الحلقه 5
ملاحظات ودروس حرب تشرين 1973
لقد افرزت حرب تشرين 1973 العديد من الدروس على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي اهمها ، ان اشراك الجيش العراقي بهذه الحرب بشكل فجائي دون سابق انذار لها سواء على المستوى التخطيطي اوالاستحضارات والتنفيذ واساليب التعاون المحتملة يعتبر ضربا من البطولة والتضحية والمبدئية التي اعتاد عليها جيشنا العراقي عبر سفر تاريخه النضالي ضد الهيمنة والاستعمار، وكان لها ان تحقق اهدافها على الجبهتين السورية والمصرية على السواء لو تم لها ذلك. الا ان الحرب أريد لها أن تكون حرب تحريك وليس تحريرا كما اطلق عليها ، كما ان سرعة التحشد والمشاركة من السكون، خاصة قوتنا الجوية في وقت يعتبر قصيرا جداً اجبر العدو على تحويل جهده الاكبر الى الجبهة السورية واستعادة الاراضي التي احتلتها سوريا خلال الايام الاول للحرب. لقد دخل الجيش العراقي الحرب على الجبهة السورية في ارض لم يجر استطلاعها مسبقاً ونفذ واجباته من الحركة دون حشد مخطط له ( معارك تصادمية ) التي تعتبر من اصعب اشكال الحروب واكثرها تعقيداً. ادناه اهم الدروس التي حاولت استذكارها وانا في المهجر لعدم توفر مصادري التي تركتها في داري ببغداد بعد تهجيري منها :
أ . كفاءة الدفاع الجوي السوري :
لقد اثبتت منظومة الدفاع الجوي السوري كفاءتها تجاه الطائرات المعادية بدءا من نقاط الرصد الارضي ومنظومة الانذار والسيطرة والتصدي سواء بالطائرات او الصواريخ ارض – جو او المدفعية المضادة للطائرات. اما موضوع التعاون ما بين القوة الجوية والدفاع الجوي فكان مدعاة فخر واعتزاز . لقد تسبب الدفاع الجوي السوري في اسقاط العديد من طائرات العدو الاسرائيلي الذي كان يتحسب كثيراً منها ، كانت الطائرات المتصدية ترافق طائرات الضربة مما يعطي حالة من الاطمئنان النسبي لها اثناء الضربات الجوية ( حسب المصادر السورية اسقاط 249 طائرة اسرائيلية للفترة من 6 الى 22 / 10/ 1973 !!).
ب .مهام الاسناد الجوي القريب
شاركت قوتنا الجوية في حرب تشرين 1973 بتوجيه الضربات الجوية لعمليات الاسناد الجوي القريب فقط ( وهذا الواجب يعتبر من الواجبات غير الرئيسة للقوة الجوية ) بسبب عدم اشراك هذه القوة منذ البداية مع الضربات الجوية الشاملة المشتركة مع القوة الجوية السورية ليومي 6 و7 تشرين الاول ، وقد كانت خسائر قوتنا الجوية والقوة الجوية السورية كبيرة جداً في مثل هذه الواجبات، ففي معدل 120 طلعة قتالية مثلا بلغت عدد الطائرات المصابة 35 طائرة والمدمر منها 21 طائرة ، ناهيك عن أن تاثير هذه الضربات في هذا النوع من المهام لم يكن متناسباً مع هذه الخسائر وذلك بسبب عدم تعرف وتعود طيارينا على المنطقة بشكل جيد .
لقد وصلنا مساء يوم 8/10/1973 وشاركنا صباح يوم 9 منه وهذا وقت قليل جداً لم يتح لنا فرصة التعود على سياقات عمل القوة الجوية في ظروف الحرب ولا على طبيعة المنطقة ، كما ان مستوى الطيارين السوريين عموماً كان وسطا ، نعم.. هناك طيارون جيدون لكنهم فقدوا في الحرب منذ الايام الاول بسبب فوضى سياقات العمل المتبعة من قبل القوة الجوية السورية .
ج .المحاور الملاحية :
لقد حددت القوة الجوية السورية المحاور الملاحية ( خطوط الطيران ) لطائراتها مسبقاً وحددتها بثمانية او عشرة محاور وكلها مرسومة على الخرائط الملاحية منذ اليوم الاول للحرب لكي يتجنبها الدفاع الجوي السوري دون احتساب المتغيرات التي يمكن حدوثها اثناء سير المعارك ، وقد ادى ذلك الى كشف الخطط السورية من قبل العدو الاسرائيلي وقام بنصب الكمائن على هذه الخطوط واسقاط طائراتنا بسهولة، وقد نبهت القيادة الجوية العراقية الى هذا الخطأ القاتل لكن بلا استجابة لأن دفاعهم الجوي رفض التغيير لتسهيل الامر عليه ( شيء مضحك وغبي المفروض ان يكون لكل طلعة طيران خطة متغيرة عن الاخرى وهي لا تأخذ وقتا طويلا).
د . ضباط الارتباط الارضيون :
لم يتم تأمين ضباط ارتباط ارضيين في غرف عمليات التشكيلات الجوية سواء للقوة الجوية او الدفاع الجوي ، وقد كنا نشكو من عدم معرفة الموقف الارضي للقطعات السورية والاسرائيلية وهذا مهم في مهام الاسناد الجوي القريب لأنها كلها كانت من هذا النوع ، خط القصف لم يحدد حيث المفروض تحديده في كل طلعة . خلاصة القول كنا نطير بقدرة قادر ولم تتحقق الاهداف كما تم رسمها لنا ونحن نعلم ذلك لكن الامر ليس بايدينا، وقد قبلنا بالخسائر على مضض وهذا كان راي الطيارين السوريين ايضاً .
ه . التسليح : ظهرت النقاط التالية في تسليح طائرات الضربة الجوية:
اولا . لم يجر تسليح الطائرات المكلفة بواجبات الاسناد الجوي القريب على ضوء نوعية الاهداف المطلوب معالجتها مما ادى الى قلة تاثير هذه الضربات .
ثانياً .استخدم السوريون خزانات الوقود الاحتياطية في طائرات السوخوي في مديات لاتحتاج لها مما قلل حمولتها الى النصف تقريباً .
ثالثاً .عاد بعض الطيارين العراقيين بحمولتهم من الاسلحة الى القاعدة وذلك لطيرانهم بالطائرات السورية التي تختلف وضع مفاتيح القنابل عنها في الطائرات العراقية ولم يتم ايجازهم بها مسبقاً .
و. الايجاز قبل الطيران واساليب الرمي :
لم تتمكن بعض التشكيلات من تحقيق الدقة المطلوبة في اصابة اهدافها لأسباب اهمها : عدم ايجاز التشكيل بتفاصيل الطلعة والاحتمالات التي تصادف الطيارين خلال الطلعة ونوع السلاح المحمول واسلوب الرمي ..الخ ، كانت كافة المعلومات عن الهدف تعطى الى قائد التشكيل فقط ويقوم باقي اعضاء التشكيل بالرمي دون تفكير او تركيز على ما يقوم به قائد التشكيل ، ونتيجة لذلك عادت بعض التشكيلات الى قواعدها بعد فقدان قائد التشكيل دون القاء اسلحتها لعدم المامهم بماهية المهمة، كما ان كثافة نيران مقاومة الطائرات في الطريق الى الهدف وفوقه ساعدت على فقدان الدقة في اسلوب التقرب والتسديد الصحيح .
ز .البحث والانقاذ :
لايزال موضوع البحث والانقاذ ضعيفا لدى السوريين وعدم تمكنهم من انقاذ اي طيار قذف من الطائرة او سقطت طائرته في ارض المعركة سواء كان سوريا او عراقيا ، كما لم يكن لدى السوريين اسلوب للتخفي، وقد اوجزونا به وكيف يتم التعامل بمثل هذه الامور ، بينما اسرائيل كانت طائرات البحث والانقاذ تجوب السماء لانقاذ طياريها وانتشال طيارينا وتعتبرهم اسرى عندها ، والادهى من ذلك كله ان القوات البرية لم تميز بين الطيارين السوريين والعراقيين وكانوا يعاملون معاملة سيئة واحتمال قتل بعضهم حيث اغلب الظن ان الملازم الاول سلام محمود ايوب قد قتل من قبل القوات العربية ( المغربية ) لكون لونه ابيض وشعره احمر وبدلة طيرانه انكليزية تختلف عن البدلات السورية بعد قذفه من الطائرة .
ح الدفاع السلبي :
نتيجة للدروس المستنبطة من حرب حزيران 1967 فقد قامت القوة الجوية السورية بالاهتمام بموضوع الدفاع الجوي السلبي لدرء المخاطر عن الاشخاص والطائرات والمعدات الاخرى في القواعد الجوية ووسائل الدفاع الجوي الايجابي منها تشييد الملاجئ الكونكريتية للطائرات وتغطيتها بالاشجار الحية كتمويه للملجأ ، ملاجئ كونكريتية للاشخاص قرب المواقع المهمة واخرى شقية منتشرة في كل ارجاء القواعد الجوية ، غرف حركات تحت الارض وربطها بشبكة مواصلات جيدة ، مكبرات صوت للانذار وسماع التوجيهات من القيادة العامة مباشرة للامور المستعجلة والمهمة ، استخدام حجب الدخان اثناء الغارات الجوية المعادية، اخلاء المواقع المهمة من العجلات والمرسلات ومستلزمات الاجهزة اللاسلكية وغير ذلك .
ط . مفارز فلق القنابل غير المنفلقة :
انتشار هذه المفارز المؤلفة من ضابط وعدد من المراتب في عموم القاعدة الجوية باجهزتها ومعداتها للكشف عن القنابل غير المنفلقة وتفجيرها . لقد قامت هذه المفارز بعمل عظيم في الاسراع باعطاء صلاحية المطار من هذه القنابل التي اعتاد العدو تلغيم القاعدة بها لشلها اثناء العمليات اطول فترة ممكنة .
ي . مفارز تصليح المدرج وطرق الدرج :
وهي عبارة عن مجاميع منتشرة حول القاعدة مؤلفة من ( قاشطات وحادلات وعجلات حمل تحوي حجر وحصى وعجلات تحوي اسمنتا سريع التصلب واسفلتا )يقودهم ضباط تخصص انشاءات للمعالجة الفورية للحفر وتاثيرات القنابل المعادية تقوم بعملها بعد التأكد من خلو الموقع منها في فترات قياسية .
ك . الوقاية الكيمياوية :
بالرغم عدم استخدام العدو للاسلحة الكيميائية واسلحة الدمار الشامل الا ان السوريين اخذوا الاحتياطات اللازمة حيال ذلك من خلال توزيع اقنعة الوقاية والادوية المضادة لعوامل الاعصاب والنابالم وغيرها .
يتبع ........