هذه المرة يبدو حقيقيا اكثر من أي وقت مضى. فالتلميحات التي تأتي من مسؤولي الادارة الأمريكية هي أن بولارد سيتحرر، اخيرا، مع حلول شهر تشرين الثاني، بعد أن يتمم ثلاثين سنة من المؤبد الذي حكم به.
للجنة الافراجات في مصلحة السجون الأمريكية الصلاحيات لتحديد عقوبة السجن. ويمكن للرئيس براك اوباما أن يلمح بان هذه الخطوة كفيلة بان تحسن العلاقات مع اسرائيل على خلفية التوتر بسبب الاتفاق النووي والعلاقات العكرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كما يمكن لمثل هذه الخطوة أن تؤثر، وان كانت بالهوامش فقط، على بعض اعضاء الكونغرس من مؤيدي اسرائيل، المعادين للرئيس بسبب الاتفاق مع إيران.
بولارد ابن الستين هو ضحية. ضحية جهاز الاستخبارات الاسرائيلي ـ الموساد وأمان ـ ممن استخدموه ولكن استمتعوا بنتائج المعلومات التي نقلها وكانوا يعرفون بالتأكيد بان مصدرها جاسوس في أمريكا. وهو ضحية القيادة السياسية (شمير، بيرس، آرنس ورابين) الذين عرفوا عن اعمال التجسس على الاراضي الأمريكية وصادقوا على استخدامه.
لم يكن بولارد الجاسوس الوحد الذي استخدمته اسرائيل على ارض الولايات المتحدة، وعليه فحتى عندما عرض خدماته على ضابط سلاح الجو افيعام سيلع، الذي نقله لمسؤولية رافي ايتان، رئيس مكتب علاقات المعلومات في حينه، وحدة التجسس السرية في وزارة الدفاع، لم يظهر هذا كعمل شاذ. لقد كان التجسس في الولايات المتحدة نمط عمل استمر سنوات طويلة من قبل. اسرائيل، من شدة وقاحتها، غرست المرة تلو الاخرى سكينا في ظهر محسنتها وشريكتها الاستراتيجية. ولحظها الشديد لم تمسك حتى ذلك الحين بهذا الشكل الفظ والعلني رغم أنه سبقت بولارد وسجلت بعده ايضا بعض الاحداث التي اشتبه فيها باسرائيليين، كمنظمة ملتشن او ضباط في الجيش الاسرائيلي بشكل عام وفي سلاح الجو بشكل خاص، أو امسك بهم في محاولات تهريب العتاد، التكنولوجيا والبرامج السرية للغاية، التي رفضت الولايات المتحدة بيعها لاسرائيل.
كما أن بولارد هو ضحية وكالات الاستخبارات، ولا سيما الـ اف.بي.آي والاسطول ووزارة العدل الأمريكية ممن انتقموا من بولارد ومن اسرائيل وسعوا إلى نقل رسالة واضحة لاجل الردع. كما أنه ضحية رئيسين على الاقل ـ بيل كلينتون وجورج بوش ـ اللذين كانا مستعدين لمنحه العفو الذي كان سيحرره، ولكن ما ان واجهوا الدوائر آنفة الذكر حتى امتنعوا عن الصدام بها.
ولكن بولارد هو اولا وقبل كل شيء ضحية نفسه. صحيح أنه كان صهيونيا أحب اسرائيل ولكنه كان ايضا «مريض استخبارات»، سعى في صباه لان يتجند للموساد وبعد ذلك لـ السي.آي.ايه ورفض، إلى ان قبل في استخبارات الاسطول الأمريكي. وكان ضحية طمعه وطمع زوجته الاولى آن هندرسون بولارد، شريكته في المؤامرة. الزوجان، اللذان تعاطيا المخدرات بين الحين والاخر، احبا حياة الترف. وبعد أن جندا واستخدما من مكتب المعلومات الاسرائيلي حاولا او فكرا ببيع المادة التي حصلا عليها لدول اخرى مثل تايوان، جنوب افريقيا والباكستان.
لقد كان استخدامه بالطبع خطأ. كان محظورا على اسرائيل أن تتجسس على الارض الأمريكية. كان محظورا استخدام يهودي ـ العمل الذي أثار مسألة «الولاء المزدوج» ليهود الولايات المتحدة ـ وكان محظورا استخدام جاسوس في وحدة استخبارات أمريكية.
لم يكن الاستخدام مهنيا، وشهد على وقاحة وغرور اسرائيل في أن بولارد لن يمسك. ورغم كل ذلك، كان يمكن لبولارد ان ينجو بنفسه. فقد أعد له رافي ايتان مخرجا للهرب. وكانت لبولارد نافذة فرص من 24 ساعة، دعي فيها للتحقيق وافرج عنه، دون ان تفرض عليه ملاحقة. وحسب الخطة، كان عليه ان يصعد إلى باص وان يجتاز الحدود إلى كندا، ولكنه تلبث لانه ترك في بيته حقيبة مليئة بالوثائق أراد ان يتخلص منها. وعندما اخضع للرقابة وشعر بها فر إلى السفارة الاسرائيلية. امر ايتان ضابط الامن بطرده من نطاق المبنى، وعن حق. هكذا كان سيتصرف كل رجل استخبارات. يوجد في هذا العالم الوحشي ما يسمى «مجال النفي».
ومع أنه استقال كمن تحمل المسؤولية عن الفشل، فان ايتان، الذي يبلغ من العمر تسعين سنة الان، لم يعاقب لانه عمل بإذن وبصلاحية. ومنذئذ استخلصت العبر واسرائيل، بقدر ما يمكن لنا أن نعرف، لا تتجسس على ارض الولايات المتحدة.
ينبغي فقط الامل بان خللا يقع في اللحظة الاخيرة او تغييرا في الموقف لن يمنع تحريره، وجونتان بولارد سيعود إلى المكان الذي يرى فيه بيته. نأمل ان يطول عمره لسنوات طويلة فينال بعض الراحة والسعادة في حياته البائسة.
---------
الكاتب : يوسي ميلمان