في 21 أيلول/سبتمبر، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو على خلفية التطورات الرئيسية في الحرب الدائرة في سوريا. وبينما تشير واشنطن إلى أنها لا تزال لا تخطط لعب دور رئيسي في الصراع، إلا أن الكرملين يزيد من تكثيف دعمه المباشر لنظام الأسد. وفي أعقاب ورود تقارير مفادها أن موسكو قد نشرت أفراداً وعربات مدرعة وأسلحة، وأربعة طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي 27" في المحافظات الساحلية السورية على البحر المتوسط ، روّج مكتب نتنياهو على ضرورة الحؤول دون الانخراط في اشتباك مع القوات الروسية.
وبالإضافة إلى موظفي الأمن القومي الذين يعملون مع نتنياهو والذين يشاركون بانتظام في مثل هذه الرحلات، رافق رئيس الوزراء الإسرائيلي، كل من رئيس أركان "جيش الدفاع الإسرائيلي" الجنرال غادي آيزنكوت، ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية اللواء هرتسي هاليفي - وهي خطوة غير عادية للغاية. وقد يكون هناك مسؤولون آخرون من وزارة الدفاع ربما سافروا معهم أيضاً، على الرغم من أنه لا يتعيّن بالضرورة نشر أسمائهم بسبب الحساسيات السياسية أو الدبلوماسية.
ومن الواضح أن نتنياهو يريد التأكد من أن موسكو ستحترم الخط الأحمر لإسرائيل، وعلى وجه التحديد: تزويد «حزب الله» بأسلحة استراتيجية. ويشمل ذلك نقل مخاوفه من أن الأسلحة الروسية التي أُرسلت لدعم نظام الأسد قد ينتهي بها المآل في يد هذه الجماعة الإرهابية، كما حدث في الماضي. على سبيل المثال، استحوذ «حزب الله» واستخدم صواريخ روسية مضادة للدبابات من طراز "كورنيت" في الحرب مع إسرائيل عام 2006. ومنذ ذلك الحين، ضربت إسرائيل في عدة مناسبات قوافل كانت تحاول نقل أسلحة استراتيجية من سوريا إلى لبنان، كما تريد ضمان عدم انخراط الطائرات الروسية في اشتباك مع الطائرات الإسرائيلية إذا احتاجت هذه الأخيرة ضرب قوافل «حزب الله» مرة أخرى. وبعد محادثات دامت ساعتين ونصف الساعة مع بوتين، قال نتنياهو إنه راضٍ من أن روسيا تريد أيضاً الحؤول دون الانخراط في اشتباك وتجنب "سوء الفهم" و "الإشتباكات".
وتأتي هذه الزيارة في أعقاب محادثة هاتفية أجراها وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر مع نظيره الروسي سيرجي شويجو في 18 أيلول/سبتمبر، ناقش خلالها أيضاً "آليات للحؤول دون الانخراط في اشتباك" في سوريا، وفقاً لما ذكره المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية. وبعد لقائه مع بوتين قال نتنياهو للصحفيين أنه أطلع واشنطن عن خططه قبل قيامه بهذه الزيارة. وعلى الرغم من علاقته التي يعروها الجمود مع الرئيس أوباما، أصر نتنياهو على أن علاقات إسرائيل والولايات المتحدة ذات "أهمية قصوى". وقد جاء التصريح على ما يبدو لمنع الناس من تفسير رحلته إلى موسكو على أنها تحل - بطريقة أو بأخرى - محل علاقة إسرائيل الخاصة مع الولايات المتحدة.
ومؤخراً قال مستشار نتنياهو لشؤون الأمن القومي يوسي كوهين، لراديو إسرائيل أن رئيس الوزراء أراد أن يسمع مباشرة من بوتين حول نوايا روسيا. وفيما يتخطى دعم نظام الأسد، يفترض مسؤولون إسرائيليون أن موسكو تريد توسيع نفوذها في سوريا والشرق الأوسط الأوسع وسط تردد الولايات المتحدة في تأكيد تواجدها. ويريد هؤلاء أيضاً أن يفهموا كيف تخطط روسيا التعامل مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في سوريا، وكيف ترى موسكو علاقتها مع إيران في أعقاب الإتفاق النووي. وبالتالي، من المرجح أنهم استفسروا عن النفوذ الروسي فيما يتعلق بنشر أفراد من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وقوات «حزب الله» في الآونة الأخيرة، في شمال القنيطرة على الجزء السوري من هضبة الجولان. وبعد الاجتماع، قال نتنياهو للصحفيين أن إسرائيل "لن تتسامح مع التسلح الذي تقوده إيران ضدنا" في جنوب سوريا، وأعرب عن ارتياحه من أن بوتين قد وافق على هذه النتيجة. وتحرص إسرائيل على منع عدم الاستقرار من الامتداد إلى حدودها الشمالية. ومن المفارقات أنه عندما كان نظام الأسد قوياً، أبقى حدود الجولان هادئة لكنه سمح لحدود لبنان مع إسرائيل أن تزداد التهاباً عن طريق الضربات التي كان يقوم بها «حزب الله». والآن حيث أصبح «حزب الله» قوياً ودمشق ضعيفة، يبدو أن الديناميكية العكسية هي العامل الفاعل.
وعموماً، اتّبعت إسرائيل سياسة النفور من المخاطر لتجنب تعميق انخراطها في الحرب. وكانت الاستثناءات دفاعية في طبيعتها - واستخدم "جيش الدفاع الإسرائيلي" القوة، فقط ضد العناصر المسلحة التي تُطلق النار على إسرائيل، وضد قوافل الأسلحة التابعة لـ «حزب الله» كما هو موضح أعلاه. وكانت إسرائيل أيضاً حريصة على تجنب تحوّل بعض الفصائل على الحدود السورية إلى جماعات عدائية، إلى درجة أنها عرضت عليها استخدام مرافق إحدى المستشفيات الميدانية.
وفيما يتخطّى الديناميات الأخيرة في سوريا، وعلى الرغم من الخلافات الحادة بشأن ايران، يتمتّع بوتين ونتنياهو بعلاقات جيدة. على سبيل المثال، امتنعت إسرائيل عن التصويت في الأمم المتحدة بشأن أزمة أوكرانيا من أجل تجنب إغضاب موسكو. وعلى الرغم من عداوتهما وخصومتهما الأساسية وانعدام علاقات دبلوماسية ثنائية في الفترة بين عام 1967 وبداية التسعينيات، تجنب البلدان القتال ضد بعضهما البعض بشكل مباشر منذ ذروة الحرب الباردة في 1969-1970، عندما كان السوفيات ينظرون إلى مصر كوكيلتهم وانخرطوا في الأعمال العدائية على طول قناة السويس.
وفي حين كانت سوريا محور اجتماع موسكو، إلا أن نتنياهو وبوتين ربما تشاوروا أيضاً حول القضية الفلسطينية في ضوء الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي السنوات الماضية، استخدمت السلطة الفلسطينية هذه الدورات للضغط في سعيها لإقامة دولة فلسطينية، كما أن الرئيس محمود عباس وعد بطرح مفاجأة خلال خطابه المقرر أمام الجمعية العامة في 26 أيلول/سبتمبر. (وتجدر الإشارة إلى أن عباس سيكون في موسكو يوم الأربعاء للمشاركة في حفل افتتاح مسجد كبير جديد.) وكان نتنياهو قد زار لندن مؤخراً أيضاً، حيث أشار إلى رغبته في التشاور مع مختلف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي في خطوة تسبق انعقاد دورة الجمعية العامة، التي من المقرر أن يلقي أمامها كلمته في 29 أيلول/سبتمبر. ومع ذلك فمن الواضح أن سوريا كانت الموضوع الرئيسي الذي تخللته زيارته لموسكو .
--------
الكاتب : ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن