يكشف السفير السوفيتي السابق فلاديمير فينوغرادوف (عمل في فترة 1970-1974 في القاهرة) في مذكرته الموجهة الى القيادة السوفيتية وغير المنشورة سابقا خفايا حرب اكتوبر ( تشرين الاول) عام 1973 بين مصر وسورية من جهة واسرائيل من جهة أخرى، والتي وصفتها وسائل الاعلام بـ"الحرب المزيفة".
ونظرا لوجوده في العاصمة المصرية طوال فترة الحرب فقد كان فينوغرادوف على اتصال دائم بالاركان العامة والقيادة السوفيتية ، كما التقى هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي آنذاك. وقد أعد السفير مذكرة من أجل تقديمها الى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي والحكومة السوفيتية في كانون الثاني(يناير)عام 1975 فور عودته الى موسكو بعد أن ترك منصبه كسفير في مصر. وبقيت هذه الوثيقة في الارشيف الشخصي لفينوغرادوف وتم الكشف عنها بعد وفاته. ويتبين من المذكرة ان السادات خان سورية في اثناء الحرب من أجل كسب ود أمريكا ، بينما ضحت غولدا مائير في هذه الحرب بحياة ألفين وخمسمائة جندي وضابط اسرائيليين دون ان يرف لها جفن ارضاء لرغبات الامريكيين في الهيمنة على الشرق الاوسط.
لعبة الشرق الاوسط .. أسئلة منبثقة عما يسمى بحرب اكتوبر(تشرين) عام 1973
1- كيف أمكن ان تغدو الحرب مفاجأة بالنسبة الى إسرائيل اذا ما كان القرار قد اتخذ بشأنها منذ أبريل ( نيسان) بصورة مشتركة من قبل مصر وسورية والأردن. ألم يكن جليا للعيان ان الأردن كان يعرف ذلك ، مما يدل في الواقع على ان الولايات المتحدة – حليفة الأردن وبالتالي إسرائيل كانتا تعرفان ذلك؟
2- كيف غدا الهجوم المصري والسوري مباغتا اذا ما كان الاتحاد السوفيتي قد أجلى قبل عدة ايام من 6 أكتوبر( تشرين الأول) افراد أسر الرعايا السوفيت العاملين في مصر وسورية؟ وأجلي من مصر فقط خلال فترة قصيرة جدا 2700 شخص ، علما ان هذا تم ليس في رحلات جوية خاصة فقط بل وبواسطة سفن نقل الركاب وسفن الاسطول البحري – الحربي السوفيتي . هل ان هذا الأمر كان من الممكن ان يخفى عن عيون العملاء السريين الأمريكيين والإسرائيليين؟ زد على ذلك ان الصحافة الغربية حتى نشرت أنباء إجلاء الأفراد هذا بصورة جماعية.
3- كان المصريون يجرون في تلك الفترة مناورات استخدمت كتغطية لتحشيد جميع قواتهم المسلحة عمليا من أجل عبور قناة السويس. فهل لم يلاحظ ذلك العملاء السريون الأمريكيون والإسرائيليون؟ فقد لاحظ ذلك حتى الأهالي المدنيون. وفي نهاية المطاف يعرف جيدا ان الولايات المتحدة كانت تقوم بعمليات إستطلاع مستمرة بإستخدام الطائرات التي تحلق على ارتفاعات عالية والأقمار الصناعية. وكان لابد ان يتم رصد تحشد القوات المصرية قبل يومين او ثلاثة أيام من بدء العمليات القتالية.
4- لماذا لم يحذر السادات الاتحاد السوفيتي من العمليات الحربية القادمة ؟ فقد كان من النافع بالنسبة له الحصول على الدعم السوفيتي مسبقا – لأن مصر كانت تعتمد كليا على إرساليات المعدات الحربية والذخائر وقطع الغيار السوفيتية ؟
5- لماذا طلب السوريون من الاتحاد السوفيتي فورا لدى ابلاغه في 4 تشرين الاول(اكتوبر) بموضوع العمليات الحربية ان يأخذ المبادرة بعد بدءها وبلا تأخير في طرح مسألة وقف اطلاق النار؟
6- لماذا طلب السوريون مجددا– بعد بدء العمليات الحربية – طرح مسألة ايقاف إطلاق النار؟
7- لماذا لم تواصل القوات المسلحة المصرية بعد عبور القناة الزحف الى عمق شبه جزيرة سيناء – بالرغم من عدم وجود قوات اسرائيلية في هذا الإتجاه قادرة على إبداء مقاومة جدية ( اذا لم يكن لها وجود هناك اصلا)؟.
8- لماذا لم تتوفر لدى القوات المسلحة المصرية عموما الخطط لمواصلة الهجوم في العمق في حالة نجاح العبور ؟
9- لماذا لم تقدم الولايات المتحدة المساعدة العسكرية الى إسرائيل فور بدء العمليات الحربية ، بل تريثت على مدى بضعة أيام قبل ان تبدأ بإقامة الجسر الجوي لنقل المعونات بواسطة الطائرات؟.
10- لماذا أعطت الولايات المتحدة الى المصريين الفرصة لتوجيه الضربات الموجعة الى القوات الاسرائيلية ، وبدأت العمل الحازم بصورة متأخرة كهذه؟
11- لماذا لم تنضم القوات الاردنية الى العمليات في المسرح الطبيعي بالنسبة لها وذلك بقطع طرق المواصلات من اسرائيل الى مصر ، الأمر الذي أتاح الى الاسرائيليين إمكانية توجيه قواتها ضد مصر بدون عقبات بعد هزيمة سورية ؟
12- لماذا لم يتم اطباق اجنحة الجيشين الثاني والثالث المصريين في سيناء مما يعتبر خطأ فاحشا حتى بالنسبة للضباط من المرتبة المتوسطة ، ناهيك عن الجنرالات؟
13- كيف أمكن ان تعبر أولى الدبابات الاسرائيلية من الضفة الغربية للقناة "دون ان تلاحظ". فهل لم توجد لدى المصريين دوريات ومفارز استطلاع بسيطة والتي توجد حتى لدى قوات حرس الحدود؟
14- لماذا أصر السادات على عدم الرغبة في إتخاذ أية تدابير حاسمة من أجل سد ثغرة الدفرسوار الاسرائيلية ، بالرغم من انه كان يعرف بها بل تلقى نصائح مباشرة من الجانب السوفيتي بشأن ضرورة تصفية الثغرة فورا بالوسائل المتوفرة وحتى كيفية القيام بذلك ؟
15- لماذا أصر السادات على عدم الاصغاء الى النصائح السوفيتية بشأن ايقاف إطلاق النار ، حين حققت القوات العربية في الايام الاولى نجاحات عسكرية باهرة ، بينما أعلن السادات حسب أقواله ان مقصده لم يكن تحرير سيناء كلها ؟
16- لماذا لم يوافق السادات على جميع حجج ألكسي كوسيغين حول إيقاف اطلاق النار ، حين بات واضحا ان سورية تكبدت الهزيمة بينما كان يتوسع لديه في مصر على الضفة الغربية لقناة السويس رأس الجسر الاسرائيلي الكبير؟
17- لماذا لم تتوفر أبدا قوات إحتياطية على الضفة الغربية للقناة وراء خطوط القوات المصرية ؟
18- لماذا طلب السادات حين كانت العمليات الحربية في ذروتها ان يتواجد في القاهرة ممثلون سياسيون ليس من الاتحاد السوفيتي فقط بل ومن الولايات المتحدة أيضا ؟
19- لماذا رفض السادات الاصغاء الى النصيحة السوفيتية بشأن اقتراح الوسط الذي اقترحه الامريكيون في حوالي 15 أكتوبر (تشرين الأول) ، اي إجابة الأمريكيين بأن يتصلوا بالاتحاد السوفيتي وان ينسقوا معه قضايا الشرق الاوسط ؟
20- لماذا لم يبلغ المصريون الاتحاد السوفيتي بأهداف زيارة فهمي الى واشنطن في أواخر أكتوبر(تشرين الاول) عام 1973.؟
21- لماذا لم يبلغ المصريون الاتحاد السوفيتي بنتائج زيارة فهمي ، ولاحقا بنتائج مباحثات السادات مع هنري كيسنجر في 7 نوفمبر(تشرين الثاني) عام 1973؟
22- لماذا توقف المصريون فجأة في مطلع نوفمبر( تشرين الثاني) عام 1973 عن إجراء المشاورات مع الاتحاد السوفيتي بشأن اعداد مواقف مشتركة من مؤتمر السلام ؟
33- لماذا لم ينفذ السادات وعوده ولم يطلع الشعب على أفعال الاتحاد السوفيتي في اثناء العمليات الحربية في اكتوبر (تشرين) ؟
24- لماذا طلب السادات من الاتحاد السوفيتي بغتة وبصورة " عاجلة" التعويض عن الخسائر من الطائرات فقط بعد انتهاء العمليات الحربية في 26 اكتوبر(تشرين الاول) وأبدى إلحاحا غير مفهوم بشأن توريدها فورا ، ثم أعلن بعد عدة أيام فحسب ان الاتحاد السوفيتي قد غير سياسته كما يبدو حيال مصر؟ فقد كانت لدى السادات الفرصة لمراقبة تحركات الاتحاد السوفيتي ، الذي ساعد مصر في المرحلة الابتدائية في كسب المعركة ، ومن ثم انقذها من الهزائم ؟
25- لماذا رفضت سورية بغتة المشاركة في مؤتمر السلام في جنيف ؟
الاجوبة المحتملة عن 25 سؤالا: " لماذا" ؟
ان الاجوبة عن هذه الاسئلة صعبة جدا ، لكن اذا ما فرضنا أمرا لايصدق وهو ان العمليات الحربية بدأت بموافقة الولايات المتحدة فإن الاجابة تكون منطقية لحد ما:
1- كانت الولايات المتحدة تعرف بالعمليات الحربية المتوقعة ووافقت عليها وسعت الى " غض النظر " عن الانباء الواردة من الأردن وفي أغلب الظن من مصادر أخرى.
2 - طبعا رصدت دوائر الإستخبارات الامريكية والإسرائيلية عملية اجلاء افراد الاسر السوفيتية بصورة جماعية – وكان لا بد لها من ذلك. ويبدو ان الولايات المتحدة عملت بالاتفاق مع القيادة العليا في اسرائيل أملا في ان تلحق الهزيمة بالقوات المسلحة العربية حتما ، الأمر الذي سيمنح اسرائيل فترة استراحة أخرى لمدة 10 – 15 عاما. وكانت اسرائيل على استعداد لهذا الغرض بالتضحية بجزء من قواتها في سيناء ،وبهذا تركز إنتباهها على الهزيمة ... وعدم وجود التواطؤ والذي شكل خطرا فعليا.
3- لا ريب في انه كان من الصعب ألا يلاحظ العملاء السريون الامريكيون والاسرائيليون تحركات قوات كبيرة ناهيك عن التقارير ذات الطابع المحدد اكثر الآتية من العملاء حول عمل" الاماكن الطيبة " في الجهاز العسكري وجهاز الدولة في مصر . فهذه التقارير قد أهملت لهذا السبب او ذاك بدون ان تترك عواقب ، لأنه تقرر سوية مع الأمريكيين ان يجري " التراجع " في الفترة الاولية ، أي اعطاء السادات الفرصة لبدء الحرب ، وبعد ذلك توجيه ضربة تلحق الهزيمة به.
4 - انطلاقا من عدم توفر النية لدى السادات لتحرير الاراضي المحتلة من قبل الاسرائيليين باستخدام العمليات العسكرية ، بل فقط " ممارسة لعبة" بموافقة الولايات المتحدة ، ولم تكن لديه أية مسوغات لجر الاتحاد السوفيتي إليها: اذ كان يعرف موقف الاتحاد السوفيتي الجاد من قضايا الحرب والسلم ، وتنبأ مسبقا بأن الاتحاد السوفيتي سيسعى الى ايقاف الحرب ، اي منعه من ممارسة اللعبة. علما ان الذخيرة كانت غير كافية لديه لممارسة لعبة الحرب.
5- يبدو ان السوريين كانوا يعرفون نوايا السادات في ان يمارس فقط لعبة الحرب سوية مع الولايات المتحدة .ومن الطبيعي لم يكن من العسير بالنسبة لهم التنبؤ مسبقا بأن سورية ستقوم بدور " المهزوم" ، لأنهم كانوا يدركون ان القوات الاسرائيلية الرئيسية ستوجه ليس ضد مصر بل ضد سورية ولا يعتزم السادات خوض أي حرب على جبهتين.
6- لم يرد اي رد فعل من جانب الاتحاد السوفيتي حين حذره السوريون في 4 اكتوبر ( تشرين الاول) ، وطرحوا المسألة بشكل ملموس أكثر حين كان من النافع فعلا ايقاف العمليات الحربية ، اي عندما بلغت القوات السورية الحدود القديمة.
7 - لم تواصل القوات المصرية الهجوم في عمق سيناء لأن هذا لم يكن يتفق مع خطة السادات – في ان يبدأ الحرب فقط ثم ينتظر تدخل الولايات المتحدة. علما ان هجوم المصريين كان يمكن ان يؤدي الى هزيمة اسرائيل ، وهو ما لم يدخل أبدا في خطط الولايات المتحدة.
8 - لم توجد لدى مصر خطة الزحف الى عمق سيناء. وفي أقصى الاحوال كان السادات مستعدا للإكتفاء بالحفاظ علي أي رأس جسر خلال فترة من الزمن ، لأن المسألة كانت فقط تظاهرة عسكرية.
9- كان بوسع الولايات المتحدة ،طبعا، منذ الأيام الاولى ،وقبل ان يبدأ الاتحاد السوفيتي في تقديم المساعدة الى العرب، مساعدة اسرائيل بنشاط ، لكن في هذه الحال كانت ستنهار فكرتهم الاساسية في الحفاظ على المصالح الامريكية نفسها ، ألا وهو حلق إنطباع بأن الولايات المتحدة أنقذت اسرائيل. ووجب على الاسرائيليين إراقة شئ من الدماء من أجل ضمان المصالح الامريكية.
10- لهذا السبب قدم الامريكيون طلائع القوات الاسرائيلية في سيناء ، بموافقة القيادة العليا الاسرائيلية، قربانا لأهداف " السياسة العليا".
11- إن دخول الأردن الحرب كان سيقود إما الى هزيمة اسرائيل وإما الى كشف اللعبة المصرية كليا أمام الجميع. وصدر الأمر الى الملك بالبقاء في مكانه.
12- ان الانفصال بين جناحي القوات ربما كان خطأ فاحشا ، لكن تم بهذه الطريقة بالذات اظهار موقع ضعف المصريين امام اسرائيل ، لأن اهداف الولايات المتحدة كانت تتضمن إضعاف الجيش المصري أيضا.
13- إن اختراق أول الدبابات الاسرائيلية كان في أغلب الظن نتيجة توزيع القوات المصري المعد مسبقا بمهارة.
14- لم يرغب السادات في سد الثغرة لأنه تلقى في أغلب الظن تحذيرا من الامريكيين بأن الحدث الذي يتحكم به الامريكيون ضروري من اجل تبرير التدخل الامريكي في لعبة الشرق الاوسط.
15- لم يرغب السادة في وقف اطلاق النار منذ الايام الاولى لأن اللعبة لم تكن قد أنجزت بعد: إذ وجب طبقا لقواعد اللعبة أن يوجه الضربات الى الاسرائيليين. لكن " خانته" الجودة العالية للسلاح السوفيتي والروح الوطنية لدى الجنود والضباط. ولم يطلب منا العمل على وقف اطلاق النار الا عندما رأى ان الامريكيين قد خدعوه.
16- لم يتفق السادات مع الاتحاد السوفيتي بشأن وقف اطلاق الناس لأنه لم ترد إشارة من الامريكيين ، بأن يتدخلوا الى جانب مصر. وأحبط الاتحاد السوفيتي بأفعاله لعبة السادات مع الولايات المتحدة.
17- كان يجب عدم نشر قوات الاحتياط وراء خطوط الجبهة في مصر حيث وجب على السادات وفق قواعد اللعبة ان ينقل الجيش كله الى الشرق.
18- ان طلب السادات بصدد ارسال مبعوث سياسي امريكي الى القاهرة كان اجراءً مدبرا مسبقا للخطوة المقررة من قبل حول اقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة. وليس من قبيل الصدف ان أشار السادات لدى استفسار السفير السوفيتي حول السبب الذي جعل مصر تعجل في اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الى انه اقترح منذ فترة العمليات الحربية حضور مبعوث سياسي امريكي في القاهرة.
19 - لم يكن من منفعة السادات البتة ان يدفع الامريكيين نحو الاتحاد السوفيتي ، لأن هدفه كان التعاون مع الامريكيين بدون الاتحاد السوفيتي. أن غياب الاتحاد السوفيتي كان الشرط الرئيسي للتدخل الامريكي.
20 - كانت زيارة فهمي الى واشنطن اول خطوة سافرة تدل على انعطاف السادات نحو الولايات المتحدة. فلم يكن لديه اي مغزى لابلاغ الاتحاد السوفيتي بهذا التحول والانعطاف.
21 - إن غياب المعلومات حول خطوات السادات اللاحقة تنطبق تماما منطقيا مع سياسته في الانعطاف باتجاه الولايات المتحدة. فماذا كان سيبلغ الاتحاد السوفيتي؟ هل سيبلغه بأنه يعتزم سوية مع الولايات المتحدة تقليص العلاقات مع الاتحاد السوفيتي؟
22- أوقف المصريون المشاورات مع الاتحاد السوفيتي بصدد مؤتمر جنيف لأنهم اقتنعوا( أو علموا) ان الولايات المتحدة لا تريد هذا المؤتمر ، انها ليست بحاجة اليه ، اذ سيرى هناك بشكل ساطع دور الاتحاد السوفيتي ، أي ان هذا يتعارض تماما مع هدفها الرئيسي – دخول الشرق الاوسط بمساعدة السادات.
23 - ان السادات لم يعط حق قدره أبدا موقف الاتحاد السوفيتي في حرب اكتوبر(تشرين) لأن هدفه الرئيسي كان إحداث الانعطاف بإتجاه الولايات المتحدة ، وتطلب ذلك ولو التلميح بأن الاتحاد السوفيتي لم يعمل شيئا ما بصورة مقبولة. فكيف كان بالمستطاع عندئذ التحدث عن موقف الاتحاد السوفيتي ؟
24- كان توجيه الطلب المفاجئ بالحصول على الطائرات بمثابة " لقية" بالنسبة الى السادات. وكان ذلك السبب الذي استخدمه مستقبلا لتبرير سلوكه حيال الولايات المتحدة. وهذا ما جرى في الماضي ايضا. بعبارة أخرى انه استخدم الاسلوب المألوف – هذا لو اننا لبينا طلبه بالموافقة على تقديمها لوجد حجة آخرى مماثلة.
25- رفضت سورية فجأة المشاركة في مؤتمر السلام، وفي اغلب الظن عندما علمت ان مصر وكذلك الولايات المتحدة لا تعتزمان المشاركة فيه. انهم في سورية علموا بنوايا مصر والولايات المتحدة في التواطؤ على اجراء صلح انفرادي ، وسيدفع ثمنه السوريون كما كانت الحال في الايام الاولى للحرب.
الموجز
اذن ان العمليات الحربية للعرب في أكتوبر (تشرين الاول) عام 1973 قد تركت الكثير من الأسئلة – المحيرة .. والمشروعة والمنطقية. وفعلا من الصعوبة بمكان ايجاد حدث تأريخي كبير من الماضي القريب ابرز مثل هذا العدد من التساؤلات ، حيث انبثق العديد من الاوضاع غير المعقولة التي لا توجد ايضاحات لها.
لم توجد ايضاحات ؟ هل ان الأمر كذلك حقا؟
نعم ، لا توجد إجابات عن كثير من الاسئلة حتى أبسطها، إذا ما أتبع منطق أحد الاطراف ، إذ انها تعطى فرضيات لافعال السادات بدوافع معينة ، يود أحد ما افتراضها. وإذا ما أعتبر السادات وطنيا حقا في بلاده ، ولم يقدم على عقد صفقات قذرة مع خصومه السياسيين ، وهذا حال الولايات المتحدة على الدوام، فهو شئ . ونحن لن نجد هنا أجوبة عن ابسط الاسئلة.ولا يمكن ان ننسب عبقرية وتنظيم المصريين .. الى غباء وسهو الامريكين ، والى غباء وسهو الاسرائيليين ... فالاسرائيليون ليسوا اغبياء ، ولديهم مخابرات جيدة – على أي حال افضل مما لدى المصريين . هذه حقيقة لا مراء فيها.
لكن اذا ما نظرنا الى جميع الاسئلة المنبثقة من منطق آخر ، اي افتراض دوافع أخرى لسلوك السادات ، وكذلك لسلوك الامريكيين والقيادة العليا في اسرائيل، ولم نعتبرهم من الاغبياء والسذج ، فعندئذ نحصل على صورة مغايرة. عندئذ نحصل على صورة حتى تبعث على الرعشة : وهي صورة وجود تواطؤ بين السادات والولايات المتحدة والقيادة العليا في اسرائيل. وكل طرف يرمي في هذا التواطؤ الى تحقيق اهدافه الخاصة. التواطؤ الذي لا يعرف كل طرف فيه جميع تفاصيل لعبة الطرف الآخر. التواطؤ الذي يسعي فيه كل طرف الى خداع الطرف الآخر.
واذا ما افترضنا ذلك نحصل على صورة عجيبة. فأننا سنجد الاجوبة المنطقية والوحيدة عن جميع الاسئلة الغريبة التي لا توجد لها اجوبة .
كما يمكن للمرء ان يتصور وضع وسلوك بعض اطراف هذه اللعبة الدموية؟
مصر
يغدو الوضع الداخلي بالنسبة للسادات لا يحتمل أكثر فأكثر . فشعبيته تتدهور حتى بين أوساط الذين يحمي مصالحهم – اي البرجوازية المصرية.
إنه بالنسبة لها مجرد شخصية عابرة – فهو لا يتمتع بذلك القدر من الذكاء والحزم في الدفاع عن مصالحها. انه يمهد الطريق للبرجوازية في وضع صعب حيث ما زال نفوذ المبادئ الناصرية سائدا. ودعه يصفي الناصرية باسرع وقت ممكن ، وعندئذ سيرحل - لأن البرجوازية بحاجة ليس الى زعيم يترنح في موقعه بل الى زعيم حازم ، ورجل " يقف معها حتى النهاية". اما السادات فقد أبدى الكثير من المجاملات للاتحاد السوفيتي ولو انها كلامية.
ولم يفلح الرئيس في تنفيذ وعوده وشعاراته حول الأعوام " الحاسمة". ومضت الأعوام ولم تنجز اي حلول للنزاع مع اسرائيل. وتدهور الوضع الاقتصادي كثيرا بعد أن أقصى حكومة صدقي ، آخر المدافعين عن الناصرية في الاقتصاد ، لأن البرجوازية المصرية تريد الانتقام لجميع ما عانته في السابق.
أثار تراجع مكانته في العالم العربي القلق في نفس السادات . وبدأ يشعر ان الرئيس السوري حافظ الاسد لا يثق به ، بالرغم من ادراكه ان سوريا الصغيرة بحاجة الى التحالف مع مصر القوية. ولا يمكن اقامة علاقات مع " خير صديق " – الزعيم الليبي معمر القذافي. فان القذافي شعر بالمهانة للغاية من سلوك السادات الذي لم يسمح الى مسيرة تتألف من 100 ألف ليبي للزحف الى القاهرة من أجل تسليم الرئيس المصري عريضة موقعة بالدم تتضمن المطالبة باندماج ليبيا مع مصر فورا.
وكان الملك السعودي فيصل " العبقري الشرير " في العالم العربي ينظر بامتعاض الى مواقف السادات. وبالرغم من انه راض عن سلوك السادات في معاداة السوفيت والناصرية ومغازلة الاميركيين ، لكنه غير راض عن تردد الزعيم المصري في تحرير الاماكن المقدسة لدى كل عربي والتي يحتلها الغزاة الاسرائيليون ، وهو- أي السادات- يقف خلال فترة طويلة جدا مترددا في التوجه الى الاتحاد السوفيتي ام الى الولايات المتحدة. الا ان الملك فيصل يمثل الاموال ، الاموال الكثيرة جدا . والملك يهبها متى ما رغب في ذلك ، وبسخاء ...
يتبع ........