تزخر صفحات التاريخ العسكري بالعديد من الحكايات والقصص عن بدايات التسليح والتصنيع العسكري وما ضخته آلة التصنيع الحربي من أسلحة ومعدات وعتاد ساهمت وشاركت في الحروب التي شهدها العالم، وكان لها كبير الأثر في ترجيح كفة المعارك بالنصر لطرف دون آخر.
كانت الدبابات منذ ظهورها في عام 1916 مسيطرة على ساحة المعركة في الصحراء، وكان المشاة عاجزين عن تنفيذ أي عملية دون مساندة المدرعات، وبدا أن ميزان القوة بين قوات الحلفاء وقوات المحور سيميل نحو الذي يملك أكبر عدد من الدبابات، كما أن المحافظة على تلك الدبابات في ساحة المعركة كانت مسألة مهمة، وكانت تلك الدبابات بحاجة دائمة إلى العناية والصيانة. وكانت الدفاعات المضادة للدبابات تنحصر في البداية في مجموعة صغيرة من الأفراد تلحق بالبنية الأساسية لقوات المشاة لدعمها حسب الحاجة، وكانت الأسلحة المستخدمة تقوم أساساً على المقذوفات التي تطلقها المدافع، على أن تتوافر لهذه المقذوفات سرعة عالية داخل الماسورة لتساعدها على اختراق الدرع لينفجر المقذوف داخل جسم الدبابة، فيصيب من بداخلها من أفراد ومعدات وذخائر.
اعتمدت قوة المقذوف في اختراق الدروع على سرعته داخل الماسورة وعلى العيار، وعلى المدى الفاصل بين المدفع والدبابة الهدف، ثم على الزاوية التي يقابل بها المقذوف جسم الدبابة، واستوجب هذا أن تكون مواسير المدافع المضادة للدبابات بطول كاف لإعطاء المقذوف الفرصة الكافية لزيادة سرعته داخلها.
وقد تمحورت المدافع المضادة للدروع حول العيار 37 مم، وكان متوسط وزن القذيفة 1.5 كجم، وسرعتها حوالي 700 متراً في الثانية.
وخلال الفترة 1935- 1945، تضاعفت سماكة ألواح حماية الدبابات بشكل كبير، لتبلغ في نهاية الحرب العالمية الثانية 120 مم في الأماكن الأكثر تعرضاً من الدبابة، كما كان الأمر في الدبابة Tiger الألمانية، وJSIII السوفيتية، وM26 الأمريكية، وMK VII البريطانية، وأدى ذلك إلى سباق في اعتماد عيارات جديدة أكبر للمدافع المضادة للدروع، بحيث وصلت عيارات هذه المدافع إلى 100 مم، كالمدفع السوفييتي M-44، وكذلك ازدادت سرعة انطلاق القذيفة لتصل إلى 1000 متر في الثانية.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الفرق التي تطارد الدبابات مدربة على الاقتراب من دبابات العدو، وشل حركتها وتحييدها، وكانوا يصعدون على الآليات، ويضعون ألغاماً مضادة، أو يسقطون قنابل يدوية داخل منافذ التهوية، أو أي فتحة مفتوحة. وغالباً ما كان عناصر المشاة يقتربون من المركبات، ويصعدون عليها بأنفسهم، وفي هذه الحالات، إما أن يخرج طاقم الدبابة منها ويحارب العدو بأسلحة صغيرة، وإما أن يترك الأمر للمشاة الداعمين والدبابات الأخرى التابعة لإطلاق النار من الرشاشات وقتل من يحاول تسلق الدبابة.
وكانت المدافع المضادة للدبابات تشكل الخطر الأساسي، فطلقة موجهة بشكل جيد قد تدمر الدبابة، وكان من السهل جداً إخفاء هذه المدافع. ومن أجل حماية الدبابة من مدافع العدو فإنها كانت بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من الدروع، وكان برج الدبابة يشبه -إلى حد بعيد- معقلاً صغيراً متحركاً مع بعض الفتحات القليلة للأسلحة، وكانت الدرع تؤمن الحماية، لكنها تحد من الرؤية بشدة. ولبلوغ الحماية الفضلى كان يجب تغطية كل بوصة بقطعة معدنية سميكة، لكن كان على الطاقم أن ينظر إلى خارج الدبابة، لذلك، وجب وضع شقوق وفتحات للرؤية، وهذه الأجزاء غير المصفحة من الدبابة هي الأجزاء التي كانت أكثر عرضة للإصابة، وكانت تشكل نقطة الهدف الفضلى للمدافع المضادة للدبابات.
وتم استعمال المدفع عيار 37 مم لتجهيز الدبابات Panzer 3 التي كانت آنذاك الدبابة الألمانية الأساسية في المعركة، ووضع المدفع نفسه على كل الدبابات التشيكية الصنع، التي كانت تزن 38 طناً، والتي كانت أكثر الدبابات عدداً في عتاد ألمانيا، ولم تكن هذه المدافع كافية للاختراق إلا على المدى القريب، والمدفع الأقوى من عيار 50 مم، كالمدافع الموضوعة على الدبابات Panzer 3، لم تكن كافية أيضاً. وماسورة المدفع عيار 75 مم القصيرة لم تعطِ القذائف سوى سرعة محدودة، وكان هذا المدفع فعالاً ضد الدبابات رقيقة الدرع في سنوات الحرب الأولى، غير أنها أثبتت أنها غير ملائمة حين واجه الألمان الدبابات الروسية عام 1941.
ومع تقدم الحرب، ازداد عيار المدافع المضادة للدبابات وقوتها، بدءاً من المدفع الضعيف نسبياً وعياره 37 مم، والذي كان يستعمل خلال سنوات الحرب الأولى، إلى المدفع السريع من عيار 88 مم، الذي صمم على أنه مدفع مضاد للطائرات، وكان بحاجة إلى إنتاج قوة هائلة لإطلاق قذيفة ثقيلة إلى ارتفاع آلاف الأقدام في الجو. وعندما اكتشفت كتيبة المشاة الألمانية أنه من الممكن استعمال هذا المدفع القوي لإطلاق النار على مسار منبسط ضد الدبابات تم اكتشاف سلاح فتاك جديد، وسرعة قذائفه التي تخترق الدرع تسببت بموت آلاف الروس، وإصابة أعداد كبيرة من دبابات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية.
كان المدفع عيار 88 مم أثناء الحرب العالمية الثانية العدو اللدود الذي تخشاه جميع فرق دبابات جيوش الحلفاء، والعائق الوحيد لهذا السلاح هو أنه ثقيل، ويجب أن يجر إلى المعركة، لكن حينما يوضع في أماكن مخفية يشكل خطراً قاتلاً.
ومع تقدم الحرب، طورت أسلحة مضادة للدبابات خفيفة الوزن، وقابلة للحمل، وتتمتع بقدرة عالية على القتال، وكان الحلفاء يستعملون "البازوكا"، والألمان يستعملون Panzerfaust (تعني بالعربية: القبضة المدرعة)، وهو قاذف عديم الارتداد، مضاد للدروع، طورته ألمانيا عام 1943 خلال الحرب العالمية الثانيـــة، ويمكن تشغيله من خلال شخص واحد، وPanzerschreck (كان ذلك هو الاسم السائد للبندقية القاذفة المضادة للدروع)، ولم تكن هذه الأسلحة فعالة إلا على مسافة قصيرة، لكنها أعطت فرق المشاة قدرة على تدمير الدبابات، مما جعل أقوى الدبابات عرضة للهجوم.
وعملت أسلحة فرق المشاة المضادة للدبابات انطلاقاً من مبدأ الحشوة الجوفاء Hollow Charge، التي صممت لتذوب في درع الدبابة، وتنفجر داخلها، وكان عدد كبير من الآليات الألمانية يتمتع بطبقة رقيقة من الدروع الإضافية، أطلق عليها اسم "جيرزن"، وهذه الطبقة قد تحرف مسار الطلقة التي تخترق الدرع، مما يشكل حماية جيدة لداخل الدبابة.
لقد صممت الدبابات الروسية لأداء مهمتين على ساحة القتال، أولاهما إطلاق النار على الدبابات الأخرى وتدميرها، والمهمة الثانية مهاجمة أهداف المشاة والمدفعية، وكانت الدبابة بحاجة إلى أن تكون قادرة على إطلاق أثقل قذيفة ممكنة وبسرعة هائلة لتدمير الدبابات الأخرى، مما ينتج قوة كافية لخرق درع دبابة العدو.
وتفوقت القوات الألمانية في أفريقيا على البريطانيين بأسلحتها المضادة للدبابات، وفي عام 1941، استبدل المدفع المضاد للدبابات عيار 37 مم بآخر أضخم عيار 50 مم، كما استخدم الألمان مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 88 مم كسلاح لضرب الدبابات، وكان روميل قادراً على ضرب الدبابات البريطانية بمجموعة من المدافع عيار 88 مم، وساهم هذا في تخطي التفوق العددي للدبابات البريطانية.
القذائف الخارقة للدروع
للقوة المتفجرة وحدها قيمة ضئيلة في مقابلة درع الدبابة السميك، مما يعطي قذيفة الطاقة الحركية Kinetic energy قوتها التي تخترق درع آليات العدو، وتميل الطلقات التي تخترق الدرع عادة إلى أن تكون طلقات صلبة، أي أن القذيفة التي هي في الأساس معدنية، ولديها شحنة صغيرة جداً قابلة للانفجار، تعتمد على سرعة عالية جداً وعلى الضغوطات الهائلة، والحرارة الناجمة عن الحلقة المصطدمة بدرع الدبابة بغية إحراقه أو ذوبانه، ولإصابتها أيضاً من الداخل في عدة أماكن لتدمير الأجهزة أو لقتل الفريق أو جرحه.
ولوحظ أن القذائف الخارقة للدروع تسير بسرعة، وتخترق دبابات العدو، وتبلغ الناحية الأخرى دون أن تؤذي الآلية أو ركابها، وتم بالتالي تطوير مجموعة من الحلقات المضادة للدبابات عالية التفجير، وقد صممت لتخترق الدرع أولاً ثم لتنفجر داخل الآلية.
وتتمتع القذائف شديدة الانفجار عادة بمخروط فارغ توضع فيه المتفجرات بهدف الانفجار وإطلاق دفق مميت من الشظايا المعدنية القاتلة للمشاة، وهذه المتفجرات القوية مفيدة لتدمير الأهداف غير المصفحة، وذلك بسبب قوتها المتفجرة. وفضل معظم القادة مزيجاً يتألف من 40 بالمائة من المتفجرات القوية و60 بالمائة من المواد الخارقة للدروع، لكن غالباً ما كان يترك أمر تحديد الأهداف ومعالجتها للقائد المسؤول، وكان الحصول على توازن جيد قراراً مهماً، حيث لم تكن القذائف الخارقة للدروع فعالة في قتل المشاة، والمتفجرات القوية لا تخترق درع الدبابة، وإن احتوت الدبابة مخزوناً كبيراً من الذخائر غير المفيدة غدت ضعيفة.
وكان المدفع الأساسي والطاقم والمعدات يحتل حيزاً كبيراً داخل الدبابة مما لا يفسح المجال أمام الذخيرة الأساسية للبقاء في ساحة القتال، وكانت معظم الدبابات تحمل ذخائر تكفي لتسعين طلقة تقريباً، وتوضع في أي مكان.
وكان من المشاكل الرئيسة في الدبابات البريطانية التي استخدمت في الصحراء افتقارها لمدفع ثنائي الاستخدام بحيث يمكنه إطلاق متفجرات قوية بالإضافة إلى قذائف خارقة للدروع. وفشلت المدافع البريطانية التقليدية المضادة للدبابات، والتي تزن كل قذيفة من قذائفها رطلين، في إطلاق قذائف شديدة الانفجار، وهي ضرورية لضرب المدافع المضادة للدبابات والمشاة في ساحة المعركة، وأدرك البريطانيون هذه المشكلة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولم يستطيعوا توفير سوى دبابتين مساندتين، كل واحدة مجهزة بمدفع من عيار ثلاث بوصات، وكان ذلك المدفع بطيء السرعة وقصير المدى، وبالتالي، كانت الدبابتان المساندتان تحملان القليل من القذائف شديدة الانفجار، واستخدمت الدبابة Crusader للقيام بهذا الدور.
الألغام المضادة للدبابات
كانت الدبابات تواجه خطراً آخر باستمرار، وهو خطر أقل رهبة لكنه مميت أيضاً. فقد كانت الألغام المضادة للدبابات توضع بكميات كبيرة لحماية موقع دفاعي، ومن الممكن أن تحتمل هذه الألغام وزن رجل من دون أن تنفجر، لذلك، غالباً ما كانت فرق المشاة تمر دون أن تشتبه بها، لكن ما أن تمر الدبابة فوق اللغم، حتى ينفجر بقوة هائلة، وكانت الألغام تدمر أحياناً الدبابة، وأحياناً أخرى كانت تؤدي لخسارة جنازيرها، فيترك الطاقم الدبابة في محاولة لإصلاح الجنازير الحديدية الثقيلة في ذروة المعركة.
مدافع الهاون
بدلاً من المدافع التي كانت تطلق قذائف وزن كل منها رطلان، والتي كانت متواجدة في كل دبابة تعود لهذه الفترة، كانت الدبابة البريطانية Crusader مجهزة بمدفع هاون، واستخدمت كدبابة مساندة عن قرب، وكان تعبير المساندة عن قرب، وفقاً للمفهوم البريطاني، يعني إطلاق قذائف دخانية، علماً أن المدفع يمكنه بسهولة القيام بإطلاق القذائف شديدة الانفجار، وربما لأسباب تكتيكية، جهزت تلك المدافع بأربع قذائف شديدة الانفجار فقط، وبعشرين أو ثلاثين قذيفة دخانية تطلقهم في ساحة المعركة لتشكل غيوماً كثيفة من الدخان.