تحت غطاء من السرية القصوى، جرى في الاتحاد السوفيتي تصنيع "مَنَاجِذ حربية" (مناجذ: جمع خُلد من غير لفظه)، قادرة على تدمير مرافق العدو ووسائل اتصالاته المخفية تحت الأرض. والقضاء على مواقع القيادة المحصنة جيداً على أعماق كبيرة وتدميرعتاده المخفي داخل الطبقات الصخرية. أضف إلى ذلك، قدرتها على التسلل إلى عمق العدو واختراق خطوطه الخلفية بالمعنى الحرفي للكلمة، والخروج من باطن الأرض لإنزال القوات في مكان لا يمكن لأحد أن يتوقعه.
كادت هذه "الغواصات الأرضية" أن تكون سلاحاً خارقاً في بداية القرن العشرين. ويعدّ المهندس السوفياتي بيوتر راسكازوف من موسكو، أول من عمل على مشروع بناء جهاز ذاتي الحركة للعمل تحت الأرض في عام 1904. ولكن مسودات رسومه اختفت في بداية الحرب العالمية الأولى، لتعود وتظهر فيما بعد في ألمانيا.
في الاتحاد السوفيتي،عادوا إلى هذه الفكرة من جديد في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. وكان المهندس تريبيليوف هو من اشتغل على تصميم "الخلد المقاتل". فقد أراد تريبيلوف تصميم آلة تحاكي تماماً الخُلْد الحقيقي. حتى أنه تمكن من تصميم نموذج تجريبي وقام باختباره. ولكن المشروع لم يمضِ أبعد من ذلك.
أحيط مشروع "الخلد المقاتل" بستار من الكتمان فاق حتى المشروع الذري السوفيتي. فكانت المعلومات حوله تقريبية للغاية. وعرف عن خروشوف أنه دعم هذا المشروع بحماس كبير. ويذكر على وجه الخصوص، أنه تم في عهده بناء مصنع سري في أوكرانيا لتصنيع هذه "الغواصات الأرضية".
في عام 1964 تم إنتاج أول "سوبتيرِّينا (سفينة تحت الأرض Subterrina) سوفيتية بمفاعل نووي، والتي سميت "بويفوي كروت" (الخُلْد المقاتل). ولكن المعلومات حولها كانت شحيحة. ومن بينها أن الـ "سوبتيرينا" الذرية كان لها هيكل متين من التيتانيوم أسطواني الشكل مع مقدمة مدببة بمحفار فائق القوة.
ووفقاً لمصادرمختلفة، فقد تراوح قطرها من 3 إلى 4 أمتار، وطولها، ما بين 25 إلى 35 مترا. وقدرت سرعة حركتها تحت الأرض بين 7 إلى 15 كم/ساعة. وتشير بعض المعطيات إلى أن الأكاديمي الشهير أندريه ساخاروف ساهم أيضاً في صناعة هذه الآلة.
وتم ابتكار تقنية فريدة من نوعها لتفتيت التربة، ونظام للحركة. وتمكن المصممون من خلق تيار تفريغي (يستند إلى ظاهرة التكهف Cavitation) حول هيكل "الخُلد" لتقليص قوة الاحتكاك، مما سمح له باختراق حتى أقسى الطبقات الصخرية مثل الغرانيت والبازلت.
كان طاقم "الخلد المقاتل" مؤلفاً من خمسة أشخاص. باﻹضافة إلى ذلك، كان باستطاعته نقل حتى 15 مقاتلاً من قوات التدخل السريع على متنه، وحوالي طن من الأسلحة أو المتفجرات. وأنيط بهذه الآليات الحربية مهمة تدمير التحصينات والملاجئ تحت الأرض، ومراكز القيادة ومنصات إطلاق الصواريخ المتمركزة في صوامعها تحت الأرض.
من جانب آخر، أُعدت "المناجذ الحربية" لتنفيذ مهمة خاصة .فوفقاً لخطة القيادة العسكرية السوفيتية في حال احتدام العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن استخدام "سوبتيرينا" لتوجيه ضربات ضد الولايات المتحدة الأمريكية من تحت الأرض.
وكان من المخطط أن تنقل"المناجذ الحربية" بواسطة الغواصات السوفياتية إلى المياه الساحلية لكاليفورنيا غير المستقرة جيولوجياً. لتشق طريقها في باطن أراضي الولايات المتحدة الأمريكية لزرع عبوات نووية تحت المناطق التي تقع فيها المواقع الاستراتيجية الأمريكية. وكان تفجير هذه الألغام النووية سيؤدي لحدوث أقوى الزلزال وأمواج تسونامي، والتي كان من الممكن أن تعزى إلى كارثة طبيعية عادية.
تفيد بعض المعطيات أن اختبارات الـ "سوبتيرينا" الذرية السوفيتية جرت في أصناف مختلفة من التربة في ضواحي موسكو، ومنطقة روستوف وفي الأورال. أكثر ما أدهش الشهود هو القدرات التي أظهرتها هذه الآليات في جبال الأورال. فقد شق "الخلد المقاتل" طريقه بسهولة في التربة الصخرية القاسية ودمر هدفاً تحت الأرض.
ولكن أثناء الاختبارات التالية، حلت كارثة مريعة عندما انفجرت الآلة في باطن الأرض في الأورال لسبب غير معروف وقتل أفراد الطاقم جميعهم. بعد هذا الحادث المروع بقليل، تم إغلاق المشروع.