غير ان هذا الاخير واسمه نبيل جرى رصده متربصا في موقعه في دكان حلاق قرب مكتب ابو اياد ، فألقي القبض عليه وعثر معه على مسدس وجيء به إلى ابو أياد الذي صرف الحرس وجلس بمفرده معه.
وسأله :" هل حقا تريد ان تقتلني؟"
فاجاب الشاب: نعم!
لماذا ؟
لانك خائن ! فانت من زمرة الزعامة التي خانتنا"
وراح نبيل يقذف الكلام المألوف الذي حقن به أبو نضال افراده.
ووضع ابو اياد مسدسه الملقم على الطاولة ليكون بمتناول نبيل وقال له: " اذا كنت مقتنعا بأنه يجب ان اموت فاطلق الرصاص علي!"
وهنا ازاح نبيل المسدس بعيدا وانهار. لقد كان شابا صغيرا مشوشا تهاوت قناعته عندما وجد نفسه وجها لوجه امام الضحية المستهدفة. ولم يلبث ان وشى بشريكيه اللذين كشفا بدورهما عن عناوين بيوت ابو نضال الآمنة في بيروت وعن اسماء الذين يديرونها. فقامت منظمة التحرير الفلسطينية بالاستيلاء على تلك الابنية والقبض على من فيها، وتملك الغضب ابو نضال حين وجد ان هذه الممتلكات التي تقدر قيمتها بحوالي مليون دولار قد وقعت في يد منظمة التحرير .
محاولة اغتيال أبو نضال
وحين قرر ابو اياد ان يتخلص نهائيا من تهديد ابو نضال ارسل فريق اغتيال مؤلفا من 25 رجلا ليقتلوه في بغداد التي هربت اليها رشاشات ، وقنابل يدوية واجهزة اتصال لاسلكية.
وبعد مراقبة تحركات ابو نضال على مدى عدة اسابيع ، قرر الفريق نصب كمين لسيارته على احد جسور نهر دجلة الذي يمر عليه كل يوم تقريبا غير انه قبل ايام من موعد الهجوم المخطط له، رصدت المخابرات العراقية خمسة من افراد الفريق وهم يتصرفون بشكل مريب على ذلك الجسر، واقتفت أثرهم حتى مكان اقامتهم حيث القت القبض عليهم ، أما شركاؤهم الباقون فقد تفرقوا وألغيت العملية ، وحكم بالاعدام على اولئك الخمسة ، غير ان الحكم لم ينفذ ابدا وتمكن ابو اياد بعد خمس سنوات ان يؤمن الافراج عنهم . وحين سرد عليّ القصة قال لي وهو يبتسم " إن اثنين منهم هما من حراسي الشخصيين ، ولا بد انك لمحتهما وانت داخل"
وعند هذا الحد، كانت العلاقات الودية بين الرجلين تحولت الى كراهية، ووضع ابو نضال في مجلته عمودا استمر بنشره سنوات طويلة ويشير فيه الى ابو اياد على انه ( ابن اليهودية ).
في وارشو
وفي ذروة صراع الاغتيالات مع أبو اياد أصيب أبو نضال بنوبة قلبية استدعت نقله إلى السويد لإجراء عملية جراحية وقد دفع العراقيون الفواتير بسخاء . والى هذا اليوم لا يزال ابو نضال كلما سعى الى كسب العطف يبادر الى فك أزرار قميصه ليعرض آثار جراحته.
بعد عملية القلب عام 1979 لم يعد ابو نضال يستطيع أن يتحمل حرارة صيف بغداد اللافحة فاعتاد على قضاء اشهر عدة من السنة في بولونيا حيث نقل عائلته إلى دارة واسعة على بعد ستين كيلومترا خارج وارشو ، ولم يكن يزور العالم العربي إلا لماما ، وراح يتصل مع زملائه بواسطة مراسل. كانت تلك فترة نقاهه واستجمام واعادة تخندق وسمى نفسه ( الدكتور سعيد) منتحلا شخصية رجل اعمال دولي، وفي السنة الأولى من اقامته لم تكن السلطات البولونية تعرف من هو ، كان غطاؤه شركة مقرها في وارسو واسمها ( ساس sas) ولها فروع في برلين الشرقية وفي لندن ومن خلالها كان يتاجر مع شركات الدولة البولونية وكان من بين صفقات شركته هذه شراء 4 ألاف رشاش من طراز العقرب ( سكوربيون) وبما ان البولونيين كانوا يبحثون بيأس عن عملات أجنبية فقد اختاروا ان لا يدققوا كثيرا في الجهة المرسلة إليها تلك الأسلحة.
وتعود علاقة ابو نضال ببولونيا الى اتصالات كان اجراها مع السفارة البولونية في بغداد عام 1974 وعندما اخذ صراعه مع فتح يشتد ، شرع باستخدام الرشاوى وتجارة السلاح لتقوية علاقاته مع اوروبا الشرقية وفي اواخر السبعينيات اودع ابو نضال عشرة ملايين دولار في مصرف بولوني فتحسن مركزه في تلك البلاد.
استقر ابو نضال في بولونيا عام 1981 لانه لم يعد يحس بالأمان في العراق فقد أشعرته السلطات العراقية بتغير موقفها بعدد من التحركات غير الودية، واعلمته بانها لن تصدر جوازات سفر عراقية لاعضاء منظمته اعتبارا من 1 كانون الثاني ( يناير) 1981 وكان من نتيجة ذلك ان 120 من رجاله انتهت مدة جوازات سفرهم وجدوا أنفسهم يواجهون المصاعب. وفي الوقت نفسه بدأت المخابرات العراقية تراقب المحادثات في مكاتبه ببغداد ما ارغمه وزملاءه على الذهاب الى المعسكر التدريبي في الرمادي بعيدا عن بغداد كلما أرغموا في التخلص من هذه الرقابة التي تضايقهم ، وكان في ذلك ازعاج مربك لا يستهان به.
التعاون مع سوريا
ولعل هذه التطورات هي التي جعلته يأمر مساعده المقرب منه، عبد الرحمن عيسى ، بجس نبض السوريين مطلع عام 1981 لاستطلاع رأيهم حول امكان الانتقال الى دمشق. وبين كانون الثاني( يناير) وأيار( مايو) 1981 زار عيسى دمشق خمس مرات على رأس وفد صغير لاجراء محادثات مكثفة مع اللواء علي دوبا ، رئيس المخابرات العسكرية والعميد محمد الخولي رئيس مخابرات القوة الجوية ووزير الخارجية عبد الحليم خدام . كان السوريون يريدون ايضاحات مفصلة لعمليات ابو نضال في سوريا ، بما فيها محاولة اغتيال خدام، وكان لدى سوريا في السجون نصف دزينة من جماعته للاشتباه في تورطهم بالتخريب في دمشق في السبعينيات ، فأخذ عبد الرحمن عيسى من جانبه يلوم السوريين بعنف على تدخلهم ضد الفلسطينيين في لبنان وعلى سكوتهم بينما كانت ميليشات الموارنة تحاصر مخيم تل الزعتر ثم تذبح كثيرا من سكانه الفلسطينيين. ولكن الاتفاق تم في آخر الامر على ترك المستقبل يحكم على حسن نيات كل من الجانبين تجاه الآخر، فقد كانت هناك مصالح مباشرة اكثر الحاحا.
كان أبو نضال بحاجة إلى راع جديد وكان يأمل في أن يطور مع سوريا علاقة حميمة كالتي كان يتمتع بها ذات يوم مع العراق ، فأمر عيسى بان يطلب إذنا لفتح مكاتب في دمشق، أما سوريا فكان لها من جانبها غرضان من التعامل مع أبو نضال فقد رأت فيه أولا حليفا محتملا في الحرب المريرة التي كانت تخوضها ضد الاخوان المسلمين ، وهي حرب تطورت لتصبح اخطر تحد واجهه نظام الاسد حتى ذلك الحين، فقد بدأ الاخوان المسلمون حملتهم من تفجير القنابل والاغتيالات ومحاولة التمرد عام 1977 وتابعوها بلا هوادة حتى عام 1982عندما سحقهم النظام في خاتمة دامية مرعبة معهم ألوف المدنيين الأبرياء في وسط سوريا في مدينة حماة التي اتخذها المتمردون معقلا لهم.
اوائل عام 1981 عندما فاتح عبد الرحمن عيسى سوريا بالامر كانت حرب النظام ضد أعدائه في الداخل على اشدها وكانت علاقات سوريا مع جاريها العراق والاردن بلغت حضيضا لم تصل اليه من قبل لانهما كانا معروفين بتزويد الأخوان المسلمين بالأسلحة والأموال والتدريب والملاذ . وبدا ابو نضال في مركز جيد يستطيع من خلاله تقديم معلومات سرية عن نشطاء الاخوان ومؤيديهم في عمان وبغداد وكذلك توجيه الضربات لقادتهم الذين كان بعضهم يعمل من أوروبا. وكان ابو نضال يعلم كثيرا عن الاخوان المسلمين في بغداد بل كان درب بعض رجالهم في قاعدته في مدينة هيت، على بعد 300 كيلو متر شمال بغداد. وقد جاء انذاك يقترح المتاجرة مع السوريين بهذه المعلومات كلها ورأت سوريا في ابو نضال اداة مفيدة لردع اطراف عربية أخرى من بينها ياسر عرفات عن عقد اتفاق منفرد مع اسرائيل، فقد كان الاسد يتنازع حول هذه القضية طيلة العام ، كان يخشى انه اذا تفاوض الاردن ومنظمة التحرير على سلام منفصل مع اسرائيل فستصبح سوريا معزولة ويتعرض امنها للتهديد، وكان الاسد يعتقد ان السلام الوحيد الذي يستحق ان يقام مع اسرائيل هو التسوية الشاملة التي تنسحب فيها اسرائيل من جميع المناطق العربية التي استولت عليها عام 1967 وان الطريقة الوحيدة لجلب اسرائيل الى مائدة المفاوضات هي ان يقف الفلسطينيون والاردن ولبنان وسوريا ويواجهوا اسرائيل كتلة موحدة. وكان تجنيد رجل اغتيالات مشهور مثل ابو نضال طريقة للضغط على زعيم منظمة التحرير والعاهل الاردني معا للقبول بالقيادة السورية .
لكن السوريين كانوا اشد حذرا من العراقيين بكثير في تعاملهم مع ابو نضال. كان احمد حسن البكر احتضنه واقامه على رجليه ليشتغل ومكّنه من الوصول الى التسهيلات العراقية، اما الاسد فقد رفض مقابلته واصر على ان تظل العلاقة ضمن حدود المخابرات بشكل شديد الاحكام على ان تتم مراجعتها على فترات.
وفي هذه الاثناء لم يكن ليسمح لمنظمة ابو نضال بنشاط سياسي مكشوف ولا بمعسكر للتدريب وتنحصر العلاقات معها بمخابرات القوى الجوية التابعة لمحمد الخولي، وليس بمخابرات على دوبا العسكرية التي تتعامل مع جميع الفصائل الفلسطينية الاخرى، ولم يتأثر الاسد برسائل التملق التي بعثها اليه ابو نضال.
سوريا ترحب
في الزيارة الرابعة لدمشق ، قدم عبد الرحمن عيسى للسوريين ورقة عمل من صفحة ونصف الصفحة ، وقعها ابو نضال تحدد الخطوط الاساسية لتفاهم الطرفين المأمول، فوعد السوريون بالرد عليها وبعد شهر، في زيارة عيسى الخامسة في ربيع عام 1981 استدعي مع وفده الى مكتب محمد الخولي، حيث استذكر عيسى فيما بعد ، الاستقبال الحار الذي لقوه واعلن لهم محمد الخولي " لقد قررت قيادتنا ان تكون سوريا بلدكم فاهلا بكم فيها! انتقلوا الى هنا كما تشاؤون وعندما تشاؤون، ولكنني اود ان اقترح ان يظل وجودكم في بادئ الامر سرا، ودعونا نأمل ان تتطور العلاقة بيننا من قوة الى قوة ".
وفي هذا المناخ الودي، قام ابو نضال بزيارته الاولى الى دمشق في 11 حزيران ( يونيو) 1981 ولسروره الكبير استقبله العميد الخولي على الحدود العراقية – السورية، واصطحبه الى دمشق في زيارة استغرقت خمسة ايام. لقد اصبح ابو نضال تحت الرعاية السورية رسميا وترك عيسى ليبحث عن شقق مناسبة ، مناشدا ابو نضال ان يقدم له اموالا لشراء بناية من خمسة طوابق في حي الشعلان بدمشق. وانتقل عيسى الى غرفة صغيرة في الطابق العلوي مع زوجته واطفاله وتقاسم باقي البناية مع اعضاء المنظمة حتى عثر لهم محمد الخولي على شقة.
وسرعان ما سمح لعيسى باقامة اتصال لاسلكي من مقر القيادة في بغداد وساعده السوريون كذلك على مراقبة اتصالات ( فتح) اللاسلكية، وسمح لاعضاء المنظمة بحمل اسلحة خفيفة لاغراض الدفاع عن النفس ثم تم الحصول على مبان وسيارات اخرى. وجيء باعضاء اخرين.
كان هنالك الكثير مما يتعين عمله في ميادين الادارة الداخلية والاتصال بالسفارات العربية والاجنبية ونشر الخبر في المخيمات الفلسطينية والاتصال مع اعضاء المنظمة في لبنان والاردن ، وطبعا البدء في العمل الاستخباري وفتح مكتب فرعي في درعا قرب الحدود السورية – الاردنية لتشغيل العملاء وتهريب الاسلحة من خلاله الى داخل الاردن.
وارسلت مجموعة من المجندين الصغار الذين تتراوح اعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة الى العراق للتدريب. وفي تشرين الثاني ( نوفمبر) 1981 فتحت المنظمة وكالة عقارية بدمشق كغطاء للحصول على شقق ومكاتب مناسبة ، وفي كانون الاول ( ديسمبر ) اشترت شاحنتين ثقيلتين للعمل على طريق بغداد – دمشق وسيارة شحن مبردة للعمل على طريق عمان – دمشق كاستثمارات تجارية يمكن عند الحاجة استعمالها لاغراض اخرى. وعند نهاية عام 1981 كان لدى ابو نضال120 شخصا متفرغا كاملا للعمل في سوريا ولبنان .
الطرد النهائي من العراق
وعلى الرغم من ان العراقيين لم يعجبهم تنامي ارتباط ابو نضال مع سوريا فقد ظلت علاقتهم به مستمرة تجر اقدامها بتثاقل حتى عام 1983 وكانت القشة الاخيرة التي قصمتها هي عملياته الدموية ضد دولة الامارات واحدة من ممولي العراق في الحرب مع ايران بينما كان ميناء العقبة الاردني اصبح شريان حياته الذي يصله بالعالم ، فتعرض العراق للضغط كي يقطع صلته بأبو نضال دفعة واحدة والى الابد.
وفي 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1983 استدعي ابو نضال وكان في زيارة قصيرة الى العراق ومعه اثنان من كبار مساعديه لمقابلة طارق عزيز وزير خارجية العراق على وجه السرعة وكان عزيز فظا معهم على غير المعتاد فاعلن : لقد ناقشت قيادتنا وجودكم هنا، وقد استنتج الرئيس صدام انكم اصبحتم عبءا خطرا علينا فلم تراعوا اتفاقاتنا اذ بينما نحن مشتبكون في حرب قومية هاجمتم حلفاءنا. ان امام منظمتكم اسبوعا واحدا من هذا اليوم كي ترحل " ثم استدار الى ابو نضال واشار اليه باصبعه بفظاظة واخزة وقال: " اما انت ، فيجب ان تغادر العراق في الدقيقة التي تخطو فيها خارج هذا المكتب".
وقد اشعل هذا الطرد المهين غضب ابو نضال وبما انه معتاد على التحامل فقد شحن نفسه بكراهية مسعورة ضد طارق عزيز الذي راح يتهمه في مطبوعاته فيما بعد بالتواطؤ مع البابا لتدمير العرب ، ولقد كان ابو نضال يتوقع الطرد قبل ذلك باشهر، وقد بقي في الخارج عمدا لفترات متطاولة حتى لا يكون في بغداد عندما يأتي خبر الطرد ولكن العراقيين انتظروا عودته بمكر ودهاء كي يصدروا الامر له بشخصه .
فبالإضافة الى التلذذ باذلاله ربما يكونون قد خافوا انه اذا كان غائبا عن بغداد فقد يأمر رجاله بالقتال قبل ان يغادروا. كان العراقيون يعرفون انه قادر على التضحية برجاله ما دام هو نفسه سالما .
وفي المنطقة المحيطة بمعسكره في الرمادي ، كانت منظمته كسبت كثيرا من الاصدقاء العراقيين بتقديم خدمات محلية كثيرة كتحسين امدادات الماء والكهرباء، وفي ايام الاعياد كان اثنا عشر الفا يحضرون الاحتفالات في المعسكر وكان هذا سبب خشية العراقيين من ان الامر اذا وصل حد المواجهة فقد يتم تجنيد وتسليح بعض هؤلاء، فاثناء استعار أوارالحرب مع ايران كانت حتى الانتفاضة الصغيرة قادرة على تعريض النظام لضرر جسيم .
وسرعان ما اكملت المنظمة مغادرتها تماما وبيع الاثاث من البيوت والمكاتب المختلفة وشحن نصف الاسلحة من معسكر التدريب الى سوريا لتخزينها واعطي الباقي للعراق كمساهمة في مجهوده الحربي. وسمح العراقيون لابي نضال بالاحتفاظ بمكتب صغير يديره اثنان من ذوي الرتب المنخفضة لمعالجة القضايا التي تخص الاعضاء المسجونين في العراق وعوائد الذين ماتوا هناك وهم في خدمة المنظمة .
وكان ابو نضال من الجرأة بحيث أنه شكا عند طرده أن العراق مدين له بخمسين مليون دولار تعويضا عن الاملاك التي تخلى عنها، على الرغم من ان معظمها في الحقيقة كان تم شراؤه باموال عراقية. وفي بلاغات عديدة معظمها صدرت من عام 1983 الى عام 1987 تابع اطلاق رشقات من الطعن تهاجم بغداد بسبب الاموال التي ادعى انها ( مدينة) له بها . ولقد كان صحيحا انه ادخل تحسينات عظيمة على قطعة ارض اعطاه اياها العراقيون عند هيت في الشمال. وقال احد اعضاء منظمته " انها كانت افضل قطعة ارض تمت تنميتها وتطويرها في البلاد كلها". ولكن كان من الفواجع المؤلمة على اية حال ان العراقيين وجدوا فيها عندما استعادوها الى جانب التحسينات جثث ستة وعشرين قتيلا تحت الاشجار ، هي بقايا الاعضاء الذين اغتالهم.
الحرب ضد الأردن
ادى الطرد من العراق الى جعل منظمة ابو نضال تركز انتباهها وامالها على سوريا فتدفق اعضاؤها على سوريا ومعظمهم متخف باسم مستعار زاعمين انهم مواطنون عرب عاديون يحبون ان يستقروا هناك. بل ان الاعضاء الذين تفرقوا في اوروبا الشرقية اثناء سنوات التوتر مع العراق جاؤوا الى دمشق واقاموا بيوتا فيها مع اسرهم ، وكان من سياسة سوريا ان تسمح لحملة جوازات السفر العربية ان يقيموا فيها اذا شاؤوا .
وفي بادئ الامر قرر السوريون ان المنظمة تستطيع ان تستأجر عددا محدودا فقط من البنايات ولكن مثل هذه القيود سرعان ما طرحت جانبا ، وكانت خطط ابو نضال هي الحصول على شقق للسكن الخصوصي ومن ثم تحويلها الى مكاتب دون ان توضع عليها اشارات او يقف على بابها حراس. وفي آخر الامر راح ابو نضال يشتري بيوتا وشققا غالبا ما كان يسجلها باسماء زوجات اعضاء منظمته، وبهذه الطريقة استطاع تأمين اربعين مكتبا ومئة شقة بالاضافة الى مزارع تقع في الضواحي، وتم توسيع مركز المنظمة الرئيس في حي الشعلان بدمشق ليضم سجنا ووحدة فنية مسؤولة عن تزوير جوازت السفر الاجنبية وغيرها من الوثائق ومكاتب مديرية المخابرات حيث اخفيت الاسلحة في تجاويف الجدران او تحت الارضيات ،
وكانت دائرة بث تلفزيوني مغلق تؤمن رقابة دائمة على الشوارع المحيطة بالبناية ، وبالاضافة الى ذلك تم شراء مطبعة لتطبع فيها الكراسات والمجلات ، وتم امتلاك وكالة اسفار بطريقة سرية لحجز الرحلات الجوية واصدار بطاقات السفر جوا للاعضاء وبدات وكالة عقارات ترعى مصالح ابو نضال العقارية الاخذة في التوسع واستخدمت وكالة انباء تدعى دار صبرا كغطاء لتجميع المعلومات الاستخبارية لكن السوريين في هذه المرحلة لم يسمحوا للمنظمة بفتح معسكرات للتدريب ولا كانوا مستعدين للمساعدة في التدريب ولا كانوا مستعدين للمساعدة بالسلاح والمخازن العسكرية ( وكان ذلك يتناقض مع معاملتهم للفصائل الفلسطينية الاخرى ولا سيما جبهة احمد جبريل الشعبية لتحرير كبيرة) ولم يقدم له السوريون اموالا بل كان العكس هو الصحيح فلكي يسهل ابو نضال دخوله الى سوريا رتب عملية تقديم هدايا من السيارات والبنادق الجميلة المزخرفة لكبار الضباط والمسؤولين في سوريا مع دعوتهم بكرم حاتمي الى افخر الفنادق واثناء غياب ابو نضال في بولونيا كان هذا التوسع في الحياة السورية بادارة عبد الرحمن عيسى رئيس مخابرات المنظمة .
وكما رأينا فإن كانوا مهتمين بصورة رئيسية باستخدام ابو نضال داخليا ضد الاخوان المسلمين وخارجيا ضد الملك حسين وياسر عرفات اللذين ادت مبادرتهما على ما يسمى ( جبهة السلام) الى جعل الاسد عصبيا. ولكن الاخوان المسلمين كانوا دحروا عند حلول ربيع عام 1982 ولم تعد خدمات ابو نضال ضدهم مطلوبة ، فاصبح الملك حسين هو الهدف الرئيس وبتشجيع من السوريين ، خاض ابو نضال حربا ارهابية ضد الاردن استغرقت ما يقرب من عامين من تشرين الاول( اكتوبر) 1983 الى صيف 1985 وكانت تلك هي الخدمة الحقيقة الكبرى التي قدمها للسوريين.
-------------