في الوقت الذي تعهد فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بطمأنة المتشككين في المنطقة بشأن الاتفاق النووي مع إيران، يقول مسؤولون أمريكيون أن الضمانات الأمنية ستكون إجرائية في المقام الأول، علاوة على أن الهدف منها هو تعزيز قدرات الدفاع عن النفس وليس من المرجح أن تُزيد القدرات الهجومية بشكل كبير لإسرائيل أو دول الخليج العربي.
وأكد المسؤولون أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر إلى المنطقة هذا الأسبوع، إلى جانب الزيارات التالية التي سيقوم بها أعضاء آخرون رفيعو المستوى في الإدارة، سيكون من شأنها التأكيد بطرق عدة على أن واشنطن قدمت، وتقدم، وستواصل تقديم ما يلزم للدفاع عن النفس لحلفائها في المنطقة.
ويعد إرسال 40،000 جندي إلى المنطقة، فضلاً عن مليارات الدولارات على هيئة مواد ومخزونات حربية أمريكية مسبقة الدفع، إضافة إلى المناورات المشتركة والمتعددة الجنسيات العديدة المخطط لها أن تجري في الأسابيع والأشهر القادمة، هو لب ما تعهد به الرئيس أوباما، وهو ما أكد عليه مجددًا في الخامس عشر من يوليو خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أن ذلك “لتعزيز شراكاتنا الأمنية مع حلفائنا بحيث يشعرون أنه من الممكن التصدي لأي تهديدات محتملة، بما في ذلك التهديد القادم من إيران”.
بالإضافة إلى ذلك، قال مصدر في وزارة الخارجية أن “عدة مئات من الأشخاص في العديد من الجهات الحكومية”، بما في ذلك وزارة الدفاع، ووزارة المالية، إلى جانب المختبرات الوطنية، سيعملون بالتوازي مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للكشف عن أي محاولات محتملة من قبل إيران للالتفاف على الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني الموقعة في 14 يوليو في فيينا.
ولكن إلى جانب سعي كارتر وآخرين إلى تبديد المخاوف بشأن تصاعد محتمل لإيران، يقول المسؤولون أنهم سيسعون أيضًا إلى تقليل أية توقعات بشأن التوصل إلى مبادرات كبرى جديدة أو الحصول على تعويضات كبيرة- بالنسبة للحالة الإسرائيلية- قد تنشأ عن الاتفاق بين إيران والقوى العالمية.
وأضاف أحد المسؤولين في الإدارة قائلاً، “يبدو أن هناك بعض الخلط بين قضية التوصل لاتفاق نووي مع إيران والتوقعات المتعلقة بإصلاح كل ما تقوم به إيران من أعمال سيئة لا نرغبها نحن ولا شركاؤنا. فمن الواضح أن مثل هذه الأمور ستظل موضوعًا رئيسيًا للحوار، ولكن لن تكون هناك حقيبة جوائز مليئة بالمعدات العسكرية كنتيجة للتوصل لهذا الاتفاق”.
كما أشار في مقابلة له في السادس عشر من يوليو، إلى أن الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني عملت على تخفيف ما كانت تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا.
واستطرد قائلاً، “جميع المخاوف الأمنية لإسرائيل وشركائنا الآخرين كانت حاضرة باستمرار في عملية انخرط فيها أفضل رجالنا يعملون لمدة تزيد عن 18 شهر؛ إلى جانب اثنين من وزراء الحكومة كانوا يعملون لأسابيع في غرف مغلقة.
ولذلك، فإن ما سيلي ذلك من ضمانات لن يعني بالضرورة تقديم المزيد من القدرات الهجومية”.
وبدلاً من ذلك، فقد أشار هو وآخرون إلى بروتوكولات مشتركة للقيادة والسيطرة غير حركية، ولكنها من الناحية العملياتية آليات هامة جدًا لبيانات الإنذار المبكر المتبادلة، إلى جانب تعزيز التعاون من أجل زيادة نظم الدفاع الصاروخية والإلكترونية.
وفي هذا الصدد، قال أحد ضباط البنتاجون الأسبوع الماضي، “إننا نبني على أساس الدعم المشترك بين الوكالات لضمان أن كل ما ينبغي علينا فعله لدعم شركائنا في حال وقوع أي مواجهة عسكرية كبرى سوف يتم”.
أما بالنسبة للقدرات الجديدة، مثل تزويد الطائرات الإسرائيلية المقاتلة F-15 بمجموعة رادارات ذات المسح الإلكتروني النشط (AESA)، بالإضافة إلى تزويد المملكة العربية السعودية بعشر مروحيات من طراز SH-60 Seahawk، أكد الضابط أن البنتاجون كان يسعى “إلى شحذ قدارتنا للاستجابة إلى طلباتهم الخاصة بشراء تلك القدرات على نحو معقول”.
ذلك في حين قال تيودور كاراسيك، وهو محلل جيوسياسي وعسكري مقيم في الإمارات، أن أنظمة الدفاع الصاروخية ستظل هي محور الجهود التي تقوم بها واشنطن من اجل تعزيز قدرة دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الحصول على شبكة دفاعية متكاملة.
وأضاف قائلاً، “سوف تستمر مبيعات قطع غيار THAAD إلى جانب أنظمة PAC 3 المعدلة. وهذا هو ما تعهدت به إدارة أوباما لدول مجلس التعاون الخليجي”.
وعلى صعيدٍ موازٍ، تدير الإدارة بتكليف من الكونجرس برامج متعددة للحفاظ إلى حد كبير على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل من خلال حزمة مساعدات متتابعة لمدة 10 سنوات تقدمها الإدارة بمجرد انتهاء العمل باتفاقية التمويل العسكري الخارجي التي تقدر قيمتها بـ30 مليار دولار في عام 2018.
هذا وقد أفادت عدة مصادر أن روز جوتمولر، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي، ترأست منتدى ثنائي مع إسرائيل في وقت سابق من هذا الصيف، في حين ستنعقد دورات المتابعة بصفة شهرية تقريبًا.
ومن ناحية أخرى، قال بعض الضباط، في البنتاجون، أن التخطيط الثنائي يركز، بناءًا على طلب إسرائيل، على تقوية الجوانب الكمية الخاص بالتفوق الإسرائيلي لضمان ألا تضعف مع مرور الزمن، وذلك بالتوازي مع سعي واشنطن لتعزيز قدرات دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال أحد الضباط، “عندما ننظر في جميع أنحاء المنطقة، ونشرع في بناء القدرات الدفاعية للدول المتجاورة، ندرك أن الكم له تأثير نوعي يمكن أن يتضائل بمرو الوقت. ومن ثم، فإننا نعمل مع الإسرائيليين من أجل منع مثل هذا التضاؤل الذي قد يحدث لتفوقهم العسكري النوعي والكمي”.
وردًا على سؤال حول الإشارات المتكررة من رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو إلى وجود مصالح مشتركة بين بلاده والدول السنية الكبرى في مجلس التعاون الخليجي، قال خبراء أمريكيون أن الخلافات السياسية بين شركاء الولايات المتحدة في المنطقة- خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في المقام الأول- تلقي بظلالها على ذلك القلق المشترك إزاء تصاعد قوة إيران.
إضافة إلى ذلك، حتى الطريقة التي ردت بها إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي على اتفاقية مجموعة الـ5+1، إلى جانب تهديد إسرائيل الحاد في معارضتها لهذه الاتفاقية مقارنة بالأسلوب الأكثر ذكاءًا الذي اتبعته الدول المجاورة بشكل مباشر لإيران، قد أظهرت وجود فجوات كبيرة في تلك الشراكة الضمنية على ما يبدو لتكون بمثابة ثقل موازن للتهديد الإيراني.
وجدير بالذكر أن دور مجلس التعاون الخليجي هنأت رسميًا إيران بشأن التوصل للاتفاق النووي، داعيةً إلى الأمن والازدهار في المنطقة. كما ذكر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أعربوا عن أملهم في أن تعمل الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني على الحد من المخاوف إزاء برنامج إيران النووي، فضلاً عن تجنب الانخراط في سباق التسلح النووي.
وعلى النقيض من ذلك، هاجم نتنياهو وزعماء المعارضة في الكنيست الإسرائيلي الاتفاقية نظرًا للاستفادة الاقتصادية والسياسية التي من شأنها تعزيز أنشطة إيران لزعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب في المنطقة.
وقال أحد ضباط البنتاجون، “من الناحية النظرية، لا يزال هناك الكثير من القضايا التي يتعين علينا حلها قبل أن نبدأ في التفكير في التعاون مع جميع شركائنا في المنطقة في وقت واحد، وعلى مسار واحد”.
“ربما هم يتحدثون بالفعل أو ينسقون بهدوء. فأنا لا أعرف بالتحديد. ولكن بالنسبة لنا، فعندما ندمج جميع مساراتنا المتوازية، ونبدأ في التفكير في بناء علاقات متعددة الأطراف مع إسرائيل وشركائنا الخليجيين، سيكون لدينا حينئذ لحظة شراكة حقيقية في الشرق الأوسط”.
وفي سياق متصل، قال جمال عبد الله، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات ومقره الدوحة، أنه باستثناء ذلك، سيكون على قادة الخليج تحقيق التوازن بين مخاوفهم إزاء إيران من ناحية ومصلحتهم في الحفاظ على الولايات المتحدة- اللاعب الرئيسي لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة- كحليف من ناحية أخرى.
وقال عبد الله في مقالة له كتبها لإحدى الصحف في التاسع والعشرين من يونيو، “ومع ذلك، بدأت دول مثل المملكة العربية السعودية في التفكير في البدائل على أرض الواقع؛ حيث وجدت المملكة العربية السعودية مسارًا ثالثًا ممكنًا من خلال إقامة علاقات مع روسيا وفرنسا، إلى جانب الدول التي يمكن أن تساعد السعودية في الحد من الضرر الناتج عن اتفاق نووي كهذا”.
وأضاف قائلاً، “كما تثبت الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لروسيا، فضلاً عن توقيعه على العديد من الاتفاقيات التجارية والعسكرية التي تضمنت بناء 16 مفاعل نووي سلمي في المملكة العربية السعودية، أن القيادة السعودية الجديدة تسعى لتنويع التحالفات والاستراتيجيات السياسية”.
واستطرد قائلاً، “يشير مثل هذا النهج في السياسة الدولية إلى أنه يتم استثمار المملكة العربية السعودية بقوة في حماية مصالحها والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، حتى على الرغم من استمرار العلاقة التي لا غنى عنها مع الولايات المتحدة”.
وردًا على سؤال له في الخامس عشر من يوليو حول خطط الولايات المتحدة لتقليل مخاوف شركائها الإقليميين إزاء إيران، أشار المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية جون كيربي إلى زيارة كارتر المرتقبة إلى إسرائيل والخليج، والتي تأتي بهدف التأكيد على التزامات الولايات المتحدة المستمرة.
وقال كيربي، “لدينا آليات داخل الحكومة الأمريكية لمعالجة هذه المخاوف، سواء كانت عقوبات أو أي طرق أخرى يمكننا اتباعها لمحاولة التعامل مع هذا، لتشمل تواجد عسكري أمريكي ثابت ومستمر في المنطقة، التواجد الذي لن يزول”.
وأردف قائلاً، “يعد استمرار تعهد الولايات المتحدة بالتزاماتها الأمنية لحلفائنا وشركائنا في المنطقة واحدة ضمن رسائل عدة سيحملها معه الوزير كارتر”.