ذلك من أمور نافعة، إذْ لم أسمع أو أستشعر طيلة حياته وبعد فراقه أن أحداً -كائناً من يكون- قد تأثر منه سلباً أو إنزعج... لقد كان "عصمت صابر" إنساناً يبعث على الفخر والإعتزاز في كل شيء.

المهمة الأصعب في حياته

وبينما كان "عصمت" من الضباط المعدودين وسط الجيش العراقي لغاية أواسط السبعينيات من غير المنتمين لصفوف حزب البعث، فقد إنتقته القيادتان السياسية والعسكرية في (نيسان1976) من دون جميع الضباط المظليين والصاعقة الأقدمين، وكان قد ترفـّع لتوّه إلى رتبة "مقدم ركن "- وأقحمتاه بمهمة غاية في الخطورة، مُكـَلـِّفَتـَين إياه ليرأس قوة متجحفلة خاصة سميت بـ"قوة طارق بن زياد" تحتضن حوالي (2000) عسكري ومدني تضمّهم (3) أفواج غير متجانسة، يتم تشكيلها في العراق وتـُستحضَر مستلزماتها ويُستكمل تدريبها على قتال الشوارع والمدن على وجه الخصوص، وقبل أن يقودها محمولة بـ(3) وجبات تتلاحق في غضون أسبوع واحد على متن (12) طائرة نقل عسكرية تمتلكها القوة الجوية العراقية لتطوي مرحلتين أولاها إلى "مصر" والثانية إلى "ليبيا" لتهبط وسط قاعدة جوية قبل أن يُحَمَّلوا في جوف عنابر سفن أجنبية مستأجرة تنقلهم بحراً قبل أن يتم إبرارهم في ساحل لبناني يسيطر عليه مسلحون فلسطينيون ينتمون إلى "جبهة التحرير العربية" المرتبطة بالقيادة القومية لحزب البعث المقيمة في "بغداد" وينتشرون وسط بقاع "لبنان" المشتعلة بنيران الحرب الأهلية منذ عام كامل، فكانت -بحق- المهمة الأخطر في حياة "عصمت" العسكرية.
شاءت الأقدار أن أكون إلى جنب "عصمت" ومقدم لوائه "الرائد الركن خالد بهلول" -وهو صديقي وإبن دورتي بالكلـّيتين العسكرية والأركان- مُرافقاً لهما بصفتي ضابط ركن الحركات لدى قيادة الفرقة المدرعة/3 بمعسكر صلاح الدين الواقع إلى الشمال من مدينة "تكريت"، وذلك في خضم عمل دؤوب ليل نهار إستغرق حوالي أسبوعين مستكملين إستحضارات هائلة ومرهقة وذات حساسية وسرية مفرطة... لكن وبالنظر إلى عظم أهمية هذه المهمة الإستراتيجية ومحدودية معرفة أحد بتفاصيلها وإنحسارها على عدد ضئيل للغاية من ضباط الجيش والقوات المسلحة العراقية، فإني عازم على كشف أسرارها وسبر أغوارها ربما بمقالة مفصلة لاحقة خدمة لتأريخ العراق المعاصر بإذن الله تعالى.

مناصبـه الأرفــع والأرفع

بعد مواصلة "عصمت" مهمته العصيبة الأولى تلك في أرض "لبنان" طيلة (11) شهراً خلال (نيسان1976-شباط1977)، فقد كُّلـِّفَ ثانية بمهمة مشابهة خلال عام (1978) ليعود منهما مرفوع الرأس بارز الصدر، فقد ترفع إلى رتبة "عقيد ركن " وتبوأ منصب "آمر/قائد جحفل لواء القوات الخاصة/32" ليهيء أفواجه الثلاثة مع وحداته الساندة والمعاونة بجميع مناحيه وبكل ما أوتي من عزم وجدارة وغيرة على هذا الجيش وهمّة لخدمة الوطن لخوض أية مهمة صعبة كان أهلاً لها، وذلك قبل أن تندلع الحرب الضروس حيال "إيران" يوم (22أيلول1980) وفي عاميها الأولين متدرجاً نحو رتب أعلى ومناصب أرفع حتى شغل منصب "ضابط ركن أول" في قيادة فرقة وآمر لواء المشاة/19، وتم ترشيحه ليخوض معترك الدراسة ولعام تقويمي كامل في مقاعد "كلية الحرب" بجامعة البكر للدراسات العسكرية العليا خلال سنوات القتال والمواجهة ومُنِحَ شهادتها (الدبلوم العالي في العلوم العسكرية) وقتما كُلـِّفَ بقيادة "قوة حماية منشأة عكاشات" في أقصى غربي العراق لإستخراج مادة "الفوسفات" والتي قيلت أن "إسرائيل" تخطط لضربها بطيرانها المقتدر أو تدميرها يإنزال جوي بقواتها الخاصة المعروفة بجرأة التخطيط وكفاءة التنفيذ، حتى جاءه أرقى المناصب في صنفه بعد نيله رتبة "عميد ركن " حين أمسى (مديراً/قائداً للقوات الخاصة) في الجيش العراقي وقبل أن تناط إليه قيادة فرقة المشاة/4...
وقد أبلى بلاء مشهوداً في جميعها أثناء تلك الحرب وكذلك بعد أن وضعت أوزارها عام (1988)، ليضحى -لنظافة يديه وطهارة ذاته بشهادة الجميع- مديراً للعقود والمبايعات في وزارة الدفاع.

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  1549428_773801646021071_6853878473492628841_n


حسد يتيم متبادل

كان الشيء الوحيد الذي حَسَدتُ "عصمت" عليه أني لم أجد فرصة للإنخراط في الصنف المظلي لأغدو ضابطاً في صفوفه وأمسي من بعد ذلك عضواً في فريقه للقفز الحر بالمظلات الذي طالما حلمتُ به... إلاّ أنه أباح لي حسداً أعظم يوم إستحصالي شهادة الطيران الخصوصي (P.P.L) إثر إجتيازي لدورة مسائية في وقتي الخاص طالت (5) أشهر في صفوف "نادي بن فرناس الجوي" عام (1979)... فرغم ممارسته للقفز الحر بالمظلات لـ(10) سنوات متتالية ضمن المنتخب العسكري العراقي ممتطياً جميع طرز الطائرات والسمتيات العراقية المخصصة لنقل المظليين مئات المرات وربما الآلاف لدى القوة الجوية وطيران الجيش العراقي والعشرات من شبيهاتها لدى دول الشرق والغرب والشمال والجنوب والذي يفترض معه أن يكون "عصمت" قد أُشبِعَ من ركوب الطائرات لحد التخمة... ولكنه ظلّ يتحسر كي يقود طائرة بمفرده غير مكتفٍ بمجاملة الطيارين لشخصه وجلوسه شبه الدائم إلى جنبهم على مقعد الطيار المساعد في مقصورة القيادة وحتى تبلغ الطائرة إرتفاعاً عالياً قبل المباشرة بعملية القفز وفقاً لتوقيتات مخطط لها.

"عصمت" المكلـوم بفلـذة كبـده

طوال قربي منه وإختلاطي معه والصداقة الحميمة التي جمعتنا لما زاد عن ربع قرن من الزمان، لم أستشعر بـ"عصمت" منهار الأعصاب وغير متوازن إلاّ يوم أضاع سوء القدر من بين يديه أحد أعز فلذات كبده المتمثل بإبنه البكر "عمر" في ربيع عمره البالغ (14) عاماً، وذلك إثر تعرضه لضربة في رأسه من سيارة عابرة عام (1984) بانت خفيفة وبسيطة وخالية من الخطورة في ساعاتها الأولى، وذلك في ذات اليوم الذي إستشعر فيه "عصمت" بزهو وفخر إثر صدور مرسوم جمهوري يحمل إمضاء "صدام حسين" يقضي بتعيينه "مديراً/قائداً للقوات الخاصة"،
فقد رقد إلى جانب ولده "عمر" المغمى عليه محتضنه لثلاثة أيام بلياليها في مستشفى الجملة العصبية ببغداد قبل أن يوافيه الأجل المحتوم فيواريه الثرى بين يديه الحنونتين وقتما كنا ننظر إلى ذلك المشهد الأبوي المفجع وسط مقبرة "الشيخ عمر السهروردي" في قلب "بغداد" حيث خارت قواه وترنح ولم يعد قادراً على الوقوف بتوازنه المعهود تصحبه دموع غزيرة تدفقت من جوف عينيه فغمرت وجنتيه ورقبته، فقد كُلِمَ هذا الرجل الحريص على أولاده وبيته وجميع أهله بين عشية وضحاها....
ومع ذلك ورغم هول المصيبة فلم تنقضِ سوى أسابيع معدودات على هذه الفاجعة التي تلاها شيب مفاجئ بان على حاجبيه بسرعة مذهلة جلبت أنظارنا جميعاً، حتى عاد لواقعه مؤامناً بالقدر وراضخاً للأجل الذي لا يستقدم ساعة ولا يستأخر... ورغم الواقع المروع الذي قلب موازين بيته وأفراد عائلته ووالدته التي تقدم بها العمر كثيراً، وبكاء "أم عمر" المرير وغير المنقطع ليل نهار على ولدها البكر وإضطرار العائلة إلى الإنتقال من ذلك المسكن الذي يتراءى فيه "عمر" في غرفة نومه بل وكل جنبات البيت، فقد كان "عصمت" خير ظهير لها في تقاسم أوزار هذه المحنة بنصائح لا تنتهي، مذكرة إياها بسوء القدر المكتوب وأمانة العلي المقتدر التي إسترجعها ولا حول ولا قوة إلاّ للواحد الأحد، مصحوبة بآيات قرآنية وأحاديث تهدئ الروع وتخفف بعض الشيء من الآلام والأوجاع والأرق... ولكن في جلساتنا الخاصة معنا فإن دموعاً غزيرة كانت عيناه تصبانـها عند إسترجاع ذاكرته لإحتضانه "عمر" في طفولته وصباه ومدرسته وكيف كبر وبات فتىً قبل أن يدفنه بيديه.


يتبع ...........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena20اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena11اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena30
اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena23




اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالجمعة يوليو 03 2015, 00:05

لعـنــة الكـويــت

بعد أسابيع من غزو العراق لـ"دولة الكويت" فجر يوم (الخميس 2آب/آغسطس1990) -والذي جلب الشؤم واللعنة على العراق وعموم المنطقة لغاية يومنا هذا- فقد أضحى "اللواء الركن عصمت صابر" رئيساً لأركان قيادة قوات الخليج (بمستوى فيلق) إلى جانب قائدها "الفريق الركن قوات خاصة كامل ساجت عمر" -رغم فرق القدم العسكري بينهما بواقع (7) سنوات وكون "عصمت" معلمه في دورة المظليين وآمره ثم قائده في غابر الأيام- تلك القيادة التي كلفت بمهمة التمركز في العاصمة "الكويت" ذاتها، حيث لم يَرَ بيته أو يتمتع بإجازة دورية خلالها سوى مرة واحدة، حتى إندلعت "حرب تحرير الكويت" فجر (الخميس17/ك1/يناير1991) بعمليات قصف جوي ماحق ولـ(43) يوماً بلياليها قبل أن تندفع القوات البرية الأمريكية والمتحالفة معها بتعرض أرضي واسع نحو أعماق الأرض العراقية قاطعة جميع طرق التنقل والتموين مع أرض الكويت وقتما تقرر إخلاؤها من القوات العراقية، حيث صدرت ((الأوامر العوجاء)) -التي ما زالت الظنون تشوب حقيقة صاحبها وكيفية التنصّل عنها وإبلاغها لقادة الجيش العراقي عن طريق ضباط إرتباط!!!؟؟؟- بترك بقاع تلك الدولة في ظلّ موقف إستراتيجي وعملياتي وتعبوي جوي وبري وبحري مُقرف وفي غاية الرداءة والخطورة ومن دون أي تخطيط أو تهيؤ مسبق أو توقيتات محددة، والمباشرة بإنسحاب فوري خلال بضع ساعات من دون أية إستحضارات تمهّد لتحريك ما يربو على (نصف مليون) جندي عراقي متعب ومرهق وجائع وعطشان مع أسلحتهم الخفيفة والثقيلة ومعداتهم وتجهيزاتهم وعجلاتهم حيث تشردوا في العراء بعد أن ظلوا مقبوعين طيلة (45) يوماً في جوف مواضع حصينة إحتوتهم تحت مستوى الأرض ضمن العشرات من الفرق المدرعة والآلية والمشاة التي أُقحِمَت عنوة في أرض الكويت وتمترست تباعاً وسط صحاريها وإنتشرت بإنقضاء الأيام في ربوعها وبراريها وفي ضواحي مدنها العامرة وأحيائها إبتداءً من ذلك اليوم المشؤوم (2آب/آغسطس1990)...
ذلك الإنسحاب العشوائي غير المدروس والذي تـَحَوَّلَ في غضون يومي (27-28شباط1991) إلى هروب منكر نحو منفذ "عبدلي-صفوان" الحدودي وهزيمة لاذعة وكارثة غير مسبوقة من هول الضغط البري الهائل لجيوش التحالف وتحت رحمة المئات من أفضل قاصفات العالم المعاصر والطائرات الحليفة المصممة خصيصاً للهجوم الأرضي مضافاً إليها أرقى أنواع السمتيات/الهليكوبترات التي إنهالت بكامل حريتها في ظل سيادة جوية حليفة متكاملة على منتسبي القطعات العراقية -وهم تائهون في العراء وحائرون- بضربات ماحقة إستثمرت قنابل بأوزان مرعبة وصواريخ مسيرة غاية في الدقة لم تـُبْقِ ولم تذر بعد أن بلغ محتويات متفجراتها ما يعادل العديد من القنابل النووية، ما جعل العشرات من تشكيلات الجيش العراقي بضباطها وجنودها الهائمين في صحارى الكويت العارية من كل ما يمكن أن يخفي وفي ظل فقدان القيادة والسيطرة عليها، لتـُضَحّي بما يزيد عن (103,000) شهيد وأضعاف هذا العدد المذهل من الجرحى والمصابين والأسرى وآلاف لاحقة من المفقودين الذين لم يُعرف مصائرهم لغاية كتابة هذه السطور، وذلك إلى جانب الآلاف من الدبابات والمدرعات والمدافع والعجلات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة إثر تعرضهم للمئات من قصفات الطيران المعادي.
وفي هذا الشأن بالذات فقد تقابلتُ مع أكثر من ضابط برتبة كبيرة في "قيادة قوات الخليج" كانوا تحت إمرة "اللواء الركن عصمت صابر عمر" وهم أشادوا بشهامته وفروسيته وإلتزامه المثالي بالأوامر العسكرية وكيفية مغادرته مقر قيادته بعد إبلاغه بأمر الإنسحاب بأعصاب متماسكة وبهدوئه المعروف -رغم خطورة الموقف- ولكن ليس قبل أن يتأكد بشخصه ويتيقن تماماً من عدم بقاء أي ضابط أو جندي في تلك القيادة، وأن لا أحد منهم قد ترك وراءه سلاحاً أو جهازاً وحتى القلم والورقة الواحدة.

ما بعــد الكــويـــت

وبعد إخماد عدد من تشكيلات الحرس الجمهوري ووحدات من الحرس الخاص في غضون (18) يوماً لتلك الإنتفاضة العارمة -وقد سميت بعدئذ بـ"الشعبانية"- والتي إندلعت بين عشية وضحاها منذ صبيحة (الجمعة1مارت/آذار1991) لتعمّ كالنار وسط الهشيم جميع المحافظات العشر في جنوبي الوطن والفرات الأوسط، فقد أعاد الجيش العراقي سراعاً تنظيم عدد من قياداته العليا وجمع العديد من تشكيلاته المنكوبة والمهزومة إلى أرض الوطن، حينئذ تحركت "قيادة قوات الخليج" ذاتها -وسط قيادات فيالق أخرى- لبسط سيطرة الدولة على جميع المناطق الشرقية والشمالية من الوطن والتي إقتحمتها عناصر مسلحة وإنتشرت وسط مدنها وتمترست على طرقها الرئيسة وجبالها، حيث تحددت مهمتها الأولى في قاطع الفيلق/2 بالبقاع الكائنة إلى الشرق والشمال الشرقي من "بعقوبة" بمثابة واجب خاص أنيط لـ"اللواء الركن عصمت"، وبعد إنجاز الممهمة خلال أسبوع واحد فقط فقد صدرت الأوامر بالإنتقال إلى محافظة "نينوى/الموصل" ضمن قاطع الفيلق/5 ليقدم على تطهير البقاع الكائنة في أقاصي شمالي الوطن إنطلاقاً من بلدة "فايدة" وبسط السيطرة على مدن "دهوك، زاخو، سرسنك، والعمادية" وجميع نواحيها حتى أزيح المسلحون جميعاً من ربوعها في غضون أقل من (3) أسابيع فحسب بالإرتكاز على خطط متقنة وعمليات كانت غاية في الإقدام والشجاعة والسرعة والإندفاع المحسوب وصولاً إلى تخوم حدود العراق المتسعة والملأى بالجبال العملاقة الشاهقة والوديان السحيقة والمعدومة من الطرق مع "تركيا".

الوفـــــــــاء المعــدوم

لكن "صدام حسين" لم يكن وفياً مع "اللواء الركن عصمت" وسواه من القادة الكبار الشجعان أمثال "اللواء الركن -قوات خاصة- بارق عبدالله الحاج حنطة، والعميد الركن كمال ناصر" وآخرون، رغم يقينه بماضيهم المجيد وخدمتهم العسكرية الممتازة ووفائهم للوطن وقواته المسلحة وكذلك لشخصه، فحالما أنهوا عمليات التطهير الشجاعة تلك فقد إستدعاهم جميعاً إلى القصر الجمهوري أواسط شهر (رمضان/نيسان1991) لينفذ بحقهم حكم الإعدام في أواخر أيام ذلك الشهر الفضيل، والذي كان في واقعه ((حكم قتل)) جراء تعذيب جسدي مريـع ومن دون تحقيق ولا محاكمة، راسماَ نهاية مؤسفة لحياتهم بهذه الدنيا الدنيئة وبرصاصة يتيمة في مقدمة رأسه، ربما كانت من تلك المسماة بـ(طلقة الرحمة).

آخــر ساعــاتــه مع العائـلــة

وإذا ما إسترجعنا يوم وداعه الأخير لأهله والأيام التسعة العصيبات المتلاحقات قبل تسلم جثمانه، فإني أستذكر عبارات أنقلها عن لسان قرينته السيدة "لمعان/أم عمر" بخصوص آخر لقاء جمعهما:-
((قبيل موعد أذان الفجر ليوم الخميس 18رمضان/4نيسان1991 فوجئتُ بوصول "أبي عمر" لمسكننا في حي "الدورة" ببغداد، ووجدته مستبشراً كون "صدام حسين" قد إستدعاه وبصحبته عشرات من الضباط لتكريمهم، ولربما سيتناولون طعام الإفطار سوية على مائدته في القصر الجمهوري مساء اليوم نفسه... وبعد تناوله قدحاً من الشاي على عجل لقرب موعد الإمساك، فقد أدى صلاة الفجر قبل أن يخلد في نوم عميق حتى أذان العصر من عظم الإرهاق الذي كان يستشعره، وبعد أن إرتدى قيافته العسكرية مُحَمّلاً صدره جميع أنواط الشجاعة والأوسمة اللائقة لمثل هذه المناسبات، فقد غادرنا بسيارته العسكرية بصحبة "نائب الضابط أبو عادل" على أمل عودته إلينا ليلاً لقضاء سهرة مع الأولاد بعد غياب عنهم طال أشهراً عديدة كانت مصحوبة بعناء وإنشغال بال منذ غزو العراق لدولة الكويت... ولكنه لم يعد ليلاً وحتى صباح اليوم التالي، فإنتظرت يوماً آخر معتقدة أنه ربما إلتحق مباشرة بمقر قيادته بطائرة هليكوبتر، وذلك قبل أن أسمع تقولات غير مريحة بالمرة، وعندها إضطررت إلى إستدعاء عدد من الأقرباء ومهاتفة البعض من الأصدقاء المقربين!!!؟؟؟)).

الخبــر الـمُصعــــق

أما انا فلم أكن على علم بمجيء "عصمت" قبل يومين حتى هاتفتني الأخت "أم عمر" بعد ظهر (السبت 6/نيسان/1991)، فهرعت عصراً إلى وزارة الدفاع للقاء صديق عزيز كان الضابط الخافر لدى مديرية الحركات العسكرية في ذلك اليوم، ولما إستفسرت عن "اللواء الركن عصمت صابر"، إستشعرت به وقد إرتبك بعض الشيء ناصحاً إياي بعدم متابعة هذا الموضوع والنأي عن أي سؤال أو إستفسار حوله، فغادرت مبنى الوزارة بقلق شديد وإرتباك وإمتعاض وقد ملكتني حيرة في كيفية التصرف حيال الأخت "أم عمر" وأسلوب التخطيط لإخبارها بما سمعت، فما وجدت أمامي إلاّ الكذب زاعماً بوجود (تحقيق بسيط) معه لدى الإستخبارات العسكرية العامة قد يطول لبضعة أيام، ومع ذلك فقد إرتبكت وإصفر وجهها واضعة يديها على صدرها قبل أن تنهال عليّ بوابل من الأسئلة المحرجة لم أمتلك أجوبة مقنعة لإقناعها.
وفي الأيام المقلقة تلك أصابنا إحباط شديد لدى تسرب خبر سيء للغاية وقتما علمنا أن "السائق أبو عادل" قد أسرَّ للبعض ما مفاده:-
((عصر ذلك اليوم الرمضاني كنا صائمين ونحن في طريقنا إلى مبنى "إستعلامات المجلس الوطني"، وقد أمرني السيد "اللواء الركن عصمت" أن أعود لتناول طعام الإفطار وأحضر إليه مرة أخرى بالساعة التاسعة ليلاً... ولكن، حالما إجتاز سيادته باب المبنى حتى شاهدتُ عدداً من الأشخاص المرتدين للملابس الزيتونية وقد تكالبوا عليه نازعين عن كتفيه الرتب وعن صدره الأوسمة والأنواط، وكذلك تعاملوا مع ضباط قادة آخرين حضروا بذات التوقيت... لقد صُعِقتُ بذلك وتسَمِّرت في جوف السيارة العسكرية بمرآب العجلات مع العديد من السائقين العسكريين حتى حلَّ صباح اليوم التالي، حين أطلّ علينا أحدهم وبين يدية مكبرة صوت ليأمرنا بترك المرآب قائلاً:-
"أيها الرفاق عودوا إلى منازلكم، وسوف نتكفـّل نحن بإيصال قادتكم إلى أهليهم".
ورغم ما أصابني من إحباط، فقد قررت عدم إخبار الأخت "أم عمر" أو أحد أفراد العائلة بالذي رأيته، وإكتفيت بالقول بأن السيد اللواء سيعود لاحقاً)).

الوداع الأخير

لم يطل إنتظارنا سوى بضعة أيام، فقد علمنا وسط حضور ((عدد محدود)) من الأقرباء والأصدقاء المترقبين وصول النعش الطاهر عصر اليوم التاسع من وداعه الأخير لعائلته والذي توافق مع يوم (الجمعة-26رمضان/12نيسان1991) بعد أن ظلّ جسده راقداً لدى دائرة الطب العدلي المدني في "الباب المعظم"، وقد إستلمه إبن عمته الأستاذ "إبراهيم خورشيد آرسلان" بصحبة عدد ضئيل من أقرب الأوفياء كانوا يتوسطون حشداً من البشر العراقيين اليائسين من المكلومين والثكالى والأرامل، وهم ينتظرون دورهم لتسلّم جثامين مفقوديهم في خضم مآسٍ وأوزار لم ولا ولن تنتهي بحق هذا الشعب المنكوب... كل ذلك قبل أن يودع في (المغسل) المتاح هناك ويأتي به إلى منزله ليرقد هامداً في ليلة القدر المباركة بين أهله وأولاده وهم يلقون نظرات الوداع الأخيرة ويتلون سوراً من القرآن المجيد قبالة جسده، وقبل أن نحمله على أكتافنا صباح اليوم التالي لنواريه الثرى إلى جنب ولده البكر الحبيب "عمر" الذي طالما إشتاق له وحنَّ إليه منذ (7) سنوات وسط مقبرة "الشيخ عمر"، وعلى مقربة من مرقد شقيقته "كولتان"، وسيترقب ثلاثتهم لتلحق بهم صاحبة الروح الطيبة والأم والجدة الثكلى السيدة العجوز "الحاجة حسيبة/أم سامي" التي فقدت في أواخر سنيّ حياتها (ثلاثاً) من فلذات كبدها قبل أن يوافيها الأجل من بعد وداعهم، ولكن جثمانها الطاهر سوف لا يرقد بالقرب منهم، فقد أوصت هذه المرأة الوفية أن تـنضم إلى قرينها "صابر عمر أفندي/أبو سامي" كي لا يظل وحيداً وسط مقبرة العائلة بمدينة "كركوك".
وفي هذا الشأن فقد ذكر صديقنا العزيز وإبن عمته الوفي ورفيق عمره الحميم "إبراهيم خورشيد آرسلان" أن "عصمت" كان بقيافته العسكرية مُجمّداً قبل أن يتحدث القائمون على غسل جثمانه مشاهدتهم لآثار كوي على العديد من أجزاء جسده مصحوبة بإطلاقة واحدة إستهدفت جمجمته.
أقمنا مجلس الفاتحة على روحه الطيبة لثلاثة أيام بحضور العشرات فقط من أقربائه وأصدقائه -وليس الجميع- بحديقة منزله في "حي الدورة" ومن دون أن يمنعنا أحد من ذلك كما جرت عادة الأجهزة الأمنية في العديد من حالات الإعدامات والقتل المماثلة... إلاّ أن نصيحة البعض التي إنصاع لها الأهل كمنت في الإكتفاء بتلاوة القرآن الكريم من دون إستخدام لمكبرات الصوت.

لماذا قتل "عصمت"؟؟؟!!!

في ختام هذه السطور لا بد من القول بأن قتل أولئك الطغاة لهذا الضابط البطل المغوار والمحنك الهصور وبتلك الطريقة البشعة والمبرهنة على إنعدام ذرة من الوفاء لديهم حتى أزاء المخلصين لهم وعلى الرغم من إعتزاز "صدام حسين" بشخص "عصمت" وتسميته بـ"عصمت الصبور" ومواصلة تقديره كثيراً ومنحه أنواطاً متعددة ومكافـآت في العديد من المناسبات سيبقى مشوباً بالكثير من الظنون والضبابية، وربما أكون على يقين أن لا أحد بإقتداره حتى في قادم الأعوام على كشف حيثياته رغم ما تناقلته الألسن والأهواء من تقولات وإشاعات وأحاديث تمحورت حول الإحتمالات الآتية:-

1. إبداء "عصمت" رأيه صراحة أمام عدد من القادة وكبار ضباط أركانه المرؤوسين والمرتبطين بشخصه حيال غزو "دولة الكويت" ومدى إساءته لسمعة العراق وطناً وجيشاً وشعباً، ناهيك عن إنتقاده لاحقاً لأمر الإنسحاب الشفاهي والفوري الذي أصدره "صدام حسين" يوم (26شباط1991) من دون أدنى تقدير لعواقبه وعظم ما أوقعه في صفوف التشكيلات من تضحيات باهظة بالأرواح والأسلحة والمعدات، وإيصال البعض من المنافقين تلك الأحاديث إلى "صدام حسين"  ((وهذا أكثر الإحتمالات من حيث الواقع)).

2. منح "عصمت" - بعد تجمع منتسبي "قيادة قوات الخليج" بمعسكر القوات الخاصة في "الكوت"- إجازة لليلة واحدة لعدد كبير من القادة المرؤوسين وكبار ضباط الركن على أمل عودتهم في اليوم التالي ليتمتع الآخرون بإجازة مشابهة، ما جعل أحدهم يوصل تقريراً عاجلاً إلى القيادة العامة للقوات المسلحة بأن "عصمت" وضباطه الأقدمون يعقدون إجتماعات مشبوهة ببغداد للإقدام على عمل مريب... ((وهذا إحتمال وارد كذلك من حيث الواقع))

3. إقدام "صدام حسين" على إيجاد "كباش فداء" لتغطية هزيمته في "حرب الكويت"، ناهيك عن محاولة إظهار شخصه بكونه ما زال ماسكاً بشآبيب الحكم وإدارة الدولة، وأن (سيّافيه) ما لبثوا أقوياء وبإقتدارهم عدم الإكتفاء بضرب أعناق أناس بسطاء بل رقاب ضباط شجعان ذوي رتب عالية ومناصب رفيعة، وبذلك يبعث أكثر من رسالة قوية إلى آخرين قد يجول بخاطرهم التخطيط لـمُنكر في طالحه.... ((وهذا كذلك إحتمال وارد جداً في أسلوب حكم "صدام حسين" وشخصيته الشمولية)).

4. عزم "عصمت" على المباشرة لحبك خطة لقلب نظام الحكم بالإتفاق مع عدد من ضباط القوات الخاصة، ولربما وشى البعض منهم بـ(تقارير سرية وفورية) إلى المكتب العسكري لحزب البعث أو إلى "صدام حسين" شخصياً، وقد يكون بعض الدليل على ذلك أن العديد من أولئك قد أُستـُدعوا مع "عصمت" إلى القصر الجمهوري وقـُتِلوا معه بالأسلوب ذاته وفي ذات الأيام...((ولكن هذا زعم خطير للغاية ولا يدري أحد مدى حقيقة)).

5. إقحام "اللواء الركن عصمت" نفسه في مناقشة ساخنة أمام ناظري "صدام حسين" عن تسلـّمه أمر الإنسحاب من "حسين كامل" شخصياً، وإصرار الأخير على تكذيب "عصمت" في هذا الشأن ومحاولته تبيان عدم صحة هذا الإدعاء أمام رئيسه، ما جعل "حسين كامل" يوعز إلى جلاوزته لقتل "عصمت" من دون علم عمّه، وقد يكون الدليل على ذلك أن الرئيس قرر بعد سنة من الحادث عدّ "عصمت" شهيداً... ((وقد تكون هذه القصة أكذوبة لا أساس لها من الصحة)).

6. زعم البعض بأصدار "عصمت" أوامر الإنسحاب من "الكويت" إلى قادة الفرق والتشكيلات المرتبطة بقيادته قبل أن يبلغه أحد بذاك... ((وهذا ما يفنـّده شجاعة "عصمت" وشخصيته ومدى إلتزامه بالأوامر العسكرية ومواقفه المشهودة في سابقات المواقف الحالكة والظروف الصعبة)).
وأنا أقول أنه ما دام لم يكن هناك ((شخص موثوق به)) قد حضر التحقيق المزعوم وعملية الإعدام أو القتل، ولا من سواه كان شاهداً على مجريات الأمور في أروقة القصر الجمهوري المغلقة ومحيطه الحصين في تلك الأيام المشوبة بهزيمة العراق المنكرة من "الكويت" والإضطرابات التي عمت (14) محافظة عراقية من مجموع (18) يضمها الوطن، وقد تسببت في هشاشة الدولة وتدنـّي هيبتها المعهودة وهزالة أدوات سطوتها ورفع الملايين من العراقيين للسلاح أزاءها وخوضهم محاولات جدية وخطيرة لإسقاط نظام الحكم وتعرّض كرسي "صدام حسين" لإهتزاز عنيف وخطير للمرة الأولى منذ ما يقارب ربع قرن، وذلك إلى جانب شروط مذلة ومهينة بدأ التحالف المضاد فرضها بحق العراق المهزوم   فلذلك فإن سر مقتل "عصمت" قد دُفِنَ معه ولا يؤمل أن ينكشف في قادم الأيام إلاّ بأعجوبة.


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Images?q=tbn:ANd9GcTHMHYlX5KAY3qVsR-8j8yiNPb0Ns-XZPxAdsKS3KTwzg24zxSTtA


----------------


مصدر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena20اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena11اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena30
اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena23




اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالجمعة يوليو 03 2015, 18:02

عن قصة اعدام اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر 
يقول السيد سعد البزاز


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Saad-albzaz

 في كتابه " الجنرالات اخر من يعلم " التالي : 

عاد من الكويت ثلاثة ضباط كبار وهم الفريق الركن كامل ساجت قائد قوات الخليج العربي التي سيطرت على الكويت واللواء الركن عصمت صابر عمر مدير صنف القوات الخاصة ومعاون قائد قوات الخليج واللواء الركن بارق عبدالله الحاج حنطة رئيس أركان تلك القوات..
مكث الأول في البصرة حيث انقطع عليه سبيل العودة بعد سقوط سيطرة الدولة على المدينة أما عصمت وبارق فوصلا بغداد، حيث طلب اليهما الرئيس الذهاب الى كردستان لتحمل مسوولية أخرى جديدة ...لكنهما كانا يفكران على نحو مختلف ، فقد عادا محملين بمشاعر الهزيمة والمذلة وكانا - على طول الطريق من البصرة الى بغداد- يتحدثان أمام ضباط اخرين عن خطأ احتلال الكويت.. وسوء أسلوب الانسحاب وتوقيته.. ويتردد في أوساط الجيش أن الضابطين لقيا مصرعهماعلى نحو ما يرد في هذه الوقائع المتداولة؛
قال عصمت في طريق العودة الى بغداد : لقد ورطنا قادتنا..أما بارق فقال: انتهت مهمة الكويت .. وعلينا ألان أن ننجز المهمة الأكبر في بغداد ...وعلم الرئيس بحديث الضابطين، فغضب عليهما.. ثم اتهمها بالانسحاب من الكويت قبل صدور الأوامر اليهما تاركين جنودهما عرضة للهلاك.
واستدعي الضابطان من شمال البلاد ليمكثا في مقر مديرية القوات الخاصة ثم جاء من يقول لهما انهما مدعوان على العشاء في القصر الجمهوري..دخل عليهما الرئيس مع عدد من حراسه، وكانا قد قيدا في أيديهما وانزلت أغطية الرأس العسكرية عنهما وبقيا بملابس القوات الخاصة ..
وبادرهم بالقول: ها أيها الخونة..فقال بارق: سيدي لست خائناً ولا جباناً .. أنا بطل معركة أم الرصاص..أنني من ابطال الحرب مع ايران.. وانا مخلص لك..فقاطعه عصمت: اسكت يا بارق ..لسنا نحن الخونة.. كان قرار اعدامهما قد اتخذ قبل أيام من هذه اللحظة.بأنتهاء اللقاء تناوب أفراد من الحرس على تفريغ جسدي الضابطين من احشائهما حتى خرا كتلتين من لحم غارق بالدم".


لكن وفقا لشهاده العميد الركن المتقاعد صبحي ناظم توفيق والمقرب من اللواء الركن عصمت صابر عمر وعائلته بان المغفور له كان مصابا باطلاقه واحده في راسه فقط بالاضافه الى اثار تعذيب 
كما روى روايه اخرى عن عمليه الاعتقال تختلف عنما اورده البزاز 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena20اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena11اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena30
اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Unbena23




اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالثلاثاء مايو 31 2016, 15:11

أسرار أكشفها للمرة الأولى في حياتي - ضابط تركماني قاد لواء عراقياً في حرب "لبنان" الأهلية

مشاركة العراق عسكرياً في الحرب الأهلية اللبنانية للمرّة الأُولى (1976) وللمرة الثانية (1978) وبواقع "لواء خاص" تم تشكيله لهذا الغرض تحديداً ولم يصطحب معه سوى أسلحته الشخصية والخفيفة ذات الفائدة في قتالات المدن والشوارع والأزقّة، لهو حَدَث لم يعلم بحقائقه عن كثب سوى عدد يسير من العراقيين، بمن فيهم معظم ضباط الجيش العراقيّ وقواته المسلحة... ولربما لم أكن على أية دراية حتى بالبعض من تفاصيله، وليس جميعها، لو لم أُنقـَل أواخر عام (1975) لمنصب "ضابط الركن الثاني حركات/عمليات" لدى قيادة الفرقة المدرعة/3 في "معسكر صلاح الدين" شمالي مدينة "تكريت"،


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Esmat.SB.1




ويكون جار صباي وصديق عمري "المقدم المظلّيّ الركن عِصْمَتْ صابر عُمَر" -إبن "قلعة كركوك"- آمراً/قائداً لهذا اللواء المُكَلَّف بهذا الواجب الخاصّ، ويكون صديقي العزيز وإبن دورتي بالكلية العسكرية "الرائد المظلّي الركن خالد بَهلول" معاوناً له بمنصب "مقدم اللواء"، ولو لم تُكَلَّفْ قيادة فرقتنا بإسكان وحدات هذا اللواء الخاص بشكل مؤقّت وإستضافته في "معسكر صلاح الدين" بالذات لإستكمال معظم إحتياجاته ودعمه ومعاونته على تدريبه على خوض حرب المدن والشوارع، ثم توديعه لدى تنقـّله بالطائرات من "قاعدة صلاح الدين الجوية" الواقعة بالقرب من "تكريت"، فضلاً عن تكليف قائد فرقتنا "العميد الركن طارق توفيق عبدالرزاق" لي بصفة "ضابط ركنه الشخصي" ويأمرني بترك جميع أعمالي اليومية الإعتياديّة لأتفرّغ لإحتياجات "عصمت" وأُصاحِبَه طيلة (24) ساعة لتسهيل إستحضاراته وسط تشكيلاتنا ووحداتنا ومعسكراتنا وساحات التدريب المتنوعة المتوفرة لدينا ومن مخزوناتنا لدى المستودعات والمخازن المتمركزة بالمنطقة، ولو لم يتّخذ "عصمت" من مكتبي الرسمي موقعاً مؤقـّتاً لمقر لوائه وإدارة شؤونه طيلة (10) أيام متتالية، وكونه -حسب رغبته- ضيفاً عزيزاً على سرير مضاف في غرفة منامي لأستمع إلى كل طلباته مع "الرائد الركن خالد بهلول" وتوجيهاته لضباط ركنه الآخرين ومُهاتَفاتِه وأحاديثه مع آمري/قادة وحداته وكذلك مع المراجع العليا لدى رئاسة أركان الجيش ووزارة الدفاع والقيادتين القوميّة والقطريّة لحزب البعث، حيث أُتيحَتْ لي فرصة تأريخية -لم تـُتـَح لسواي بشكل مطلق- كي أطلع عن كثب على أسرار هذه المهمة الخاصّة والكثير من تفاصيلها ومتعلقاتها وذيولها من دون الآخرين من جميع ضباط الجيش العراقي، بمن فيهم معظم ضباط ركن قيادة فرقتنا من غير المُكتَرِثين بقضايا خارجة عن أعمالهم اليومية.
كان قرار "العراق" في هذا الشأن الخطير خطوةً سياسيةً لمواجهة النفوذ السياسيّ والتمركز العسكريّ السوريّ المتعاظم في "لبنان" التي أُبْتـُلِيَت بالتدخّلات في شؤونها من كل حدب وصوب، بعد أن ذاقت -بشكل عام- أطايِب العيش ورَغَد الحياة منذ مَنَحَتْها "فرنسا" الإستقلال عام (1946).
وإذا ما تركنا الجذور والمشكلات القديمة جانباً مُحاولين إلقاء نظرة قريبة على مجريات الأمور في غضون السنوات القليلات المُنصرمات فحسب، لوجدنا أن أول الغيث سَقطَت قطراته على "لبنان" حين أُجْبِرَ المسلّحون الفلسطينيون المُسَجَّـلُة أسماؤهم بالآلاف في العديد من المنظّمات الفدائية، على ترك الأراضي الأردنية عام (1971) بُعَيْدَ أحداث (أيلول/سبتمبر1970)، ليجدوا مَلاذَهَم في جنوبيّ "لبنان" التي أُضطُرّتْ حكومتها في حينه لقبولهم مع أسلحتهم وأوضاعهم المادّيّة البائسة لأسباب إنسانية مصحوبة بضغوط سياسية عربية، ولكن جزءاً مُتَنَفِّذاً من شعبها وسُلطات دولتها ربّما تَنَدَّمَتْ على ذلك القبول بعد أن وجدت ليست في ديموغرافية البلد وقد أضحت لصالح المُسلِمين فحسب، بل أن السلاح -بمعظمه- بات في أيديهم من دون ضوابط وإلتزام بالقوانين المرعية والأعراف السائدة.
وفي حين كان اللاجِئون الفلسطينيون السابِقون منذ (1948 أو 1967) مستعدّين للعمل مقابل أية أجور يُزاحِمون بها المواطن اللبنانيّ الأصيل، فإنّ الآتِين الجُدُد بإنضمامهم إلى المنظّمات المسلّحة التي تتموّل من حيث لا يَدرون، قد غدوا قوة متعاظمة سوف لا تستطيع الدولة اللبنانيّة وجيشها المتواضع بالمستقبل القريب الحدّ من تصرّفاتهم المُشابِهة لما كانوا عليها بالأردن،  وفوق كل ذلك فقد أمسوا يُثيرون مشكلات على الحدود مع "إسرائيل" والتي عادة لا تسكت حيالها، فيحصل ما لا يُحمَد عقباه... وبين شَدِّ هذا وجَذبِ ذاك وتأييد هذه الدولة العربية وإستنكار تلك، إلى جانب تهديدات إسرائيلية وغربيّة بضرورة الحدّ من الإستحواذ الفلسطينيّ على جنوبيّ "لبنان" وإنقسام الآراء بين طوائف الفُسيفساء اللبنانيّ الذي كان رائعاً فيما مضى، والتأييد السوريّ للتواجد الفلسطينيّ بتلك البقاع،


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Pierre.Jm


فقد حصل ما كان في الحُسبان ومُتَوَقَّعاً ظهيرة يوم (13آذار/مارس1975) ، حين حاول ((البعض)) أمام كنيسة -كما ذكرناه في صفحات سابقة- إغتيال "بيار الجُمَيِّل" -الزعيم المسيحيّ اللبنانيّ الأقوى، ومؤسس "حزب الكتائب" بميليشياته المشهودة بأسلحتها الثقيلة من الدبابات ((الفرنسية)) الخفيفة والمدرعات المتنوّعة وأسلحة مقاومة الدبابات والطائرات والرشاشات، قبل أن يَقتلَ ((البعض)) في داخل حافلة ركاب (27) فلسطينياً عصر اليوم نفسه… فتحرّك هذا الطرف للسيطرة على هذا الحيّ وأغلق طرف آخر شارعاً مهمّاً ليصبح حيّاً "مسلماً"، بينما إستحوذ آخرون على سواهما ليُمسي حيّاً "مسيحياً"، فعمّت الفوضى العاصمة "بيروت" وسارت كالنار في الهشيم على معظم البلاد، وبات هذا يقتل ذاك والجار يُخْرِجُ جار عمره من داره لمجرّد هويّته أو إنتمائه أو عرقه أو دينه.
ويا لمهازل السياسة المقرفة، فبدلاً من أن يفدِي الفلسطينيّ المسلّح نفسه من أجل وطنه ومبادئه قبالة اليهود والصهاينة، فقد بات في "لبنان" إما مُدافعاً عن حياته، أو أضحى يتقاتل حيال أبناء جلدته وأولاد أرضه المُغتصَبة، وربما حتى مع أقربائه وأصدقاء عمره ومن نفس مدينته وقريته في سبيل البقاء مع عائلته على قيد الحياة.

جيش سوريّ في"لبنان" 

لم يتحرّك العرب -كعادتهم عند وقوعهم بمعضلات كبرى- قبل إنقضاء ما يقارب من عام كامل على سيول الدماء التي غطّت الأرض اللبنانية، وبعد أن بلغ الطوفان العارم زُباه، تدخّلت الجامعة العربية لتقرّر أن تُقْحِم "سوريا" المُجاورة فرقة برية متكاملة من جيشها إلى "لبنان" بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقّى، وما لبثت أن ضاعَفَت عددها مع تصاعد المواقف الميدانية حتى بلغ (3) فرق من الدبابات والمدرعات وعجلات القتال والمدافع والصواريخ.
ومن الطبيعيّ أن لا يروق هذا الحال لقادة حزب البعث المنشطر في "بغداد"، وهم على خلاف عميق مع الجزء المنشطر الثاني في "دمشق"، وبالأخص منذ تحقيق وزير الدفاع السوري "الفريق الطيّار حافظ الأسد" في أوائل عام (1970) إنقلاباً بعثياً داخلياً سميت بـ"الحركة التصحيحية"، ليضحى بذاته على رأس الهرم في جميع المناصب الرئاسيّة في الدولة والحزب معاً من دون منازع، ويطوّر بنفسه قيادة قومية جديدة مُناوِئة تماماً لنظيرتها القائمة في "بغداد" منذ عام (1968)، لتتفاقم المواقف السياسية والإعلامية المُخجِلة بين العاصمتين العريقتين بعمق غير مسبوق، وقبل أن يُضافَ إليها تصعيد جديد بإتهام القوات العراقية المنتشرة في الأرض السورية بالتخطيط لإنقلاب عسكري على النظام السوريّ بُعَيْدَ َوقف إطلاق النار في "حرب تشرين/1973"... ولما شاهد قادة "بغداد" أمام أنظارهم جيشاً سورياً في وسط "لبنان" فإنهم لم يستهضموا إلاّ أن يتواجدوا هناك، لا سيّما وأنهم يمتلكون في الأرض اللبنانية منظّمة مسلّحة ومُمَوّلة جيداً، وأن السوريين بدأوا يحاولون القضاء على، أو طرد كل من ينتمي إلى "البعث العراقيّ" بِصِلَة!!!.


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  A.Ahmad.H.09




كان الرئيس "المهيب أحمد حسن البكر" ورئيس أركان الجيش "الفريق الركن عبدالجبار خليل شنشل" و"الرفيق ناصيف عَوّاد" رئيس مكتب فلسطين والكفاح المسلّح بالقيادة القومية لحزب البعث يَتَهاتَفُونَ مع قائد فرقتنا و"المقدم الركن عصمت" بمعدلات يومية للمتابعة والإستفسارعمّا آلت إليه الإستحضارات ومتى يمكن تحديد موعد تسفيرالدُفعة الأولى من اللواء...


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  S.U.0


أما النائب "صدام حسين" فلم يتّصل معه إلاّ مرتين في تلك الأيام العشرة.
وفي حين كان "عصمت" -وأنا بصحبته- نزور قائد فرقتنا مرّة في الصباح الباكر قبل البدء بأعمالنا اليومية وأخرى ليلاً في نهاية الدوام المسائي لتوضيح مجريات الأمور والتطورات وما إقتدرنا على حلّها من العُقَد المُستَعصِية وفيما إذا كانت الأمور سائرة بشكل مُرضٍ نسبياً، فإنّ "عصمت" كان منزعجاً كثيراً من عدم التجانس المُحْرِج في التشكيلة الخاصّة للوائه، والذي تقرّر أن يتألّف من (3) وحدات قتاليّة، تعداد كلّ منها حوالي (600) شخص، إحداها ((فوج مظلّي)) مُدرّب جيداً، والثانية (3) سرايا مغاوير تشكل منها فوج واحد لا بأس به، ولكن الوحدة الثالثة المكونة من ((فوج متطوّعين من حزب البعث)) هو ما أشْغَلَ باله، كون "عصمت ما زال مُستقلاًّ لم يَنْتَمِ للحزب، فجعله مهموماً كَونَهم لا يتفهمون من الضبط والربط العسكريّ شيئاً وأنّ مُعظمهم لم يؤدّوا الخدمة العسكرية ولم يتدرّبوا أو يُمارسوا الرمي بالأسلحة المتنوّعة سوى ببضع إطلاقات من بنادق الحزب أو مسدّساتهم الشخصيّة من ناحية، وكونهم قد يَرَوْنَ أنفسهم جميعاً حزبيّين وقد تطوّعوا لهذه ((المهمّة القومية غير الإعتياديّة)) فَيَتَعالَوْن على الآخرين من ناحية ثانية… وعلى الرغم من تأييد قائد الفرقة -وهو العسكري المتطرف الذي لا يؤمن سوى بالتقاليد العسكرية نهجاً في الحياة- له بحرارة في هذا الطرح ونقل رأيه الصريح إلى شخص "البكر" وسواه، بأن هؤلاء سيُشكِّلون ((عالَةً)) في هذه المهمّة وأنهم سيكونون بمثابة ضحايا بَخسَةً لا موجب لها، إلاّ أن أعضاء "القيادة القومية" -ومعظم أعضائها غيرعراقيين وقد هربوا من أوطانهم ملتجئين إلى العراق ومتنعّمين برغد العيش على نفقة هذا البلد وشعبه- رأوا ((ضرورة أن يكون لـ"الشباب البعثيّ الصاعد" تجارب في الكفاح المسلّح والنضال من أجل المبادئ والقيم العليا لتحقيق كامل وحدة الأمة العربية وحريتها وإشتراكيّتها ومقارعتها للإستعمار البغيض التي سوف لا تنتهي حتى ينال كلّ شبر من أرض الأجداد إستقلاله الناجز!!!!!؟؟؟؟))… فما أن قرأ "عصمت" تلك العبارات الطَنّانة في متن كتاب رسميّ صادر من "مكتب فلسطين والكفاح المسلح/القيادة القومية"، إستذكر المثل العراقيّ القائل:-((العَرَب وين!!! وطَنْبُورَة وين!!!)).
واصل "عصمت وخالد" وضباطهما الأقدمين تهيئة منتسبيهم لقتال المدن والشوارع والمنازل، والرمي الحقيقيّ بالعتاد الحي بلا حدود بجميع أنواع الأسلحة التي سوف يصطحبونها، وقد فرغنا لهم إحدى العمارات السكنية المهملة لدى كلية القوة الجوية بـ"قاعدة صلاح الدين" للتدريب الإضافي في غُرَفِها ومنافذها على تلك الأمور، مُرَكّزِين على تنمية القابلية البدنية والإقتصاد الصارم في الأعتدة والذخائر وأقصى درجات التحمّل والصبر على الجوع والعطش وعدم الإستحمام المتوقع، وذلك بالتدريب العنيف ومهنة الميدان والرياضة المُجْهِدة، وأسلوب الإركاب بطائرات النقل العسكرية، فيما بوشر بدورة عاجلة وبمنهج طارئ ومكثف لـ"فوج المتطوّعين"، حتى حلّ اليوم الخامس ليتوضّح أمامهم العديد من الأمورالحيوية الآتية:-
1.يرتدي الجميع الملابس المدنية، والتي سيؤمنها معمل الخياطة التابع لوزارة الصناعة، ويصطحبونها معهم من دون أيّة بدلات عسكريّة والتي سيتمّ توفيرها في "لبنان".
2.تتكون "الجماعة المُتقدِّمة" من (20) شخصاً فقط يرأسهم ضابطان، يسافرون بطائرات الخطوط الجوية العراقية إلى "القاهرة"، فيبقى منهم (8) هناك، فيما يواصل الباقون سفرهم إلى مدينة "بنغازي" الليبية.
3.يتولّى "مكتب شؤون المواطنين العرب التابع للقيادة القومية"، بالتنسيق مع "جهاز المخابرات العراقية" تنظيم جوازات سفر مختلفة بأسماء مستعارة لجميع منتسبي اللواء وصولاً إلى مستوى الجنديّ.
4.يتنقّل الجميع بطيران ليلي بالتحليق في مجالات الملاحة المدنية العالمية على متن (9) من طائرات النقل العسكريّة (أوكرايينا AN-12) التابعة للقوة الجوية العراقية، وبـ(3) وجبات بمعدّل وجبة واحدة بين يوم وآخر، وذلك من قاعدة "صلاح الدين الجوية" مباشرة إلى مطار "بَلْبِيس" العسكريّ شماليّ القاهرة ، حيث لا يُسْمَح لأيّ من منتسبي اللواء ترك الطائرة والنزول منها لأيّ سبب كان، حيث تواصل طيرانها فور التزوّد بالوقود إلى مطار "بنغازي" العسكريّ.
5.لقد نَسَّقَتْ وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة ومديرية الإستخبارات العسكريّة بوزارة الدفاع مع كلّ من الملحق العسكريّ العراقي في "القاهرة" والسلطات المصرية حول "الترانسيت"، وكذلك مع الملحق العسكريّ العراقيّ في العاصمة الليبية "طرابلس" بشأن جميع المتطلّبات الضرورية للواء وكيفيّة إسكانه وتأمين راحته وإكمال آخر نواقصه وتأجير"سفينة حاويات يونانية" لنقل أفراده مُخْتَبِئينَ في "العنابر"، وبمعدّل فوج واحد بالسفرة الواحدة.
6.عند الوصول إلى السواحل الجنوبية من "لبنان"، سيكون بإستقبال القوة ضباط من المخابرات العراقية المرابطين لدى الملحقية العسكرية والسفارة العراقية في "بيروت" ومعهم جماعة ذات خبرات بالشأن اللبناني من مقاتلي "جبهة التحرير العربية" المرتبطة بالقيادة القومية للحزب.
7.يتم شراء السيارات وأية إحتياجات ومستلزمات ضرورية أخرى من الأسواق اللبنانيّة.

ضبط الأمور الماليّة

كان "عصمت" -والشهادة لله- وإستناداً لتزكية كلّ من عرفه عن قرب وصادَقَه، فضلاً عن شجاعته وإنكاره الذات وسموّ أخلاقه وطيب معشره والإبتسامة الدائمة التي لا تفارق مُحَيّاه، زاهد النفس نظيف اليدين يخاف الله ويُحَكِّم الضمير فيما أحلَّه وحَرَّمَه... وكم رأيته مُهْتَمّاً حين حضر موظف من القيادة القومية حاملاً بين يديه حقيبة دبلوماسية كبيرة -شبيهة لما كنّا نشاهده بالأفلام البوليسيّة والجاسوسية والإجراميّة- تحتوي(1,000,000) دولار أمريكي بأوراقها الخضراء الجديدة الناصعة، حيث لم يجلس بمكتبنا سوى بضع دقائق قبل أن يطلب من "عصمت" التوقيع على وصل الإستلام، موضّحاً أنه على عُجالة من أمره وأنْ لا داعي للعَدّ!!! وقتما تلاقت عينانا بنظرات الذهول، مُتَسائِلَيْن إنْ كان مثل هذا الموظّف البسيط في القيادة القومية يَسْتَخِفّ هكذا بـ((مليون)) دولار من أموال العراق، فما الذي يعمله أعضاء القيادة أنفسهم وكبار موظّفيهم؟؟؟ ولماذا؟؟!!.
وفي حين كان يمكن للعديد أن يستغلّوا هذه ((الفرصة الذهبية)) المُتاحة وهذا المال السائب، ليس في العراق الذي كان ما زال في بعض خُلُوِّه من الفساد الماليّ والإداريّ مشهوداً للعيان في ذلك الوقت، ولكن في "لبنان" المَليئة بالفوضى وإنعدام القانون والمراقبة والتصرّف كل حسب هواه في ظروف تلك الحرب الأهليّة القائمة، وخصوصاً أن "عصمت" يقود لواءً مكلّفاً بـ((مهمّة قوميّة)) خارج البلد وبعيداً عن الأنظار وعن أيّ حسيب أو رقيب على الصرفيّات غير المنظورة بشكل مطلق... ولكن "عصمت" لم يكن من ذلك الطراز الذي يُهمِل ما تنصّ عليه القوانين والتعليمات التي تقضي بضبط الأمور المالية وحساباتها بكل دقّة، وفوق كلّ ذلك ولكي ينأى بنفسه عن المال ويُنَصّبَ شخصه مُراقباً ومُحاسباً فحسب، فقد شَكَّلَ "لجنة خزانة" برئاسة معاونه وعضوية المسؤول الحزبي للواء وقادة الأفواج الثلاثة وضابط الرواتب، والذين أمام ناظريه وتحت إشرافه فَتَحوا سجلاًّ مخطّطاً في اليوم التالي وأمرهم في كتاب التكليف أن يُدرِجوا فيه تفاصيل المصروفات إعتباراً من الوصول إلى أرض "مصر"، وأن يوقّع عليها الجميع في أسفل كل صفحة على حِدَة... وسيُعيد "عصمت" فور عودته بعد (11) شهراً متتالياً ما يزيد عن ثلث ذلك المليون إلى أحد موظفي الدائرة الماليّة بالقيادة القومية مع قوائم بكل التفاصيل مقابل وصل رسميّ فقط، ذلك المبلغ الكبيرالذي سيقذِف به الموظّف مُبتَسِماً في أحد أدراج مكتبه الفخم، ومن دون كلمة شكر!!! ولربما ((إستهزأ)) من عقلية "عصمت" الرجعية.

مؤتمر يحضره كامل الدولة

في صبيحة اليوم الثامن، وقبل يومين من بدء نقل الفوج الأول من اللواء إلى "ليبيا"، حضر في مقر فرقتنا كبار قادة حزب البعث والقوات المسلحة العراقية للإطلاع على أضخم عملية نقل جوّي في تأريخ الجيش العراقيّ وقواته المسلحة ، والتي لم تسبقها سوى عملية نقل الفوج/1 من لواء المشاة/1 بقيادة "المقدم الركن طارق محمود جلال" إلى "مصر" في عهد الرئيس "الفريق عبدالرحمن محمد عارف" قبل أيام معدودات من "حرب حزيران1967".


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Aflak.BK




كان الحضور "ميشيل عفلق، شِبْلي العَيْسَمي، زَيد حيدر، ناصِيف عَوّاد" من القيادة القومية، و"أحمد حسن البكر" و"صدّام حسين" من القيادة القطرية، "الفريق أول الركن عبد الجبار شنشل، اللواء الركن إسماعيل تايه النُعَيْمي" من رئاسة أركان الجيش، "العميد الركن عدنان خيرالله، المقدم نكتل كَشْمُولَة" من المكتب العسكري للحزب، وقادة كلّ من القوة الجوية "اللواء الطيار نعمة الدليمي"، ومديري صنوف التموين والنقل والمُخابرة (الإتصالات/الإشارة) وآمر قاعدة  صلاح الدين الجوية، ووجوه سواهم لم أتعرّف عليهم، حيث إفتتح "عفلق" بصوته الواطئ الساعة الأولى من المؤتمر بكلمة ذات صبغة قومية قصيرة عن ضرورة قيادة حزب البعث للأمة العربية من المُحيط إلى الخليج، والتي لم نستوعب -كالعادة- منها شيئاً، تَبعَه "العيسمي" بكلمة أطول لم نفهم منها مقصده، وذلك قبل أن يستدرك "البكر" ليعيد مسيرة الإجتماع إلى غايته الأساس، حين طلب من قائد فرقتنا "العميد الركن طارق توفيق" إيجازاً عمّا وصلت إليه آخر الإستحضارات، داعياً "عصمت" من بعده إلى المنصّة ليُوجِز الخطّة العامة وسط مُداخلات عديدة... ولماذا سيتمركز لأيام عديدة في ميناء "بنغازي" قبل أنْ يمخر البحر؟ وكيف سيتصرّف إذا قاطعته إحدى قطع البحرية الإسرائيلية التي تسيطر على جميع المياه الإقليميّة والسواحل اللبنانية وتـُراقبها على مدار الساعة؟؟ وفي أية نقطة/نقاط سيُنزِل وحداته المقاتلة على الساحل اللبناني؟؟؟ وبأيّ الأساليب سيُديم الإرتباط والإتصالات مع "بغداد"؟؟؟؟ وماهيّة خطته المبدئية لتوزيع أفواجه ونشرها في البر اللبناني؟؟؟؟؟ وما الذي سيُجريه هناك من ترتيبات ميدانيّة على أرض الواقع المرير؟؟؟؟؟؟ وأساليب مُعالَجة المُصابين والجرحى والمرضى والتعامل مع جثامين الشُهداء؟؟؟؟؟؟؟ وكيف سيُديم علاقاته مع المُلحقية العسكرية وضباط المخابرات العراقية والأصدقاء ويتصرف أزاء الخصوم؟؟؟؟؟؟؟؟ ناهيك عن العديد من النقاط ذات الأهمّية البالغة والتي يطول الحديث عنها.
وجّه الرئيس "أحمد حسن البكر"، ومن بعده نائبه "صدّام حسين"، وابلاً من الأسئلة والإستفسارات الواقعية والمُحرجة في صراحتها، ليس لـ"عصمت" فحسب، بل للقادة العسكريين الأقدمين الحاضرين، عن مدى المساعدة التي يُؤْمَل أن يُبدُوها لمعاونة "عصمت" كلّ في مضماره وإختصاصه ومسؤوليّاته، وبالأخصّ قائد القوة الجوية ومُديرَي صنفيّ المُخابرة والتموين والنقل في هذه المهمّة البعيدة التي تفصلها عن العراق دولة عربية ليست على وئام معه، ولا يُتَوَقّع منها -بطبيعة الحال- في المستقبل المنظور أن تسمح بأيّ تعاون عبر أراضيها وأجوائها، فكانت إجاباتهم طَمُوحَة وخياليّة في بعضها وواقعيّة في معظمها.
وبينما إلتزم "القادة القوميّون" الصمت المطبق بشكل نهائي بعد إلقائهما لتلكما الكلمتين المُختصَرتين وكأن مهمّتهم إنتهت بمجرّد إتّخاذ القرار والتمويل من أموال العراق والكلام المُنَمَّق، وأكبرالظَنّ أنهم إنْبَهَروا من تلك التفاصيل التي تشتملها هذه الخطّة المُعَقّدة ودقائق أمورها ومايمكن أنْ تُواجهه هذه القوّة المُرسَلَة من مصاعب ومعاضل لم تدُرْ في أذهانهم من حيث الأساس، أُسْوَةً بمعظم الساذَجين من المدنيّين، وبضمنهم العديد من مثقّفيهم، والذين يعتقدون أنّ العمليّات العسكرية لا تتعدّى في حقيقتها مجرّد حمل الجنديّ لسلاحه وإطلاق مقذوفاته لأغراض القتل والجرح، مُضيفين إليه نظرة العُنْجُهيّة التي يتصرّف بها الضبّاط، ومن دون أنْ يعرفوا ماهيّة الخطوات الصعبة ودقائق الأمور وتفاصيل الخطط العسكريّة التي إنْ لم تُمْسَكْ بجميع نهايات خيوطها السائبة بجدارة ومعرفة وخبرة ومدارك فإنّ مصير القوّة المكلّفة بأيّة مهمّة سيؤول إلى خسائر جسيمة وأخطار محدقة!!! ولكن "صدّام" كان مُنْصِتاً لكل كلمة تَفَوَّهَ بها "عصمت" والقادة العسكريّون، ولم يُداخل إلاّ بأسئلة واقعيّة طيلة ساعات من المناقشة، أظهر بها مدى إستيعابه لدقائق الأمور وعميق إدراكه لأهميتها وخطورتها وما يحتمل أن يُعانيه "عصمت" وضباطه وجنوده من إرهاصات في ذلك البلد، وقد إستمع إليه جميع الحضور.
أما "البكر" فقد أيّد "عصمت" بحرارة عند إختتامه المؤتمر بالساعة الخامسة عصراً بعبارات تبدو أنه لم يُطلِقها لمجرّد كونه ضابطاً قديماً ومُحتَرِفاً فحسب، بل كانت نابعةً من قلبه وعقله:-

((أنظر يا ولدي "عصمت"... دعني أنْ أكون معك وسط هذا الموقف في غاية الصراحة لأوضّح لك:-
1.لقد إنتخبناك من بين العشرات من ضباط صنف القوات الخاصة لثقتنا بك ونظرتنا بأنك الأفضل والأشطر والأشجع والأشهم رغم معرفتنا بعدم إنتمائك لصفوف حزبنا... وفي الوقت الذي شمّرتَ ساعديك لأداء هذه المهمة بأفضل شكل ممكن فقد علمنا أن العديد من الضباط الحزبيين وعدد منهم أعضاء عاملون فيه هرعوا إلى "المكتب العسكري" لإصدار أوامر نقلهم إلى وحدات سوف لا تتحرك تحت إمرتك... وكلـّهم مسجّلون لدينا وسيرون ما سنتخذ من إجراءات بحقهم!!!
2.أننا بالوقت الذي نُساندك بكل ما يُفتَرَض أنْ آتانا الله به ممّا ندّعيه أو نتباهى به من غيرة وهِمّة على جيشنا وأبنائنا، ضباطاً وجنوداً، فلا أقول لك مثلما قال اليهود قولتهم المُعِيْبَة حيال النبيّ "موسى"-عليه السلام-... ولكني أرى موقفك كالذي يُتجابَه مع العدوّ في أمامه ولم يخلف سوى البحر من ورائه، ولذلك قرّرتُ تسمية لوائك هذا ومنذ اللحظة هذه بـ{قوّة طارق بن زياد".
3.أنصحك أنْ لا تسمع كلاماً معسولاً منّي أو من أيّ أحد، ولا تعتمد حتى على وعودي وعهودي بصفتي القائد العام للقوات المسلّحة ووزيراً للدفاع بالوكالة، بل توكّل على الله بإمكاناتك المُتاحة وتدَبِّرْ أمورك بنفسك، فلا شيء مضمون إيصالُه إليك سوى المال الذي لا نستخفّ به، فهو الوطن في الغُرْبة على قول سيّدنا "عليّ" -كرّم الله وجهه-.
4.كلّ إحساسي في هذه اللحظة كما لو كنتُ أودّع إبني "هيثم"... فإذهب في كل خطوة تخطوها مستوراً برعاية العليّ القدير ورحمته، وعُدْ إلينا مع ضباطك وجنودك سالمين موفّقين بإذنه تعالى ورحمته، ولا أضيف شيئاً إلى ما أسلفتُ سوى أننا سنكون جميعاً في وداعكم بعد غدٍ في المطار إن شاء الله... وسنأتي بأفراد عائلتك كي يكونوا معنا في توديعك)).
أدى "عصمت" التحية للرئيس "البكر" وظل بوضع الإستعداد قبل أن يقول:- ((سيدي الرئيس أرجوك أن لا تأمر بجلب عائلتي لتوديعي، ولا تجعلني أختلف في هذا الشأن مع منتسبي لوائي ضباطاً ومراتب، إلاّ إن كان بإستطاعتكم أن يكون أفراد عوائلهم جميعاً  في وداعهم... سيدي الرئيس شكراً على حسن ظنكم، وأعدكم أن أبقى على حسن ظنكم)).
ظلت عينا الرئيس "البكر" المغرورقتين بالدموع ناظرتين  نحو "عصمت" بإعجاب، فيما غاصت الكلمات في صدره من دون أن يكون بمقدوره إخراجها.
وقد علمتُ بعد فضّ الإجتماع من "عصمت" سبب تَفَرّد "صدام حسين" به في زاوية من  قاعة المؤتمر، أن زوّده ببطاقتين شخصيّتين تحتويان أرقام هواتف لا يَرفع أحد سواه سمّاعتها، وأن "عصمت" في "لبنان" أو أيّ من أفراد عائلته في "بغداد" أو "كركوك" مُخَوّلون طيلة نهار اليوم وليله أن يُهاتفوه وقتما يشاؤون إنْ إحتاجوا إلى أيّ شيء من عنده أو من سواه.

وداع في المطار

لم يَنْسَ "عصمت" أن يُسلّمني مظروفاً مُغْلَقاً يحتوي "وصيّة شخصيّة" مُعّنوَنَة إلى زوجته "السيدة لَمْعان/أُم عُمَر" وإلى طفليه "عُمَر، وعليّ" لأحتفظ به شخصياً ولا أوصله لهم إلاّ إذا تعرض لمكروه.
ووسط حماية مشدّدة حول ساحة وقوف الطائرات في "قاعدة صلاح الدين الجويّة" التي عمّ شبه حُظِرَ للتجوال جميع أنحائها إلاّ للمخوّلين، فقد أضحى المنظر درامياً حين صافح كبار قادة الحزب والدولة (540) ضابطاً وجندياً من الفوج المظلّيّ كانوا وقوفاً بالإستعداد قبل أن يتوجّهوا بنظام المسير ليستقرّ كل (60) ضابط وجنديّ يرتدون الملابس المدنية في متن الطائرة الواحدة، وكان آخرهم "عصمت" الذي تمركز في طائرة قائد "سرب المواصلات"، حتى أقلعت الطائرات التسع مع غروب الشمس.
لم يحضر القادة السياسيّون لتوديع الفوجين الآخرَين مُخَوِّلِين القادة العسكريين بذلك، ذلكما اللذين سيتكامَلان بموجودهما في "بنغازي" باليوم الخامس، حيث ستجري هناك إستحضارات لاحقة للتنقّل بحراً إلى سواحل "لبنان".

أسرار ستبقى طيّ الكتمان والنسيان  

بعد توديعنا لـ"عصمت" ووصوله بسلام إلى أرض "لبنان" فقد أمضى (11) شهراً هناك، لم يكن في غضونها يُهاتف زوجته "أم عُمَر" بأفضل الأحوال إلاّ بمعدّل مرة واحدة في كل أسبوع، وإياي وبعض الأصدقاء في كل شهر، وهو يوصينا بأهله وأولاده... ولكننا لم نعرف ماذا واجَهه في مصر وليبيا؟ وكيف ركب البحر، وبأيّ صفة إجتاز العوائق ودخل المياه الإقليميّة اللبنانيّة السائبة ونزل في ساحلها؟ وماذا عانى هناك وما عمل؟؟ وكيف قاد لواءه وقاتل به؟؟ ومع من تَواجَهَ؟؟ ومن كان في الميدان من أصدقاء وأعداء وخصوم وعُمَلاء وتجّار حروب؟؟ وكيف تعامل معهم؟؟ وكم عدد شهداء لوائه وجرحاه؟؟ وكيف تصرّف بهم؟؟ وماذا صرف من المال وكيف دبّرَ أموره؟؟ ومن أين أدام أسلحته وكيف حصل على العتاد، ومِمَّن؟؟ ... وعشرات أخرى من الأسئلة والإستفسارات  التي قدّمتُها لشخصه مكتوبةً بصحبة ذلك المغلف -الذي إحتوى وصيته الشخصية التي إحتفظت بها من دون أن أفتحها بالطبع- بين يديه كي أحتفظ بإجاباته بمثابة وثيقة تأريخيّة وسط ملفاتي الشخصيّة التي تعوّدتُ على إحتضانها في أماكن أمينة بمسكني، بل أن "عصمت صابر" لم يُجِبْني عليها حتى شِفاهاً على الرغم من تلك الصداقة الحميمة والثقة العالية التي كانت قائمة بيننا وأسراراً كبيرة تبادلناها منذ كنّا معاً برتبة "ملازم ثانٍ"، إذْ كان يحاول غلق هذا الموضوع مراراً ويترجاني بعدم العودة إليها كونه قد أقسم اليمين على الإحتفاظ بها سرّاً، وحتى خلال جلساتي الإنفرادية معه سواءً بعد عودته في هذه المرّة أو عند رجوعه سالماً للمرة الثانية من مهمّة مُشابهة بلبنان أيضاً عام (1978) إستغرقت (9) أشهر أخرى، بل وحتى بعد إنقضاء (10) سنوات على ذلك التأريخ خلال أسابيع عديدة قضيناها سويّةً ضمن وفدَين رسميّين إلى "الإتحاد السوفييتي و مصر" عام (1986)... إلاّ أنّ إبتسامة عريضة بانت على مُحَيّاه وقتما سألته عن سبب عدم تفتيش أفراد زورق البحريّة الإسرائيليّة لباخرة الشحن اليونانيّة التي أقلـتهم نحو "لبنان"، قبل أنْ يُجيب:-
((وهل تعتقد -يا صبحي- أنّ "إسرائيل" لم تكن على علم تام بكلّ تحرّكاتنا؟؟ ولكن اليهود كانوا مُسْتَأْنِسين بسكب الوقود على النار المُشتعِلة في لبنان مادام العرب يقاتلون بعضهم بعضاً، والصهاينة يتفرّجون عن بعد على بلد يحترق ويُدَمّر على أيدي أبنائه والجوار، ومن دون أنْ يخسروا هُم شيئاً... فهل هناك ما هو أفضل لإسرائيل من هذا الموقف الإستراتيجي؟؟)).
مُنِحَ "عصمت" ((شرف العضوية الكاملة)) بحزب البعث في مبنى "القيادة  القومية" ونوط شجاعة واحد، وعلى يد "ميشيل عفلق" بالذات فور عودته من مهمّته الأولى عام (1977)، ولكنه لم يتدرّج في رتبه العسكرية والمناصب إلاّ بشكل إعتياديّ، ووفقاً لإستحقاقاته السَويّة... فقد أُنيطت إليه قيادة "لواء قوات خاصة" وهو برتبة "عقيد ركن" قُبَيْلَ إندلاع الحرب مع "إيران" (1980) وأثناءها لعامين كاملين، ثم "لواء مشاة راجل" فـ"قائداً لقوات منطقة عكاشات"، قبل أن يُعَيّنَه "صدّام حسين" بمرسوم جمهوريّ برتبة "عميد ركن" مديراً/قائداً للقوات الخاصة العراقية (1984)، ويترَفّع إلى رتبة "لواء ركن"، ثم يتسنّم بمرسوم جمهوريّ ثانٍ قيادة فرقة المشاة/4 مُتأخّراً كثيراً عن البعض من زملائه، وقبل أن يصبح "رئيس أركان فيلق" أثناء غزو النظام العراقيّ للجارة "دولة الكويت"...


ولكن هذا الضابط ((الأفضل والأشطر والأشجع والأشهم)) بين جميع ضباط القوات الخاصة العراقية -حسب وصف الرئيس "البكر" في حينه- فإن "صدّام حسين" سـ((يُعدِمُهُ)) وسط قصره الجمهوري من دون محاكمة بعد إنقضاء شهرين على الهزيمة في "الكويت" وإلى جانبه العديد من قادة القوات الخاصّة، وذلك في أحد أيام شهر"رمضان المبارك"الذي وافق(نيسان/آبريل1991) بُعَيْدَ إحساسه بإستقرار الحكم لصالحه وإطمئنانه على بقاء نظامه في "بغداد"، وفي ظلّ ظروف مُبْهَمة وأسباب ما زالت غامضة، ليست على أصدقائه وأقربائه فحسب، بل حتى لزوجته وأولاده من بعده.
وسأعرف قبل ذلك عن طريق "عصمت" وأصدقاء من ضبّاط الإستخبارات العسكريّة والمخابرات العامّة، وأثناء خدمتي في وزارة الدفاع ومواقع أخرى ومن خلال إيفاداتي لدول عديدة لاحقاً، أنّ "القيادة القومية للحزب" قد بعثت - فضلاًعن المساعدات التسليحيّة والمادّية والعَينيّة- قوات خاصّة عراقيّة ومتطوّعين بعثيّين أقلّ عدداً من الذي أُرسِل للبنان، وذلك إلى كلّ من "آريتريا، موريتانيا، الصومال، وصحراء أوغادين"، ولكني سوف لا أطّلع على أيّ من تفاصيلها كونها جرت تحت إشراف مباشر لجهاز المخابرات العامّة أو الإستخبارات العسكريّة، والتي -بطبيعة الحال- لم أعمل فيهما يوماً واحداً... في حين قد أروي للقارئ الكريم ما كُلِّفْتُ به عام (1987) من مهمّة خاصّة وسرّية للغاية في "جمهورية تشاد" بأواسط أفريقيا في نزاعها مع الجمهورية العربيّة الليبيّة.
ولا أنسى بتاتاً، لمّا شاركتُ إخوتي في إيداع رفاة والدتي إلى تلك الحفرة المُهَيَّأة لأجلها في "مقبرة المُصَلّى" بمدينة "كركوك" مساء يوم (2/أيلول/1997) حيث هَمَسَ زوج أختي "د.أميرعسكر قاسم" في أذني:-((لقد ذهَبَت الوالدة إلى دار حقّها وهي تحمل أسرار (76) سنة)).... وهي عبارة ما تزال ترنّ في دماغي كلّما يُتَوَفّى لي صديق أو قريب من مستوى نسبي من "عصمت"، مُتسائلاً مع ذاتي إنْ كانت تلك المرأة الأمّية البسيطة التي لم تتعلّم القراءة والكتابة، ولم تعرف من السياسة والتأريخ شيئاً، ولم تُغادر العراق يوماً، قد دُفِنَتْ مُصطَحِبةً معها أسرارها، فكيف حال من درس وتدرّج وإطّلع وسافر وخاض المئات من تجارب الحياة الخطيرة؟؟!!... وما أزعمه ينطبق على "عصمت"  أعظم من سواه من بين أصدقائي الذين فَقَدّتهُم في حياتي، فقد باتت تلك الأسرار الخطيرة طيّ الكتمان، وسيؤول إلى النسيان، وخصوصاً أن "صدام حسين" ونظامه قد إنتهيا بذلك الغزو العنيف والإحتلال التراجيديّ الذي تبعته مآسٍ وسُيُول يومية من الدماء، لم يشهده شعب أو بلد طوال التأريخ، ولغاية اليوم الذي أُسَطّر هذه الجمل


اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Subhi.Ndm.4

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قحطان السامرائي

عريف أول
عريف أول




اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالثلاثاء مايو 31 2016, 15:30

االلهم ارحم شهداء الجيش العراقي برحمتك الواسعه سواءا منهم من استشهد في مسارح العمليات والتدريب أو الذين تم اعدامهم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

emas alsamarai

رقيب
رقيب

emas alsamarai


الموقع : EU

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر    اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر  Icon_minitimeالثلاثاء مايو 31 2016, 16:46

حروب عبثيه + إهدار عام للثروات الوطنية + قرارات كارثيه + إعدامات تعسفيه = بطل قومي يتباكى عليه الجهلاء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

اللواء الركن قوات خاصه عصمت صابر عمر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» اللواء الركن قوات خاصه بارق الحاج حنطه
» استشهاد اللواء الركن عبد الرحمن بن سعد الشهراني امر اللواء 18 في الجيش السعودي
» ذكريات اللواء الركن الطيار سمير عزيز ميخائيل عن حرب اكتوبر 1973
» شهاده الناطق العسكري باسم الجيش العراقي عام 2003 اللواء الركن حازم الراوي
» كيف سقطت الموصل بيد داعش ؟ اعترافات اللواء الركن عبد الرحمن ابو رغيف نائب قائد عمليات نينوى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العسكري العربي :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: شخصيات تاريخية-